تنميط و تسويق
قد تخفي الاعلانات آلام شرائح عديدة من المجتمع ، سواء كانوا جزءاً أصيلا من نسيج الشعب أو حتى وافدين عليه بشكل مؤقت، إذ تستخدم الاعلانات عناوين تستدعي صورا نمطية لدى المتلقي، من نوعية مطلوب نوبي للتوظيف ، أو مطلوب فتاة محجبة ، أو مطلوب سكرتيرة حسناء، وغير ذلك. هنا يلعب المعلن لعبة مضمونة حين يخاطب صورة نمطية عن فئة من المجتمع، فيضمن جذب هذه الفئة إلى إعلانه ، وفي المرحلة التالية يراهن على أن يظل من جذبه الاعلان أسيرا لتلك الصورة النمطية إلى الأبد، فالحسناء عليها أن تظل حسناء مادام ذلك شرط الوظيفة، والمحجبة قد تفقد وظيفتها إذا ما خلعت الحجاب.
قد تخفي الاعلانات آلام شرائح عديدة من المجتمع ، سواء كانوا جزءاً أصيلا من نسيج الشعب أو حتى وافدين عليه بشكل مؤقت، إذ تستخدم الاعلانات عناوين تستدعي صورا نمطية لدى المتلقي، من نوعية مطلوب نوبي للتوظيف ، أو مطلوب فتاة محجبة ، أو مطلوب سكرتيرة حسناء، وغير ذلك. هنا يلعب المعلن لعبة مضمونة حين يخاطب صورة نمطية عن فئة من المجتمع، فيضمن جذب هذه الفئة إلى إعلانه ، وفي المرحلة التالية يراهن على أن يظل من جذبه الاعلان أسيرا لتلك الصورة النمطية إلى الأبد، فالحسناء عليها أن تظل حسناء مادام ذلك شرط الوظيفة، والمحجبة قد تفقد وظيفتها إذا ما خلعت الحجاب.
على أرض الواقع لا يحمل المعلن وحده ذنب تنميط الآخرين، بل قد ترسم بعض الفئات في المجتمع صورة نمطية عن نفسها تبرز قيم الصبر والقوة والأمانة ، ما يضمن لها مكانا في سوق العمل، وعلى الأجيال المتتالية أن تحافظ على تلك الصورة النمطية حتى يحتفظ القادمون بنفس السمعة المكتسبة. و في حالات أسوأ قد لا يكتفي المجتمع بالتنميط ، بل أحيانا ما يقوم بوصم فئات من المجتمع لنفس الأهداف التنافسية، فالشاب الخجول قد يكون هدفا لإعلان يكرس حالة الوصم تجاهه ويزيد من السخرية منه ، على أن يكون طوق النجاة لهذا الشاب في منتج يرفع عنه الوصم ، ويجعله رجلا كاملا . لذا ليس من المستهجن أن يكون أحد أشهر العناوين الملفتة في إعلانات الحائط بشوارع المدينة : مطلوب شباب بدون خبرة ، ففي هذه الحالة يأتي الشاب إلى وظيفة تتعامل معه كموصوم ، فيصبح في وضع لا يسمح له بمزيد من المطالب .
**
عبدالرحمن مصطفى
يجلس عبدالستار
بازرباشى اللاجئ السورى الذى وفد إلى مصر قبل ثلاثة أشهر فقط إلى جوار عزت قاسم ــ
مصرى الجنسية ــ صاحب المتجر المجاور فى مساكن عثمان، على أطراف مدينة 6 أكتوبر،
يروى كل منهما عن المعاناة التى يتعرض لها الساكن فى هذه المنطقة قرب طريق
الواحات، مع غياب الخدمات وانقطاع وسائل المواصلات، فمساكن عثمان ما هى إلا بلوكات
سكنية شعبية كانت قد وفرتها الحكومة لبعض المصريين الذين فقدوا منازلهم. يوقف
عبدالستار بازرباشى حديثه ثم يسأل: «ماذا تريد أن تعرف تحديدا؟ بالتأكيد جئت تسأل
عن زواج السوريات من المصريين هنا!». اختار «بازرباشى» اللجوء إلى مصر قادما من
دمشق، وترك عمله الأصلى كمدرس للغة العربية، هربا من طلقات الرصاص التى أصابت
زوجته قبل انتقالهما إلى مصر. «اخترنا هذا البلد لأن موقفه واضح من القضية
السورية، على عكس دول خليجية تدعم الجيش السورى الحر بالمال فقط، لكنها لا تستقبل
لاجئا واحدا من سوريا». هذه الكلمات اللبقة تخفى مرارة ما يواجهه مع أسرته حين
يستوقفهم أحد المارة ليسأله: هل تعرف فتاة سورية تقبل الزواج؟
هذا الموقف
يتعرض له سوريون آخرون منذ شهور فى هذه المنطقة، بعد تعمد وسائل الإعلام وبعض
الحقوقيين التلميح إلى أن هناك سوقا رائجة للزواج من اللاجئات السوريات فى مصر،
وقد صنع الإلحاح على هذه الصورة كرة ثلج اتسع قطرها بمرور الوقت، دفعت مواقع
الإنترنت إلى الاهتمام بصورة إعلان مغمور يصب فى نفس الفكرة، يقول الاعلان: «لدينا
أخوات ملتزمات، ومحجبات، ومنتقبات، وسوريات». مثل هذا الإعلان أثار جدلا حول
استغلال أوضاع اللاجئين السوريين فى مصر، وهو ما اضطر محمد عفيفى صاحب الإعلان إلى
إغلاق هواتفه لعدة أسابيع، ورفض جميع الاستفسارات الهاتفية حول وجود سوريات لديه.
وفى النهاية يعلق قائلا: «لم أكن أعلم أن الإعلان قد وصل إلى الإنترنت، فنحن وسطاء
زواج للمحجبات والمنتقبات المصريات بالأساس»، وذكر صاحب الإعلان أن بعض الشباب
البائس كان يسمع من شيوخ المساجد عن أسر سورية فى حالة مزرية تطلب الدعم المادى،
فما كان من البعض إلا أن فكر فى استغلال الموقف، والسعى إلى الارتباط بفتاة منكسرة
ذات مطالب قليلة.. هل نجح فى تزويج فتيات سوريات لمصريين؟ على حد عبارته: «لا لم
أفعل ذلك».
فى ظل هذا الهوس
تحولت منطقة مثل مساكن عثمان فى مدينة 6 أكتوبر إلى محط أنظار كثيرين، هنا يعود
الحديث مرة أخرى إلى عبدالستار بازرباشى فى مساكن عثمان، وينضم إليه الشاب السورى
أحمد عبدالواحد الذى علق بعصبية قائلا: «الإعلام صوّر منطقة مساكن عثمان على أنها
منطقة مستباحة لراغبى الزواج من السوريات، هذه أوهام، ليس الأمر بتلك البساطة، أنا
شاب سورى أعزب، ولم أفكر فى الزواج بهذه الطريقة من ابنة بلدى». يتوقف قليلا ثم
يضيف بلهجة مصرية: «إحنا فـ إيه ولا فـ إيه؟!». هذه النبرة لم تمنعه من أن يشير
إلى محاولات ما زالت تجرى لاصطياد الفتيات السوريات، ويروى قائلا: «فى المسجد
المجاور خرجت بعض النساء بعد صلاة العشاء، وسألننى نفس السؤال المكرر: هل أمامك
فتاة سورية يمكننا أن نوفر لها زوجا؟». هذا الموقف يؤكد استمرار وجود من أسماهم
بالسماسرة، يظهرون على فترات متباعدة، على عكس آخرين يوجهون هذه الأسئلة بشكل عفوى
دون هدف تجارى.
يعلق أحد
النشطاء السوريين المقيمين فى مصر ــ تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية ــ بقوله:
«أعتقد أن الصخب المفتعل حول استغلال السوريات فى مصر هو نتيجة تصفية حسابات بين
تيارات سياسية وتيارات دينية منخرطة فى العمل الخيرى بمصر، البعض مثلا روّج على
الإنترنت قبل أشهر أن الشيخ خالد عبدالله دعا إلى زواج السترة بالسوريات، وهو ما
نفاه الرجل تماما، أما الضحية الوحيدة فكانت سمعة النساء السوريات، بعد تصويرهن
كسلعة تباع وتشترى، على عكس الواقع.. نحن نحافظ على كرامتنا فى مصر مثلما حافظنا
عليها فى سوريا».
يختم الناشط
السورى تعليقه بإضافة سيناريو آخر عن أن هناك من المحسوبين على نظام بشار الأسد من
يتعمد تضخيم فكرة استغلال السوريات وتزويجهن تحت الإكراه، وهدفهم إرهاب السوريين
فى الداخل حتى لا يفكروا فى اللجوء إلى دول مجاورة.
..
الشيخ شعراوى
يغلق الهاتف
بعيدا عن هذه
السيناريوهات، فإن الأمر يبدو أكثر عفوية فى عدد من المساجد التى ساهم بعض شيوخها
فى التوسط بين عائلات سورية وشباب مصرى فى نطاق محدود، هذا ما جرى فى أحد مساجد حى
إمبابة الشعبى، حين تقدم شاب وطلب الارتباط بفتاة سورية، وبحكم علاقة شيخ المسجد
ببعض أسر اللاجئين فى مصر، فقد توسط لدى أسرة سورية، على أن يقدم الشاب تبرعا
ماليا للمسجد، غير أن الزيجة لم تتم، بسبب توقعات العائلة السورية بأن يكفل العريس
المصرى هذه الأسرة طوال فترة إقامتهم فى مصر، ورغم هذا الموقف إلا أن أحدا لا يرى
شيئا مستهجنا فى تصرف شيخ المسجد، إذ إن الزواج عن طريق المساجد أمر مألوف لدى
كثير من الشرائح الملتزمة التى تنتظم فى حضور الشعائر والأنشطة الاجتماعية.
«طوال الأشهر
الماضية كانت تأتينى مكالمات من نوعية: هل فيه سوريات للزواج؟ فأغلق سماعة الهاتف
فورا». العبارة للشيخ عادل شعراوى رئيس مجلس إدارة مسجد الخلفاء الراشدين بمدينة 6
أكتوبر التابع للجمعية الشرعية. هو نفسه قد اتهمه البعض بأنه متزوج من سوريات بحكم
تحكمه فى التبرعات، ما جعله يشعر أنه بصدد حرب شرسة على الجمعية الشرعية فى رعاية
اللاجئين بمدينة 6 أكتوبر، ويعترف بأن هناك أخطاء قد حدثت، مثل التعاون مع شخصيات
سورية تبين فيما بعد أنها غير أمينة فى تعاملاتها، لكن هذه الأخطاء صنعت مادة
إعلامية استخدمت ضد الجمعية الشرعية فى 6 أكتوبر.
وبحسب أرقام
الشيخ عادل شعراوى فإن منطقة مساكن عثمان وحدها تضم 300 أسرة سورية تم تسكينها عن
طريق مسجد الخلفاء الراشدين فى شقق سكنية يتكلف إيجارها 200 جنيه مصرى، ويعلق
قائلا: «كنا سنغلق باب التبرعات للسوريين بسبب المشكلات المتتالية، سواء حين
تعاملنا مع أشخاص غير مسئولين داخل الجالية، أو بسبب التشنيع الإعلامى، لكن هنا
أريد أن أوضح أننا لسنا وسطاء زواج، ولسنا مسئولين عن أى صفقة تزويج خارج المسجد
بين الأسر التى تفد علينا يوميا طلبا للمساعدات، أثناء جلوسهم أمام المسجد».
كان عدد من
مساجد الجمعية الشرعية قد رفع لافتة تنفى إمكانية التوسط لدى أى أسرة سورية فى
أمور الزواج، وكذلك سبقهم مسجد الحصرى فى نوفمبر الماضى حين أصدر بيانا ينفى
مسئوليته هو الآخر عن تزويج السوريات، وذلك بعد أن استغل البعض أماكن تجمع
السوريين أمام المساجد لغرض الوصول إلى فتيات سوريات فى ظروف اقتصادية سيئة، ورغم
ذلك استمر الجدل فى الإعلام والأوساط الحقوقية حتى أيام قليلة مضت.
..
غجر مدينة نصر
ومع كل تلك
الضغوط، يحاول أبناء الجالية الدفاع عن أنفسهم بمحاولات مثل ما قام به البعض من
تقديم بلاغ إلى السلطات المصرية عن مجموعات ادعت أنها من اللاجئين السوريين، يعيش
أفرادها فى خيام بمنطقة مدينة نصر، وينتمون إلى «الغجر»، بعد أن قاموا بالاحتيال
على أهل الخير وباعوا التبرعات العينية بمساعدة مصريين. أما آخر الضربات التى مثلت
ضغطا نفسيا شديدا على اللاجئين السوريين فقد كانت فى المذكرة التى تقدم بها
الاتحاد العالمى للمرأة المصرية بهولندا إلى الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، من
أجل وقف زواج السوريات اللاجئات بمصر من الشباب المصرى مقابل 500 جنيه للزوجة،
وقالت المذكرة إن هناك نحو 12 ألف حالة زواج خلال العام الماضى تمت بهذه الطريقة،
ولم يكشف الاتحاد عن مصادر هذه الأرقام حتى الآن، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل
أرسل المجلس القومى للمرأة مؤخرا، خطابين إلى وزيرى الداخلية والعدل، مطالبا
إياهما بالعمل على وقف ظاهرة زواج المصريين من اللاجئات السوريات، وعدم استغلال
ظروفهن المعيشية السيئة، مشيرا إلى المذكرة السابقة وما تحمله من أرقام. ويوضح
محمد عبدالسلام، المتحدث الإعلامى للمجلس القومى للمرأة، أن موقف المجلس القومى
للمرأة كان فقط فى الإشارة إلى الأرقام المذكورة فى مذكرة الاتحاد العالمى للمرأة
المصرية بهولندا، وليس تبنى هذه الأرقام كنتائج نهائية، ويضيف قائلا: «كنا قد
أتحنا الخط الساخن بمكتب شكاوى المرأة فى المجلس، لتلقى شكاوى اللاجئات السوريات
فى حالة إجبارهن على الزواج، وطوال عدة أسابيع مضت لم نتلق شكوى واحدة.. مثل تلك
الزيجات فى الأغلب يتم باتفاق، ورضا بين الطرفين». وعلى الرغم من نفى العديد من
السوريين أن يكون زواج السوريات من مصريين ظاهرة حقيقية، فإن الدليل الحقيقى على
غياب مصداقية هذه الأرقام يبقى فى تفاصيل الأرقام نفسها. إذ تسجل المفوضية العليا
لشئون اللاجئين لديها 50 ألف سورى، نصفهم من الإناث، وثلث هؤلاء الإناث فقط هن فى
سن الزواج، أى نحو 8 آلاف سورية لسن كلهن عازبات، وعلى الرغم من أن تقديرات
الحكومة المصرية لأعداد السوريين فى مصر ترفع الرقم إلى 100 ألف نسمة، فإن رقم 12
ألف حالة زواج سوريات من مصريين حسب تلك المذكرة، لا يوائم نسبة السوريين فى مصر،
لذا تثير هذه الأرقام حفيظة الكثيرين، خاصة مع إعلان وزارة العدل مؤخرا عن أن
تعداد حالات زواج المصريين من السوريات بشكل رسمى لم يتعد 170 حالة، منذ بداية عام
2012 وحتى 31 مارس 2013. ووسط كل ذلك يخفت صوت اللاجئ السورى، أمام مبالغات
إعلامية وحقوقية، تزيد من الأعباء النفسية التى يواجهها، وتزيد من اغترابه فى داخل
المجتمع المصرى.
**
مطلـــــــــوب
نوبــــــــــــى للتوظيــــــــف
فى أحد شوارع حى
الزمالك بالقاهرة، ترك أحدهم إعلانا على واجهات السيارات المركونة، كتب فيه: نتشرف
بتوفير جميع أنواع العمالة النوبية من نوبة مصر، بالوظائف التالية: سائق، سفرجى،
طباخ، حارس، مزارع، وفى أسفل الإعلان رقم هاتف للتواصل. وتلقى عدة مكالمات من بينها
مكالمة لغرض مختلف تماما. «اتصل بى أحد الإخوة النوبيين، يعيب علىّ صيغة الإعلان،
واعتبره مهينا للنوبيين..!». يشرح ضياء حسن ــ صاحب الإعلان ــ رد الفعل الذى
تلقاه مؤخرا، ويستكمل قائلا: «فكرة الإعلان عفوية جدا، وكل هدفى هو أن أساعد من لا
يجدون عملا من معارفى ومن أقاربى النوبيين، وأن أوصلهم إلى أرباب العمل». يعمل
ضياء حسن (36سنة) سائقا محترفا منذ سنوات طويلة، وقضى 12 سنة سائقا خارج مصر فى
دولة الإمارات، حيث عمل داخل قصر تملكه إحدى العائلات الشهيرة، وهناك توزع بعض
أقاربه على عدة وظائف داخل القصر، فى حين كان هناك من أفراد عائلته أيضا من يعمل
فى قطاعات أخرى فى الدولة بعيدا عن المهن المنزلية.
«فكرة الإعلان
جاءتنى من العائلة التى أعمل سائقا معهم الآن، إذ رأوا أننى أسعى طوال الوقت لخدمة
أقاربى ومعارفى، فاقترحوا أن أكتب إعلانا لتسهيل الحصول على فرص توظيف، واستجبت للفكرة
لأنى ذقت من قبل مرارة فقدان وظيفتى والبحث عن عمل».
لا يرضى نشطاء
نوبيون عن هذا النوع من الإعلانات المنشورة فى الصحف اليومية أو على الإنترنت، ومن
أشهر عناوينها: «مطلوب سائق نوبى»، «مطلوب سفرجى نوبى».
فى أحد المواقع
الساخرة كتب الناشط النوبى مازن علاء الدين مقالا يشرح سر العنوان الشهير: مطلوب
سفرجى نوبى، وذكر أن بداية اقتراب شريحة من النوبيين إلى مثل تلك الوظائف المنزلية
كان فى بدايات القرن الماضى بعد بناء خزان أسوان حين بدأت ما وصفه بالمأساة
النوبية، إذ فقد أصحاب أراضى النخيل ممتلكاتهم، بعد أن كان النوبيون فى وضع أفضل
من كثير من الفلاحين المصريين الذين وقعوا آنذاك تحت تسلط الباشوات الإقطاعيون.
اضطرت شريحة بسيطة من أبناء النوبة إلى المجىء إلى القاهرة والإسكندرية بعد هذه
الأزمة مع مؤهلاتهم الضعيفة، وضعف اللغة العربية، واضطروا إلى العمل فى مهن بعينها
مثل الحراسة والطبخ والقيادة، وفى وقت لاحق استمر البعض فى هذه المهن لوجود سمعة
طيبة للنوبيين. لكن الناشط النوبى لا يخفى مرارة فى كلماته حين يكتب قائلا: «مازال
النوبى فى عيون المصريين الأسود البربرى السفرجى، ومازالت النكت علينا كما هى
ببواختها، ومازالت قنوات التلفزيون الرسمى لا يوجد بها مذيع أسود ولا برنامج
بلغتنا، ومازال كل هذا العبث، لا يجد رادعا قانونيا له».
هذه الإعلانات
هى التى تثير شجن بعض النشطاء النوبيين.. وأحيانا ما تحمل هوية أوسع حين تتبدل
كلمة نوبى بأسوانى، وهذا ما فعله طارق عيد (31 سنة) وإعلان نشره على الإنترنت طلبا
لوظيفة سائق، استعرض فيه خبراته السابقة، مبرزا هويته كأسوانى فى واجهة الإعلان.
«فى حقيقة الأمر أنا لست نوبيا، أنا أسوانى من إدفو، وإن كان أهلى وجيرانى
نوبيين!». جاء طارق إلى القاهرة قبل سنوات، وعمل سائقا مع أحد قيادات وزارة
الداخلية، حيث لا شىء يشغله سوى العمل، ويكاد لا يرى أهله فى إدفو سوى فى
المناسبات فقط. ما يميزه عن كثير من أقرانه القاهريين، على حد قوله، هو الالتزام
بالمواعيد، أو حسب عبارته «مفيش لف ولا دوران، ولا حجج زى معلش أصلى تعبان شوية،
ولا راحت عليا نومة، ولا مراتى بتولد!»، هذه الانطباعات هى التى وصلته من زبائنه.
وبالعودة إلى ضياء حسن الذى وزع إعلانه فى حى الزمالك، فإنه قد أفصح عن أن هناك
مجتمعات مغلقة تعمل معا لدى أسر بعينها فى البلدان الخليجية التى تفضل العمالة
النوبية لأمانتها وحفاظها على أسرار المنزل، لذا يحدث أن تتوزع مهام عائلة كاملة
على أعمال المنزل بين سائق ومزارع وطباخ..الخ. وهناك من يريد المساعدة بنشر
إعلانات فى المنتديات النوبية على الإنترنت أو فى داخل الجمعيات النوبية لدعم
أعضائها من أبناء القرية الواحدة، أيا كانت تلك الوظائف.
قبل سنوات كانت
قد أثيرت قضية أخرى تخص النوبيين، حين ظهرت إعلانات تطلب موظفين نوبيين للعمل فى
مكاتب الصرافة، وظهرت انتقادات ضدها رأت فيها تمييزا لصالح شريحة من المواطنين،
ورأت أن مثل تلك الإعلانات لا تحقق المساواة ولا العدل، واختفت بعدها تماما..
ويذكر مصطفى عبدالقادر ــ الباحث فى التراث والتاريخ النوبى ــ هذا المثال كحالة
أخرى تربط التوظيف بالسمعة النوبية الشهيرة المرتبطة بالأمانة والالتزام، وقد خلقت
هذه السمعة الطيبة فرص عمل فى مجال العمالة المنزلية فى دول الخليج.
على أرض الواقع
فإن كثيرا من العاملين فى مجال السياحة بمحافظة أسوان قد خذلهم الموسم الماضى، حين
فوجئوا فى أعياد الكريسماس بأن نسبة الإشغال فى الفنادق لم تتجاوز 20%، وانخفضت
نسبة الحركة السياحية إلى 10% على مدى عام 2012 حسب تصريحات مسئولين حكوميين، وهذا
على عكس سنوات سابقة قبل الثورة وصلت فيها نسبة الإشغال إلى 100% فى مناسبات مثل
الكريسماس ورأس السنة، وهو ما دفع من كانوا يحترفون العمل فى قطاع السياحة إلى
السفر والعمل فى دول الخليج، حسبما يصف طه حسين (28 سنة) الذى درس السياحة
والفنادق فى أسوان، ثم نشر مؤخرا إعلانا على أحد مواقع التوظيف تحت عنوان: شاب
مصرى من النوبة يطلب العمل كسفرجى أو عامل مشروبات أو عامل نظافة أو حارس عقار.
سافر أغلب
أصدقائه إلى الخليج للعمل، أما هو فيبحث عن عمل شريف، على حد قوله، ولا خجل فى أن
تتصدر هويته النوبية إعلان طلب الوظيفة، ويقول: «النوبى لا يحتاج إلى فيش وتشبيه،
انتماؤه وحده يكفى». يتحدى طه أن يجد المتابع لصفحات الحوادث، جريمة سرقة أو قتل
ارتكبها أحد العمال النوبيين، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم ينس ذلك الجدل الذى لفت
نظره فى أحد المنتديات النوبية أثناء رحلة بحثه عن وظيفة حول أن هذه الإعلانات
تسىء للنوبيين، لكنه لا يبدى اهتماما ويحسم حديثه قائلا: «لا أهتم بهذه
الانتقادات، فبعض أصحاب الأعمال يفضلون الصعايدة فى بعض مهن البناء، ولا أحد يتحدث
عن ذلك.. أنا أعيش الواقع وأستغل ميزة لدىّ، وهى أنى نوبى».
No comments:
Post a Comment