كان القطار يمر من هنا وسط زروع ونخيل، قبل تعمير المنطقة وإنشاء خط مترو الأنفاق المتجه إلى المرج فى نهاية الثمانينيات، فحلت محل الأشجار ببنايات عشوائية، وحل محل الدواب «بتوتوك» طائش يخترق عزبة النخل بلا هوادة طوال الليل والنهار. «عزبة النخل الغربية هى الأصل، لكن الناحية الشرقية أقرب إلى أن يكون جزءا من حى عين شمس». يلخص أحد الأهالى الوصف الجغرافى للمكان، وفى تلك النقطة تحديدا أمام بوابة محطة مترو عزبة النخل، يبرز فى واجهة الحى مسجد تحت الإنشاء على بعد أمتار من كنيسة العذراء مريم فى شارع الفريد. ويتكرر هذا المشهد مرات عديدة فى أرجاء عزبة النخل الشاسعة.
يقع الباحث عن نسبة المسيحيين والمسلمين داخل الحى فى مأزق غياب أرقام دقيقة عن سكان الحى الذى يتمزق إلى أجزاء تتبع كل منها قسم شرطة، مثل المطرية، والمرج، والخصوص. بينما تشير التقديرات إلى أن منطقة عزبة النخل تحتوى ما بين ربع مليون إلى نصف مليون نسمة، حسب أحد القيادات المحلية بالمنطقة.
«تكثر هنا نسبة المسيحيين مقارنة بأحياء أخرى، حتى إذا قارناها بالأحياء ذات الكثافة المسيحية، وعلى مدى أكثر من 30 سنة ازدادت أعداد السكان بسبب الهجرة من الشرق والغرب، قاهريين وصعايدة، مسلمين ومسيحيين، ومع نمط السكن العشوائى نشأ أسلوب خاص فى إدارة العلاقات داخل المكان.. وما زالت بقاياه موجودة حتى اليوم». يصف ذلك المهندس الشاب أحمد حنفى الذى سكنت عائلته منطقة عزبة النخل الغربية قبل عشرات السنوات، ويضرب مثالا يدعم به وجهة نظره قائلا: «على سبيل المثال، كان لدى مشكلة مع جار مسيحى، والمفارقة أن بعض جيرانى المسيحيين كانوا يتأذون من الشخص نفسه.. لم أجد حلا سوى شكواه لأحد قساوسة الكنيسة المجاورة كى أرفع عنهم الحرج، وانتهت المشكلات!».
أمام محطة مترو عزبة النخل كان من المفترض أن تنشأ نقطة شرطة خاصة بالحى، لكن الثورة قضت على هذا الطموح، خصوصا بعد حرق الأقسام المجاورة فى أثناء اشتباكات المواطنين مع الشرطة، وهو ما زاد من حالة الفوضى المستمرة إلى الآن، إذ يضع الأهالى مشكلة البلطجة على رأس قائمة مشكلاتهم، وفى حى تزداد فيه كثافة التواجد المسيحى، قد يقع المتابع فى هاجس من أن تتسبب حالة الفوضوية فى أحداث طائفية مع توافر السلاح فى الأيدى، وبروز الحس العدوانى بشكل عام فى الشارع.
«كل المشكلات التى كانت صغيرة فى السابق، تضخمت بعد الثورة، مثل البلطجة، الصرف الصحى، الطرق الرديئة، لكن تظل الطائفية هى آخر المشكلات التى يفكر فيها أحد هنا». العبارة هنا لسمير عبدالله صاحب مصنع للملابس الجاهزة فى عزبة النخل، يتحدث بهدوء دون قلق من وقوع مشكلات بين مسلمين ومسيحيين، اختار أن يجلس فى كوفى شوب «أبو شوك».
وهو يمثل كتلة من السكان وفدت إلى عزبة النخل فى الثمانينيات هروبا من ضيق المناطق القديمة المجاورة، مثل: المطرية، الزاوية الحمراء، حدائق القبة، شبرا.. هؤلاء القاهريون جاءوا إلى منطقة ناشئة آنذاك على أمل عيش أفضل، لكن عشرات السنوات لم تحقق كل أمانيهم.
«دعنى أصف الوضع كما هو.. أنا كمسيحى لن أجد نفسى مسرورا حين أرى جيرانى يفترشون الأرض فى صلاة الجمعة، فوق طرق غير مستوية، وشوارع غير مرصوفة، وأخرى أغرقتها مياه المجارى.. ما يجمعنا أننا فى الهم سواء، نطمح إلى تطوير لم يحدث حتى الآن!».
يجلس سمير عبدالله فى بداية شارع عرب أبو طويلة الأقرب إلى ناحية المطرية، وأثناء السير من محطة مترو عزبة النخل تظهر شعارات على الجدران كتبها شباب منتمون إلى الألتراس وحركة 6 إبريل. وفى ظل هذا الواقع لا يبدى الكثيرون اهتماما سياسيا أو انخراطا فعالا. هذا ما يوضحه سيد المصرى، منسق مجموعة عزبة النخل بحركة 6 إبريل، وحسب عبارته: «كل ما نحاول فعله فى التوعية السياسية أو فى مبادراتنا أن نصنع شرعية لنا فى المكان وننقل توعية بمخاطر الوضع السياسى الحالى، مقدرين فى ذلك الحالة المادية التى تحرك الاختيارات السياسية لشريحة من الأهالى.. نحن لا نراهن كثيرا على أن يشارك الكثيرون فى مسيرات أو مظاهرات داخل الحى». يختلف هذا الوضع عن مناطق شعبية أخرى حيث نجح النشطاء فى تعويد السكان على قبول المسيرات والمظاهرات والهتاف أمام منازل الشهداء مثل إمبابة وميت عقبة وغيرها. أما الوضع فى عزبة النخل فيختلف إلى حد ما حسبما يصف أحد أصحاب المتاجر الذى يشير إلى أن التركيبة القديمة للمنطقة ما زالت لا تسمح بحرية الحركة دون استئذان ومراعاة الأهالى. يعلق سيد المصرى، من حركة 6 ابريل، بعزبة النخل: «فى الماضى كنا نتعرض لمضايقات من بلطجية معروفين بعلاقاتهم مع الأمن والحزب الوطنى القديم، لكننا فى فاعلياتنا الأخيرة قبل الاستفتاء على الدستور، كنا نواجه الإسلاميين فقط!». هذه الأجواء لا تقلقه تجاه العلاقات بين المسلمين والمسيحيين مع صعود التيار الإسلامى فى البلاد، حتى بعد قصة الناشط ألبير صابر الذى حوصر منزله فى عزبة النخل وحوكم بعدها بتهمة ازدراء الأديان بسبب نشاطه على الانترنت.
«مثل هذه المشكلات قد يتعرض لها مسلم أو مسيحى، وأعتقد أن وصول الإسلاميين إلى السلطة سيجعل أتباعهم أهدأ حالا تجاه القضايا الطائفية بحثا عن تجميل صورتهم أمام الجماهير»، هذا ما يراه الناشط الشاب.
مضيفة عائلة مخاليف
فى رحلة البحث عن القيادات الطبيعية التى انتجتها المنطقة على مدى السنوات الماضية، كان لا بد من مراجعة بعض الأسماء مثل «مخاليف، الكرداسى، أبو عيدة، الزقلة..»، وخاصة فى هذه الناحية الملاصقة لحى المطرية، فهذه الأسماء هى لعائلات يمثلون أقدم سكان عزبة النخل، إذ برزت منهم أسماء فى البرلمان قبل وبعد الثورة وانخرط كثير منهم فى مبادرات شعبية تخص المنطقة. حين تودع مقهى «أبو شوك» مستكملا المسيرة فى شارع عرب أبو طويلة، تظهر أسماء تلك العائلات، لكنها هذه المرة فى أسماء شوارع بعينها، مثل: عبده مخاليف، وإمام مخاليف وتظهر أسماء أخرى لأبناء هذه العائلات على واجهات المحال التجارية واللافتات الدعائية فى المناسبات المختلفة. وعلى مسافة غير بعيدة من بيت الشهيد مينا دانيال، تقع مضيفة عربية لعائلة مخاليف ذات الحضور القديم فى هذه الناحية من العزبة، تكشف عن تفاصيل جديدة تحملها المنطقة. «كانت وصية والدى رحمه الله، ألا نتخلى عن هذا المكان، مهما دارت الأيام». العبارة لمحمود مخاليف، أحد كبار رجالات العائلة، ونائب مجلس الشعب فى آخر دورة برلمانية قبل الثورة مباشرة. أما المكان فهو مضيفة شبيهة بدوار العمدة، شهدت الكثير من جلسات الصلح وفض المنازعات. يجلس الشيخ محمود بوقار فى جلسة عربية مرتديا عباءة وجلباب، وحوله عدد من أفراد العائلة.
فى البداية.. عليك أن تخلع نعليك وأن تفترش الأرض فى جلستك، فتطالع حولك صور معلقة على الحائط لرموز العائلة، وللنائب السابق محمود مخاليف، ووالده عبده مخاليف. يستقبل هذا المكان فى المناسبات أبناء عمومة العائلة من المناطق المجاورة ومختلف أرجاء الجمهورية من ذوى النسب العربى والقبلى. «كان والدى عبده مخاليف يفض الخصومات والمنازعات بين العائلات القاطنة هنا، وما زلنا نحاول أن نستمر على هذا النهج رغم اختلاف إيقاع الحياة الآن». هذه الأجواء العرفية ما زالت تقاوم حالة التحرر التى صنعتها الثورة، ثم حالة الانفلات التى صنعتها المرحلة الانتقالية بعدها، لكن ما زال للعائلات القديمة دور فى فض المنازعات بين الأهالى قدر الإمكان، خصوصا مع استمرار هجرة الكثير من العائلات الصعيدية المتآلفة مع هذا المنطق فى إدارة العلاقات بين الأهالى. أما فى مضيفة آل مخاليف والأماكن الشبيهة، لا يصبح مستغربا أن يكون ضمن الزوار رجال الدين المسيحيين لتعميق التواصل بين القادة الطبيعيين فى الجانبين المسلم والمسيحى، وإعلان موقف «الوحدة الوطنية» أمام بقية سكان العزبة. وحسب عبارة محمود مخاليف: «المشكلات هنا فى عزبة النخل لا تنتهى.. بلطجة، نزاعات عائلية، انفلات أمنى، سوء خدمات، لذا فالطائفية على هامش كل هذه المشكلات، ولا أحد يفكر بهذا المنطق».
فى مايو 2011 بعد أسابيع قليلة على رحيل مبارك نشب توتر طائفى فى منطقة عرب الطوايلة على أطراف عزبة النخل، حين سعى البعض لتحويل مبنى مصنع للملابس الجاهزة إلى كنيسة بشكل غير رسمى، وهو ما اعترضه السكان فى هذه الناحية من عرب الطوايلة، بدعوى أن هذا الجزء ذى أغلبية مسلمة ولا يستدعى تأسيس كنيسة تقيم شعائرها أمام مسجد حديث النشأة هناك، فى حين أن أكثرية المسيحيين يقيمون فى الجانب الآخر من عزبة النخل حيث عدد متوافر من الكنائس. وتم إنهاء هذا التوتر الطائفى فى وقتها على يد لجنة شعبية مكونة من أطراف كنسية وممثلى العائلات ومشايخ وناشطين فى المجتمع، ويكشف مثل هذا النموذج عن ملامح عرفية مازالت فى أجواء عزبة النخل، ولم ترحل بعد.
أما الجانب المضىء فى الصورة فهو أن اللجان الشعبية للحفاظ على الأمن التى تكونت فى تزامن مع اعتصام التحرير قبل تنحى مبارك، قد عمقت علاقات أهالى المنطقة، ورفعت مستوى التنسيق فى الأزمات المتتالية التى يتعرض لها الحى من غياب خدمات وغير ذلك.
منطقة لقيطة
يختلف العالم قليلا فى عرب الطوايلة عن الجانب الآخر من عزبة النخل الغربية فى اتجاه مدينة الخصوص، حيث شوارع أضيق وبنية تحتية أسوأ، ناحية «عزبة النوار» و«مدينة الزهور». لا توجد وسيلة نقل مناسبة إلى هناك سوى التوك توك، ومن أمام محطة مترو عزبة النخل مرة أخرى، كان سائقو توك توك فى اشتباك تقليدى حول أولوية تحميل الزبائن، وما أن ينهوا مشاكلهم مع بعضهم حتى يدخلون فى مشادات مع المارة طوال الطريق. ينطلق التوك توك قاصدا شارع الشيخ منصور، فى طرق غير ممهدة حولت السائق الصغير إلى فارس على حصان، حين يقفز التوك توك إلى أعلى طوال تلك المسافة، ولا يخلو الأمر من رعونة حين يخترق السائق بعربته الصغيرة الجموع الغفيرة التى تفسح له الطريق دون مقاومة تذكر. «قدامنا مليون سنة عشان البلد تتعدل!» يطلق الراكب المجاور عبارته، معلقا على صعوبة الطريق. أما فى عزبة النوار نفسها فتزداد أسماء محلات مثل «أم النور»، «الراعي»، وصور السيدة العذراء والسيد المسيح، ومرة أخرى يبرز الحضور الصعيدى فى أسماء مقاهى أو فى أزياء المارة، والجميع يكشف عن هويته بحرية تامة.
فى ركن من شارع الشيخ منصور تظهر لافتة لمقر خدمة إصدار الرقم القومى، وهى مبادرة تبنتها جمعية فى مجال المجتمع المدنى وحماية البيئة، وكانت هذه المنطقة أرضا مقسمة إلى أحواض زراعية فى السبعينيات وبداية الثمانينيات حتى بدأ تعميرها بعد ذلك. أحد قدامى القاطنين فى المنطقة، التى جمعت كثيرا من الوافدين من الصعيد وبعض من انتقلوا من أحياء قاهرية مجاورة، يعلق على ذلك: «حين وفدنا على هذه المنطقة كنا نمر بمشاعر مختلطة، لم تزول تماما، فبعض جيراننا فى الخصوص يعاملوننا كوافدين، والحكومة تنظر إلينا إداريا كمنطقة لقيطة، ما جعلنا ندير الموقف بأنفسنا».
هذه الحالة أنتجت قيادات داخل المكان، خاصة أنه كان على الأهالى فى البداية إدخال الخدمات إلى منطقتهم، وأن يناضلوا مع الحكومة فى هذا الشأن، ومازال الوضع قائما فى بيئة ملوثة، ومشكلات فى الحصول على المياه والصرف الصحى. فى هذه المساحة من الخصوصية، تبرز إلى الواجهة قيادات محلية من تجار وأبناء عائلات قديمة وناشطين فى قضايا المواطنة وقسس ومشايخ، وسواء فى هذه الناحية من عزبة النخل أو ناحية عرب الطوايلة، تظهر الحلول العرفية أحيانا لعلاج كثير من مشكلات البلطجة والعشوائية التى لا تنتهى، وتبقى الطائفية فى إطار أضيق ذى صلة بصراعات النفوذ والسيطرة.
يشرح صبحى عبدالمسيح، الناشط وعضو لجنة المواطنة فى عزبة النخل، خلفيات أهم عن شكل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين فى الجزء الأكثر كثافة مسيحية ناحية «عزبة النوار»، إذ يقول: «من جاءوا هنا من الصعيد أو من القاهرة، سواء مسلما أو مسيحيا بحثوا عن فرصة وعن متنفس، لكن بطبيعة الحال فإن تلك التركيبة الصعيدية أحيانا ما تصنع أجواء عائلية فى أى مكان، وقد فرضت علينا الظروف جميعا أن نتعاون، فأصبحنا هنا أقرب إلى عائلة، وهو ما أوجد أجواء عرفية فى بعض حالات النزاع، أيا كان سببها».
مع قرب الحديث عن الانتخابات البرلمانية فى الفترة المقبلة، تظهر مشكلة جديدة، حول الكتلة التصويتية فى هذا الجانب من عزبة النخل، إذ إن تغيير النظام الانتخابى بالرقم القومى بديلا عن البطاقة الانتخابية، مزق أصوات المنطقة بين عدة أقسام، وخصوصا أن هناك تعديلات جرت على تبعية هذا الجزء من عزبة النخل لم يجرى تعديلها فى بطاقة الرقم القومى لكثير من السكان، لذا وسط هذه الصورة الضبابية، يخفت الحديث عن الطائفية، وسط زحام أكبر.
«فى ليلة رأس السنة الماضية، وردت تهديدات بأن مجموعة مسلحة ستهاجم الكنيسة المجاورة، ولم أبد أى اهتمام حقيقى، لسبب مهم، هو أن هذه المنطقة محصنة جغرافيا بأهلها، سواء مسلمين ومسيحيين، مثل هذه الحالات ستكون أقرب إلى عملية انتحارية.. حين تتحدث عن الطائفية فأنت تتحدث عن شخص غير منخرط فى الحياة اليومية هنا»، هذا الحديث لصبحى عبدالمسيح، عضو لجنة المواطنة التى تضم شيوخ وقسس ومواطنين من أهالى المنطقة.
تتشابه قصة نشأة عزبة النخل مع نشأة حى شبرا، حين كانت شبرا قريبة من أحياء الظاهر والأزبكية والقللى التى كانت قريبة بدورها من المقر القديم للكاتدرائية، لكن تطور تاريخ شبرا فى مسار الدولة الحديثة والانفتاح على جنسيات متعددة فى النصف الأول من القرن العشرين لا يتوافر فى منطقة مثل عزبة النخل، التى تضخمت فى السبعينيات والثمانينيات لتكون نموذجا لعصر «العشوائيات» بما تحمله من مشكلات.
**
*سؤال طائفي*
ينضم حى عزبة النخل إلى قائمة من الأحياء ذات الكثافة المسيحية مثل: شبرا والعمرانية، وغيرها، أما عن عزبة النخل تحديدا فقد كان سؤال: «ما سبب كثافة التواجد المسيحى فى هذا الحى؟» مثيرا لاستياء عدد من السكان، إذ اعتبروه سؤالا طائفيا، بينما أرجعه آخرون إلى حادثة الزاوية الحمراء فى العام 1981، وانتقال بعض المسيحيين إلى منطقة الفيلات قرب الموقع الحالى لمحطة مترو الأنفاق، ثم جلبت العائلات بضعها البعض. والأهم من ذلك هو أن بعض الأحياء المجاورة مثل المطرية وعين شمس والزيتون القريبة من مسار العائلة المقدسة فى مصر قد اجتذبت فى أوقات سابقة المسيحيين الذين اختاروا أن يكونوا فى أماكن ذات تاريخ مبارك.يشرح صبحى عبدالمسيح، الناشط وعضو لجنة المواطنة فى عزبة النخل، خلفيات أهم عن شكل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين فى الجزء الأكثر كثافة مسيحية ناحية «عزبة النوار»، إذ يقول: «من جاءوا هنا من الصعيد أو من القاهرة، سواء مسلما أو مسيحيا بحثوا عن فرصة وعن متنفس، لكن بطبيعة الحال فإن تلك التركيبة الصعيدية أحيانا ما تصنع أجواء عائلية فى أى مكان، وقد فرضت علينا الظروف جميعا أن نتعاون، فأصبحنا هنا أقرب إلى عائلة، وهو ما أوجد أجواء عرفية فى بعض حالات النزاع، أيا كان سببها».
مع قرب الحديث عن الانتخابات البرلمانية فى الفترة المقبلة، تظهر مشكلة جديدة، حول الكتلة التصويتية فى هذا الجانب من عزبة النخل، إذ إن تغيير النظام الانتخابى بالرقم القومى بديلا عن البطاقة الانتخابية، مزق أصوات المنطقة بين عدة أقسام، وخصوصا أن هناك تعديلات جرت على تبعية هذا الجزء من عزبة النخل لم يجرى تعديلها فى بطاقة الرقم القومى لكثير من السكان، لذا وسط هذه الصورة الضبابية، يخفت الحديث عن الطائفية، وسط زحام أكبر.
«فى ليلة رأس السنة الماضية، وردت تهديدات بأن مجموعة مسلحة ستهاجم الكنيسة المجاورة، ولم أبد أى اهتمام حقيقى، لسبب مهم، هو أن هذه المنطقة محصنة جغرافيا بأهلها، سواء مسلمين ومسيحيين، مثل هذه الحالات ستكون أقرب إلى عملية انتحارية.. حين تتحدث عن الطائفية فأنت تتحدث عن شخص غير منخرط فى الحياة اليومية هنا»، هذا الحديث لصبحى عبدالمسيح، عضو لجنة المواطنة التى تضم شيوخ وقسس ومواطنين من أهالى المنطقة.
تتشابه قصة نشأة عزبة النخل مع نشأة حى شبرا، حين كانت شبرا قريبة من أحياء الظاهر والأزبكية والقللى التى كانت قريبة بدورها من المقر القديم للكاتدرائية، لكن تطور تاريخ شبرا فى مسار الدولة الحديثة والانفتاح على جنسيات متعددة فى النصف الأول من القرن العشرين لا يتوافر فى منطقة مثل عزبة النخل، التى تضخمت فى السبعينيات والثمانينيات لتكون نموذجا لعصر «العشوائيات» بما تحمله من مشكلات.