عبدالرحمن مصطفى
تصوير: محمد حسن
البحث داخل ملفات الحوادث الطائفية دائما ما يبرز عبارات من نوعية: «نزاع حول أراض بسبب بناء كنيسة»، أو «شجار تحول إلى معركة طائفية». بينما تأتى الملاحظات بصورة هامشية عن ثقافة من ارتكبوا هذه الحوادث أو المتعاطفين معهم، إلا أنه قد أطلت مؤخرا مفردات واضحة فى سلسلة الحوادث الأخيرة تحمل سمات تلك الثقافة وتقدم وجها آخر لأسباب وقوع تلك الحوادث منها: «الثأر»، و«جرائم الشرف»، وكأن الذهن الطائفى لم يعد يقدم نفسه عن طريق الدين فقط، بل عن طريق المفردات الشعبية مخفيا مشكلات اجتماعية أعمق.
فى عام 1981 وقف الرئيس الراحل محمد أنور السادات أمام مجلسى الشعب والشورى وتناول فى خطابه الأحداث الطائفية التى عرفت فيما بعد بــ «أحداث الزاوية الحمراء» ووضعها فى سياق فهم شعبى، حين ذكر بالنص أن الحادثة: «لا هى طائفية ولاحاجة أبدا.. ناس عايشين فى حتة واحدة.. وفى مرة اتخانقوا واتصالحوا».
وذكر أن التحريض الدينى من المتشددين هو السبب وراء تصاعد هذه الحادثة، وهو ما استغله معتادو الإجرام فى النهب وممارسة العنف. لم يكتف فى خطابه بذلك بل أضاف أن مثل تلك الحوادث تجرى «كل يوم داخل العائلة الواحدة وداخل البيت الواحد وداخل القرية الواحدة».
وكأن هذا الحادث جزء من ثقافة الشجار التى تنشب بين الجيران وما يصاحبها من تحالفات.. قد تبدو هذه الفقرات للوهلة الأولى بسيطة وساذجة، إلا أنها لم تبتعد كثيرا عن الواقع السائد فى تلك الفترة حين بدأ نمو المناطق العشوائية المتحولة من الطابع الريفى إلى الطابع الحضرى، وكانت منطقة الزاوية الحمراء إحدى هذه المناطق.. فى تزامن مع الترويج لمفاهيم استخدمتها القيادة السياسية مثل العيب، وتشبيه الرئيس بعمدة القرية!
فى كتابه «سياسات الأديان» (دار ميريت، 2003) يتجاوز نبيل عبدالفتاح ــ الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ــ هذه الحقبة وما بعدها فى الثمانينيات والتسعينيات لارتباط أكثر حوادثها بالجماعات الإسلامية المتطرفة، حتى وصل إلى أحداث الكشح فى عامى 1999 و2000 بمحافظة سوهاج، حيث ما اعتبره نقطة مفصلية فى الحوادث الطائفية بالعودة إلى العنف الجماهيرى ذى الروح الطائفية. ولم يستبعد المؤلف عنصر الثقافة الشعبية كأحد أسباب ذلك التحول، فذكر أنه «قد شاع نمط من التدين الشعبى ركز على الطقوس والشكليات بعيدا عن الدين، وغابت فيه صورة الطرف الآخر». وهو ما استمر فى عدد من الحوادث التالية للكشح سيطرت عليها الروح العائلية وأديرت بشكل عشائرى.
المفارقة أنه بعد حادث الكشح بعامين شهدت المحافظة نفسها حادث قتل جماعى (ثأر) داخل قبيلة واحدة جميع أفرادها من المسلمين، تلك الجريمة لم تختلف بشاعتها عن الحوادث الطائفية الكبرى، وهو ما يدفع إلى تساؤل حول كون ثقافة الثأر والعشائرية أحد روافد تكرار تلك الحوادث الطائفية!؟.
يعارض هذا الرأى الدكتور عبدالرءوف الضبع ــ أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة سوهاج ــ ويرفض تحديدا أن تكون الطائفية الدينية قد حلت محل القبيلة بما يتبع ذلك من ظهور الثأر أثناء النزاع والخضوع للعرف بدلا من القانون، ويوضح: «المشكلة أبعد من هذا نظرا لغياب مفهوم الوطنية، فقديما كانت هناك نماذج وطنية فى الصعيد مثل مكرم عبيد وويصا واصف وغيرهما، وكان القائد يستمد شرعيته من الشرعية الوطنية، وليس من مداعبة الحس الدينى وسط تراجع الفكر المستنير».
فى جريمة نجع حمادى التى جرت فى بداية هذا العام عشية عيد الميلاد المجيد وأطلق فيها النار على كنيسة المدينة، تبنت عناوين الصحف رأيا مفاده أن الجريمة حادث (ثأر) مبنى على فكرة الانتقام للشرف، حيث راجت قبل الحادث قصة اغتصاب فتاة مسلمة على يد مسيحى، لكن الدكتور عبدالرءوف الضبع يعود مرة أخرى لينفى العلاقة المباشرة بين الشكل الطائفى والخلفية المرتبطة بالثأر للشرف حسبما أشيع، بل هناك أبعاد أخرى يذكرها: «هذه النوعية من الجرائم تنمو مع سوء الحالة الاقتصادية، ويكون السعى لفرض السيطرة على فئة من المجتمع هو تمهيد لنيل مكاسب اقتصادية أيا كانت الطرق، سواء بالابتزاز أو النهب أو غيرهما»، يدعم وجهة نظره أن حوادث أخرى طائفية من نفس الشكل جرت فى مدن مثل الإسكندرية بعيدة عن الفكر العشائرى القبلى وعن الثأر.
كانت مدينة الإسكندرية قد شهدت حوادث صادمة فى الأعوام 2005 فى حى محرم بك على خلفية بث مسرحية اعتبرها البعض مسيئة للإسلام، ووقعت حوادث أخرى فى عام 2006 سجل تفاصيلها أحد المدونين فى مدونته «جار القمر»، وذكر تفاصيل عن المشاركين فى تلك الأحداث الذين لم تحركهم الحماسة الدينية بقدر ما حركتهم النزعة الفوضوية ومحاولات فرض السيطرة والتخريب.
ابحث عن المرأة
تصوير: محمد حسن
البحث داخل ملفات الحوادث الطائفية دائما ما يبرز عبارات من نوعية: «نزاع حول أراض بسبب بناء كنيسة»، أو «شجار تحول إلى معركة طائفية». بينما تأتى الملاحظات بصورة هامشية عن ثقافة من ارتكبوا هذه الحوادث أو المتعاطفين معهم، إلا أنه قد أطلت مؤخرا مفردات واضحة فى سلسلة الحوادث الأخيرة تحمل سمات تلك الثقافة وتقدم وجها آخر لأسباب وقوع تلك الحوادث منها: «الثأر»، و«جرائم الشرف»، وكأن الذهن الطائفى لم يعد يقدم نفسه عن طريق الدين فقط، بل عن طريق المفردات الشعبية مخفيا مشكلات اجتماعية أعمق.
فى عام 1981 وقف الرئيس الراحل محمد أنور السادات أمام مجلسى الشعب والشورى وتناول فى خطابه الأحداث الطائفية التى عرفت فيما بعد بــ «أحداث الزاوية الحمراء» ووضعها فى سياق فهم شعبى، حين ذكر بالنص أن الحادثة: «لا هى طائفية ولاحاجة أبدا.. ناس عايشين فى حتة واحدة.. وفى مرة اتخانقوا واتصالحوا».
وذكر أن التحريض الدينى من المتشددين هو السبب وراء تصاعد هذه الحادثة، وهو ما استغله معتادو الإجرام فى النهب وممارسة العنف. لم يكتف فى خطابه بذلك بل أضاف أن مثل تلك الحوادث تجرى «كل يوم داخل العائلة الواحدة وداخل البيت الواحد وداخل القرية الواحدة».
وكأن هذا الحادث جزء من ثقافة الشجار التى تنشب بين الجيران وما يصاحبها من تحالفات.. قد تبدو هذه الفقرات للوهلة الأولى بسيطة وساذجة، إلا أنها لم تبتعد كثيرا عن الواقع السائد فى تلك الفترة حين بدأ نمو المناطق العشوائية المتحولة من الطابع الريفى إلى الطابع الحضرى، وكانت منطقة الزاوية الحمراء إحدى هذه المناطق.. فى تزامن مع الترويج لمفاهيم استخدمتها القيادة السياسية مثل العيب، وتشبيه الرئيس بعمدة القرية!
فى كتابه «سياسات الأديان» (دار ميريت، 2003) يتجاوز نبيل عبدالفتاح ــ الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ــ هذه الحقبة وما بعدها فى الثمانينيات والتسعينيات لارتباط أكثر حوادثها بالجماعات الإسلامية المتطرفة، حتى وصل إلى أحداث الكشح فى عامى 1999 و2000 بمحافظة سوهاج، حيث ما اعتبره نقطة مفصلية فى الحوادث الطائفية بالعودة إلى العنف الجماهيرى ذى الروح الطائفية. ولم يستبعد المؤلف عنصر الثقافة الشعبية كأحد أسباب ذلك التحول، فذكر أنه «قد شاع نمط من التدين الشعبى ركز على الطقوس والشكليات بعيدا عن الدين، وغابت فيه صورة الطرف الآخر». وهو ما استمر فى عدد من الحوادث التالية للكشح سيطرت عليها الروح العائلية وأديرت بشكل عشائرى.
المفارقة أنه بعد حادث الكشح بعامين شهدت المحافظة نفسها حادث قتل جماعى (ثأر) داخل قبيلة واحدة جميع أفرادها من المسلمين، تلك الجريمة لم تختلف بشاعتها عن الحوادث الطائفية الكبرى، وهو ما يدفع إلى تساؤل حول كون ثقافة الثأر والعشائرية أحد روافد تكرار تلك الحوادث الطائفية!؟.
يعارض هذا الرأى الدكتور عبدالرءوف الضبع ــ أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة سوهاج ــ ويرفض تحديدا أن تكون الطائفية الدينية قد حلت محل القبيلة بما يتبع ذلك من ظهور الثأر أثناء النزاع والخضوع للعرف بدلا من القانون، ويوضح: «المشكلة أبعد من هذا نظرا لغياب مفهوم الوطنية، فقديما كانت هناك نماذج وطنية فى الصعيد مثل مكرم عبيد وويصا واصف وغيرهما، وكان القائد يستمد شرعيته من الشرعية الوطنية، وليس من مداعبة الحس الدينى وسط تراجع الفكر المستنير».
فى جريمة نجع حمادى التى جرت فى بداية هذا العام عشية عيد الميلاد المجيد وأطلق فيها النار على كنيسة المدينة، تبنت عناوين الصحف رأيا مفاده أن الجريمة حادث (ثأر) مبنى على فكرة الانتقام للشرف، حيث راجت قبل الحادث قصة اغتصاب فتاة مسلمة على يد مسيحى، لكن الدكتور عبدالرءوف الضبع يعود مرة أخرى لينفى العلاقة المباشرة بين الشكل الطائفى والخلفية المرتبطة بالثأر للشرف حسبما أشيع، بل هناك أبعاد أخرى يذكرها: «هذه النوعية من الجرائم تنمو مع سوء الحالة الاقتصادية، ويكون السعى لفرض السيطرة على فئة من المجتمع هو تمهيد لنيل مكاسب اقتصادية أيا كانت الطرق، سواء بالابتزاز أو النهب أو غيرهما»، يدعم وجهة نظره أن حوادث أخرى طائفية من نفس الشكل جرت فى مدن مثل الإسكندرية بعيدة عن الفكر العشائرى القبلى وعن الثأر.
كانت مدينة الإسكندرية قد شهدت حوادث صادمة فى الأعوام 2005 فى حى محرم بك على خلفية بث مسرحية اعتبرها البعض مسيئة للإسلام، ووقعت حوادث أخرى فى عام 2006 سجل تفاصيلها أحد المدونين فى مدونته «جار القمر»، وذكر تفاصيل عن المشاركين فى تلك الأحداث الذين لم تحركهم الحماسة الدينية بقدر ما حركتهم النزعة الفوضوية ومحاولات فرض السيطرة والتخريب.
ابحث عن المرأة
من ضمن العناصر المتكررة فى الحوادث الطائفية مؤخرا هو استخدام المرأة كمبرر لتصعيد نزاع طائفى. كانت أشهر الاحتقانات قد بدأت عام 2004 مع انتشار نبأ اختفاء زوجة قس وتحولها إلى الإسلام، ثم توالت الحوادث التى يرتبط بطلاها بعلاقة آثمة أو زواج مع تحول دينى، مثل حادث قتل مسلم وإصابة زوجته المتحولة إلى الإسلام وابنها على يد أخيها بدافع الانتقام وذلك قبل عامين فى حى الأميرية الشعبى بالقاهرة. ولم تختف أخبار القلق الطائفى عند غياب فتاة وإشاعة أخبار عن هروبها أو تحولها إلى ديانة أخرى، وهو ما يتبعه الطمأنة الأمنية والمتابعة الصحفية حتى تنتهى بسلام.
الدكتورة سامية خضر ــ أستاذة علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس ــ ترى استخدام المرأة بهذا الشكل الطائفى كجزء من سياق وثقافة عامة تروج للتدنى على جميع المستويات، وتقول: «فى مجال الإعلام هناك حالة من التدنى ترسخ المفاهيم المتخلفة فى المجتمع، منها وضع الريفيين والمرأة فى المجتمع، فبعد أن كنا نرى أعمالا تنويرية مثل أفلام دعاء الكروان والزوجة الثانية، أصبحت المرأة مهمشة فى ثقافتنا، خاصة فى الريف رغم المجهودات التى تسعى لرفع مكانتها، وهنا نسأل أين دور الدولة من الظواهر الجديدة على المجتمع؟ لماذا يتم التعامل معها متأخرا مثلما حدث مع ظاهرة النقاب وما صاحب ذلك من قرارات؟» .
تشير دراسة أعدتها الدكتورة نسمة البطريق ــ أستاذة كلية الإعلام بجامعة القاهرة ــ إلى جزئية التأثير الإعلامى السلبى من خلال الفضائيات الدينية الخاصة على الرأى العام، وكذلك دور الخطب الدينية ووصول أئمة غير مؤهلين إلى مجال الدعوة فى تنمية مناخ التعصب.
هذه الإشارات حول إسهام قادة الفكر الدينى فى الحوادث الطائفية ليست جديدة ففى عام 1972 صدر قرار كان الأول من نوعه بعد وقوع أحداث طائفية فى منطقة الخانكة على أطراف القاهرة بتشكيل لجنة تقصى الحقائق التى عرفت باسم رئيسها الدكتور جمال العطيفى، وأشارت اللجنة إلى نمو دور الجمعيات والمؤسسات الدينية فى هذه المنطقة بالشكل الذى زاد من الحدة الدينية هناك. ورغم المفارقة فى أن توصيات هذه اللجنة ما زالت متكررة حول إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة وتفعيل دور الدولة فى هذا الشأن، إلا أن الأبعاد الثقافية فى مثل تلك الحوادث ما زالت بعيدة عن النقاش.
يرى أحمد سميح ــ مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف المهتم بالملف الطائفى فى مصر ــ أن الثقافة الشعبية قد أصبحت إحدى أدوات التبرير لمثل هذه الحوادث، ويوضح: «يستعين الجناة ببعض المفردات التى تحظى بقبول شعبى مثل الدفاع عن الشرف أو حتى الثأر لمجرد تبرير تصرفاتهم، والكارثة أن يكرر البعض مثل هذه التبريرات، وهنا نتساءل عن دور الدولة فيما يتردد دائما عن تجديد الخطاب الدينى وتطوير الدعاة، رغم ما نلمسه من زيادة الشحن الطائفى داخل المساجد».
يكاد يجمع كل من الدكتور عبدالرءوف الضبع ــ أستاذ الاجتماع بجامعة سوهاج ــ والدكتورة سامية خضر بجامعة عين شمس على أن كل شىء فى هذا الملف لابد أن يعود إلى الدولة وأن تعمل على إعادة تشكيل الثقافة بشكل أرقى.
لكن بعيدا عن كل هذا فهناك من اختار حلا وقائيا لمثل تلك المشكلات بإعلاء قيمة التعاون التى تحمى مصالح جميع الأطراف وتدمجهم فى المستقبل. أحد هذه النماذج الحية تألقت الأسبوع الماضى داخل جمعية الصعيد للتنمية والتربية، حيث أقيم المعرض السنوى للوحات ومنسوجات وأعمال خشبية تعلوها أسماء من الديانتين لأصحاب المنتجات اليدوية من مركزى أخميم وحجازة بالصعيد.
يراهن المهندس نادر حسنى ــ مدير قطاع التنمية فى الجمعية ــ على أن مثل هذا العمل التنموى هو الذى يعدل ثقافة الإنسان، لأن الهدف أهم، ويقول: «فى الماضى كان اسم الجمعية هو الصعيد المسيحية، وخضعنا لإجراءات تسجيل الجمعيات حسب لوائح الدولة بإزالة الهوية الدينية، لكن بقى الهدف واحد وهو إقامة مشروعات تنموية لا تفرق بين الأديان».
داخل ورش إنتاج السجاد اليدوى فى أخميم التى بدأت نشاطها قبل عقود، من الصعب تمييز العاملين على أساس الدين، ففى المصنع الصغير غرفة مقسمة إلى قسمين للصلاة، يرتادها المسلم والمسيحي.
يشرح المهندس نادر بحماس أن الإنتاج والعمل هو ما يصنع الوحدة، وهو ما تحاول الجمعية تنشيطه داخل مدارسها أيضا، عن طريق المناهج المتطورة للطلبة، يقول: «فى فترة الثمانينيات بمدينة أبى قرقاص فى المنيا أثناء هجمات الجماعات الإسلامية على ممتلكات المسيحيين حاول بعضهم الهجوم على مدرسة تابعة للجمعية رغم أن نصف طلبتها من المسلمين، المفاجأة أن من تصدى لهم كان أولياء الأمور المسلمين، لأننا حين نتورط فى عمل واحد، وتتشابك مصالحنا ومصائرنا تتبدل ثقافتنا تدريجيا نحو الأفضل».
الدكتورة سامية خضر ــ أستاذة علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس ــ ترى استخدام المرأة بهذا الشكل الطائفى كجزء من سياق وثقافة عامة تروج للتدنى على جميع المستويات، وتقول: «فى مجال الإعلام هناك حالة من التدنى ترسخ المفاهيم المتخلفة فى المجتمع، منها وضع الريفيين والمرأة فى المجتمع، فبعد أن كنا نرى أعمالا تنويرية مثل أفلام دعاء الكروان والزوجة الثانية، أصبحت المرأة مهمشة فى ثقافتنا، خاصة فى الريف رغم المجهودات التى تسعى لرفع مكانتها، وهنا نسأل أين دور الدولة من الظواهر الجديدة على المجتمع؟ لماذا يتم التعامل معها متأخرا مثلما حدث مع ظاهرة النقاب وما صاحب ذلك من قرارات؟» .
تشير دراسة أعدتها الدكتورة نسمة البطريق ــ أستاذة كلية الإعلام بجامعة القاهرة ــ إلى جزئية التأثير الإعلامى السلبى من خلال الفضائيات الدينية الخاصة على الرأى العام، وكذلك دور الخطب الدينية ووصول أئمة غير مؤهلين إلى مجال الدعوة فى تنمية مناخ التعصب.
هذه الإشارات حول إسهام قادة الفكر الدينى فى الحوادث الطائفية ليست جديدة ففى عام 1972 صدر قرار كان الأول من نوعه بعد وقوع أحداث طائفية فى منطقة الخانكة على أطراف القاهرة بتشكيل لجنة تقصى الحقائق التى عرفت باسم رئيسها الدكتور جمال العطيفى، وأشارت اللجنة إلى نمو دور الجمعيات والمؤسسات الدينية فى هذه المنطقة بالشكل الذى زاد من الحدة الدينية هناك. ورغم المفارقة فى أن توصيات هذه اللجنة ما زالت متكررة حول إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة وتفعيل دور الدولة فى هذا الشأن، إلا أن الأبعاد الثقافية فى مثل تلك الحوادث ما زالت بعيدة عن النقاش.
يرى أحمد سميح ــ مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف المهتم بالملف الطائفى فى مصر ــ أن الثقافة الشعبية قد أصبحت إحدى أدوات التبرير لمثل هذه الحوادث، ويوضح: «يستعين الجناة ببعض المفردات التى تحظى بقبول شعبى مثل الدفاع عن الشرف أو حتى الثأر لمجرد تبرير تصرفاتهم، والكارثة أن يكرر البعض مثل هذه التبريرات، وهنا نتساءل عن دور الدولة فيما يتردد دائما عن تجديد الخطاب الدينى وتطوير الدعاة، رغم ما نلمسه من زيادة الشحن الطائفى داخل المساجد».
يكاد يجمع كل من الدكتور عبدالرءوف الضبع ــ أستاذ الاجتماع بجامعة سوهاج ــ والدكتورة سامية خضر بجامعة عين شمس على أن كل شىء فى هذا الملف لابد أن يعود إلى الدولة وأن تعمل على إعادة تشكيل الثقافة بشكل أرقى.
لكن بعيدا عن كل هذا فهناك من اختار حلا وقائيا لمثل تلك المشكلات بإعلاء قيمة التعاون التى تحمى مصالح جميع الأطراف وتدمجهم فى المستقبل. أحد هذه النماذج الحية تألقت الأسبوع الماضى داخل جمعية الصعيد للتنمية والتربية، حيث أقيم المعرض السنوى للوحات ومنسوجات وأعمال خشبية تعلوها أسماء من الديانتين لأصحاب المنتجات اليدوية من مركزى أخميم وحجازة بالصعيد.
يراهن المهندس نادر حسنى ــ مدير قطاع التنمية فى الجمعية ــ على أن مثل هذا العمل التنموى هو الذى يعدل ثقافة الإنسان، لأن الهدف أهم، ويقول: «فى الماضى كان اسم الجمعية هو الصعيد المسيحية، وخضعنا لإجراءات تسجيل الجمعيات حسب لوائح الدولة بإزالة الهوية الدينية، لكن بقى الهدف واحد وهو إقامة مشروعات تنموية لا تفرق بين الأديان».
داخل ورش إنتاج السجاد اليدوى فى أخميم التى بدأت نشاطها قبل عقود، من الصعب تمييز العاملين على أساس الدين، ففى المصنع الصغير غرفة مقسمة إلى قسمين للصلاة، يرتادها المسلم والمسيحي.
يشرح المهندس نادر بحماس أن الإنتاج والعمل هو ما يصنع الوحدة، وهو ما تحاول الجمعية تنشيطه داخل مدارسها أيضا، عن طريق المناهج المتطورة للطلبة، يقول: «فى فترة الثمانينيات بمدينة أبى قرقاص فى المنيا أثناء هجمات الجماعات الإسلامية على ممتلكات المسيحيين حاول بعضهم الهجوم على مدرسة تابعة للجمعية رغم أن نصف طلبتها من المسلمين، المفاجأة أن من تصدى لهم كان أولياء الأمور المسلمين، لأننا حين نتورط فى عمل واحد، وتتشابك مصالحنا ومصائرنا تتبدل ثقافتنا تدريجيا نحو الأفضل».
No comments:
Post a Comment