عميد أداب القاهرة السابق ينفى تدخل الدولة في الجامعة
الدكتور أحمد زايد : الحرية البحثية خاضعة للصدفة والأهواء الشخصية
من خلال خبرته الأكاديمية داخل كلية الأداب بجامعة القاهرة وتوليه منصب العمادة في فترة سابقة يبدو الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع قريبا من معوقات الحرية البحثية في الجامعة، أرجع تلك المعوقات إلى الرقابة الذاتية التي يمارسها الأكاديميون على أنفسهم إلى جانب تمسك المجتمع داخل وخارج الجامعة بتقاليد تعيق التطور، نافيا أن يكون الانتماء للحزب الوطني الحاكم أفضلية، أو أن تكون هناك تدخلات مباشرة من الدولة في الأداء الأكاديمي. وطرح حلولا أخرى للهروب من القيود الفكرية على الطلاب والأكاديميين.
حوار: عبدالرحمن مصطفى
• هناك سقف يضعه بعض الأكاديميين أمام أفكار الرسائل الجامعية في مرحلة ما قبل التسجيل، ما أسباب هذا النوع من الرقابة؟
- المفترض في الجامعة أن تعمل ضمن خطة بحثية، بحيث يتم التعامل مع الموضوعات في إطار هذه الخطة، وأن يتاح لكل أستاذ قبول الموضوعات المتفقة مع اتجاهاته البحثية وتراكم معرفته إلى جانب مع تفرضه حاجات المجتمع، وهذا ما يجب أن يعلمه الباحث قبل اختيار مشكلة بحثه ومناقشتها مع اساتذته، لكن المشكلة أن بعض الأساتذة ليس لديهم هذه الأجندة البحثية، مما يعطي للصورة أبعاد أخرى.
• ألا توجد بعض المحاذير التي يراعيها الأستاذ عند التعامل مع أفكار الباحثين الشباب؟
- ليس هناك مثل هذه المحاذير إلا في بعض الحالات الصارخة في موضوعات متعلقة بالجنس والدين على سبيل المثال.
• هل ما زالت التابوهات الشهيرة (الدين، الجنس، السياسة) هي ما يحكم الحركة البحثية في مصر..؟
- نعم .. ما زالت هذه التابوهات الشهيرة مؤثرة على الحركة البحثية، لكن على الجانب الآخر يجب أن نذكر أن الباحثين أنفسهم لا يقدمون على التعامل مع الموضوعات الحساسة بشكل جاد، على سبيل المثال: سجل أحد الباحثين معي موضوعا عن "العنف الجنسي"، لكنه للأسف لم يكمل بحثه، ومثل هذا المثال يطرح فكرة أن الجامعة لا تمارس قيودا في هذه المناطق الحساسة من الموضوعات البحثية.
• لكن احيانا ما يكون هناك قيودا على تناول الموضوعات السياسية، وهو ما يدفع المؤسسة الأكاديمية إلى إعادة صياغة البحوث؟!
- لنتحدث بمثال واضح عن هذه الحالة، حين قمت بإعداد رسالتي للماجستير، تناولت موضوعات حرجة ومثيرة في هذا الوقت عن الحركة الطلابية في فرنسا عام 68 وتناولت فكر اليسار الجديد، وتأثير ذلك على الحركات الاجتماعية في الغرب، ولم أتعرض للتضييق عليّ في أي مرحلة من مراحل البحث، لكن.. لأذكر لك ما يحدث أحيانا لدينا في الجامعة، وهو أن يراجع أحد الأكاديميين عنوان البحث، وقد يصل الأمر إلى تصنيف الباحث بسبب اتجاهاته أو اختياراته، وهذا في النهاية يعود إلى الاستاذ وليست سياسة من الجامعة.
• ماذا عن بعض الموضوعات الحرجة التي أهملت دراستها مثل الجماعات الاسلامية، والمشاكل الطائفية، ويتم تغييرها بعد النقاش مع الأكاديميين قبل إعداد الرسائل الجامعية؟
- بعض الأساتذة في مثل هذه الموضوعات يقلقون من ردود أفعال المجتمع تجاههم، ويمارسون بدورهم رقابة ذاتية على أنفسهم تمنعهم من مناقشة بعض الموضوعات، هذه الموضوعات يجب أن تدرس في إطار نظري رصين، ولنقل بصراحة ان بعض الباحثين لا يهدفون من دراسة هذه الموضوعات تقديم بحث جاد بقدر ما يهدفون إلى إدخال السياسة إلى البحث في موضوعات صحافية لا بحثية. دعني أقول وأؤكد أنه لا توجد رقابة في الجامعة، بل نحن من يخلق هذه الرقابة على أنفسنا.
الدكتور أحمد زايد : الحرية البحثية خاضعة للصدفة والأهواء الشخصية
من خلال خبرته الأكاديمية داخل كلية الأداب بجامعة القاهرة وتوليه منصب العمادة في فترة سابقة يبدو الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع قريبا من معوقات الحرية البحثية في الجامعة، أرجع تلك المعوقات إلى الرقابة الذاتية التي يمارسها الأكاديميون على أنفسهم إلى جانب تمسك المجتمع داخل وخارج الجامعة بتقاليد تعيق التطور، نافيا أن يكون الانتماء للحزب الوطني الحاكم أفضلية، أو أن تكون هناك تدخلات مباشرة من الدولة في الأداء الأكاديمي. وطرح حلولا أخرى للهروب من القيود الفكرية على الطلاب والأكاديميين.
حوار: عبدالرحمن مصطفى
• هناك سقف يضعه بعض الأكاديميين أمام أفكار الرسائل الجامعية في مرحلة ما قبل التسجيل، ما أسباب هذا النوع من الرقابة؟
- المفترض في الجامعة أن تعمل ضمن خطة بحثية، بحيث يتم التعامل مع الموضوعات في إطار هذه الخطة، وأن يتاح لكل أستاذ قبول الموضوعات المتفقة مع اتجاهاته البحثية وتراكم معرفته إلى جانب مع تفرضه حاجات المجتمع، وهذا ما يجب أن يعلمه الباحث قبل اختيار مشكلة بحثه ومناقشتها مع اساتذته، لكن المشكلة أن بعض الأساتذة ليس لديهم هذه الأجندة البحثية، مما يعطي للصورة أبعاد أخرى.
• ألا توجد بعض المحاذير التي يراعيها الأستاذ عند التعامل مع أفكار الباحثين الشباب؟
- ليس هناك مثل هذه المحاذير إلا في بعض الحالات الصارخة في موضوعات متعلقة بالجنس والدين على سبيل المثال.
• هل ما زالت التابوهات الشهيرة (الدين، الجنس، السياسة) هي ما يحكم الحركة البحثية في مصر..؟
- نعم .. ما زالت هذه التابوهات الشهيرة مؤثرة على الحركة البحثية، لكن على الجانب الآخر يجب أن نذكر أن الباحثين أنفسهم لا يقدمون على التعامل مع الموضوعات الحساسة بشكل جاد، على سبيل المثال: سجل أحد الباحثين معي موضوعا عن "العنف الجنسي"، لكنه للأسف لم يكمل بحثه، ومثل هذا المثال يطرح فكرة أن الجامعة لا تمارس قيودا في هذه المناطق الحساسة من الموضوعات البحثية.
• لكن احيانا ما يكون هناك قيودا على تناول الموضوعات السياسية، وهو ما يدفع المؤسسة الأكاديمية إلى إعادة صياغة البحوث؟!
- لنتحدث بمثال واضح عن هذه الحالة، حين قمت بإعداد رسالتي للماجستير، تناولت موضوعات حرجة ومثيرة في هذا الوقت عن الحركة الطلابية في فرنسا عام 68 وتناولت فكر اليسار الجديد، وتأثير ذلك على الحركات الاجتماعية في الغرب، ولم أتعرض للتضييق عليّ في أي مرحلة من مراحل البحث، لكن.. لأذكر لك ما يحدث أحيانا لدينا في الجامعة، وهو أن يراجع أحد الأكاديميين عنوان البحث، وقد يصل الأمر إلى تصنيف الباحث بسبب اتجاهاته أو اختياراته، وهذا في النهاية يعود إلى الاستاذ وليست سياسة من الجامعة.
• ماذا عن بعض الموضوعات الحرجة التي أهملت دراستها مثل الجماعات الاسلامية، والمشاكل الطائفية، ويتم تغييرها بعد النقاش مع الأكاديميين قبل إعداد الرسائل الجامعية؟
- بعض الأساتذة في مثل هذه الموضوعات يقلقون من ردود أفعال المجتمع تجاههم، ويمارسون بدورهم رقابة ذاتية على أنفسهم تمنعهم من مناقشة بعض الموضوعات، هذه الموضوعات يجب أن تدرس في إطار نظري رصين، ولنقل بصراحة ان بعض الباحثين لا يهدفون من دراسة هذه الموضوعات تقديم بحث جاد بقدر ما يهدفون إلى إدخال السياسة إلى البحث في موضوعات صحافية لا بحثية. دعني أقول وأؤكد أنه لا توجد رقابة في الجامعة، بل نحن من يخلق هذه الرقابة على أنفسنا.
• لكن هناك ردود أفعال من الادارة الأكاديمية تمارس إرهابا فكريا على الباحثين أحيانا؟
- سأحدثك عن موقف حدث مؤخرا في جامعة حلوان حين أرسل عميد إحدى الكليات بحثا إلى الأزهر لمراجعته، وكان بحثا لأحد الاساتذة يتناول النصوص الاسلامية، ولما رفضه الأزهر أثير جدلا حول هذه الحادثة، في واقع الأمر أن مثل هذا عميد الكلية لم يمثل الجامعة، بل استهجنت الادارة هذا التصرف، لأن مثل هذه البحوث عليها أن تناقش داخل الجامعة في إطار بحثي محترم.
• وماذا عن التصاريح الأمنية التي يحتاجها الباحثون في بحوثهم الميدانية.. ألا تحدد مثل هذه الاجراءات شكل البحوث الاجتماعية في مصر.؟
- حسب القانون فإن دخول أي جهة أجنبية في اعداد البحوث الميدانية يستلزم موافقة من الدولة، وهذه الجهة بالمناسبة هي وزارة الخارجية، ولا أعلم إن كانت تراجع جهات أمنية أخرى أم لا، وهذا النظام موجود في أنحاء العالم، بالذات في العينات البحثية الكبيرة، وبشكل عام فإن الجهة الأساسية التي علينا استصدار موافقة منها هي الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء وذلك في كل البحوث ذات العينات الكبيرة، وانا مع اتخاذ هذه الاجراءات خاصة في حالة وجود جهة أجنبية مشاركة في البحوث لأننا لا نعرف إن كانت هذه المعلومات ستخدم أغراض استخباراتية أم لا.
• هل هذه الاجراءات ترسم ملامح البحوث الاجتماعية؟
- في رسائل الماجستير والدكتوراة الجامعية لا نأخذ تصريحات أو إذن، لأننا نتعامل مع عينات بسيطة من داخل الجامعة، وباستخدام مناهج كيفية.. أن طلاب الرسائل الجامعية ليس باستطاعتهم العمل على عينات كبيرة لافتقادهم للتكاليف اللازمة، أما موافقات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء فلا تتعدى مدتها 15 يوما، كما أن هناك قانون يتم مناقشته الآن عن تداول حرية المعلومات وأتمنى أن يحقق طفرة في هذا المجال، لكن بشكل عام فالقانون لا يصنع الأجندة البحثية.
• إذا عدنا إلى بعض الموضوعات ذات الطابع السياسي مثل العنف داخل السجون وأقسام الشرطة، والعنف الطائفي.. نجدها غير مطروحة للبحث..!!؟
كل أساليب السلوك يجب ان تكون مطروحة للبحث، وهناك دراسات تمت في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية عن السجون، وتناولت جانب العنف داخل السجون، في هذا المجال لا أذكر بحثا تم منعه سوى بحث شهير لدراسة "السلوك الجنسي"، وهو بحث عالمي، حين حاول أحد الباحثين تطبيقه قبل ثلاثين عاما تقريبا، وأثيرت ضجة ضده، والمفارقة أن المركز القومي وافق عليه إلا أن الصحافة هي التي وقفت ضد إجرائه.
• إذن ما الاطار العام لصورة الحرية الفكرية للباحثين في الجامعة..؟
- في هذا الاطار نحن لا نتحدث عن شكل منتظم لقضية حرية الفكرية في الجامعات بقدر ما أنها تخضع للصدفة، بالامكان أن يقدم باحث جريء على موضوع ولا تقف ضده أي عوائق، وقد يكون حظه عاثرا في توقيت مختلف، فيواجه بمعارضة أكاديمية ضد فكرته، لأسباب شخصية حتى إن كانت نوايا الباحث طيبة بالفعل.
• ألهذا الحد تمثل الأهواء الشخصية قيودا على فكر الباحث الأكاديمي؟
- بالتأكيد.. وهذا حدث معي شخصيا، في مرة كتبت عن أن الخطاب الديني يصنع "كهنوت" يقف حاجزا بين العبد وربه بما يخالف قواعد الاسلام الاصيلة، وجاءت الصحافة لتستخدم عناوين ساخنة ضد ما قلته، كذلك يحدث الأمر داخل الجامعة.
• هذا الحديث يقودنا إلى فكرة أخرى عن عدم قبول المنهجيات الحديثة في البحوث الاجتماعية والحفاظ على الموروث البحثي القديم ضد التجديد!!؟
- هذه نقطة مهمة.. أحيانا ما يحارب الباحث بسبب استخدامه مصطلحات حديثة فيواجه بمعارضة من غير المتابعين للمناهج الحديثة، على سبيل المثال اقترحت على أحد الطلاب العرب موضوع عن "الخطاب الخلدوني" في دراسة أعمال عبدالرحمن بن خلدون، وكان مصطلح "الخطاب" قبل 20 عاما حديثا نسبيا، واعترض رئيس القسم على الخطة البحثية وتم تعديلها تماما، بل أنني في رسالة الدكتوراه الخاصة بي كتبت في عنوانها "التحالف والصراع بين جماعات الصفوة في الريف المصري"، واقترح أكاديميو قسم الاجتماع استخدام تعبير "تفاعل" بدلا من "صراع" للابتعاد عن شبهة الانتماء الماركسي.
بل أحيانا ما يكون استخدام مصطلحات جديدة هو مادة للتهكم والتندر من التقليديين وهو ما يمثل قيدا على الباحث، فتكون الرقابة مزدوجة من المجتمع الأكاديمي ومن المجتمع خارج الجامعة.
• ألا تتفق مع أن هذا التوجه قد انعكس على حالة الجامعة، وتوفير مصادر معرفة حديثة داخل مكتبات كلية الأداب أو مكتبة الجامعة والاكتفاء بالمصادر القديمة؟
- هناك بدائل الآن، ممثلة في استخدام قواعد البيانات التي اشتركت بها الجامعة التي توفر بحوثا حديثة للباحثين، لكن المفارقة أن هناك حالة من الكسل لدى الباحثين و لا يستفيدون من مصدر كهذا متاح بين أيديهم.
• جانب آخر أرغب في تناوله بصفتك عميد كلية الأداب السابق.. ألا تجد انه من الغريب أنه ما زالت تجرى تحريات أمنية على المعيدين قبل تعيينهم في الجامعة؟
- لم يرفض أحد حتى الآن من المعيدين بسبب هذا الاجراء، ونحن نفخر بأن اختيار المعيدين مازال يتم وفقا لمعايير أكاديمية حسب درجاتهم وليس هناك أي تأثير في التعيينات بسبب مستواهم الاجتماعي أو الطبقى على عكس جهات أخرى، حتى الحالات التي كان يتم تعطيلها بسبب هذا الاجراء تدخلت فيها شخصيا، والأمر يعود في النهاية لشخصية عميد الكلية.
• ألا تمثل مثل هذه الاجراءات محاولات مبكرة لتدجين الأكاديميين؟
- ربما.. هي مجرد محاولات ، وقد تنجح مع البعض.
• انت عضو في الحزب الوطني الحاكم، هل تمثل عضوية الحزب أي أفضلية للأكاديمي؟
- الحزب لا يتدخل في الجامعة بأي شكل، والطريف أن بعض المتقدمين لمسابقات تعيين المعيدين بالجامعة يصدرون انتماءهم في اوراق الالتحاق، وهو ما يقابل بتهكم من اللجنة التي تستقبل طلباتهم. فكل شيء يخضع لقوانين الجامعة.
• بعيدا عن الجامعة.. كان لك تجربة في عمل حلقة قراءة مع مجموعة من الطلاب والباحثين لها قواعدها الخاصة، هل هذا هروب من قاعات الدرس التي تفرض قيودها على الأكاديمي والطالب سويا؟
- تجربة "منتدى القراءة" هي أحسن مشروع قمت به في حياتي، فاسلوب التعلم في مصر يقوم على التلقين، وفي قاعة الدرس يمارس الأكاديمي سلطته على الطلاب من خلال امتلاكه للمعرفة، وقد يصل استغلال هذه السلطة إلى استغلال الطلبة في أغراض خاصة، هذا المنتدى شعاره "العارفون يمتنعون"، ففي جلسات القراءة تتحقق المساواة بين الطالب والأستاذ والجميع يتساوى امام النصوص الكلاسيكية، وهو ما لم يتحمله بالمناسبة بعض الأكاديميين حين فقدوا سلطاتهم على الحضور، مثلما يمارسوها في الجامعة.
• هل تجد حال طالب اليوم أفضل في حريته البحثية عن حالك حين كنت طالبا في الجامعة؟
- المجتمع لم يختلف كثيرا في قيوده التي يفرضها على الباحثين وكذلك الجامعات لم تختلف، لكن ميزة هذا الجيل أنه يتوافر لديه مصادر معرفة متعددة، عبر الانترنت، والمكتبات الحالية، على عكس ما كنا قديما نشترى الكتب من بواسطة القادمين من الخارج، مشكلة طالب اليوم أن كلية الأداب حين أنشئت كان الهدف منها تخريج طالب موسوعي، ملم بكافة فروع المعرفة الانسانية الأخرى، في التاريخ والجغرافيا والفلسفة، وربما هذا أحد أهداف "منتدى القراءة"، فما نحتاجه اليوم هو جامعة جديدة، وانسان أكاديمي جديد، خارج قيود التقاليد البالية، والقيود الأخرى مثل الشللية وغير ذلك من معوقات الفكر داخل الجامعة.
- سأحدثك عن موقف حدث مؤخرا في جامعة حلوان حين أرسل عميد إحدى الكليات بحثا إلى الأزهر لمراجعته، وكان بحثا لأحد الاساتذة يتناول النصوص الاسلامية، ولما رفضه الأزهر أثير جدلا حول هذه الحادثة، في واقع الأمر أن مثل هذا عميد الكلية لم يمثل الجامعة، بل استهجنت الادارة هذا التصرف، لأن مثل هذه البحوث عليها أن تناقش داخل الجامعة في إطار بحثي محترم.
• وماذا عن التصاريح الأمنية التي يحتاجها الباحثون في بحوثهم الميدانية.. ألا تحدد مثل هذه الاجراءات شكل البحوث الاجتماعية في مصر.؟
- حسب القانون فإن دخول أي جهة أجنبية في اعداد البحوث الميدانية يستلزم موافقة من الدولة، وهذه الجهة بالمناسبة هي وزارة الخارجية، ولا أعلم إن كانت تراجع جهات أمنية أخرى أم لا، وهذا النظام موجود في أنحاء العالم، بالذات في العينات البحثية الكبيرة، وبشكل عام فإن الجهة الأساسية التي علينا استصدار موافقة منها هي الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء وذلك في كل البحوث ذات العينات الكبيرة، وانا مع اتخاذ هذه الاجراءات خاصة في حالة وجود جهة أجنبية مشاركة في البحوث لأننا لا نعرف إن كانت هذه المعلومات ستخدم أغراض استخباراتية أم لا.
• هل هذه الاجراءات ترسم ملامح البحوث الاجتماعية؟
- في رسائل الماجستير والدكتوراة الجامعية لا نأخذ تصريحات أو إذن، لأننا نتعامل مع عينات بسيطة من داخل الجامعة، وباستخدام مناهج كيفية.. أن طلاب الرسائل الجامعية ليس باستطاعتهم العمل على عينات كبيرة لافتقادهم للتكاليف اللازمة، أما موافقات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء فلا تتعدى مدتها 15 يوما، كما أن هناك قانون يتم مناقشته الآن عن تداول حرية المعلومات وأتمنى أن يحقق طفرة في هذا المجال، لكن بشكل عام فالقانون لا يصنع الأجندة البحثية.
• إذا عدنا إلى بعض الموضوعات ذات الطابع السياسي مثل العنف داخل السجون وأقسام الشرطة، والعنف الطائفي.. نجدها غير مطروحة للبحث..!!؟
كل أساليب السلوك يجب ان تكون مطروحة للبحث، وهناك دراسات تمت في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية عن السجون، وتناولت جانب العنف داخل السجون، في هذا المجال لا أذكر بحثا تم منعه سوى بحث شهير لدراسة "السلوك الجنسي"، وهو بحث عالمي، حين حاول أحد الباحثين تطبيقه قبل ثلاثين عاما تقريبا، وأثيرت ضجة ضده، والمفارقة أن المركز القومي وافق عليه إلا أن الصحافة هي التي وقفت ضد إجرائه.
• إذن ما الاطار العام لصورة الحرية الفكرية للباحثين في الجامعة..؟
- في هذا الاطار نحن لا نتحدث عن شكل منتظم لقضية حرية الفكرية في الجامعات بقدر ما أنها تخضع للصدفة، بالامكان أن يقدم باحث جريء على موضوع ولا تقف ضده أي عوائق، وقد يكون حظه عاثرا في توقيت مختلف، فيواجه بمعارضة أكاديمية ضد فكرته، لأسباب شخصية حتى إن كانت نوايا الباحث طيبة بالفعل.
• ألهذا الحد تمثل الأهواء الشخصية قيودا على فكر الباحث الأكاديمي؟
- بالتأكيد.. وهذا حدث معي شخصيا، في مرة كتبت عن أن الخطاب الديني يصنع "كهنوت" يقف حاجزا بين العبد وربه بما يخالف قواعد الاسلام الاصيلة، وجاءت الصحافة لتستخدم عناوين ساخنة ضد ما قلته، كذلك يحدث الأمر داخل الجامعة.
• هذا الحديث يقودنا إلى فكرة أخرى عن عدم قبول المنهجيات الحديثة في البحوث الاجتماعية والحفاظ على الموروث البحثي القديم ضد التجديد!!؟
- هذه نقطة مهمة.. أحيانا ما يحارب الباحث بسبب استخدامه مصطلحات حديثة فيواجه بمعارضة من غير المتابعين للمناهج الحديثة، على سبيل المثال اقترحت على أحد الطلاب العرب موضوع عن "الخطاب الخلدوني" في دراسة أعمال عبدالرحمن بن خلدون، وكان مصطلح "الخطاب" قبل 20 عاما حديثا نسبيا، واعترض رئيس القسم على الخطة البحثية وتم تعديلها تماما، بل أنني في رسالة الدكتوراه الخاصة بي كتبت في عنوانها "التحالف والصراع بين جماعات الصفوة في الريف المصري"، واقترح أكاديميو قسم الاجتماع استخدام تعبير "تفاعل" بدلا من "صراع" للابتعاد عن شبهة الانتماء الماركسي.
بل أحيانا ما يكون استخدام مصطلحات جديدة هو مادة للتهكم والتندر من التقليديين وهو ما يمثل قيدا على الباحث، فتكون الرقابة مزدوجة من المجتمع الأكاديمي ومن المجتمع خارج الجامعة.
• ألا تتفق مع أن هذا التوجه قد انعكس على حالة الجامعة، وتوفير مصادر معرفة حديثة داخل مكتبات كلية الأداب أو مكتبة الجامعة والاكتفاء بالمصادر القديمة؟
- هناك بدائل الآن، ممثلة في استخدام قواعد البيانات التي اشتركت بها الجامعة التي توفر بحوثا حديثة للباحثين، لكن المفارقة أن هناك حالة من الكسل لدى الباحثين و لا يستفيدون من مصدر كهذا متاح بين أيديهم.
• جانب آخر أرغب في تناوله بصفتك عميد كلية الأداب السابق.. ألا تجد انه من الغريب أنه ما زالت تجرى تحريات أمنية على المعيدين قبل تعيينهم في الجامعة؟
- لم يرفض أحد حتى الآن من المعيدين بسبب هذا الاجراء، ونحن نفخر بأن اختيار المعيدين مازال يتم وفقا لمعايير أكاديمية حسب درجاتهم وليس هناك أي تأثير في التعيينات بسبب مستواهم الاجتماعي أو الطبقى على عكس جهات أخرى، حتى الحالات التي كان يتم تعطيلها بسبب هذا الاجراء تدخلت فيها شخصيا، والأمر يعود في النهاية لشخصية عميد الكلية.
• ألا تمثل مثل هذه الاجراءات محاولات مبكرة لتدجين الأكاديميين؟
- ربما.. هي مجرد محاولات ، وقد تنجح مع البعض.
• انت عضو في الحزب الوطني الحاكم، هل تمثل عضوية الحزب أي أفضلية للأكاديمي؟
- الحزب لا يتدخل في الجامعة بأي شكل، والطريف أن بعض المتقدمين لمسابقات تعيين المعيدين بالجامعة يصدرون انتماءهم في اوراق الالتحاق، وهو ما يقابل بتهكم من اللجنة التي تستقبل طلباتهم. فكل شيء يخضع لقوانين الجامعة.
• بعيدا عن الجامعة.. كان لك تجربة في عمل حلقة قراءة مع مجموعة من الطلاب والباحثين لها قواعدها الخاصة، هل هذا هروب من قاعات الدرس التي تفرض قيودها على الأكاديمي والطالب سويا؟
- تجربة "منتدى القراءة" هي أحسن مشروع قمت به في حياتي، فاسلوب التعلم في مصر يقوم على التلقين، وفي قاعة الدرس يمارس الأكاديمي سلطته على الطلاب من خلال امتلاكه للمعرفة، وقد يصل استغلال هذه السلطة إلى استغلال الطلبة في أغراض خاصة، هذا المنتدى شعاره "العارفون يمتنعون"، ففي جلسات القراءة تتحقق المساواة بين الطالب والأستاذ والجميع يتساوى امام النصوص الكلاسيكية، وهو ما لم يتحمله بالمناسبة بعض الأكاديميين حين فقدوا سلطاتهم على الحضور، مثلما يمارسوها في الجامعة.
• هل تجد حال طالب اليوم أفضل في حريته البحثية عن حالك حين كنت طالبا في الجامعة؟
- المجتمع لم يختلف كثيرا في قيوده التي يفرضها على الباحثين وكذلك الجامعات لم تختلف، لكن ميزة هذا الجيل أنه يتوافر لديه مصادر معرفة متعددة، عبر الانترنت، والمكتبات الحالية، على عكس ما كنا قديما نشترى الكتب من بواسطة القادمين من الخارج، مشكلة طالب اليوم أن كلية الأداب حين أنشئت كان الهدف منها تخريج طالب موسوعي، ملم بكافة فروع المعرفة الانسانية الأخرى، في التاريخ والجغرافيا والفلسفة، وربما هذا أحد أهداف "منتدى القراءة"، فما نحتاجه اليوم هو جامعة جديدة، وانسان أكاديمي جديد، خارج قيود التقاليد البالية، والقيود الأخرى مثل الشللية وغير ذلك من معوقات الفكر داخل الجامعة.
No comments:
Post a Comment