معارضة في الخفاء
الختان.. صراع الشهوة والعقل
كتب – عبدالرحمن مصطفى
"لم أعتبر يوما أن ما أقوله في الأحاديث العائلية ومع الأصدقاء يمثل شكلا من التوعية أو الدور الاجتماعي.. الأمر مجرد موقف من تجربة لا أرغب لأي فتاة أن تمر بها". ترى سامية (تم تغيير الاسم بناء على طلبها) السيدة الخمسينية أن أحاديثها المناهضة للختان مع الأمهات في دائرة معارفها هي شهادة حق تعبر عن قناعة تراكمت عبر سنوات منذ أن تعرضت للختان قبل أكثر من 45 سنة. ما زالت تذكر التفاصيل إذ تقول: "كان الختان واسع الانتشار بين بنات جيلي، ورغم أنني أنتمي إلى أسرة متعلمة، إلا أن جذور أسرتي الريفية كانت سببا ملحا وراء اتخاذ هذا القرار، إذ كان مجرد إجراء روتيني لفتيات العائلة..". بعض مشاهد ذلك اليوم ما زالت تتذكرها جيدا بدء من المفاجأة التي حدثت حين علمت من أخيها الأصغر أن ذلك اليوم هو "يوم الطهور" انتهاء بتفاصيل الممارسة التي تمت على يد نساء ريفيات جئن خصيصا من "البلد" بصحبة عمتها لإجراء الختان. وفي أحاديثها اليوم مع الأمهات تدور مناقشات حول أهمية الختان للفتاة، حسب عبارتها فإن "الموضوع حرج، ولا يتم التحدث عنه إلا بصورة عفوية"، ولا يتفجر الجدل في هذه المناقشات إلا حين تقرر سامية التعبير عن موقفها الرافض لهذه الممارسة، تقول: "تختلف المبررات، هناك من تبرر هذا بأنه إجراء يضبط شهوات الفتيات، ويكون ردي الوحيد هو : هل منع الختان ظهور العاهرات؟".
ترى فيفيان فؤاد من خلال خبرة العمل في المشروع القومي لمناهضة ختان الإناث بوزارة الأسرة والسكان أن ما حدث في الخمسة عشرة سنة الأخيرة يعد تطورا إذ أصبح بالاستطاعة التحدث عن أمر يخص أجساد الفتيات بعد ألاف السنين من الصمت عن ممارسة الختان. وتقول : "تراكم النقاش حول الختان هو ما قد يحدث التغيير الاجتماعي". تشير أرقام المسح الديموجرافي الصحي لعام 2008 إلى أن 91% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً خضعن للختان. ورغم النسبة الكبيرة للمختتنات في مصر إلا أن الدكتورة فيفيان تنظر إلى الجانب الإيجابي في الواقع الحالي، إذ أصبحت القضية متاحة للنقاش وموضع اهتمام، توضح قائلة : "ما لا يدركه البعض خاصة بين البسطاء أن هناك قانونا يجرم ممارسة الختان للإناث وهو قانون الطفل، كذلك فإن ما نلمسه من خلال خط تليفون نجدة الطفل 16000 أن هناك حالة من الوعي والاهتمام بدأت تظهر من خلال نوعية الأسئلة، فغالبية المتصلين هم من الباحثين عن المعلومات، خاصة في ظل انتشار المعلومات المغلوطة عن الختان".
هذا الجدل والنقاش لا يتوافر في كثير من بلدان العالم التي لا تمارس الختان من الأساس، هذا ما لمسته سامية أثناء إقامتها في إحدى الدول العربية المجاورة بصحبة زوجها وأسرتها، إذ تقول: "أثناء إقامتي خارج مصر كانت بعض الأسر المصرية تحرص على ختان فتياتهن في فترة الإجازة السنوية، بعضهن كنت أعرف أنهن تعرضن للختان من الانكسار الذي يبدو عليهن بعد العودة من مصر، وحين أقارن بينهن وبين فتيات الجاليات الأخرى، سواء اللاتي في أعمارهن أو الأكبر كنت أجد الأخريات أكثر نضارة وانطلاقا". تلك الخبرات والحوارات مع الأمهات دفعتها إلى مزيد من الاطلاع بدافع شخصي، خاصة بعد إثارة القضية في الفضائيات والإعلام، وتقول : "كانت حجة بعض الأمهات أحيانا أن الختان سنة، وكان زوجي أكثر اطلاعا في هذا الشأن، وبعد سنوات أصبحنا أكثر اطمئنانا إلى أنها عادة ليست لها علاقة بالدين". كان الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية قد أصدر فتوى بتحريم ممارسة الختان الحالية في العام 2007 عقب حادث وفاة طفلة أثناء ختانها على يد طبيبة. ورغم هذه الفتوى إلا أن هناك العديد من الذين تبنوا أراء أخرى ترفع الختان إلى مرتبة السنة لدى المسلمين، وما زالت تلك الآراء تنشر في كتيبات وفي أبحاث متاحة للتحميل على الانترنت بعضها ألفه أكاديميون من مؤيدي ختان الإناث. وأنتج الجدل الدائر وارتفاع مستوى التعليم إلى ظهور مصطلح جديد هو "تطبيب الختان"، فبينما كان الفتيات يتم تختين على أيدي مهن مثل:الداية، وحلاق الصحة، والممرضة. تشير الدراسات إلى أن الختان اليوم أصبح أكثر رواجا في العيادات مثلما تشير الأرقام، إذ كشف تقرير المسح الديموجرافي والصحي لمصر عام 2008، أن ثلاثة أرباع عمليات الختان يتم إجراؤها على أيدي كوادر طبية مؤهلة، الأمر الذي يزيد من تفشي ظاهرة تطبيب الختان لتصل إلى 77,4٪ ، في مقابل 17٪ في عام 1996. أي أن الاتجاه الحالي هو إجراء هذه العملية في العيادات الطبية. وترى الدكتورة فيفيان فؤاد أن انتقال أجساد الفتيات إلى العيادات الطبية سرا هو نوع من الانتصار بعد أن كانت تلك الممارسة قديما تقام في أجواء بهجة وفرحة للأهل رغم الآم الفتاة الصغيرة وتضررها في المستقبل وتأثير ذلك على الحياة الزوجية، وتقول: "التغيير يحدث حين تصل المعلومات الحقيقية إلى الناس.. هذا ما استنتجته من خلال نتائج العمل الميداني في الفترة السابقة أما أكبر تحدي فهو من أصحاب المصالح ومن يخلطون الدين بالسياسة، ويفسرون كل خطوة تفسيرا تآمريا، ما زال الأمل في أجيال جديدة اقتنعت بمضار هذه الممارسة، وبعضهم أصبح متطوعا لمناهضة هذه الممارسة، والرهان على هؤلاء في تغيير الأرقام ناحية انحسار الختان في مصر".
في مساحات بعيدة عن العمل الميداني وجها لوجه، داخل منتديات الانترنت، تدور نقاشات تحت أسماء مستعارة، في أحد المنتديات النسائية عنوان : قصتي مع الختان، تؤيد كاتبة الموضوع الختان لكن "بشروط"، أهمها العرض على "طبيبة مسلمة ثقة" لتحديد مدى ضرورة الختان، وتتوالى الردود بين المؤيدات اللاتي يرين فيه "تربية وأخلاق"، وأخريات يرين فيه جريمة بشعة، ولم تخلو الإجابات من دفاع لمن تعرضن للختان بأنه لا يؤثر على العلاقة الزوجية، وفي موضوع آخر في نفس المنتدى تتساءل إحداهن تحت عنوان: الختان للبنات، إن كان الختان في سن كبير بين 16 و21سنة يسبب مشكلات للفتاة، وتتوالى الردود التي فضل أغلبها الحديث عبر الايميل بعيدا عن المنتدى المفتوح للقراء، وتظهر من خلال الردود أن الختان قلق مصري، لا يشغل المعلقات من بلدان عربية أخرى. بعض الفتيات والنساء من نوعية سامية الرافضات للختان يعبرن عن رفضهن عبر الانترنت في خفاء واقتضاب، بينما تظهر نتائج البحث الأولية على محركات البحث على الانترنت أن الأكثر رواجا هي نتائج المدافعين عن الختان الأعلى صوتا.
قد لا تشارك سامية بحكم قلة خبرتها في التعامل مع الانترنت في هذه المناقشات، لكنها ما زالت متمسكة بموقفها القائم على التعامل وجها لوجه في دائرة معارفها معلنة رفضها للختان على أمل حماية جسد فتاة صغيرة ليس لها صوت كي تدافع على نفسها، وتردد عبارة واحدة قائلة : "لم أرزق ببنات، لكن لو كنت قد رزقت بهن لما سمحت لأحد بأن يمسهن إلا أزواجهن في المستقبل".
الختان.. صراع الشهوة والعقل
كتب – عبدالرحمن مصطفى
"لم أعتبر يوما أن ما أقوله في الأحاديث العائلية ومع الأصدقاء يمثل شكلا من التوعية أو الدور الاجتماعي.. الأمر مجرد موقف من تجربة لا أرغب لأي فتاة أن تمر بها". ترى سامية (تم تغيير الاسم بناء على طلبها) السيدة الخمسينية أن أحاديثها المناهضة للختان مع الأمهات في دائرة معارفها هي شهادة حق تعبر عن قناعة تراكمت عبر سنوات منذ أن تعرضت للختان قبل أكثر من 45 سنة. ما زالت تذكر التفاصيل إذ تقول: "كان الختان واسع الانتشار بين بنات جيلي، ورغم أنني أنتمي إلى أسرة متعلمة، إلا أن جذور أسرتي الريفية كانت سببا ملحا وراء اتخاذ هذا القرار، إذ كان مجرد إجراء روتيني لفتيات العائلة..". بعض مشاهد ذلك اليوم ما زالت تتذكرها جيدا بدء من المفاجأة التي حدثت حين علمت من أخيها الأصغر أن ذلك اليوم هو "يوم الطهور" انتهاء بتفاصيل الممارسة التي تمت على يد نساء ريفيات جئن خصيصا من "البلد" بصحبة عمتها لإجراء الختان. وفي أحاديثها اليوم مع الأمهات تدور مناقشات حول أهمية الختان للفتاة، حسب عبارتها فإن "الموضوع حرج، ولا يتم التحدث عنه إلا بصورة عفوية"، ولا يتفجر الجدل في هذه المناقشات إلا حين تقرر سامية التعبير عن موقفها الرافض لهذه الممارسة، تقول: "تختلف المبررات، هناك من تبرر هذا بأنه إجراء يضبط شهوات الفتيات، ويكون ردي الوحيد هو : هل منع الختان ظهور العاهرات؟".
ترى فيفيان فؤاد من خلال خبرة العمل في المشروع القومي لمناهضة ختان الإناث بوزارة الأسرة والسكان أن ما حدث في الخمسة عشرة سنة الأخيرة يعد تطورا إذ أصبح بالاستطاعة التحدث عن أمر يخص أجساد الفتيات بعد ألاف السنين من الصمت عن ممارسة الختان. وتقول : "تراكم النقاش حول الختان هو ما قد يحدث التغيير الاجتماعي". تشير أرقام المسح الديموجرافي الصحي لعام 2008 إلى أن 91% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً خضعن للختان. ورغم النسبة الكبيرة للمختتنات في مصر إلا أن الدكتورة فيفيان تنظر إلى الجانب الإيجابي في الواقع الحالي، إذ أصبحت القضية متاحة للنقاش وموضع اهتمام، توضح قائلة : "ما لا يدركه البعض خاصة بين البسطاء أن هناك قانونا يجرم ممارسة الختان للإناث وهو قانون الطفل، كذلك فإن ما نلمسه من خلال خط تليفون نجدة الطفل 16000 أن هناك حالة من الوعي والاهتمام بدأت تظهر من خلال نوعية الأسئلة، فغالبية المتصلين هم من الباحثين عن المعلومات، خاصة في ظل انتشار المعلومات المغلوطة عن الختان".
هذا الجدل والنقاش لا يتوافر في كثير من بلدان العالم التي لا تمارس الختان من الأساس، هذا ما لمسته سامية أثناء إقامتها في إحدى الدول العربية المجاورة بصحبة زوجها وأسرتها، إذ تقول: "أثناء إقامتي خارج مصر كانت بعض الأسر المصرية تحرص على ختان فتياتهن في فترة الإجازة السنوية، بعضهن كنت أعرف أنهن تعرضن للختان من الانكسار الذي يبدو عليهن بعد العودة من مصر، وحين أقارن بينهن وبين فتيات الجاليات الأخرى، سواء اللاتي في أعمارهن أو الأكبر كنت أجد الأخريات أكثر نضارة وانطلاقا". تلك الخبرات والحوارات مع الأمهات دفعتها إلى مزيد من الاطلاع بدافع شخصي، خاصة بعد إثارة القضية في الفضائيات والإعلام، وتقول : "كانت حجة بعض الأمهات أحيانا أن الختان سنة، وكان زوجي أكثر اطلاعا في هذا الشأن، وبعد سنوات أصبحنا أكثر اطمئنانا إلى أنها عادة ليست لها علاقة بالدين". كان الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية قد أصدر فتوى بتحريم ممارسة الختان الحالية في العام 2007 عقب حادث وفاة طفلة أثناء ختانها على يد طبيبة. ورغم هذه الفتوى إلا أن هناك العديد من الذين تبنوا أراء أخرى ترفع الختان إلى مرتبة السنة لدى المسلمين، وما زالت تلك الآراء تنشر في كتيبات وفي أبحاث متاحة للتحميل على الانترنت بعضها ألفه أكاديميون من مؤيدي ختان الإناث. وأنتج الجدل الدائر وارتفاع مستوى التعليم إلى ظهور مصطلح جديد هو "تطبيب الختان"، فبينما كان الفتيات يتم تختين على أيدي مهن مثل:الداية، وحلاق الصحة، والممرضة. تشير الدراسات إلى أن الختان اليوم أصبح أكثر رواجا في العيادات مثلما تشير الأرقام، إذ كشف تقرير المسح الديموجرافي والصحي لمصر عام 2008، أن ثلاثة أرباع عمليات الختان يتم إجراؤها على أيدي كوادر طبية مؤهلة، الأمر الذي يزيد من تفشي ظاهرة تطبيب الختان لتصل إلى 77,4٪ ، في مقابل 17٪ في عام 1996. أي أن الاتجاه الحالي هو إجراء هذه العملية في العيادات الطبية. وترى الدكتورة فيفيان فؤاد أن انتقال أجساد الفتيات إلى العيادات الطبية سرا هو نوع من الانتصار بعد أن كانت تلك الممارسة قديما تقام في أجواء بهجة وفرحة للأهل رغم الآم الفتاة الصغيرة وتضررها في المستقبل وتأثير ذلك على الحياة الزوجية، وتقول: "التغيير يحدث حين تصل المعلومات الحقيقية إلى الناس.. هذا ما استنتجته من خلال نتائج العمل الميداني في الفترة السابقة أما أكبر تحدي فهو من أصحاب المصالح ومن يخلطون الدين بالسياسة، ويفسرون كل خطوة تفسيرا تآمريا، ما زال الأمل في أجيال جديدة اقتنعت بمضار هذه الممارسة، وبعضهم أصبح متطوعا لمناهضة هذه الممارسة، والرهان على هؤلاء في تغيير الأرقام ناحية انحسار الختان في مصر".
في مساحات بعيدة عن العمل الميداني وجها لوجه، داخل منتديات الانترنت، تدور نقاشات تحت أسماء مستعارة، في أحد المنتديات النسائية عنوان : قصتي مع الختان، تؤيد كاتبة الموضوع الختان لكن "بشروط"، أهمها العرض على "طبيبة مسلمة ثقة" لتحديد مدى ضرورة الختان، وتتوالى الردود بين المؤيدات اللاتي يرين فيه "تربية وأخلاق"، وأخريات يرين فيه جريمة بشعة، ولم تخلو الإجابات من دفاع لمن تعرضن للختان بأنه لا يؤثر على العلاقة الزوجية، وفي موضوع آخر في نفس المنتدى تتساءل إحداهن تحت عنوان: الختان للبنات، إن كان الختان في سن كبير بين 16 و21سنة يسبب مشكلات للفتاة، وتتوالى الردود التي فضل أغلبها الحديث عبر الايميل بعيدا عن المنتدى المفتوح للقراء، وتظهر من خلال الردود أن الختان قلق مصري، لا يشغل المعلقات من بلدان عربية أخرى. بعض الفتيات والنساء من نوعية سامية الرافضات للختان يعبرن عن رفضهن عبر الانترنت في خفاء واقتضاب، بينما تظهر نتائج البحث الأولية على محركات البحث على الانترنت أن الأكثر رواجا هي نتائج المدافعين عن الختان الأعلى صوتا.
قد لا تشارك سامية بحكم قلة خبرتها في التعامل مع الانترنت في هذه المناقشات، لكنها ما زالت متمسكة بموقفها القائم على التعامل وجها لوجه في دائرة معارفها معلنة رفضها للختان على أمل حماية جسد فتاة صغيرة ليس لها صوت كي تدافع على نفسها، وتردد عبارة واحدة قائلة : "لم أرزق ببنات، لكن لو كنت قد رزقت بهن لما سمحت لأحد بأن يمسهن إلا أزواجهن في المستقبل".
ـــ
فتيات دار السلام
وسط مجموعة من الفتيات يرتدين الزي المدرسي تتصدر "أسماء" (11 سنة) المشهد، وفي الخلفية تشاركها زميلتها "دعاء" (13 سنة) الغناء، يردد الجميع : "يا بنت النيل يا حرة .. الختان عادة ضارة" ضمن عرض قررن تقديمه في إحدى قاعات جمعية بنت النيل بحي دار السلام. في السنوات السابقة عملت الجمعية في عدة أنشطة لخدمة سكان الحي المتواضع، أما المشروع الذي يضم كل من دعاء وأسماء وزميلاتهن فهو مشروع تحسين الظروف التعليمية والصحية والنفسية للفتيات المعرضات للختان بحي دار السلام، تقول سيدة السيد رئيسة الجمعية "الفكرة ليست فقط مقتصرة على قضية الختان، بل تنمية فتيات لم يتعرضن للختان كي يكن نموذجا لمن حولهن، لذا أحيانا ما نتواصل مع الأهل إذا ما وجدنا فتاة تتعرض للعنف الأسري، أو تعاني من تأخر دراسي".
كانت نفس القاعة قبلها بقليل قد شهدت جلسة تعقد شهريا مع الأمهات والآباء بهدف التوعية بقضايا تخص العلاقة بين الرجل والمرأة، من على المنصة توجه سيدة السيد وفردوس بهنسي أسئلة إلى الأمهات تدفعهن إلى التفكير، مثل : لو لم تقومي بعمل المنزل كم سيتكلف المجيء بعاملة تقوم بهذا الدور؟ كيف ترين صورة الرجل ؟ في آخر القاعة يشارك الحاج سمير الذي أتى بصحبة زوجته وإلى جواره أحد سكان الحي الذي جذبته الفكرة. يشارك الجميع في طرح الأسئلة والإجابات مع مديري جلسة النقاش.
يقول أحمد صديق مدير مؤسسة حماية وتنمية الطفل وحقوقه المشاركة في المشروع أن هذه الخطوات سبقتها دراسة مسحية في الحي أظهرت أن الغالبية العظمى من الفتيات يتم تختينهن بنسبة تقارب95%. إلى جوار القاعة الرئيسية بالجمعية أعمال فنية رسمت بأيدي الطالبات، ويقول أحمد صديق: "المشروع يدعم الفتيات ماديا وتعليميا، إلى جانب الرحلات الترفيهية". من ملاحظاتها لتطور سلوك الفتيات على مدار عام من العمل ترى سيدة السيد رئيس جمعية بنت النيل أن الفتيات أصبحن أكثر اهتماما بأنفسهن من قبل، وتقول : "حتى الأمهات لاحظن نفس الأمر، كما تسبب انخراط الفتيات في الأنشطة المتنوعة حالة من الحوار بين الفتيات وأهلهن". تلك الأنشطة كما يوضح المسئولون عن المشروع كان يعرقلها تخوفات الأهالي من فكرة خروج الفتيات في رحلات ترفيهية، وقلق بعض السكان المحيطين بالجمعية من الندوات التي تعقد للأهالي، يعلق أحمد صديق قائلا: :"أحد الجيران القلقين كان حاضرا معنا في ندوة اليوم، وشارك في النقاش بعد أسابيع من الحذر في المشاركة". يأمل القائمون على المشروع أن تتحول الفتيات المشاركات إلى سفراء في محيطهن، رغم تلك المحاولات ما زالت بعض الأمهات يتجهن بشكل جماعي إلى إجراء الختان على أطراف دار السلام لدى أحد الرجال المعروفين هناك، لكن تلك المواقف لم تمنع "أسماء" طالبة السنة الخامسة الابتدائية من التعبير عن موقفها وسط زميلاتها في المدرسة حين يثار الحديث حول هذا الأمر قائلة : "حين يسألنني زميلاتي عن الختان أقول بوضوح أن الختان حرام، ويجب ألا تتعرض له فتاة".
وسط مجموعة من الفتيات يرتدين الزي المدرسي تتصدر "أسماء" (11 سنة) المشهد، وفي الخلفية تشاركها زميلتها "دعاء" (13 سنة) الغناء، يردد الجميع : "يا بنت النيل يا حرة .. الختان عادة ضارة" ضمن عرض قررن تقديمه في إحدى قاعات جمعية بنت النيل بحي دار السلام. في السنوات السابقة عملت الجمعية في عدة أنشطة لخدمة سكان الحي المتواضع، أما المشروع الذي يضم كل من دعاء وأسماء وزميلاتهن فهو مشروع تحسين الظروف التعليمية والصحية والنفسية للفتيات المعرضات للختان بحي دار السلام، تقول سيدة السيد رئيسة الجمعية "الفكرة ليست فقط مقتصرة على قضية الختان، بل تنمية فتيات لم يتعرضن للختان كي يكن نموذجا لمن حولهن، لذا أحيانا ما نتواصل مع الأهل إذا ما وجدنا فتاة تتعرض للعنف الأسري، أو تعاني من تأخر دراسي".
كانت نفس القاعة قبلها بقليل قد شهدت جلسة تعقد شهريا مع الأمهات والآباء بهدف التوعية بقضايا تخص العلاقة بين الرجل والمرأة، من على المنصة توجه سيدة السيد وفردوس بهنسي أسئلة إلى الأمهات تدفعهن إلى التفكير، مثل : لو لم تقومي بعمل المنزل كم سيتكلف المجيء بعاملة تقوم بهذا الدور؟ كيف ترين صورة الرجل ؟ في آخر القاعة يشارك الحاج سمير الذي أتى بصحبة زوجته وإلى جواره أحد سكان الحي الذي جذبته الفكرة. يشارك الجميع في طرح الأسئلة والإجابات مع مديري جلسة النقاش.
يقول أحمد صديق مدير مؤسسة حماية وتنمية الطفل وحقوقه المشاركة في المشروع أن هذه الخطوات سبقتها دراسة مسحية في الحي أظهرت أن الغالبية العظمى من الفتيات يتم تختينهن بنسبة تقارب95%. إلى جوار القاعة الرئيسية بالجمعية أعمال فنية رسمت بأيدي الطالبات، ويقول أحمد صديق: "المشروع يدعم الفتيات ماديا وتعليميا، إلى جانب الرحلات الترفيهية". من ملاحظاتها لتطور سلوك الفتيات على مدار عام من العمل ترى سيدة السيد رئيس جمعية بنت النيل أن الفتيات أصبحن أكثر اهتماما بأنفسهن من قبل، وتقول : "حتى الأمهات لاحظن نفس الأمر، كما تسبب انخراط الفتيات في الأنشطة المتنوعة حالة من الحوار بين الفتيات وأهلهن". تلك الأنشطة كما يوضح المسئولون عن المشروع كان يعرقلها تخوفات الأهالي من فكرة خروج الفتيات في رحلات ترفيهية، وقلق بعض السكان المحيطين بالجمعية من الندوات التي تعقد للأهالي، يعلق أحمد صديق قائلا: :"أحد الجيران القلقين كان حاضرا معنا في ندوة اليوم، وشارك في النقاش بعد أسابيع من الحذر في المشاركة". يأمل القائمون على المشروع أن تتحول الفتيات المشاركات إلى سفراء في محيطهن، رغم تلك المحاولات ما زالت بعض الأمهات يتجهن بشكل جماعي إلى إجراء الختان على أطراف دار السلام لدى أحد الرجال المعروفين هناك، لكن تلك المواقف لم تمنع "أسماء" طالبة السنة الخامسة الابتدائية من التعبير عن موقفها وسط زميلاتها في المدرسة حين يثار الحديث حول هذا الأمر قائلة : "حين يسألنني زميلاتي عن الختان أقول بوضوح أن الختان حرام، ويجب ألا تتعرض له فتاة".
3 أسئلة حول المجتمع وجسد المرأة
فردوس البهنسي خبيرة تنمية المجتمع، واستشارية التدريب
- ما هي ملامح نظرة المجتمع المصري للمرأة في ضوء نتائج العمل الميداني في هذا المجال؟
نستطيع تفهم تلك النظرة من خلال عبارة شهيرة تقابلنا في المناسبات هي: لا عزاء للسيدات، إذ ما زالت المرأة في موضع التابع للرجل سواء في المواقف الاجتماعية، بل حتى في النظرة إلى صاحبات المناصب السياسية، لعل الانتخابات الأخيرة كشفت بعض ملامح هذه الصورة في أن تكون المرأة مدعومة من قبل مرشح "رجل"، ما زلنا إلى حد كبير محكومين بأفكار العزوة واسم العائلة المرتبطة بإنجاب الذكور، والمفارقة أن من خبرة العمل الميداني في المشروعات المرتبطة بتنمية المرأة وجدت أن الوضع في الصعيد حيث العادات المتأصلة وما يشاع عن مقاومة التغيير الاجتماعي أفضل بكثير من "بحري" والعاصمة، الناس في الصعيد نتيجة الحرمان من التنمية في شوق إلى الحوار والتواصل. والفيصل في تغيير هذه الصورة هو التعامل الجاد من قبل النساء العاملات على هذا التغيير.
- كيف تطور وضع المرأة في المجتمع إلى ممارسات ضدها؟
تكفي نظرة إلى الإعلانات التجارية التي يكرس بعضها صورة ضعف المرأة والاستهزاء بها، لكن تلك الممارسات ليست مرتبطة ببعد واحد، فمثلا هناك تراجع بطيء في ظاهرتي ختان الإناث وزواج القاصرات، لكن على جانب آخر نجد ظواهر أخرى قد طفت على السطح مثل ظاهرتي التحرش الجنسي و استغلال فتيات الشوارع، وتلك الظواهر الأخيرة مرتبطة بشكل كبير بالحالة الاقتصادية وغياب الأماكن التي تحتوي طاقة الشباب، أما الظواهر الراسخة في المجتمع مثل الختان وزواج القاصرات فتلك تعتمد على هيبة الدولة، لأنه رغم ظهور قوانين تجرم تلك الممارسات إلا أن هناك وسائل للتحايل عليها ما زالت موجودة. بل هناك مشاكل أكبر لدي موظفي الجهاز الإداري في الدولة، كأن نجد موظفا صغيرا يتبنى النظرة الدونية إلى المرأة ويعرقل مجهودات إصدار القوانين وحملات التوعية.
- كيف يمكن التغلب على النظرة الدونية إلى المرأة في المجتمع؟
هناك عدة مجالات يجب العمل فيها لتحقيق التغيير، فمن الصعب أن نجد في مناهج التعليم دروسا للأطفال في المرحلة الابتدائية تظهر الولد بموقف بطولي، والأم في موقف هامشي، رغم أننا نعلم جيدا كيف أن هناك أمهات هي من تعيل أسرهن، وفي مجال الإعلام ما زال البعض يفتقد الوعي بأنه يكرس لاحتقار المرأة وإظهارها بصورة مهمشة أو سخيفة، كذلك هناك طريق آخر يمكن اتخاذه بالعمل على تنمية الفتيات المميزات وأسرهن، على أمل ألا يقعن في مشاكل و يصبحن نماذج لمن حولهن، هذا النموذج اعمل عليه الآن في برنامج لاختيار فتيات غير مختنات، و دعمهن وتدريبهن على الرسم والخروج في رحلات تثقيفية، وحتى مع تخوف الأهالي إلا أننا في النهاية ننجح في طمأنتهم وتعريفهم بأهدافنا.
فردوس البهنسي خبيرة تنمية المجتمع، واستشارية التدريب
- ما هي ملامح نظرة المجتمع المصري للمرأة في ضوء نتائج العمل الميداني في هذا المجال؟
نستطيع تفهم تلك النظرة من خلال عبارة شهيرة تقابلنا في المناسبات هي: لا عزاء للسيدات، إذ ما زالت المرأة في موضع التابع للرجل سواء في المواقف الاجتماعية، بل حتى في النظرة إلى صاحبات المناصب السياسية، لعل الانتخابات الأخيرة كشفت بعض ملامح هذه الصورة في أن تكون المرأة مدعومة من قبل مرشح "رجل"، ما زلنا إلى حد كبير محكومين بأفكار العزوة واسم العائلة المرتبطة بإنجاب الذكور، والمفارقة أن من خبرة العمل الميداني في المشروعات المرتبطة بتنمية المرأة وجدت أن الوضع في الصعيد حيث العادات المتأصلة وما يشاع عن مقاومة التغيير الاجتماعي أفضل بكثير من "بحري" والعاصمة، الناس في الصعيد نتيجة الحرمان من التنمية في شوق إلى الحوار والتواصل. والفيصل في تغيير هذه الصورة هو التعامل الجاد من قبل النساء العاملات على هذا التغيير.
- كيف تطور وضع المرأة في المجتمع إلى ممارسات ضدها؟
تكفي نظرة إلى الإعلانات التجارية التي يكرس بعضها صورة ضعف المرأة والاستهزاء بها، لكن تلك الممارسات ليست مرتبطة ببعد واحد، فمثلا هناك تراجع بطيء في ظاهرتي ختان الإناث وزواج القاصرات، لكن على جانب آخر نجد ظواهر أخرى قد طفت على السطح مثل ظاهرتي التحرش الجنسي و استغلال فتيات الشوارع، وتلك الظواهر الأخيرة مرتبطة بشكل كبير بالحالة الاقتصادية وغياب الأماكن التي تحتوي طاقة الشباب، أما الظواهر الراسخة في المجتمع مثل الختان وزواج القاصرات فتلك تعتمد على هيبة الدولة، لأنه رغم ظهور قوانين تجرم تلك الممارسات إلا أن هناك وسائل للتحايل عليها ما زالت موجودة. بل هناك مشاكل أكبر لدي موظفي الجهاز الإداري في الدولة، كأن نجد موظفا صغيرا يتبنى النظرة الدونية إلى المرأة ويعرقل مجهودات إصدار القوانين وحملات التوعية.
- كيف يمكن التغلب على النظرة الدونية إلى المرأة في المجتمع؟
هناك عدة مجالات يجب العمل فيها لتحقيق التغيير، فمن الصعب أن نجد في مناهج التعليم دروسا للأطفال في المرحلة الابتدائية تظهر الولد بموقف بطولي، والأم في موقف هامشي، رغم أننا نعلم جيدا كيف أن هناك أمهات هي من تعيل أسرهن، وفي مجال الإعلام ما زال البعض يفتقد الوعي بأنه يكرس لاحتقار المرأة وإظهارها بصورة مهمشة أو سخيفة، كذلك هناك طريق آخر يمكن اتخاذه بالعمل على تنمية الفتيات المميزات وأسرهن، على أمل ألا يقعن في مشاكل و يصبحن نماذج لمن حولهن، هذا النموذج اعمل عليه الآن في برنامج لاختيار فتيات غير مختنات، و دعمهن وتدريبهن على الرسم والخروج في رحلات تثقيفية، وحتى مع تخوف الأهالي إلا أننا في النهاية ننجح في طمأنتهم وتعريفهم بأهدافنا.
الجسد.. بين فستان و ريشة فنان
"نجاح الموديل يتوقف على أمور ليست بيدها، مثل تقبل مصممي الأزياء لها وأن يتوافر لديها القوام الملائم للمهنة". ترى أمينة شلباية مصممة الأزياء وخبيرة التجميل أن الضغط العصبي الوحيد الواقع على عارضة الأزياء هو أن تحافظ على قوامها وبشرتها، وأن تجيد المشي برشاقة وخفة على "الممشى". عدا تلك التحديات، فغالبية العاملات في مهنة عروض الأزياء يعلمون أنهم يؤدون عملا مؤقتا، تقول أمينة شلباية: "بعض من يؤدين عروض الأزياء يعملن في بنوك وخريجات جامعات محترمة، المسألة لا تحتاج إلى تفرغ كامل، والموديل المطلوبة هي التي لها طلة مميزة على الممشى.. وهذا المجال يكاد يكون الوحيد الذي لا تصلح فيه الوساطة، لن تجد مصمم أزياء يضحى بعمله من أجل مجاملات". بعض الاتهامات أحيانا ما كانت توجه إلى فكرة استخدام الجسد كوسيط لعرض الأزياء، وشغلت تلك الفكرة بعض المفكرين في الغرب، وأهمهم كان المفكر الفرنسي جان بودريار الذي روّج لمصطلح صنمية الصورة، إذ تحدد صورة العارض والعارضة طبيعة الأزياء التي يجب أن تنتشر في المجتمع، هذا الجدل لم يشغل كثيرين في مجتمعاتنا، عدا بعض الانتقادات التي يسددها أحيانا أصحاب الاتجاهات المحافظة وهو ما دفع إلى ظهور أفكار جديدة مثل رابطة عارضات الأزياء المحجبات التي تم تدشينها على شبكة فيسبوك الاجتماعية بهدف أن تقتصر العضوية على المحجبات وتقول أمينة شلباية : "لا يوجد شيء اسمه عارضة أزياء محجبة، مهمة العارضة أن تعرض ملابس أيا كانت، بواسطة جسدها الملائم لتلك المهنة، أما نظرة المجتمع فلم تعد تتحكم في شيء، في النهاية عرض الأزياء مثل التمثيل وغيره من المهن الأخرى، بها الجيد والرديء على السواء" . حسب عبارة أمينة شلباية التي احترفت عروض الأزياء ثم انتقلت إلى التصميم وتقديم البرامج فإن "عرض الأزياء في النهاية هو سلم لمجالات أخرى وليس مجال مهني ثابت"، إذ أن تطور ملامح العارضة تجعل الأضواء تخفت عن العاملة في هذا المجال في بدايات سن الثلاثين.
رحلة البحث عن موديل في مجال عروض الأزياء تحددها معايير مهنية تقليدية، تجعل الفرصة متاحة أمام فتيات بالتحديد، كأن يتجاوز الطول 170 سنتيمتر، وأن تكون ذات ملامح مقبولة للجمهور ومصمم الأزياء، الأمر مختلف تماما في مجالات أخرى مثل الفن التشكيلي حين يبحث الفنان عن "موديل" تعينه في إتمام أعماله الفنية، ويزيد الحرج الاجتماعي على تلك الموديل التي تتعرى أحيانا أمام فنان لساعات كي ينجز لوحته. في كتاب نساء حسن سليمان (المجلس الأعلى للثقافة، 2009)، ترصد الكاتبة عبلة الرويني تلك العلاقة بين الفنان والموديل من خلال حواراتها مع الفنان التشكيلي حسن سليمان. بين ملاحظاته لبعض النساء في الأسواق والشوارع يتحولن في لحظات إلى بطلات لوحاته. يقول حسن سليمان كما نقلت عنه عبلة الرويني: "أنا لا عمري ما رسمت موديل مومس، ولا تشكل لوحاتي امتهانا للجسد، وبالعكس، الموديل دائما فخورة بجسدها ومتباهية به" هذه العبارات جاءت في تعليقه على النظرة الدونية إلى الموديل في ذلك الوقت، إذ يرى البعض – حسبما يقول- أنها مجرد امرأة سيئة السمعة تتعرى لتقبض الثمن. تلك الصورة منذ أن كان حسن سليمان ينتج لوحاته وأعماله أصبحت أكثر غموضا اليوم يعلق على ذلك سمير فؤاد الفنان التشكيلي الذي شارك حسن سليمان الكثير من المواقف، ويعلق قائلا: "أزمتنا اليوم هي غياب الموديل المحترف، في الماضي حين كان الفنانون يجتمعون في البيوت التاريخية لرسم الموديلات، كانت الواحدة منهن تشعر بأهميتها، أما اليوم فالأمر بالنسبة لها مجرد قرشين زيادة إلى جانب عملها". في معرضه الأخير الذي أقامه تحت عنوان "الجسد" كان محور أعماله حول فكرة الجسد، استعان ببعض الموديلات كي ينقل عنهن تشريح الجسد الذي يصوره، ثم يضع لمساته بعدها، اليوم قد لا يستطيع الوصول إلى نفس الموديل التي رسمها قبل سنوات، حسب عبارته: "قد تجد رقم الهاتف قد تغير، أو قد لا تبدي أخرى اهتماما بالحضور والالتزام بالمواعيد، المشكلة الأكبر هي أن الغالبية لا تقدر أن جسدها جزءا هامة من إنتاج عمل فني".
"نجاح الموديل يتوقف على أمور ليست بيدها، مثل تقبل مصممي الأزياء لها وأن يتوافر لديها القوام الملائم للمهنة". ترى أمينة شلباية مصممة الأزياء وخبيرة التجميل أن الضغط العصبي الوحيد الواقع على عارضة الأزياء هو أن تحافظ على قوامها وبشرتها، وأن تجيد المشي برشاقة وخفة على "الممشى". عدا تلك التحديات، فغالبية العاملات في مهنة عروض الأزياء يعلمون أنهم يؤدون عملا مؤقتا، تقول أمينة شلباية: "بعض من يؤدين عروض الأزياء يعملن في بنوك وخريجات جامعات محترمة، المسألة لا تحتاج إلى تفرغ كامل، والموديل المطلوبة هي التي لها طلة مميزة على الممشى.. وهذا المجال يكاد يكون الوحيد الذي لا تصلح فيه الوساطة، لن تجد مصمم أزياء يضحى بعمله من أجل مجاملات". بعض الاتهامات أحيانا ما كانت توجه إلى فكرة استخدام الجسد كوسيط لعرض الأزياء، وشغلت تلك الفكرة بعض المفكرين في الغرب، وأهمهم كان المفكر الفرنسي جان بودريار الذي روّج لمصطلح صنمية الصورة، إذ تحدد صورة العارض والعارضة طبيعة الأزياء التي يجب أن تنتشر في المجتمع، هذا الجدل لم يشغل كثيرين في مجتمعاتنا، عدا بعض الانتقادات التي يسددها أحيانا أصحاب الاتجاهات المحافظة وهو ما دفع إلى ظهور أفكار جديدة مثل رابطة عارضات الأزياء المحجبات التي تم تدشينها على شبكة فيسبوك الاجتماعية بهدف أن تقتصر العضوية على المحجبات وتقول أمينة شلباية : "لا يوجد شيء اسمه عارضة أزياء محجبة، مهمة العارضة أن تعرض ملابس أيا كانت، بواسطة جسدها الملائم لتلك المهنة، أما نظرة المجتمع فلم تعد تتحكم في شيء، في النهاية عرض الأزياء مثل التمثيل وغيره من المهن الأخرى، بها الجيد والرديء على السواء" . حسب عبارة أمينة شلباية التي احترفت عروض الأزياء ثم انتقلت إلى التصميم وتقديم البرامج فإن "عرض الأزياء في النهاية هو سلم لمجالات أخرى وليس مجال مهني ثابت"، إذ أن تطور ملامح العارضة تجعل الأضواء تخفت عن العاملة في هذا المجال في بدايات سن الثلاثين.
رحلة البحث عن موديل في مجال عروض الأزياء تحددها معايير مهنية تقليدية، تجعل الفرصة متاحة أمام فتيات بالتحديد، كأن يتجاوز الطول 170 سنتيمتر، وأن تكون ذات ملامح مقبولة للجمهور ومصمم الأزياء، الأمر مختلف تماما في مجالات أخرى مثل الفن التشكيلي حين يبحث الفنان عن "موديل" تعينه في إتمام أعماله الفنية، ويزيد الحرج الاجتماعي على تلك الموديل التي تتعرى أحيانا أمام فنان لساعات كي ينجز لوحته. في كتاب نساء حسن سليمان (المجلس الأعلى للثقافة، 2009)، ترصد الكاتبة عبلة الرويني تلك العلاقة بين الفنان والموديل من خلال حواراتها مع الفنان التشكيلي حسن سليمان. بين ملاحظاته لبعض النساء في الأسواق والشوارع يتحولن في لحظات إلى بطلات لوحاته. يقول حسن سليمان كما نقلت عنه عبلة الرويني: "أنا لا عمري ما رسمت موديل مومس، ولا تشكل لوحاتي امتهانا للجسد، وبالعكس، الموديل دائما فخورة بجسدها ومتباهية به" هذه العبارات جاءت في تعليقه على النظرة الدونية إلى الموديل في ذلك الوقت، إذ يرى البعض – حسبما يقول- أنها مجرد امرأة سيئة السمعة تتعرى لتقبض الثمن. تلك الصورة منذ أن كان حسن سليمان ينتج لوحاته وأعماله أصبحت أكثر غموضا اليوم يعلق على ذلك سمير فؤاد الفنان التشكيلي الذي شارك حسن سليمان الكثير من المواقف، ويعلق قائلا: "أزمتنا اليوم هي غياب الموديل المحترف، في الماضي حين كان الفنانون يجتمعون في البيوت التاريخية لرسم الموديلات، كانت الواحدة منهن تشعر بأهميتها، أما اليوم فالأمر بالنسبة لها مجرد قرشين زيادة إلى جانب عملها". في معرضه الأخير الذي أقامه تحت عنوان "الجسد" كان محور أعماله حول فكرة الجسد، استعان ببعض الموديلات كي ينقل عنهن تشريح الجسد الذي يصوره، ثم يضع لمساته بعدها، اليوم قد لا يستطيع الوصول إلى نفس الموديل التي رسمها قبل سنوات، حسب عبارته: "قد تجد رقم الهاتف قد تغير، أو قد لا تبدي أخرى اهتماما بالحضور والالتزام بالمواعيد، المشكلة الأكبر هي أن الغالبية لا تقدر أن جسدها جزءا هامة من إنتاج عمل فني".
No comments:
Post a Comment