وسط الشوارع أنواع مختلفة من الموسيقى والغناء، بعضها أعلن عن نفسه فى أفراح ومهرجانات شعبية، والبعض الآخر تلاشت نغماته بين الزحام.. حالة خاصة يختلط فيها الإبداع مع الاستعراض والتجريب مع الاحتراف لا تظهر تجلياتها إلا فى الشارع.
كتب - عبدالرحمن مصطفى
تصوير : محمود خالد، هبة خليفة
الأغنية التى يعرضها أحمد سمير على جهاز الكمبيوتر فى غرفته الصغيرة هى نفسها التى قد يسمعها غيره فى التوك توك أو المترو أو مواقع الانترنت، الفارق الوحيد أن أحمد سمير هو أحد صانعى هذه الأغانى التى تحمل تصنيف «مهرجان». والمهرجان فى مفهوم هؤلاء الشباب المنتمين لأحياء شعبية هو: سرادق ومسرح ودى جيه وعدد غفير من الشباب الراقص، سواء كانت المناسبة هى ليلة حنة أم مجرد احتفالية بهدف «الفرحة». يجلس أحمد سمير فى غرفته مع مجموعة من أصدقائه المنخرطين فى عالم المهرجانات الشعبية، لكل واحد منهم اسم شهرة.. أما هو فلقبه «فيفتى يانو »، يدير كليبا يصورهم وهم يرقصون فى آخر مهرجان أحيوه، ويعلق أحد الجالسين قائلا: «المهرجان ده الدنيا ولعت فيه، لحد النهارده الناس فاكرينا هناك». هؤلاء الشباب بمثابة نجوم بالنسبة لمحبى المهرجانات الشعبية وخاصة فى هذه الناحية من حى عين شمس، يعيشون فى مجتمع صغير مهووس بالموسيقى. لأحمد فيفتى يانو وضع خاص بين هذه المجموعة الكبيرة، فهو زعيم فرقة «عفاريت الاستيفا» للرقص فى المهرجانات، أغلب أصدقائه الجالسين حوله كانوا أيضا من الاستيفا، عدا آخرين متصلين بدنيا المهرجانات فى مجالات أخرى.
حسبما أكدوا جميعا فإنهم ليسوا على درجة واحدة من التفرغ، على سبيل المثال فيفتى يانو الذى يلقبه البعض بزعيم الشمساوية (نسبة لحى عين شمس) هو شاب فى الواحدة والعشرين من عمره يتوزع يومه بين ورديات العمل فى المطار، إلى جانب ما يقوم به من رقص وإعداد موسيقى فى بقية اليوم. وهكذا حال كثيرين حوله، يقول معلقا: «الحكاية إنى كنت حابب المزيكا دى قوى، ودربت نفسى عليها لوحدى». يصمت قليلا ثم يكمل شارحا، «هاوريك حاجة كنت عاملها زمان بس ماتضحكش!». يشغل أغنية ألفها قبل أربع سنوات حين بدأت صلته بهذا النوع من الموسيقى، الأغنية كانت بائسة إلى حد كبير وقريبة من إيقاع موسيقى الراب الغربية.. يكمل قائلا: «أنا غير إنى برقص مع الاستيفا، كمان باعمل مزيكا». أذاع أحدث أعماله التى حملت اختلافا كبيرا وحرفية أكبر، وبدأ فى توضيح كيفية استخدام برنامج التوزيع وإضافة الإيقاعات المختلفة لصنع هذا النوع من الموسيقى الذى تنتظره كل المهرجانات. هذا هو التطور النهائى لموسيقى شباب اتصلوا بالموسيقى الغربية دون أن يبتعدوا عن الأغانى الشعبية التقليدية. فقبل أكثر من عشر سنوات بدأ انتشار مهنة الدى جيه D.J فى حفلات ورحلات الشباب، وحتى داخل الجامعة.. استعار الشباب وقتها الفكرة الغربية التى كانت مقتصرة على قاعات الديسكوتيك والحفلات الكبرى، حيث يقف الديه جيه متصدرا الحفل كى يلعب الأغانى التى يحبها الشباب مطلقا عباراته الحماسية لتسخين أجواء الاحتفال والرقص، ومع الوقت بدأ الاعتماد على الدى جيه فى حفلات الأفراح وافتتاح المحال، حيث يقف وسط أجهزته كى يدير الموقف تماما، الآن قررت مجموعة من الشباب تأثروا بالفكرة أن «يمصرونها» مستخدمين أجواء الإبهار نفسها مع وضع لمساتهم الخاصة عبر برامج أصبحت متاحة على الانترنت. تجاوز هؤلاء الشباب الصورة التقليدية لحفل افتتاح محل تجارى يتصدر واجهته بالون ضخم يحمل لافتة «مهرجان»، ونقلوا إلى الشارع موسيقى ورقصا مختلفين، سواء فى ليلة حنة قبل الزفاف أو لمجرد التعبير عن أنفسهم. هكذا حال فيفتى يانو وأصدقائه الذين اعتمدوا على الشارع فى وجودهم، من هناك اتخذوا شرعيتهم ووجدهم، ومن الشارع انتشرت موسيقى المهرجانات.
عيشتى حرام فى حرام
يتدخل بعض الحضور موضحين أن الأمر أكثر تعقيدا فى تقسيم العمل وتوزيع الأدوار، أحمد فيفتى يانو أساس مهامه فى المهرجان هو الرقص إلى جانب ما يقوم به من توزيع موسيقى أحيانا، لكن الأمر بالنسبة لآخرين مختلف تماما حسبما يوضح «محمد بلية» 23 سنة: «أنا فى الأصل ديه جيه .. أذهب للعمل فى حفلات يتعاقد عليها المكتب الذى أعمل لحسابه، أحب الموسيقى وأغنى من صغرى، ومن خلال إمساكى بالميكروفون لتسخين الحفلات، أصبح لدى رغبة فى تسجيل أغنية كاملة على طريقة الراب الشعبى». المهمة التى يقوم بها بلية داخل المهرجان الشعبى فى الشارع اسمها «مايك مان»، إذ يمسك بالميكروفون مطلقا عباراته لتحميس الشباب، فى بداية هذا العام فجر بلية قنبلة المهرجانات.. المعروفة بمهرجان العشرين والأغنية الأشهر «أنا اللى عيشتى حرام فى حرام» التى انتشرت بين كل المهرجانات الشعبية، وداخل عربات التوك توك وفى رنات الموبايل. يقول بلية: «أنا ألفت الكلام وروحت لعمرو حاحا أشهر موزع فى عين شمس وسجلها لي».هذه الأغنية تحديدا تعد نموذجا لأغانى المهرجان أو ما اعتبره البعض فيما بعد «راب شعبى». الأغنية عبارة عن إيقاع متكرر، ويغنى فيها بلية بطريقة أقرب إلى ترديد الجمل. أما المضمون فهو حالة خاصة تعبر عما وصل إليه أهل المهرجانات من حقائق تعبر عن عالمهم.. يقتطع بعض الجمل من أغانٍ شعبية قديمة مثل «أنا اللى عيشتى حرام فى حرام» التى هى فى الأصل أغنية لمطرب شعبى لم ينل نصيبه من الشهرة اسمه سيد إمام، ويضيف جملا أخرى من أغنية كتاب حياتى للمطرب حسن الأسمر، لكن بإيقاع مختلف. وأضاف «بلية» جملا أخرى تذكرك بالعبارات المكتوبة على خلفيات الميكروباص، وعبارات أخرى ساخرة مثل: «العب وريهم.. اصحى وصحيهم، راكب المرجيحة.. عايز اركبها لوحدى».
يتدخل أحمد نجيب الملقب وسط هذه المجموعة بشبح عين شمس. قائلا: « الكلام ده كنا بنقوله عادى فى المهرجانات، ونقول الجمل دى على مزيكا، لكن بعد كده المزيكا أصبحت متسجلة على اسطوانات وتتذاع فى مهرجانات تانية حتى لو صاحبها مش موجود». فى الشارع تعرض هذه الموسيقى جنبا إلى جنب مع الأغانى الشعبية التقليدية، وفى الشارع يرقص عليها من يرقص من الشباب، وسواء سميت الموسيقى «مهرجانا»، أو «فرحة»، لكن الأذن تعى ذلك المزيج الجديد بين الشرقى والغربى، حسب عبارة محمد بلية فقد لقبها ب«الراب الشعبى». وهو ما يجعلها مختلفة إلى حد ما عما يقدمه مغنو الراب المصريون الذين لمع منهم نجوم من نوعية الفنان أحمد مكى أو الفنان أحمد الفيشاوى. ورغم أن غناء الراب المصرى يسبق «الراب الشعبى» بسنوات، لكن ذلك الأخير أصبح أكثر رواجا فى عربات التوك توك والمحال وعلى الانترنت.وأصبحت له أقسام خاصة داخل المنتديات الموسيقية، كما أنه أعاد بهاء مهنة الدى جيه. وكوّن طقوسا خاصة مرتبطة بالمهرجان الشعبى. حسب أغلب العاملين فى هذا المجال فإن رائد هذه الموسيقى هو أحمد فيجو «شبح السلام»، هكذا يردد كثيرون لأنه كان الأكثر انتشارا فى البداية، ووزع العديد من المهرجانات الشهيرة، وتكفى زيارة إلى موقع يوتيوب لرفع لقطات الفيديو التى توضح حالة النجومية التى يعيشها هؤلاء الشباب بوصفهم صانع الفرحة، أسماؤهم تتردد فى كل مهرجان على سبيل التحية، ويتردد اسم «عمرو حاحا» بعد فيجو خاصة فى منطقته بحى عين شمس حيث ينال شهرة كبيرة. العديد من الأسماء تظهر فى أحياء أخرى مثل الزيتون والمطرية والأميرية، ولم تعد المهرجانات حكرا على حى واحد، بل أصبح مؤلفو هذه الموسيقى مطلوين بالاسم، سواء بصفتهم «ديجيهات» أو حتى «مايك مان» يدير المسرح. هذا العالم الذى بدأ يظهر بقوة إلى الأضواء بدأ يرسى قواعد المنافسة، تجلى هذا واضحا فى التوتر الذى شب بين قطبى المهرجانات الشعبية «فيجو وعمرو حاحا»، حين بدأ كل منهما فى تأليف أغانٍ تسخر من الآخر، وفى هذه الأزمة ظهر صوت جديد هو مغنو الراب التقليدى.
راب شعبى
على موقع يوتيوب لتحميل لقطات الفيديو رفع أحد الشباب من مغنى الراب التقليدى ذى الحس الغربى كليبا تحت عنوان «طظ فى دى جى فيجو وحاحا»، وكتب تحتها هذا التعليق: «كل البلد بتعمل مهرجانات وقرف.. وحاجات غريبة وكلام حشاشين وعربجية، بلا نيلة.. والأغنية دى أقل رد»! داخل محتوى الأغنية تتضح وجهة نظر تتعالى على الطبقات الشعبية، لكنها من وجهة نظر أخرى انتقاد «للراب الشعبى» الذى حطم القواعد التقليدية للراب، حيث المضمون الواضح للأغانى والقواعد الموسيقية المعروفة. بعد نشره هذا الكليب تلقى تعليقا يوضح الصراع الثقافى، حين كتب أحدهم: «المهرجانات أرحم من أغانى السيس بتاعتك». تلك النزاعات الثقافية التقليدية بين ما هو غربى وما هو شعبى، حاول البعض معالجتها، على سبيل المثال أفصح فريق مكون من شباب اشتهروا فى حى الأميرية عن وجهة نظرهم فى المسألة داخل مجموعتهم على شبكة فيسبوك الاجتماعية قائلين: «نشأنا فى الأميرية من زمان أوى من صغرنا وإحنا بنحب الراب المصرى الجميل وبنحب نغنى ونفسنا تبقى الناس كلها بتحب الراب المحترم واللى كلامه يتفهم والناس تحس بيه لان الراب ينقل نظرتنا للشارع وليس لغة الشارع». انتهى كلام الفريق الذى يلقب نفسه باسم «فرقة 8%»، ورغم محاولتهم لتقريب بين المذاهب الموسيقية فإنهم فى النهاية محسوبون على دنيا المهرجانات الشعبية.
كل هذه الأجواء يحاول شباب الشمساوية أبناء عين شمس أن يظهروا داخلها بوضع متميز وهو ما يدفع أحمد فيفتى يانو جنرال الشمساوية إلى أن يقول: «احنا هنا كلنا إيد واحدة، وميزتنا إننا بنجامل بعض، وعلى طول مع بعض». يستحسن أصدقاؤه الجالسون من حوله هذه العبارات، ثم يتدخل على وزة الذى يعمل ديه جيه قائلا: «بالمناسبة أغلبنا جامعيون، ولنا حياة أخرى فى المهن التى نعمل بها، بالنسبة لى أنا ومحمد بلية الموضوع مختلف.. لأننا نعمل فى مكتب متعهد حفلات، وعملنا الأساسى هو الحفلات سواء فى شرم الشيخ أو فى أى مكان آخر».يحزن بعض الحضور حين يجد نفسه عرضة للنقد الحاد أو سخرية الآخرين، يتدخل أحمد نجيب شبح عين شمس موضحا: «فى رمضان فوجئنا ببرنامج (ضحكنى شكرا) يتهكم على أغنية (عيشتى حرام فى حرام) وعلى مؤلفيها دون أن يعلم من هم، والغريب أن أحد المهرجانات الذى ألفناه بأنفسنا وجدناه مذاعا على إحدى الفضائيات الشهيرة دون إشارة إلينا بالطبع». ينهى نجيب حديثه منبها الحاضرين فى منزل فيفتى يانو إلى أنهم قد تأخروا على مهرجان ناحية شارع العشرين المجاور فى عين شمس، يعلق أحمد سمير الذى يتحول إلى فيفتى يانو داخل المهرجانات قائلا: «لازم أكون موجود فى كل واجب». وينطلق الجميع بحماس إلى المهرجان.
كان يكفى السؤال عن الدى جى «عمرو حاحا» أو عن «فرقة الاستيفا» للتأكد من أن العنوان سليم.. شباب المنطقة فى هذه الناحية من حى عين شمس يعرفون الكثير من التفاصيل، يجيب أحدهم: «عمرو حاحا فى فرح ناحية شارع أحمد عرابى، مش هتلاقيه هنا، إنما الاستيفا هتلاقيهم فى المهرجان اللى فى آخر الشارع». فى ذلك اليوم كان الاستيفا متألقين فى «مونديال» أو حسب التعبير الشائع فى «مهرجان» وسط الشارع، تظهر جمل على لسان الشاب الممسك بالميكروفون فوق المسرح «فرحة اورتيجا.. صوت مزيكا»، كلما اقتربت من السرادق المنصوب كلما ازداد الصوت صخبا، وتتكرر كلمات غير مفهومة على إيقاع راقص مثل «برولوم» أو «جوجوجوجوجو». المعانى غائبة وغير مطلوبة. فجأة ينشط راقصو «الاستيفا» ويتدخل صاحب الميكروفون على المسرح قائلا: «اللى يحب الاستيفا يدخل جوا». نداءات الدى جيه هدفها أن يتوزع الشباب الراقص بطول السرادق ولا يقفون فقط قرب المسرح، كى يعطوا فرصة للاستيفا.
«على برشلونة» هو أحد أعضاء فرقة الاستيفا الراقصة، يوضح فى البداية سبب التسمية: «الكلمة جاية من حجز الاستيفا اللى فى أقسام الشرطة، كانت الفرقة زمان فيها شباب جامدين، لكن مع الوقت سابوا كل حاجة وضاعوا مننا، لكن دلوقت الفريق اتغير ودخل شباب جديد حالتهم أحسن، ومالهومش فى الشرب ولا المخدرات».
الرقص فى الشارع لا يثير قلق الشباب، حسب كلام محمود عرفة أحد أعضاء الاستيفا فإن مهمتهم هى تسخين أجواء الرقص.. يشرح ذلك قائلا: «لو رأينا أحدهم محبطا أو مكتفيا بالمشاهدة نشاركه ونجذبه كى يرقص معنا». وبعيدا عن تفاصيل العمل فإن الملمح الرئيسى للمكان هو أنه للشباب فقط. بعضهم أدوا رقصا جماعيا على شكل مربعات ثم داروا سويا فى أماكنهم على الإيقاع الراقص، وهناك من اكتفى بالمراقبة أو التصوير. فى هذا الزحام يمر أحد المسنين فيلكزه شاب عن غير عمد، ويبدأ الشباب فى الاعتذار غير المسموع. فى هذه الأجواء يعيش الاستيفا الذين يديرون المهرجان حالة قلق من شكوى الجيران أو أسئلة الشرطة التقليدية. يبدأ المهرجان فى العاشرة وينتهى فى الواحدة صباحا، وأثناء ازدياد الحماس يخلع بعض الشباب ملابسه العلوية ويبدأ فى الرقص.
وسط هذا الزحام من الصعب التركيز على ما يقال فوق المسرح، فليس هناك اهتمام من الديه جيه بالغناء لقضية بعينها، الأهم هو صنع حالة من خلال جمل أقرب للإفيه، وكذلك تكرار التحيات للموزعين الموسيقيين الذين ألفوا الموسيقى المذاعة فوق المسرح، وتتردد أسماء الأحياء المجاورة لعين شمس مثل «المطرية، الأميرية، الزيتون». وقرب انتهاء المهرجان يحاول البعض إعادة وضع الستائر الجانبية الحاجبة التى تغطى المسافة بين السرادق والمسرح، أما فى الداخل فيبدأ بعضهم فى «التشكيل»، أحد هؤلاء كان محمود عرفة الذى تحدث قبل قليل عن دور الاستيفا فى «الفرح»، بدأ هو خطته بافتعال معركة افتراضية راقصة مع زملائه، هدفها لفت انتباه الجمهور الراقص وتحميسه. بعد انتهاء الحفل يأت بعض الجيران كى يسألوا أحمد فيفتى يانو زعيم الاستيفا عن سبب هذا المهرجان. فيشرح لهم أنه كان ليلة حنة وتم إلغاؤها. البعض يصدق والبعض لا يهتم، لكن بعيدا عن هذا المهرجان ففى أوقات أخرى تقام هذه الاحتفاليات الشعبية لمجرد الفرحة.
قد يختلف شحتة كاريكا عن بعض نجوم المهرجانات الشعبية فى أنه توصل لقناعات خاصة تجعله أكثر عملية وواقعية فى التعامل مع عمله، يوضح باختصار: «أنا باقدم شعبى.. مش راب». بهذه العبارة تخلص من عبء اختلاف الجمهور الذى يتبدل مع كل فرح، فقد يتوافر الشباب الذى يجيد الرقص الغربى، وقد لا يتوافر ذلك فى فرح آخر، لذا يعتمد شحتة على نفسه كلية فى إدارة الفرح ويلعب فى المساحة التى لا يختلف عليها أحد وهى الغناء الشعبى. يقف على المسرح وإلى جواره «المايك مان». وخلفهما لاعب الاسطوانات الذى يغير ويضبط الموسيقى، فى تلك الأجواء قليلة الإضاءة يتواصل شحتة مع الدى جيه المرافق له بقلم ليزر كى ينبهه لتغيير الاسطوانات.
فى هذا الفرح بالذات الذى أقيم فى حى المطرية حيث نفوذ منطقة شحتة كاريكا، كانت الأجواء عائلية بدرجة كبيرة، لم يكن هناك شباب يجيدون الرقص على إيقاعات موسيقى الراب الغربية مثلما يحدث عادة مع أغانى المهرجانات، يعلق شحتة: «تغيير الموسيقى يتم بالاتفاق مع الدى جيه المرافق لى، حين تحتاج الأجواء أن ندخل لمسات غربية للشباب الذى يجيد الرقص نفعل هذا، لكن فى الأجواء التقليدية نركز على الشعبى». بعد أكثر من عشر سنوات قضاها شحتة مساعدا للصوت فى كثير من الأماكن خارج القاهرة وداخلها، اعتادت أذناه على أنواع الموسيقى الغربية المختلفة، أما الموسيقى التى يقدمها الآن فهى غناء يجمع بين النداءات والترديد لجمل شهيرة، وأحيانا ما تتقارب الحالة العامة مع موسيقى الزار، رغم ما يغلفها من إيقاعات حديثة. بعض ما يذيعه شحته هنا من تأليفه وتنفيذ موزعين آخرين. على المسرح الوضع مختلف، وحين وجد شحتة الحضور قد بدأوا فى التوقف عن الرقص نزل إليهم مستعينا بميكروفون معلق بالرأس كى يدير السرادق ويتواصل مع الحضور، رغم ما يقوم به شحتة من إدارة كاملة للموقف فإنه يرفض فكرة ربطه «بنوبتجى» الفرح الذى يحيى القادمين بالاسم ويجمع «النقطة»، لكنه يوضح: «أنا دى جيه بعمل مزيكا، والأهم من كده إن البنوبتجى بيتعامل مع النقطة فى الفرح، ودى حاجات مش بنتعامل فيها». كل ما عليه هو أن يأتى بأجهزة الصوت التابعة لمكتب حفلات يتعامل معه، ويقام السرادق، وتبدأ الحفلة بأدائه الذى له جمهوره فى الشوارع أو فى مواقع الانترنت.
حتى اليوم ما زال شحتة يحتفظ فى هاتفه المحمول بلقطات من الفرح الذى أقيم فى إطار برنامج «الفن فى شوارع القاهرة» الذى نظمه المعهد الدنماركى للحوار فى مصر. وفى أثناء غنائه على المسرح ردد عبارات من نوعية «من المطرية.. للعالمية»، ويعلق متذكرا: «أهم ما أبحث عنه فى هذه المهنة هو التقدير، رغم الحروب التى قد يتعرض لها من يعمل فى هذا المجال، بدء من إلغاء الفرح أو الاحتفال، انتهاء بأن يدخل أحد المنافسين بسعر أقل.. لكن فى النهاية دى أرزاق، لكن فى تجربة التعامل مع الأجانب شعرت بتقدير عال لهذه الموسيقى». يحاول شحتة أن يقدم خلطة متكاملة مقدرا كل الأذواق، فى بداية المهرجان أو الفرح يغنى الأغانى التى ارتبطت بموسيقى المهرجانات الشعبية، خصوصا التى ألفها هو أو شارك فيها أحد زملائه، ثم يدع مساحة بعد ذلك كى يتواصل مع الجمهور أسفل المسرح. وهى فرصة يتيحها لأصحاب المزاج التقليدى الذين ما زالوا لم يألفوا أجواء الراب الشعبى ولا موسيقى المهرجانات.
ص2
مهند ناصف وبدوى إبراهيم وبدرى حسين، ثلاثة طلاب فى المرحلة الإعدادية تجمعهم الجيرة كما تجمعهم هواية لا تظهر إلا فى الشارع فقط، وهى الرقص على أنغام موسيقى الراب والهيب هوب الغربية. يقول مهند: «بنييجى هنا كل خميس وجمعة عند مجمع التحرير نتدرب على الرقص». يقول مهند عبارته بحماس رغم تأخر بعض أصدقائه عن موعدهم، تبدأ الأحداث حين يدير أحد الرفاق المصاحبين لهم موسيقى الهيب هوب على الهاتف المحمول، لا يختلف المشهد فى بدايته عن أى تدريب إحماء رياضى آخر، لكن ما يفسر ذلك هو أن مهند بطل الجمهورية فى رياضة الكونغ فو التى يمارسها منذ أن كان فى سن العاشرة، يقول: «أنا باجى هنا مش بس للرقص.. أنا الرقص بالنسبة لى أقرب للرياضة، وبيخلى نفسيتى كويسة». يستطيع المشاهد أن يتفهم عبارة مهند الأخيرة حول علاقة الرياضة بالرقص الذى يؤدونه، فالصورة تبرز ثلاثة شباب صغار يؤدون حركات بهلوانية غير مفهومة، لكن الواقع أن هذا النوع من الرقص يسمى (بريك دانس ) يمارسه الشباب فى شوارع العالم على أنغام إيقاعات موسيقى الهيب هوب والراب. يسمى الراقص فى هذه الحالة بريكر أو B-Boy، وتعود جذور هذا النوع من الرقص إلى السبعينيات حين ازدهر مرتبطا بموسيقى السود الأمريكيين وموسيقاهم مثل الهيب هوب والراب، وكل من الموسيقى والرقص مرتبطان بشكل كبير بالشارع.
فى حديقة مجمع التحرير يمر الموظفون من أمام الشباب الراقص ليلقوا ابتسامات عابرة ونظرات دهشة وتعجب، وهو ما يجعل مهند ورفاقه يشعرون بالفخر، خاصة حين يقف البعض خصيصا للمشاهدة، البعض الآخر يلقى تعليقات طريفة كأن تقول موظفة لزميلها «تعرف تعمل زى العيال دول؟»، أو أن يمر رجل مسن فى لحيته البيضاء مطلقا تحذيرا فى الهواء «يا بنى رقبتك هتتكسر !!»، وفى هذه المساحة يختبر الأصدقاء كل ردود الأفعال، لكنهم يتعاملون معها ببراءة رغم غرابة فكرة الرقص فى شوارع القاهرة.نفس تلك الرقصات التى يؤدونها يحترفها شباب آخرون يرقصون فى مولات كبرى مكونين فرقا ذات أسماء مميزة، حين يوجه السؤال إلى بدوى «ما هو اسم فرقتكم؟» يصمت قليلا ثم يعلق ضاحكا: «هقولك كذا اسم، وابقى اختار منهم اللى يعجبك». حسبما يقول مهند فإن هناك عددا أكبر من الشباب يمارس هذه الهواية ولا يجدون متنفسا، ويوضح قائلا: «أنا مثلا أتعلمت عن طريق أصحابى، وبعرف كل حركة جديدة من الانترنت وموقع يوتيوب، وبعدها نييجى نتدرب عليها هنا».
المفارقة أن رقص البريك دانس قد وصل إلى مرحلة من الرسوخ فى عدد من الدول بحيث تقام له المسابقات العالمية فى الشوارع، بينما هنا قد يظهر بعض المتطفلين الذين يحاولون التضييق على مهند ورفاقه، لكن انتصار الراقصين الصغار سببه إعجاب المارة بأدائهم العفوى، حتى إن بعض المارة من الشباب وقفوا خصيصا للتصوير عبر هواتفهم المحمولة، بعد كل عدة تراكات من الأغانى التى يرقصون عليها يسترخى الأصدقاء فى الحديقة مع رفاقهم الذين اكتفوا بالمشاهدة والاستماع، وبدأ كل منهم فى طرح طموحه الشخصى، كانت الصورة واضحة لمهند الذى رفع حلمه الرياضى عاليا خاصة أن مدربه كان أحد أبطال العالم فى الكونغ فو، أما زميله بدوى فأحيانا ما يفكر فى أنه قد يمكنه احتراف الرقص فيما بعد، لكن الأمر كان واضحا بالنسبة لزميلهم الثالث بدرى الذى قال: «أخوالى يعملون فى مجال الرقص النوبى بالسياحة وقالوا لى أنه بمجرد إنهاء دراستى فى الدبلوم يمكننى أن أذهب معهم للعمل فى هذا المجال».بمجرد أن ينهى بدرى عبارته يعود الجميع إلى الرقص مرة أخرى، وفى خلفيتهم بائع عرقسوس يصنع موسيقاه المختلفة عن موسيقاهم، بينما يستمر ميدان التحرير فى بث صخبه التقليدى تاركا مساحة لشباب اختاروا المشاركة فى صنع موسيقى الشارع
.
من الصعب المرور على مصطفى وزميليه دون الانتباه إلى أدائهما فى عرض منتجاتهما على الزبائن، يقف مصطفى فوق سيارة ربع نقل أمام مجموعة من الدكاكين التى أقامتها المحافظة فى سوق المنيرة بحى إمبابة. يعرض ملابس الأطفال ضاربا على الدف الكبير مناديا بعشرة وبس، فيرد عليه زميلاه موجهان نداءهما إلى المارة تعالى. يكرر مصطفى النداء الذى يتوقف كل بضع دقائق، ثم يعود النداء من جديد: «بعشرة وبس.. تعالى»، حتى يصمت الجميع وتبدأ صفقات الزبائن وتلقى الأسئلة والفصال فى السعر.. مصطفى الذى تحدث باختصار نيابة عن زميليه ينتمى إلى الجيل الثانى من أسرة سوهاجية هاجرت إلى إمبابة قبل أكثر من عشرين سنة، حين كان طفلا صغيرا، يغير النداء «هدوم العيل.. تعالى»، «البس جديد.. تعالى». ويجذب النداء بعض الأطفال الذين وقفوا يتابعون الأداء الأسبوعى الذى يقدمه تجار السوق، إذ لا يظهر مصطفى وزميلاه فى هذه المساحة سوى أيام الجمعة، أما الدف الكبير الذى يضرب عليه بيده فله مهام أخرى تظهر فى الاستاد أثناء مباريات المنتخب المصرى والنادى الأهلى. لوقت طويل كانت نداءات الباعة مادة خصبة استمد منها كبار الموسيقيين أفكارا يسجلونها فى أعمالهم، أحدهم كان الملحن الراحل سيد مكاوى الذى أعد أعمالا غنائية كان إحداها تحت عنوان «البياعين»... سجل فيه أكثر من 30 نداء ملحنا فى عمل موسيقى كامل، وبعد أعوام من اختفاء هذا العمل، عاد مرة أخرى إلى الجمهور عبر أحد منتديات الانترنت. مثل هذه الأعمال التى اقترنت بنداءات الباعة انحسرت بشدة لعدة عوامل، كما يرى الدكتور إبراهيم عبد الحافظ الأستاذ المساعد بالمعهد العالى للفنون الشعبية: كان هناك توجه شعبى فى الماضى نحو طبقات الحرفيين والبسطاء ظهر فى أعمال الموسيقيين أمثال سيد درويش وسيد مكاوى، لكن الأمر لم يكن يستند فقط إلى اهتمام هؤلاء الموسيقيين بهذه النداءات بل أيضا إلى اختلاف نوعية النداء وجاذبيته، حين كان البائع يغنى جملا موسيقية أقرب للموال.. لقد اختلف الحال ولم يعد منطقيا أن نقارن بين بائع يحمل بضاعته على عربة كارو أو حمار ويتجول حرا دون قلق، وبائع اليوم الذى يعيش الصخب اليومى والزحام.. لابد أن يكون النداء متماشيا مع المناخ العام.
فى مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالقاهرة عام 1932 الذى كان يعد حدثا فى تاريخ الموسيقى العربية كان الجميع يهدف آنذاك إلى وضع نظم لتدوين الموسيقى الشرقية، وتم تداول قضايا كبيرة منها تسجيل المقامات العربية حسب القواعد العالمية، لكن المفاجأة أن نداءات الباعة الجائلين ظهرت أثناء المناقشات للاستدلال بها على استخدام الشارع للمقامات الشرقية. استمر وجود نداءات الباعة الجائلين فى الحياة الموسيقية بعدها لعقود، ما دفع عددا من المغنيين الشعبيين لتداول جمل تنادى على فواكه بعينها مثل يا خوخ خانونا الحبايب لشفيق جلال، وعلى بياعين العنب لمحمد رشدى (وهى مأخوذة عن الفلكلور). أما اليوم فتكفى زيارة إلى أسواق من نمط سوق المنيرة ذات الطابع العشوائى كى يتأكد المار أنه لم يعد هناك مكان لجمل لحنية بقدر ما هناك عبارات بها سجع وقافية واحدة.. وذلك فى أفضل الأحوال. بدا هذا واضحا لدى صاحب عربة الروبابيكيا حين حاول تقليد الأداء الصاخب الذى يمارسه مصطفى وأصدقاؤه على أطراف السوق، لكنه لم يواصل. وعلى عكس الجميع يمثل مصطفى وزميلاه حالة فريدة من الأداء قد يلاحظها المار بين أماكن أخرى متفرقة مثل أسواق العتبة، وليلا فى شارع طلعت حرب فى وسط القاهرة، لكن الغالبية اختارت نداءات مقتضبة مثلما يفعل باعة الخضار والفواكه.البحث عن جمل لحنية لدى الباعة الجائلين لن يسفر عن الكثير، الغالبية ذات مزاج واقعى يتعامل مع الزبائن كهدف صعب الوصول إليه... البديل هو استخدام كل وسائل لفت الانتباه، هذا ما يؤكده الدكتور إبراهيم عبدالحافظ الذى أشرف على أبحاث تصدى بعضها إلى جمع نداءات الباعة الجائلين، مضيفا: انظر إلى ما يقوم به البائع فى الأتوبيس حين يصعد لافتا انتباه الزبائن بعبارات ذات قافية واحدة وحين يقلل السعر تدريجيا أثناء ندائه. يعبر هذا المثال عن التطور النهائى فى نداءات الباعة، يصعد البائع قائلا: سعد وسعيد ومسعد واللى يصلى على النبى يسعد، مؤكدا أن هذه البضاعة فى المحال تساوى ثلاثة جنيهات، لن يبيعها بجنيهين ونصف الجنيه، ولا جنيهين وربع، ولا جنيه ونصف الجنيه.. سيبيعها بجنيه.أما فى سوق من نوعية سوق المنيرة حيث زحام باعة الهواتف المحمولة المستخدمة وباعة الطيور، لا مكان لموال أو صوت عذب مثلما كان الحال قبل عقود طويلة.. لا تظهر الموسيقى اليوم فى نداءات الباعة سوى لدى باعة الربابة المتجولين فى القاهرة، لا يستخدمون أصواتهم، بل استعاضوا عن ذلك بالربابة نفسها، التى لا يزيد ثمنها على الجنيهين. يكشف أحدهم أثناء حديثه أنها ليست مهنة يمتهنها، بل نشاط يمارسه فى أوقات التعطل بين عمل وآخر، إذ يبيع ما يصنعه أخوه الأكبر الذى يعمل فى تصنيع أقفاص الفاكهة. يبدأ عازفا بمقدمة مسلسل العار الذى عرض فى رمضان الماضى، ثم يعرض مهاراته فى جمل موسيقية أخرى من أغانى مثل البت بيضا للريس متقال، عدا هؤلاء فتبدو نداءات العامة جافة وزاعقة. حسبما يقول الدكتور إبراهيم عبدالحافظ فإن دراسة مثل هذه النداءات قد تعطى ملمحا عن التطورات التى أصابت المجتمع المصرى: تحليل مضمون هذه النداءات بعد البحث فى عدة ميادين لجمع المادة من الأسواق الشعبية ونداءات أصحاب العربات والباعة المتجولين فى الشوارع والمواصلات العامة، يعطى لنا ملامح عامة لهذا التطور، فالاعتماد على الفهلوة لجذب الانتباه أصبحت أمرا ملحا فى نداءات الباعة وليس جمال الصوت، كما أن الزحام قد فرض حدة فى التنافسية ومزايدة على التجار الآخرين مثل استخدام الميكروفونات العالية والزعيق بدلا من النداء ومحاولة جذب الانتباه بحيل كثيرة.
قد لا يجد النجار أو الحداد فى عمله موسيقى متكاملة عدا تلك الإيقاعات المنتظمة التى يكسر بها رتابة العمل، لكن استغلال تلك الإيقاعات أو استخدام أدوات الحرفيين فى صنع عمل فنى هى مغامرة استهوت بعض الفنانين، خاصة فى الغرب حيث لمع مصطلح موسيقى الشارع، مؤخرا خاض الموسيقار فتحى سلامة تجربة اعتمد فيها على مشاركة الحرفيين والعمال بأنفسهم فى صنع عرض موسيقى كامل. يقول فتحى سلامة عن هذه التجربة: «هناك أهداف أعمق من هذه التجارب، أهمها أن تكون هذه الفئات المهمشة متصدرة العرض الموسيقى، إلى جانب ذلك فهناك هدف آخر يتمثل فى أن يعتاد الجمهور إيقاعاتهم، وأن ينمو داخل هذه الفئة من الحرفيين الحس الموسيقى». موسيقى الشارع التى ظهرت فى الغرب ولمعت فيها بعض الأسماء مثل فريق «ستومب» البريطانى يتم الاعتماد فيها على أدوات من الشارع مثل البراميل، الجرادل، المواسير،..إلخ. ثم يقام عرض موسيقى كامل من تآلف إيقاعات القرع على هذه الأدوات. وفى مصر تبنى فريق «المصنع» هذا الأداء مستخدما أدوات من الشارع يصاحبها الغناء أحيانا حول قضايا مثل المحبة وأطفال الشوارع والشباب والإدمان والسلام. لكن أغلب عروض موسيقى الشارع تعتمد حسب فتحى سلامة على «موسيقيين محترفين». الأمر هنا مختلف فى العرض الذى أقيم مؤخرا فى حى الفجالة، أحدهم إسحق أديب العامل فى أحد مقاهى حى الفجالة، الذى شارك مع زميله محمود الفولى العامل فى أحد مقاهى الجمالية ضمن مجموعة كبيرة من الحرفيين فى صنع العرض الموسيقى. رأى كل منهما الأمر بشكل مختلف، يقول محمود الفولى: «لأنى من أسرة ذات صلة بالموسيقى فقد تفهمت الفكرة منذ البداية وصبرت على العمل الجماعى فى تنظيم إيقاعاتنا سويا حسبما حدد لنا الأستاذ فتحى سلامة». أما بالنسبة لإسحق فيقول: «لم أكن أتصور أن العرض سيخرج إلى النور، ولم أتصور أن تخرج موسيقى مقبولة من قرع البراميل والخبط على أكواب الشاى.. كانت تجربة ممتعة». ما زال اسحق فخورا بهذه التجربة خاصة أنها أقيمت فى مقهى شكرى بالفجالة الذى عمل فيه لسنوات، أما سبب سعادته الرئيسى فهو الإحساس بقيمة عمله كقهوجى حين يكون مطلوبا خارج عمله التقليدى. هذه الحالة انتقلت فيها الإيقاعات مرة أخرى إلى الشارع مع معالجة موسيقية وراءها أهداف أخرى لدى فتحى سلامة على رأسها كسر حالة التصنع التى تسيطر على الوسط الثقافى والموسيقى، يوضح ذلك قائلا: «بعض الفرق الغنائية على سبيل المثال تلعب على ألوان مضمونة النجاح، مثل إعادة غناء سيد درويش أو اللعب على أوتار السياسة دون تقديم أى جديد أو شىء يعبر عن شخصية مستقلة، والأغرب أن نجد البعض يقدم إنشادا دينيا بأداء غربى خالص قريب من موسيقى الكنائس الأمريكية تحديدا، هنا أتساءل أين شخصية الفنان من كل هذا؟» رحلة البحث فى الشارع ليست الطريق الوحيد للتعرف على الموسيقى المصرية، بل هناك أفكار موسيقية نشأت فى الشارع وبدأت فى الانتشار مثل الراب الشعبى، ويعلق فتحى سلامة على ذلك قائلا: «أكثر ما يستهوينى مؤخرا فى الموسيقى المصرية هو الراب الشعبى، لأنه صادق، الشباب يغنون بأدائهم التلقائى، ورغم أن موسيقى الراب قدمت بالعربية فى مصر منذ فترة إلا أن بعض مغنيها يؤدونها بلكنة وكأنهم غربيون. هذا ما أحاول أن أنبه إليه من خلال ورشة قادمة للفرق الغنائية الشابة». من خلال هاتين التجربتين سواء فى التعامل مع الحرفيين وتقديم عرض من أدواتهم، أو الورشة المقبلة للتعامل مع فرق غنائية جديدة أكثر تأثرا بروح الشارع المصرى، تستمر رحلة الفنان فى البحث عن موسيقى جديدة صنعها الشارع.
«أكثر ما يستهوينى مؤخرا فى الموسيقى المصرية هو الراب الشعبى، لأنه صادق، الشباب يغنون بأدائهم التلقائى، ورغم أن موسيقى الراب قدمت بالعربية فى مصر منذ فترة إلا أن بعض مغنيها يؤدونها بلكنة وكأنهم غربيون. هذا ما أحاول أن أنبه إليه من خلال ورشة قادمة للفرق الغنائية الشابة».
عظيم يا عبد الرحمن أنت أستااااااااااذ كبير
ReplyDelete