كتب - عبدالرحمن مصطفى
رغم أنهما لم يلتقيا من قبل فإن قناعتهما حول قضية العلاقات بين المسلمين والمسيحيين تكاد تكون متقاربة، الاختلاف بينهما فى طريقة البحث عن التسامح ونبذ التعصب، بينما ينتمى مينا ناجى (23 سنة) طالب الهندسة إلى مبادرة «عيش وملح» التى تتخذ من قضية المسلمين والمسيحيين محورا رئيسيا لها، فعلى الجانب الآخر يؤمن أحمد النيال عضو مبادرة «جلفى» لخريجى مدارس اللغات بأن أنشطة أخرى مجتمعية يمكنها أن تؤثر فى الإنسان وتجعله أكثر تسامحا دون أن يكون محورها قضية العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
تختلف المبادرتان فى قضية جوهرية لكن الهدف واحد، مينا ناجى ذكر أحد دوافعه لتأسيس مبادرة «عيش وملح» مع زملائه قائلا: «بدأت فى التعامل مع هذه القضية مع اللجنة المصرية للعدالة والسلام المهتمة بفكرة الحوار لكن دائما ما كنت أشعر أن هذه القضية دائما ما تنحصر داخل مناقشات الندوات والمؤتمرات، ولم تشتبك مع الحياة اليومية للناس، سواء فى الشارع أو حتى فى مجتمع الإنترنت». التقى مينا قبل أقل من عام زميله محمد شرف عن طريق تعليق عابر فى إحدى مجموعات شبكة فيس بوك الاجتماعية. وكانت قراءة المقالات والتعليقات المتبادلة بداية التعارف والنقاش ومن خلال ذلك انضم صديقان جديدان هما هشام حسن ثم رامى صبرى لتتسع حلقة النقاش وينتقل إلى لقاءات حية. وقررت هذه المجموعة تدشين مبادرة تحت عنوان «عيش وملح» للتعبير عن فكرة تقول: إن الحياة اليومية بين المصريين أبقى من أى مشاكل طائفية، وعلى الفيس بوك كتب أعضاء المبادرة رؤيتهم وأهدافهم مما استغرق منهم شهرين من اللقاءات والمتتابعة حتى تحددت رؤيتهم حول «إقامة عمل اجتماعى وثقافى ينهض بالمجتمع». وعلى مدى عدة أشهر بعدها عملت المجموعة على عملية البناء الداخلى بين أعضائها لتعزيز الثقة بينهم، من خلال مناقشات دورية بين الأعضاء المؤسسين، ويعلق مينا قائلا: «كنا نحاول ضبط أنفسنا على موجة واحدة، ربما جمعنا نبذ التعصب لكن كنا نبحث عن كيفية تحقيق هذا، كنا نناقش بعض الأحداث والتوترات التى تحدث بين الطرفين بحثا عن الأسباب، ووجدنا أن الجهل بعقيدة الطرف الآخر ووصول معلومات مغلوطة هو أحد الأسباب الرئيسية، وبعد أن كنا فى البداية نحاول تنحية الدين والعقيدة عن مناقشاتنا، وجدنا أنه لا بد أن يكون الدين هو الأرضية المشتركة لهذا العمل، خاصة أننا جميعا ملتزمون دينيا سواء من المسلمين أو المسيحيين». لا تخفى مجموعة «عيش وملح» أن قضيتها الأساسية هى العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.. لكن على الجانب الآخر يرى البعض أن الأنشطة الاجتماعية التى تتسع للجميع دون النظر إلى مسألة الدين هى خير من يزرع داخل الفرد فكرة التسامح. أحد المؤمنين بهذه الفكرة هو المهندس أحمد النيال (30 سنة) عضو مبادرة «جلفى» التى تصدى لإنشائها أحد طلبة كلية الهندسة فى العام 92 وظلت حكرا على طلبة كلية الهندسة بالإسكندرية من خريجى مدارس اللغات الكبرى.
وعلى مدى هذه السنوات جمعتهم أنشطة تطوعية وخدمية على فترات متقطعة، يقول أحمد الذى انضم إليها عام 99: «كانت مبادرة (جلفى) هى امتداد للأنشطة التطوعية والخدمية التى عشناها فى مدارسنا ذات الأصل الكاثوليكى، ولم تشغلنا أبدا قضية العلاقات بين المسلم والمسيحى لأن المدرسة كانت تضم الطرفين وننهمك يوميا فى أنشطة ودراسة ولم يكن هناك مبرر للانشغال بهذا الأمر، أما تأسيس هذه المبادرة فكان الهدف منه هو الحفاظ على هذه الروح التى افتقدناها بعد دخول الجامعة والانخراط فى واقع المجتمع». تضم مبادرة «جلفى» اليوم ما بين 50 إلى 60 من خريجى هذه المدارس، لكن أنشط الأعضاء هم من ما زالوا طلابا فى هندسة الإسكندرية، أما أهم الأنشطة التى خاضوها سويا فى السنوات السابقة فكانت بين رعاية الأطفال المعاقين ليوم كامل بما يتبع ذلك من تحمل مسئولية الطفل وتغذيته، أو عمل مشروعات ترفيهية فى إحدى المناطق الفقيرة، وهو ما تعتبره المجموعة تكريسا للإحساس بالآخر أيا كان، يعلق أحمد النيال قائلا: «أحيانا ما أتعرض لمواقف أجد فيها إساءة أو تداول صور مشوهة عن المسيحيين، فى هذا الموقف أرد لا إراديا بهدوء إن كان الأمر يحتمل النقاش.
هذا التصرف ليس تصرفا شخصيا، أعضاء (جلفى) كلهم على الشاكلة نفسها، لأننا نشأنا على فكرة التسامح مع الآخر أيا كان، منذ سنوات الطفولة ومن خلال أنشطة (جلفى)، فالتسامح لا يقتصر على علاقة المسلم بالمسيحى فقط». يذكر أحمد أن تجربة «جلفى» أحيانا ما عانت من انشغال أعضائها عن هذه الأنشطة، بل إن بعض المحاولات الشبيهة لإقامة مبادرات فى كليات الطب والتجارة بجامعة الإسكندرية لم تكلل بنفس النجاح الذى حققته «جلفى» فى كلية الهندسة.
صالون «العيش والملح»
هذا القلق الدائم لمن يخوض تجربة العمل التطوعى يسيطر أيضا على أعضاء مبادرة «عيش وملح» رغم أنها ما زالت فى البدايات، لكن ذلك القلق مبعثه تجارب سابقة لمبادرات قريبة من المضمون نفسه انتهت إلى التوقف، لماذا لا تحقق المبادرات الاجتماعية الشبابية نفس نجاح غيرها من الحركات السياسية؟ ترى الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع والخبيرة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية أن ضعف انتشار مثل هذه المبادرات مقارنة بتأثير حركات الاحتجاج السياسية التى ظهر بعضها على الإنترنت مثل حركة 6 أبريل وغيرها يرتبط بطبيعة الشباب أنفسهم، إذ تقول: «هذا العمل الطيب هو خارج سياق اتجاهات الشباب، إذ تزيد فى هذه المرحلة الرغبة فى التعصب والحماس الزائد لقضية ما، سواء كانت دينية أو سياسية، وهو ما ينذر بخطورة استغلال هذه الطاقة استغلالا سيئا، لذا فإن مثل هذه المبادرات الطيبة تعانى صعوبة أثناء سعيها لنشر أفكارها المتسامحة، خاصة فى مجتمع يحفز على التعصب». وترى الدكتورة عزة كريم أيضا أن غياب القائد أو القدوة على مستوى المجتمع أصبح يمثل كارثة حقيقية، وتوضح ذلك بمثال: «حين ظهر البرادعى التف حوله كثير من الشباب المتحمس ورفعوا صوره، لكن ذلك الحماس انحصر فى السياسة دون تناول القضايا المجتمعية اليومية، بل حتى قبل التعرف على هذا القائد المأمول.. أما المشكلة الأهم فهى أن الدولة نفسها عليها أن توجد مناخا يشيع هذا النوع من المبادرات، وهو ما لم تقم به الدولة أو الأحزاب». فى مبادرة «عيش وملح» اختارت المجموعة آليات الاستمرار من خلال الاعتماد على الفيس بوك فى التعريف بفكرتهم، بالإضافة إلى الترشيح الشخصى لأعضاء جدد من الأربعة المؤسسين، وذلك لتوسيع المبادرة وإدماج «جيل ثانى Second Wave» حسب تعبير مينا ناجى.
وأخيرًا كانت هناك خطوة إلى الأمام من خلال إقامة الصالون الأول للمبادرة حيث كان الموضوع الرئيسى هو الخوف من الآخر، يقول مينا ناجى: «نعلم أننا ما زلنا فى البدايات، لكن هذا لا يمنع طموحنا من أن نقيم محاضرات مستقبلية للنقاش على سبيل المثال حول المفاهيم الغامضة لدى الطرفين، خاصة أننى أنا وصديقى رامى درسنا لاهوتا، أما زميلاى هشام حسن ومحمد شرف فقد درسا العلوم الشرعية الإسلامية وهو ما يتيح لنا التعامل مع الأديان وإدارة الجلسات بشكل مقبول، وتنسيق أنشطة خدمية على الأرض». تطمح «عيش وملح» على المدى البعيد فى العمل داخل إطار مؤسسى، وذلك بهدف توسيع أنشطتها التى ما زالت قائمة على التطوع. على الجانب الآخر يرى أحمد النيال عضو مبادرة «جلفى» أن الزمن قد تغير كثيرا عن وقت مشاركته فى «جلفى»، لاحظ هذا عبر تضاؤل أعداد المسيحيين فى السنوات الأخيرة داخل المبادرة.
ورغم أن أعضاء هذه المبادرة لا يرون داعيا لإبراز عناوين عن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين فى أى عمل مشترك، ويصرون على الاكتفاء بالعمل الخدمى لذاته، إلا أن أحمد النيال نفسه وجد أن هناك تغيرات تحدث من حوله لابد من التعامل معها، ويشرح ذلك بقوله: «تحدثت مع زملائى ذات مرة داخل (جلفى) وخارجها عن أننا فى حاجة إلى النزول إلى الشارع عبر عمل تطوعى لإبراز روح التعاون بين الطرفين المسلم والمسيحى، بالطبع لن يكون الهدف بأى حال المباهاة أو تكريس الطائفية فى المناخ الحالى.. هذه الفكرة طرحت لكنها لم تنفذ بعد». عن نفسه يرى أحمد النيال أن «جلفى» صنعت روحا وبثتها فى أعضائها حين دفعتهم إلى العمل المشترك وترسيخ ما عاشوه فى مدارسهم من تعود على نبذ التعصب، أما مينا ناجى أحد مؤسسى مبادرة «عيش وملح» فيطمح هو الآخر إلى نشر فكر المبادرة على مستوى أوسع ويؤكد أن «العيش والملح» والحياة اليومية أبقى من الخلافات، وأننا فى حاجة إلى مزيد من الجهد للتعرف على بعضنا البعض والمزيد من الحوار لنبذ التعصب.
رغم أنهما لم يلتقيا من قبل فإن قناعتهما حول قضية العلاقات بين المسلمين والمسيحيين تكاد تكون متقاربة، الاختلاف بينهما فى طريقة البحث عن التسامح ونبذ التعصب، بينما ينتمى مينا ناجى (23 سنة) طالب الهندسة إلى مبادرة «عيش وملح» التى تتخذ من قضية المسلمين والمسيحيين محورا رئيسيا لها، فعلى الجانب الآخر يؤمن أحمد النيال عضو مبادرة «جلفى» لخريجى مدارس اللغات بأن أنشطة أخرى مجتمعية يمكنها أن تؤثر فى الإنسان وتجعله أكثر تسامحا دون أن يكون محورها قضية العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
تختلف المبادرتان فى قضية جوهرية لكن الهدف واحد، مينا ناجى ذكر أحد دوافعه لتأسيس مبادرة «عيش وملح» مع زملائه قائلا: «بدأت فى التعامل مع هذه القضية مع اللجنة المصرية للعدالة والسلام المهتمة بفكرة الحوار لكن دائما ما كنت أشعر أن هذه القضية دائما ما تنحصر داخل مناقشات الندوات والمؤتمرات، ولم تشتبك مع الحياة اليومية للناس، سواء فى الشارع أو حتى فى مجتمع الإنترنت». التقى مينا قبل أقل من عام زميله محمد شرف عن طريق تعليق عابر فى إحدى مجموعات شبكة فيس بوك الاجتماعية. وكانت قراءة المقالات والتعليقات المتبادلة بداية التعارف والنقاش ومن خلال ذلك انضم صديقان جديدان هما هشام حسن ثم رامى صبرى لتتسع حلقة النقاش وينتقل إلى لقاءات حية. وقررت هذه المجموعة تدشين مبادرة تحت عنوان «عيش وملح» للتعبير عن فكرة تقول: إن الحياة اليومية بين المصريين أبقى من أى مشاكل طائفية، وعلى الفيس بوك كتب أعضاء المبادرة رؤيتهم وأهدافهم مما استغرق منهم شهرين من اللقاءات والمتتابعة حتى تحددت رؤيتهم حول «إقامة عمل اجتماعى وثقافى ينهض بالمجتمع». وعلى مدى عدة أشهر بعدها عملت المجموعة على عملية البناء الداخلى بين أعضائها لتعزيز الثقة بينهم، من خلال مناقشات دورية بين الأعضاء المؤسسين، ويعلق مينا قائلا: «كنا نحاول ضبط أنفسنا على موجة واحدة، ربما جمعنا نبذ التعصب لكن كنا نبحث عن كيفية تحقيق هذا، كنا نناقش بعض الأحداث والتوترات التى تحدث بين الطرفين بحثا عن الأسباب، ووجدنا أن الجهل بعقيدة الطرف الآخر ووصول معلومات مغلوطة هو أحد الأسباب الرئيسية، وبعد أن كنا فى البداية نحاول تنحية الدين والعقيدة عن مناقشاتنا، وجدنا أنه لا بد أن يكون الدين هو الأرضية المشتركة لهذا العمل، خاصة أننا جميعا ملتزمون دينيا سواء من المسلمين أو المسيحيين». لا تخفى مجموعة «عيش وملح» أن قضيتها الأساسية هى العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.. لكن على الجانب الآخر يرى البعض أن الأنشطة الاجتماعية التى تتسع للجميع دون النظر إلى مسألة الدين هى خير من يزرع داخل الفرد فكرة التسامح. أحد المؤمنين بهذه الفكرة هو المهندس أحمد النيال (30 سنة) عضو مبادرة «جلفى» التى تصدى لإنشائها أحد طلبة كلية الهندسة فى العام 92 وظلت حكرا على طلبة كلية الهندسة بالإسكندرية من خريجى مدارس اللغات الكبرى.
وعلى مدى هذه السنوات جمعتهم أنشطة تطوعية وخدمية على فترات متقطعة، يقول أحمد الذى انضم إليها عام 99: «كانت مبادرة (جلفى) هى امتداد للأنشطة التطوعية والخدمية التى عشناها فى مدارسنا ذات الأصل الكاثوليكى، ولم تشغلنا أبدا قضية العلاقات بين المسلم والمسيحى لأن المدرسة كانت تضم الطرفين وننهمك يوميا فى أنشطة ودراسة ولم يكن هناك مبرر للانشغال بهذا الأمر، أما تأسيس هذه المبادرة فكان الهدف منه هو الحفاظ على هذه الروح التى افتقدناها بعد دخول الجامعة والانخراط فى واقع المجتمع». تضم مبادرة «جلفى» اليوم ما بين 50 إلى 60 من خريجى هذه المدارس، لكن أنشط الأعضاء هم من ما زالوا طلابا فى هندسة الإسكندرية، أما أهم الأنشطة التى خاضوها سويا فى السنوات السابقة فكانت بين رعاية الأطفال المعاقين ليوم كامل بما يتبع ذلك من تحمل مسئولية الطفل وتغذيته، أو عمل مشروعات ترفيهية فى إحدى المناطق الفقيرة، وهو ما تعتبره المجموعة تكريسا للإحساس بالآخر أيا كان، يعلق أحمد النيال قائلا: «أحيانا ما أتعرض لمواقف أجد فيها إساءة أو تداول صور مشوهة عن المسيحيين، فى هذا الموقف أرد لا إراديا بهدوء إن كان الأمر يحتمل النقاش.
هذا التصرف ليس تصرفا شخصيا، أعضاء (جلفى) كلهم على الشاكلة نفسها، لأننا نشأنا على فكرة التسامح مع الآخر أيا كان، منذ سنوات الطفولة ومن خلال أنشطة (جلفى)، فالتسامح لا يقتصر على علاقة المسلم بالمسيحى فقط». يذكر أحمد أن تجربة «جلفى» أحيانا ما عانت من انشغال أعضائها عن هذه الأنشطة، بل إن بعض المحاولات الشبيهة لإقامة مبادرات فى كليات الطب والتجارة بجامعة الإسكندرية لم تكلل بنفس النجاح الذى حققته «جلفى» فى كلية الهندسة.
صالون «العيش والملح»
هذا القلق الدائم لمن يخوض تجربة العمل التطوعى يسيطر أيضا على أعضاء مبادرة «عيش وملح» رغم أنها ما زالت فى البدايات، لكن ذلك القلق مبعثه تجارب سابقة لمبادرات قريبة من المضمون نفسه انتهت إلى التوقف، لماذا لا تحقق المبادرات الاجتماعية الشبابية نفس نجاح غيرها من الحركات السياسية؟ ترى الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع والخبيرة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية أن ضعف انتشار مثل هذه المبادرات مقارنة بتأثير حركات الاحتجاج السياسية التى ظهر بعضها على الإنترنت مثل حركة 6 أبريل وغيرها يرتبط بطبيعة الشباب أنفسهم، إذ تقول: «هذا العمل الطيب هو خارج سياق اتجاهات الشباب، إذ تزيد فى هذه المرحلة الرغبة فى التعصب والحماس الزائد لقضية ما، سواء كانت دينية أو سياسية، وهو ما ينذر بخطورة استغلال هذه الطاقة استغلالا سيئا، لذا فإن مثل هذه المبادرات الطيبة تعانى صعوبة أثناء سعيها لنشر أفكارها المتسامحة، خاصة فى مجتمع يحفز على التعصب». وترى الدكتورة عزة كريم أيضا أن غياب القائد أو القدوة على مستوى المجتمع أصبح يمثل كارثة حقيقية، وتوضح ذلك بمثال: «حين ظهر البرادعى التف حوله كثير من الشباب المتحمس ورفعوا صوره، لكن ذلك الحماس انحصر فى السياسة دون تناول القضايا المجتمعية اليومية، بل حتى قبل التعرف على هذا القائد المأمول.. أما المشكلة الأهم فهى أن الدولة نفسها عليها أن توجد مناخا يشيع هذا النوع من المبادرات، وهو ما لم تقم به الدولة أو الأحزاب». فى مبادرة «عيش وملح» اختارت المجموعة آليات الاستمرار من خلال الاعتماد على الفيس بوك فى التعريف بفكرتهم، بالإضافة إلى الترشيح الشخصى لأعضاء جدد من الأربعة المؤسسين، وذلك لتوسيع المبادرة وإدماج «جيل ثانى Second Wave» حسب تعبير مينا ناجى.
وأخيرًا كانت هناك خطوة إلى الأمام من خلال إقامة الصالون الأول للمبادرة حيث كان الموضوع الرئيسى هو الخوف من الآخر، يقول مينا ناجى: «نعلم أننا ما زلنا فى البدايات، لكن هذا لا يمنع طموحنا من أن نقيم محاضرات مستقبلية للنقاش على سبيل المثال حول المفاهيم الغامضة لدى الطرفين، خاصة أننى أنا وصديقى رامى درسنا لاهوتا، أما زميلاى هشام حسن ومحمد شرف فقد درسا العلوم الشرعية الإسلامية وهو ما يتيح لنا التعامل مع الأديان وإدارة الجلسات بشكل مقبول، وتنسيق أنشطة خدمية على الأرض». تطمح «عيش وملح» على المدى البعيد فى العمل داخل إطار مؤسسى، وذلك بهدف توسيع أنشطتها التى ما زالت قائمة على التطوع. على الجانب الآخر يرى أحمد النيال عضو مبادرة «جلفى» أن الزمن قد تغير كثيرا عن وقت مشاركته فى «جلفى»، لاحظ هذا عبر تضاؤل أعداد المسيحيين فى السنوات الأخيرة داخل المبادرة.
ورغم أن أعضاء هذه المبادرة لا يرون داعيا لإبراز عناوين عن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين فى أى عمل مشترك، ويصرون على الاكتفاء بالعمل الخدمى لذاته، إلا أن أحمد النيال نفسه وجد أن هناك تغيرات تحدث من حوله لابد من التعامل معها، ويشرح ذلك بقوله: «تحدثت مع زملائى ذات مرة داخل (جلفى) وخارجها عن أننا فى حاجة إلى النزول إلى الشارع عبر عمل تطوعى لإبراز روح التعاون بين الطرفين المسلم والمسيحى، بالطبع لن يكون الهدف بأى حال المباهاة أو تكريس الطائفية فى المناخ الحالى.. هذه الفكرة طرحت لكنها لم تنفذ بعد». عن نفسه يرى أحمد النيال أن «جلفى» صنعت روحا وبثتها فى أعضائها حين دفعتهم إلى العمل المشترك وترسيخ ما عاشوه فى مدارسهم من تعود على نبذ التعصب، أما مينا ناجى أحد مؤسسى مبادرة «عيش وملح» فيطمح هو الآخر إلى نشر فكر المبادرة على مستوى أوسع ويؤكد أن «العيش والملح» والحياة اليومية أبقى من الخلافات، وأننا فى حاجة إلى مزيد من الجهد للتعرف على بعضنا البعض والمزيد من الحوار لنبذ التعصب.
تصنع شبكة الانترنت مفارقة لدى مستخدميها حين تصلهم رسائل متعصبة يمرون بها إلى جوار رسائل أخرى أكثر تسامحا، تكفى بضع ضربات على أزرار «الكيبورد» حتى تظهر نتائج لمواقع بعضها ضم مكتبات وأرشيفات لكتب مسيئة إلى الأديان تحض على التعصب. وسط هذه الأجواء اختار شمعى أسعد الموظف بوزارة الاتصالات أن يراقب من بعيد، مكتفيا بمساحته التى يعبر فيها عن نبذة للتعصب والكراهية.. فى مدونته «قصاقيص ورق» سجل تعليقات على الأحداث لكنها لم تكن كافية لنقل مبادرته إلى شريحة أكبر. «ظل الأمر هكذا حتى تحدثنا أنا والناشر(دار دون) فى فكرة كتاب ينقل صوت المسيحى إلى المسلم مع عرض مشاهد يومية من الحياة والتعرض للقضايا الشائعة فى هذا المجال».استغل شعمى الفرصة فى طرح كتابه «حارة النصارى» الذى يعتبره بمثابة مبادرة شخصية، محاولا عرض المعاناة اليومية الخاصة بشريحة كبيرة من المسيحيين من خلال مشاهدات وذكريات ومقالات، إلى جانب القسم الثانى من الكتاب حيث يحاول الإجابة عن أسئلة الطرف المسلم التى لا يجد هذا الأخير من يحاوره فيها بسبب تحفظ البعض فى التحدث مع المسلمين عن الدين المسيحى، كأن يتناول مفاهيم مسيحية مثل: الصليب، والرهبنة، والكنيسة، والثالوث بل وبعض أصول الأسماء المسيحية.
فى آخر موضوع على «قصاقيص ورق» تعرض شمعى أسعد لموقف قرر طرحه أمام زوار مدونته، حول مناقشة دارت بينه وبين أحد المعلقين فى المواقع الإخبارية، ونقل الحوار كما هو محذر من مستقبل مصر فى ظل التعصب، تلك «الدردشة الالكترونية» التى نقلها شمعى إلى مدونته كانت تحمل كما كبيرا من الصور النمطية والمغالطات فى حق الأقباط، بعضها تناوله شمعى أسعد فى كتابه، مثل علاقة المسيحيين المصريين بأمريكا وغير ذلك من عبارات الوصم التى يستخدمها المتعصبون. هذا الجدل والتحمس أحيانا ما يؤدى بالبعض إلى مشاكل أكبر، ففى الوقت الذى كان يحتفل به شمعى بإصدار الطبعة الثانية من كتابه، كان قد أفرج قبلها بأسابيع قليلة عن المدون هانى نظير الذى اعتقل على خلفية نشر إعلان لكتاب الكترونى على مدونته فى العام 2008.أما إعلان الكتاب الذى تسبب فى اعتقال المدون القبطى حسبما تفضل وصفه بعض المواقع الإخبارية فكان لكتاب «تيس عزازيل» الذى كتبه «الأب يوتا» ردا على رواية «عزازيل» للدكتور يوسف زيدان، حتى هذه اللحظة هناك تتضارب آراء حول الشخصية الحقيقية للأب يوتا الذى يكتب باسم مستعار ضد الإسلام على بعض المواقع الإلكترونية، لكن الأكثر واقعية هو ما تعرض له المدون هانى نظير من اعتقال ثم تلاشى موضوعات مدونته التى كانت صاخبة طوال الوقت. يقول شمعى أسعد إنه اختار منذ البداية أن يوجه رسالته إلى الآخر بأسلوب واحد سواء فى المدونة أو فى الكتاب، ويعلق قائلا: «قررت أن أعرض الفكرة بهدوء بعيدا عن صخب مواقع أقباط المهجر، لأن المشكلة أن بعض نشطاء المهجر اهتموا بقضايا سياسية على حساب القضايا المجتمعية والحياة اليومية التى يعيشها المسلم مع المسيحى، ما زاد الأمر سوءا».
رواية «تيس عزازيل» التى ظهرت فى العام 2008 للمؤلف ذى الاسم المستعار تبدأ مقدمتها كالتالى: «إننا أمام حقيقة مؤكدة وهى أن المسلمين يعانون حالة مرضية مزمنة تؤذى غير المسلمين وتسبب أضرارا جسيمة للبشرية جمعاء»، مثل هذه العبارات ليست فقط فى مقدمة الرواية الضعيفة حسب رأى عدد من المتخصصين، بل التعليقات المماثلة تكثر على العديد من المواقع وتتحول إلى رسائل تحتاج إلى الرد، وهكذا تدور كرة الثلج حتى تتضخم وتتسع دائرة التعصب.. فى هذه الأجواء يجد شمعى أسعد أن تخوفه الوحيد هو من الطرف الثالث فى المعادلة، ويشرح ذلك موضحا: «بعض الأجيال لم تعِ وجود فترات ازدهار فى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين قبل الأحداث التى أصبحت تتوالى أخيرًا، فلا يصل إليهم سوى المحصلة النهائية، فيتأثر بعضهم بأى تشنيع على الطرف الآخر وينعكس هذا على الحياة اليومية».
فى مقدمة كتابه يقول شمعى أسعد: «عزيزى المسلم.. إذا كانوا قد قالوا لك إن (المسيحيين ريحتهم وحشة) حتى أقنعوك، وإذا كان أحدهم قد أخبرك بيقين أن الأديرة تعج بالأسود والنمور لتأديب المرتدين عن المسيحية وصدقت أنت ذلك، وإذا كانوا قد رددوا كثيرا على مسمعك أن الكنائس لم تعد كنائس بل صارت مخازن أسلحة وذخيرة حتى صرت تنزعج من وجود الكنائس، إذا كنت صدقت أن (الأقباط خونة) أو أن رجال الدين المسيحى يلبسون ملابس الحداد حزنا على وجودك أنت شخصيا.. فأنت تحتاج لقراءة هذا الكتاب». هذه الرسالة التى أراد توجيهها إلى قرائه ربما لن تكون الوحيدة طالما ما زال الانترنت يعج بالمتسامحين، لكن المفارقة أيضا تكمن فى أن ديمقراطية الانترنت ستتيح الفرصة أمام كتب الكترونية تحض على التعصب، وذلك دون بوصلة تحدد الاتجاه للقارئ سوى نواياه الطيبة ووعيه المسبق.
تكملة الملف : عمرو عزت يرصد الاشتباكات
حلو الملف بتاعك انت وعمرو أوي يا عبد الرحمن
ReplyDelete