Wednesday, June 23, 2010

الانترنت.. رقيب جديد على السلطة


كانت غاية من يضبط مخالفة أن يتوجه بها إلى صحفي "شريف" يفجر بها قضية رأي عام، اليوم حلت الانترنت بديلا سريعا لطرح كافة المخالفات أمام المجتمع، وعلى رأسها مخالفات التعذيب والاعتداءات البدنية على المواطنين، بعض المدونين تحولوا إلى منفذ عبور لهذه الكليبات، لكن ما زالت هذه القناة مليئة بالعوائق وما زال الإبحار فيها يمثل نوعا من المغامرة

كتب – عبدالرحمن مصطفى
داخل صفحة أنا اسمي خالد محمد سعيد في شبكة فيس بوك الاجتماعية لقطات فيديو متنوعة من مظاهرات وبرامج إخبارية تناولت قصة الشاب السكندري الذي ما زالت التحقيقات تبحث عن ملابسات مصرعه والاتهامات الموجهة إلى مخبرين ينتميان إلى جهاز الشرطة بأنهما كانا وراء الحادث، إلا أن إسهامات أكثر من 200 ألف مشترك في الصفحة لم تسفر عن ظهور "الكليب البطل" الذي يقطع الشك باليقين، كان أقصى ما توصل إليه البعض هو نشر لقطة تحت عنوان "الفيديو الذي قتل بسببه خالد"، حيث ذكر ناقلوه أنه تم تصويره داخل أحد أقسام الشرطة لضابط يوزع كمية من الحشيش على بعض معاونيه، لكن اللقطة التي يشوبها كثير من الغموض لم تكن مقنعة للبعض، أحدهم علّق قائلا: " ازاى يكون الفيديو ده هو اللى قتل خالد الله يرحمه وازاى الناس دى عارفة إنها بتتصور وعادى يعنى ومبسوطين"، ناشر الكليب دافع عن وجهة نظره قائلا أن "لكل جواد كبوة"، في تلك الأثناء كان وائل عباس أحد أهم ناشري كليبات التعذيب في السنوات الماضية يطرح القضية بمنظور آخر في موقع تويتر لتدوين الرسائل القصيرة قائلا: " فيه ناس صوروا حادثة ضرب خالد ومش عايزين يدوني الفيديو بيقولوا لما يشوفوا التحقيقات ها تعمل ايه! "، الجملة أكدتها أسرة خالد التي ذكرت أن بعض شهود الواقعة قد صوروها لكنهم لم ينشروا تسجيلاتها بعد، وهو ما يعيد إلى الأذهان بقوة صورة كليبات مخالفات الشرطة والتعذيب التي أتاحت لها الانترنت الظهور على الساحة في السنوات الأخيرة. يقول جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: "بعض المعلومات الأولية التي انتشرت بعد حادثة خالد سعيد وجدت فيها بعض التشابه مع قصة نشر كليب عماد الكبير، إلا أن ظروف نشر الكليب وقتها بواسطة المدون محمد خالد كانت أفضل بكثير". قضية عماد الكبير التي يشير إليها جمال عيد الذي دافع عن بعض المدونين الذين تعرضوا لمضايقات أمنية دارت أحداثها في بداية العام 2006 حين تعرض أحد سائقي الميكروباص للتعذيب في قسم شرطة بولاق وأسفرت القضية عن حبس رجلي شرطة أحدهما برتبة نقيب، يتابع جمال عيد : "لم يكن المدون محمد خالد الذي نشر الكليب أول مرة على درجة كبيرة من الشهرة، لذا استعان بزملائه المدونين وخاصة المدون وائل عباس لينشروا بالتزامن ويفجروا القضية التي تابعتها الصحافة فيما بعد وأسفرت عن نتائج طيبة". منذ تلك الفترة حتى اليوم يتوالى نشر كليبات التعذيب والتجاوزات المختلفة، ولم تسجل خلال هذه الفترة حوادث اعتقال أو اعتداء مباشر بسبب نشر كليب بعينه على عكس ما شاع مؤخرا على الانترنت مع حادث خالد سعيد الذي يتناقل رواد الفيس بوك أن مصرعه كان بسبب اللقطة التي نشرها من داخل قسم الشرطة، يختلف وائل عباس صاحب مدونة الوعي المصري مع هذه الصورة التي تروج أن نشر كليبات التعذيب يتم في أمان، قائلا : "من قال أن نشر مثل هذه الكليبات لا يعرض صاحبه للمضايقات؟ أنا عن نفسي أتعرض للتضييق في كل مرة أعبر منها بوابات المطار". تحوي مدونة وائل عباس أرشيفا كاملا من كليبات التعذيب وتسجيل المخالفات المتنوعة التي حصل عليها من زوار مدونته أو بالبحث المباشر عنها. يتابع قائلا : "كنت شاهدا على ضغوط تعرض لها البعض، وكتبت في مدونتي عن أحد المدونين الذي أضطر إلى ترك مصر والهرب بزوجته إلى ليبيا من جراء التهديدات والملاحقات التي طالته، الأجواء العامة في مصر ليست بهذه السلاسة، حتى في قضية خالد سعيد كل شيء بدأ بالتعتيم، وربما تكشف الأيام القادمة عن كليبات جديدة توضح حقيقة الموقف أو إذا ما كان تعرض للقتل بالفعل بسبب حيازته على كليبات تدين رجال شرطة".
تلك الأجواء الشائكة التي تحيط بمن قرر التعامل مع الكليبات التي تظهر مخالفات السلطات هي التي دفعت محمد خالد ناشر كليب "عماد الكبير" في 2006 إلى اللجوء إلى زملائه حسبما يروي : "اتفقنا على نشر الكليب بشكل متزامن لينتشر بعدها على الانترنت، وبعدها أصبح الأمر يتكرر بشكل تلقائي دون اتفاق كنوع من التضامن بين رواد الانترنت.. الحقيقة أنني اليوم أقدر المشكلة التي يتعرض لها من يملك لقطة لمخالفة ما ولا يعرف كيفية نشرها، وأؤكد أنني شاهدت لقطات كثيرة على موقع يوتيوب - لتحميل لقطات الفيديو- لمواطنين نقلوا ما يحدث في الشارع من مخالفات إلى الانترنت، لكنها لم تحقق أي نجاح، بل إن بعضهم حذفها فيما بعد".
ما يذكره محمد خالد قد تؤكده جولة مخلصة بين ربوع موقع يوتيوب الذي يكشف عن وجود مستخدمين مغمورين يحملون أسماء مستعارة سجلوا لقطات لما اعتبروه تجاوزات في الشارع المصري، لكن لقطاتهم ظلت خبيئة في الانترنت، أحدهم نشر لقطة تحت عنوان "الي من يهمه الامر في قسم الحدائق في مصر" هذا العنوان قد يظهر أثناء البحث على الانترنت لكن بمجرد الدخول إلى اللقطة يكتشف الزائر أنه قد تم حذفها دون سبب واضح، شاب آخر يحمل حسابا تحت اسم dode706 نشر كليبات وقعت في حي عين شمس القاهري تحت عنوان "بلطجة الحكومة المصرية في عين شمس"، تاركا تعليقا يشرح فيه الفيديوهات التي تصور اشتباكات بين رجال الشرطة والأهالي بسبب تنفيذ قرار إزالة أحد المنازل موجها شكواه إلى السيد حبيب العادلي وزير الداخلية. التواصل مع صاحب هذا الكليب لم يسفر عن استجابة، كما لم يحقق نشر الكليب أي تأثير تذكر.
يرى المحامي الحقوقي جمال عيد أن نشر الكليبات التي تكشف عن عنف بدني أو وقائع تعذيب من الأفضل أن تتم عبر مؤسسات متخصصة، كذلك فهناك حل أفضل يشرحه : "هناك مجموعة من المدونين نجحوا في تحقيق اسم ومصداقية عبر نشر لقطات التعذيب وغيرها، بإمكان من لديه مثل هذه المواد أن يتضامن مع هؤلاء المدونين، سواء اختار أن يعلن هويته أو أن يكتفي بإرسالها فقط تاركا المهمة لآخرين في المجال الحقوقي". هذا الثقل الذي اكتسبه بعض المدونين في السنوات الماضية يعتقد البعض أنه يمثل نوعا من الحماية لهم، لكن محمد خالد "صاحب مدونة دماغ ماك" يقول : "لا أحد يضمن حمايته من أحد، حتى إن كنت عاملا في المجال الحقوقي، كل ما هناك هو أن سمعة بعض المدونات في كشف بعض التجاوزات الجسيمة وتسليطها الأضواء على قضايا جديدة من نوعها، قد رسخ مصداقيتها سواء في مصر أو في الخارج حين نتحدث عن تجربة المدونات المصرية". لا يخفي محمد خالد أن هناك من حاولوا ركوب هذه الموجة بحثا عن مكاسب، حسب تعبيره :"كان ممكن تلاقي واحد جاي بيقول أنا عايز أبقى مدون مشهور..!"، لكن هذا لم يمنع أن تقوم بعض المنابر الإعلامية وبيانات وزارة الداخلية بالتشكيك في مصداقية المدونات، بل تجاوز الأمر هذا الحد إلى أن تقوم بعض المدونات بهذا الدور الذي يشير إلى الاستفادة المادية التي قد يحصل عليها الشخص من سمعته كمدون، يعلق وائل عباس على هذه النقطة : "أنا مثال واضح على كذب مثل هذه الادعاءات، فالرد الوحيد هو أنني كان بإمكاني أن أحصل على دعم من أي مؤسسة حقوقية عالمية وافتتح مركزا أديره بنفسي، وهو ما فعله آخرون لم يحققوا ربع مصداقيتي أو يبذلوا الذي بذلته في السنوات الماضية، هذا إلى جانب ما أتعرض له من تضييقات أمنية أثناء أسفاري المتكررة". يختلف أداء مدون مثل وائل عباس في تعامله مع قضية نشر الكليبات التعذيب أو غيرها من المخالفات عن مدونات أخرى أكثر تخصصا في قضية التعذيب مثل مدونة "التعذيب في مصر"، فبينما يعلن هو وبعض زملائه عن هويتهم، اتجهت محررة المدونة إلى الاكتفاء باسم المدونة محاولة الابتعاد عن إعلان هويتها موضحة ذلك قائلة : " السبب في ذلك ببساطة هو إكساب المدونة مظهرا احترافيا، فالزائر لن يهتم بالناشر بقدر اهتمامه بالمادة المنشورة. في مدونة التعذيب في مصر كل ما تقرأه هو حصريا عن هذه القضية". تعتمد مدونة التعذيب في مصر على عدة مصادر مختلفة مثل : المنظمات الحقوقية، والإعلام، والمواقع والمدونات الموثوق فيها على الإنترنت، إلى جانب ما يرسله الضحايا أنفسهم، وتضيف محررة المدونة قائلة: "في البداية طبعا كان الأمر أصعب بكثير، لأن المؤسسات الحقوقية لم يكن لها تواجد كبير على شبكة الانترنت، ولم تولي الصحافة اهتماما كبير لقضية التعذيب قبل ظهور كليبات التعذيب، خاصة كليب عماد الكبير وتصعيد قضيته، لكن مؤخرا أصبح الأمر مجهدا فهناك كثير من المواد، وهو أمر يحتاج إلى تدقيق". على نفس درب "مدونة التعذيب في مصر" تأسس قبل أقل من أسبوعين موقع "التعذيب عندهم .. واحنا ضدهم" وهو يعتمد في عمله على نشاط مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، حيث يبرز في أحد أركانه أرقام الخط الساخن لمركز النديم، إلى جانب إشارة من الموقع تحت عنوان " لو كنت مدون، تقدر تساعدنا أكثر" الذي يعتمد فها على التشبيك مع المدونين دعوتهم إلى رفع شعار الموقع الجديد في مدوناتهم، يوضح مصطفى حسين مدير الموقع : "هناك لدى الكثير من المدونين مهارات جيدة في صنع الأفلام إلى جانب رصد بعضهم لحالات تعذيب بعينها، وبصفة عامة يعمل الموقع تحت مظلة ما يسمى قوة العمل المناهضة للتعذيب وهي مجموعة من المنظمات الحقوقية و الأطباء والمحامين والصحفيين والمدونين يعملون ضد التعذيب ". حسبما يذكر مصطفى حسين فإن إنشاء الموقع كان مخطط له منذ فترة ولم يكن بسبب إثارة القضية مؤخرا بعد حادث الشاب السكندري خالد سعيد. بين أكثر من 14 مليون مستخدم للانترنت في مصر قد يتصادف أن يسجل أحدهم لقطة ترصد مخالفة من داخل خبايا المجتمع المصري، لكن هل سيجد مثل هذا المستخدم تأييدا أو أدنى اهتمام؟ يقول جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان : "دور الصحافة المستقلة أن ترصد مثل هذه اللقطات التي تكشف لنا عن مشاكل في المجتمع، وسأضرب مثالا بما حدث في دولة المغرب حين توالى نشر كليبات على موقع يوتيوب بواسطة شخص مجهول رصد فيها فساد بعض رجال الشرطة هناك، وأثار جدلا بعدها في الصحافة، أما في مصر فقد كانت قضية عماد الكبير هي النموذج الأهم في هذا المجال، الذي تسبب في عودة العدالة للمظلوم عن طريق نشر كليب فيديو في البداية".
PDF

No comments:

Post a Comment