كتب – عبدالرحمن مصطفى
بحكم عمله كحارس عقار في عمارة مزدحمة بالسكان يداوم "ربيع" على أداء مجموعة من المهام اليومية على أمل أن يزيد دخله الشهري الذي لا يتجاوز المئتين جنيه، يبدأ بغسيل السيارات في الساعة السابعة صباحا ، لا يستخدم خرطوم المياه سوى حين يطلب صاحب السيارة لمزيد من النظافة والتلميع، أما الأداء العادي فيعتمد على جردل المياه والفوطة المهترئة. لا يعتبر نفسه مسرفا بأي حال في استخدامه للمياه يكتفي بذكر ملاحظة واثقة متسائلا: "من المسرف؟ انا ام الذي يرش المياه أمام المحل أو المقهى؟". القضية الكبرى التي انشغل بها الجميع مؤخرا عن مستقبل حصة مصر في مياه النيل لم تشغله، فمصاريف استهلاك المياه يدفعها اتحاد ملاك البرج السكني الذي يحرسه، حتى إن جاوزت الألف وخمسمائة جنيه شهريا، لا يواجه أي امتعاض من السكان سوى أثناء عملية تنظيف السجاد التي قد تمكنه من الحصول على مبلغ يتراوح بين الخمسين والمئة في المرة الواحدة، يعلق على ذلك : "نادرا ما يعترض السكان.. وفي حالة الاعتراض يكون السبب مشاكلهم الشخصية وليس قلقهم على حجم استهلاك المياه". من وجهة نظر الدكتور مصطفى عبدالعظيم فرماوي أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان فإن القلق العام الذي ظهر مؤخرا بقوة في الإعلام والتصريحات السياسية حول مستقبل حصة مصر في مياه النيل خلق حالة لم تنعكس على سلوكيات الأفراد في المجتمع، معلقا على ذلك قائلا: "اللغة التي استخدمت في الفترة الماضية كانت مؤثرة في اتجاه مختلف، حيث دار الحديث عن حرب المياه وحقوق مصر التاريخية وهو ما شحن الناس في هذا الاتجاه الحماسي، لكنه للأسف لم يتم استغلال هذه الفرصة لتعديل سلوكيات الناس في تعاملهم مع المياه".
الحارس النشط "ربيع" يستهلك المياه بصورة يومية في أغراض التنظيف ويتحدث بضمير مرتاح عن أنه ليس مسرفا في استخدامه، يشير إلى الحديقة المجاورة التي يعمل على تنسيقها أحد عمال البلدية مقابل خمسين جنيها في الشهر، يقول : "إن كنا سنتحدث عن استهلاك كبير للمياه، فالحدائق المجاورة للأبراج السكنية تستهلك كما أكبر، ورغم شراء السكان لرشاشات ري تقليدية، إلا انني أعتمد في الري على غمرها بخرطوم المياه حسبما أصر عامل الحديقة والسكان". يرفض ربيع أي اتهام بالإسراف وفي ذهنه صورة الحقل الزراعي في قريته الذي يعتمد على مياه تقدر بأضعاف التي يستهلكها اليوم في عمله، حسب الأرقام المتداولة على ألسنة المسئولين في وزارتي الري والزراعة فإن حوالي 80% من المياه المستهلكة في مصر تذهب إلى الزراعة.. هذه الصورة يدركها الدكتور مصطفى عبدالعظيم فرماوي بحكم عمله أيضا كوكيل لشئون خدمه المجتمع وتنميه البيئة في كلية الحدمة الاجتماعية، معلقا على ذلك : "إذا ما أردنا أن نقدم أقتراحات عملية في هذا المجال فعلينا ألا نفوت فرصة القلق الذي حدث مؤخرا حول مستقبل المياه في مصر وأن نحوله إلى إجراءات تواجه الاستخدام غير الرشيد للمياه، أهمها نقل رسالة إعلامية مباشرة تواجه سلوكيات الإسراف، وتنشيط دور المجتمع المدنى في إدارة حملات لتغيير سلوك المواطن، كما يجب اتخاذ بعض الاجراءات القانونية مثل استصدار قرارات تجرم هدر المياه". يسجل الدكتور مصطفى ملاحظة هامة في هذا الشأن وهي أن المشكلة أكثر تفاقما في المناطق الريفية الزراعية نتيجة استمرار استخدام أساليب تقليدية في الري، وتحديدا أسلوب الري بالغمر. هذه الطريقة هي التي تسللت إلى سلوكيات ربيع وعمال الحدائق الخاصة تدفعهم إلى عدم الانشغال بكم المياه المستهلك في ري الحدائق فهي الطريقة الشعبية المعتمدة في مصر حتى الآن. رغم تلك الثقافة فهناك بعض من تمرد على هذا الوضع نتيجة تغير صورة المزارع في العقود الأخيرة، الدكتور أحمد عيسى الذي بدأ مبكرا في الثمانينات في استصلاح قطعة أرض ناحية وادي النطرون لم يكن اقتناعه بفكرة الري بالتنقيط لمجرد أنها أنسب وسيلة لتوفير المياه في مصر، بل لأن قواعد وزارة الزراعة كانت تفرض استخدام ميكنة حديثة في الزراعة والري، يصف هذا التطور بنفسه : "اليوم اعمل على ترويج الفكرة في مسقط رأسي في قلين بمحافظة كفر الشيخ، ونجحت في إقناع أبناء عائلتي في استخدام فكرة الري بالتنقيط لنفس الهدف". لم يكتفي أحمد عيسى بهذا بل بدأ في نشر مقالات على الانترنت عن فوائد استخدام الري بالتنقيط، والهدف الأسمى هو توفير مياه النيل، لكنه يذكر أسبابا أخرى : "أؤكد أن الري بالتنقيط بعد هذه الخبرة الطويلة هو الأفضل للمنتجات الزراعية في انتشار الكيماويات بشكل سليم". مشاكل استنزاف مياه النيل في الزراعة حسبما يراها أحمد عيسى الذي عاش في بيئتين زراعيتين مختلفتين، حيث الريف التقليدي ثم اراضي الاستصلاح الزراعي تتفاقم لأن الحياة في الريف تم تنظيمها وتخطيطها على الري بالغمر واستنزاف مواردنا من المياه منذ ألاف السنين. كما ان الصلة تكاد تكون مقطوعة بين من لا يشغلون بالهم بقضية إهدار المياه في تنظيف أو زراعة أو رش المياه وقت الظهيرة، وبين متخصصين لا يجدون المساحة الكافية لنشر دعوتهم في مواجهة هذه الظاهرة.
بحكم عمله كحارس عقار في عمارة مزدحمة بالسكان يداوم "ربيع" على أداء مجموعة من المهام اليومية على أمل أن يزيد دخله الشهري الذي لا يتجاوز المئتين جنيه، يبدأ بغسيل السيارات في الساعة السابعة صباحا ، لا يستخدم خرطوم المياه سوى حين يطلب صاحب السيارة لمزيد من النظافة والتلميع، أما الأداء العادي فيعتمد على جردل المياه والفوطة المهترئة. لا يعتبر نفسه مسرفا بأي حال في استخدامه للمياه يكتفي بذكر ملاحظة واثقة متسائلا: "من المسرف؟ انا ام الذي يرش المياه أمام المحل أو المقهى؟". القضية الكبرى التي انشغل بها الجميع مؤخرا عن مستقبل حصة مصر في مياه النيل لم تشغله، فمصاريف استهلاك المياه يدفعها اتحاد ملاك البرج السكني الذي يحرسه، حتى إن جاوزت الألف وخمسمائة جنيه شهريا، لا يواجه أي امتعاض من السكان سوى أثناء عملية تنظيف السجاد التي قد تمكنه من الحصول على مبلغ يتراوح بين الخمسين والمئة في المرة الواحدة، يعلق على ذلك : "نادرا ما يعترض السكان.. وفي حالة الاعتراض يكون السبب مشاكلهم الشخصية وليس قلقهم على حجم استهلاك المياه". من وجهة نظر الدكتور مصطفى عبدالعظيم فرماوي أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان فإن القلق العام الذي ظهر مؤخرا بقوة في الإعلام والتصريحات السياسية حول مستقبل حصة مصر في مياه النيل خلق حالة لم تنعكس على سلوكيات الأفراد في المجتمع، معلقا على ذلك قائلا: "اللغة التي استخدمت في الفترة الماضية كانت مؤثرة في اتجاه مختلف، حيث دار الحديث عن حرب المياه وحقوق مصر التاريخية وهو ما شحن الناس في هذا الاتجاه الحماسي، لكنه للأسف لم يتم استغلال هذه الفرصة لتعديل سلوكيات الناس في تعاملهم مع المياه".
الحارس النشط "ربيع" يستهلك المياه بصورة يومية في أغراض التنظيف ويتحدث بضمير مرتاح عن أنه ليس مسرفا في استخدامه، يشير إلى الحديقة المجاورة التي يعمل على تنسيقها أحد عمال البلدية مقابل خمسين جنيها في الشهر، يقول : "إن كنا سنتحدث عن استهلاك كبير للمياه، فالحدائق المجاورة للأبراج السكنية تستهلك كما أكبر، ورغم شراء السكان لرشاشات ري تقليدية، إلا انني أعتمد في الري على غمرها بخرطوم المياه حسبما أصر عامل الحديقة والسكان". يرفض ربيع أي اتهام بالإسراف وفي ذهنه صورة الحقل الزراعي في قريته الذي يعتمد على مياه تقدر بأضعاف التي يستهلكها اليوم في عمله، حسب الأرقام المتداولة على ألسنة المسئولين في وزارتي الري والزراعة فإن حوالي 80% من المياه المستهلكة في مصر تذهب إلى الزراعة.. هذه الصورة يدركها الدكتور مصطفى عبدالعظيم فرماوي بحكم عمله أيضا كوكيل لشئون خدمه المجتمع وتنميه البيئة في كلية الحدمة الاجتماعية، معلقا على ذلك : "إذا ما أردنا أن نقدم أقتراحات عملية في هذا المجال فعلينا ألا نفوت فرصة القلق الذي حدث مؤخرا حول مستقبل المياه في مصر وأن نحوله إلى إجراءات تواجه الاستخدام غير الرشيد للمياه، أهمها نقل رسالة إعلامية مباشرة تواجه سلوكيات الإسراف، وتنشيط دور المجتمع المدنى في إدارة حملات لتغيير سلوك المواطن، كما يجب اتخاذ بعض الاجراءات القانونية مثل استصدار قرارات تجرم هدر المياه". يسجل الدكتور مصطفى ملاحظة هامة في هذا الشأن وهي أن المشكلة أكثر تفاقما في المناطق الريفية الزراعية نتيجة استمرار استخدام أساليب تقليدية في الري، وتحديدا أسلوب الري بالغمر. هذه الطريقة هي التي تسللت إلى سلوكيات ربيع وعمال الحدائق الخاصة تدفعهم إلى عدم الانشغال بكم المياه المستهلك في ري الحدائق فهي الطريقة الشعبية المعتمدة في مصر حتى الآن. رغم تلك الثقافة فهناك بعض من تمرد على هذا الوضع نتيجة تغير صورة المزارع في العقود الأخيرة، الدكتور أحمد عيسى الذي بدأ مبكرا في الثمانينات في استصلاح قطعة أرض ناحية وادي النطرون لم يكن اقتناعه بفكرة الري بالتنقيط لمجرد أنها أنسب وسيلة لتوفير المياه في مصر، بل لأن قواعد وزارة الزراعة كانت تفرض استخدام ميكنة حديثة في الزراعة والري، يصف هذا التطور بنفسه : "اليوم اعمل على ترويج الفكرة في مسقط رأسي في قلين بمحافظة كفر الشيخ، ونجحت في إقناع أبناء عائلتي في استخدام فكرة الري بالتنقيط لنفس الهدف". لم يكتفي أحمد عيسى بهذا بل بدأ في نشر مقالات على الانترنت عن فوائد استخدام الري بالتنقيط، والهدف الأسمى هو توفير مياه النيل، لكنه يذكر أسبابا أخرى : "أؤكد أن الري بالتنقيط بعد هذه الخبرة الطويلة هو الأفضل للمنتجات الزراعية في انتشار الكيماويات بشكل سليم". مشاكل استنزاف مياه النيل في الزراعة حسبما يراها أحمد عيسى الذي عاش في بيئتين زراعيتين مختلفتين، حيث الريف التقليدي ثم اراضي الاستصلاح الزراعي تتفاقم لأن الحياة في الريف تم تنظيمها وتخطيطها على الري بالغمر واستنزاف مواردنا من المياه منذ ألاف السنين. كما ان الصلة تكاد تكون مقطوعة بين من لا يشغلون بالهم بقضية إهدار المياه في تنظيف أو زراعة أو رش المياه وقت الظهيرة، وبين متخصصين لا يجدون المساحة الكافية لنشر دعوتهم في مواجهة هذه الظاهرة.
No comments:
Post a Comment