Saturday, October 16, 2004

يارايحين الغورية

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن
كثيرا ما يحدث أن نمر بمناطق الأزهر والحسين ، أو الموسكي والعتبة ، سواء بغرض
الصلاة في أحد المساجد الكبيرة الموجودة هناك ، أو بغرض شراء بعض المستلزمات. وفي رمضان يتجه البعض لتناول طعام الإفطار أو السحور بجانب مسجد سيدنا الحسين ، وهكذا تنحصر علاقتنا بهذه المناطق فقط في تلك الأسباب، وغالبا لا نلتفت إلى ما في تلك المناطق من آثار عظيمة لازالت باقية لتشهد على عظمة مدينة القاهرة.
و ربما تكون قد سمعت عزيزي القاريء عن القاهرة الفاطمية، وما تحويه من مساجد ، ومنازل ، ووكالات أثرية ، هذا بالإضافة إلى الأحياء، والحواري ، و الشوارع التي مازال بعضها يحمل نفس تسميته منذ مئات السنين.. ولكن .. ما هي القاهرة الفاطمية ..؟!
عندما قرر الفاطميون اتخاذ عاصمة لهم في مصر ، اختاروا منطقة تقع شمال الفسطاط ، قليلة المباني ، وأقاموا حولها سورا له ثمانية أبواب ، لم يتبق منها اليوم إلاَّ ثلاثة فقط.
باب زويلة (بوابة المتولي) وتقع في منطقة الدرب الأحمر ، وبابي الفتوح والنصر ناحية منطقة باب الشعرية والجمالية. و العجيب أن هذه الأبواب الثلاثة المتبقية ، ستجد منها باب زويلة في أقصى جنوب القاهرة الفاطمية ، بينما بابي الفتوح والنصر قابعين في أقصى شمال القاهرة الفاطمية ، وكأن هذه الأبواب الثلاثة تحدد لك نطاق القاهرة الفاطمية من الشمال والجنوب.. هل رأيت هذه البوابات أو الأبواب من قبل ..؟ لو كانت إجابتك لا.. فاعلم أن الأمر سهل.. فكم مرة نسير في شارع بورسعيد ونمر بمنطقة باب الخلق ، فهناك و بمجرد أن تدخل إلى الشارع الذي تقع عليه مديرية أمن القاهرة ستجد بوابة المتولي شامخة من بعيد ، وحتما ستلفت نظرك ، وستجد أمامها مسجدا رائع البناء ، هو جامع الصالح طلائع .. لا تتردد في الدخول إلى هذا المسجد ، ستجد بالقرب منه شارع الخيامية المميز. هل تعرف ذلك الشارع الذي يقع بين المسجد والبوابة ..؟! إنه شارع الدرب الأحمر.. بمجرد أن تترك قدميك تسير في هذا الشارع ، ستجد كمَّا ليس بالقليل من المساجد والمدارس الأثرية، حتى تصل في النهاية لتجد القلعة في مواجهتك..!
والآن .. لنعد إلى بابي الجنوب (باب الفتوح ، وباب النصر).
لعلك سرت في يوم من الأيام قادما من العتبة متجها إلى العباسية عن طريق شارع الجيش.. فقط، بعد أن تمر على جامع الشعراني في ميدان باب الشعرية ، ادخل يمينا في الشارع الكبير القادم (البنهاوي) ، سيلفت نظرك بقايا سور القاهرة القديم ، وما يتم فيه من أعمال ترميم ، و ستجد أول باب (باب الفتوح) ثم يليه باب النصر.. أما إذا دخلت من باب الفتوح ستجد على يسارك جامع الحاكم بأمرالله ، المعروف لدى العامة بجامع "الأنور"..
جرب يا أخي الكريم أن تصلي الجمعة مرة في هذا المسجد ، و ستندهش حقا وتتساءل كيف لم أكتشف هذا المسجد من قبل.؟!
ثم انطلق عبر هذا الشارع الذي يقع عليه المسجد ، في تلك المنطقة البعيدة عن مواصلات هيئة النقل العام ، ستجد بيت السحيمي على يسارك ، ثم سيلفت نظرك أسماء الشوارع التي هي نفس أسماء ثلاثية نجيب محفوظ ، فأنت الآن في شارع بين القصرين (المعز لدين الله حاليا) ، وبجانبك السكرية ثم قصر الشوق الذي سيأخذك إلى جامع الحسين في النهاية. وبعد أن تولِ ظهرك للحسين عابرا الطريق إلى الجامع الأزهر ستجد خلف الجامع منطقة الغورية ، وهناك حاول أن تسترق النظر و أن تتطلع إلى وكالة الغوري ، و تأمل ما بها من عظمة البناء . و إذا كنت قد شاهدت وكالة "بازرعة" التي تركتها الآن في الجمالية بعد عبورك للغورية.فقل أيهما أروع بناءا..؟
لا تتعجل في الإجابة ، فالرحلة لم تنته بعد..
فبإمكانك الدخول إلى شارع العقادين (المعز لدين الله حاليا) ، وهو امتداد للشارع الموجود في الجمالية ، وستجد هناك البعض ممن أخذتهم أرجلهم هروبا من شارع الموسكي المزدحم.
أتعلم يا أخي الكريم،ماذا ستجد في نهاية هذا الشارع..؟!
ستجد بوابة المتولي .. تلك البوابة المتبقية في أقصى جنوب القاهرة الفاطمية. أرأيت كم هو سهل التجول بين آثار الماضي الباقية.. ؟!!
فقط إذا أردت أن تشعر بعظمة مدينة القاهرة ، تجول بين أبوابها الثلاث المتبقية، حينئذ ستجد كمَّا عظيما من الآثار الإسلامية المتبقية . و أساس دعوتي اليوم ، هو ألاَّ نجعل منطقة القاهرة الفاطمية مجرد " نزولة " إلى العتبة أو الموسكي أو الغورية لشراء بعض المستلزمات ، ولا حتى مجرد وجبة إفطار أو سحور بجانب مسجد سيدنا الحسين. أعلم أن دعوتي لك قد تكون غريبة بعض الشيء..! ولكن بمجرد أن تجد في تلك المناطق سياحا غربيين بأيديهم خرائطهم و هم يقومون بالتجول والتأمل ، ستشعر أننا فقدنا الكثير حينما جعلنا القاهرة الفاطمية ، مجرد "نزولة" تسوق أو "أكلة" في الحسين.
يا رايحين الغورية ، والدرب الأحمر ، والسيدة زينب ، والخليفة ، و الجمالية ، وباب الشعرية .. تمتعوا بتاريخ القاهرة ، فربما نشعر بعظمة تلك المدينة، و عندئذ تتغير طريقة تعاملنا معها إلى الأفضل .

No comments:

Post a Comment