Wednesday, May 7, 2014

التغطية الميدانية.. طريق مفروش بالأشواك



- حيرة الصحفي بين سؤالي السلامة والنزاهة 


كتب – عبدالرحمن مصطفى

من أتعس المهام التي قد توكل إلى صحفي، أن يعمل وسط طرفين اتفقا على استبعاده من المشهد، خاصة أن وسيلة الاستبعاد قد تصل إلى التصفية الجسدية.

“تخيل أنك وسط اشتباكات بين الأمن وأنصار جماعة الاخوان المسلمين، وعليك أن تحدد سبب الاشتباكات، وأن تحصي عدد الضحايا من الطرفين، وكلا منهما لا يبدي تعاونا معك، إن لم يبد رفضا لوجودك” هذا ما يصفه أحمد البرديني الصحفي الشاب في جريدة الشروق، حيث اعتاد أن يقدم تغطية ميدانية لجريدته، محاولا ألا يعود إلى منزله مصابا.
في تلك الأجواء.. يصبح الحصول على المعلومة، أقرب إلى مغامرة، قد لا يقدرها البعض، إذ تتحكم أجواء الاستقطاب، والتحفز، في مساحات تدقيق المعلومات، والسلامة الجسدية.

في العام الماضي، تعرض 7 صحفيين للقتل أثناء تأديتهم لعملهم في جمع المعلومات من أماكن الاشتباكات، وتعرض عشرات آخرون من زملائهم لإصابات واعتداءات حسب تقرير حالة حرية التعبير في مصر، الصادر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

هذا الواقع ما زال مستمرا في العام 2014، حيث بدأت تتشكل طبيعة جديدة للعمل الصحفي في مصر. حيث يتساءل المتلقي سواء كان متصفحا للجرائد اليومية أو متابعا للقنوات التلفزيونية، هل هذه هي الصورة الكاملة للحدث؟ ما الذي يحدث أمام جامعة الأزهر؟ ما سر التفجيرات المتتالية؟ وكيف تتطور مسيرات جماعة الاخوان كل يوم جمعة إلى أعمال عنف دامية؟ وهنا يخوض صحفي مغامرة، قد تكلفه حياته، وسط أعباء عديدة، أهمها، أنه ضيف غير مرغوب فيه داخل هذا الحدث، وأن المزاج العام، والسياسة التحريرية للمؤسسات، تنتظر قصة معروف نتائجها من قبل.

في شهر أبريل الماضي، دعت نقابة الصحفيين المصرية إلى الإضراب الفوري عن تغطية كل الأحداث الميدانية الخطرة لأجل غير مسمى، وقد استجابت بعض الصحف في مقاطعة مظاهرات الجمعة التالية، احتجاجا على استهداف الصحفيين في أماكن الاشتباكات، ورغم استمرار دولاب العمل في الدوران والعودة إلى أخبار الاشتباكات من جديد، إلا أنها دعوة كشفت عن مزاج جديد، حين يضحي الصحفي بتقديم المعلومات عن حدث بعينه، حتى يحمي نفسه في المستقبل، وهو ما قد يؤثر على وصول المعلومات إلى المتلقي، فلا يجد أمامه سوى مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الاخبارية المحسوبة على أحد طرفي النزاع لينقل عنها ما غاب من تغطية.

يصف خالد البلشي عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية هذه الدعوة بأنها كانت بمثابة صرخة احتجاج، على أمل أن تصل إلى كافة الأطراف المقصرة، وأن تتم محاسبة المسؤولين عن أزمة الصحفي الميداني، سواء كان ذلك يدين أطراف من جانب الشرطة أو من جانب المتظاهرين.

هذا ما تدركه هدير محمود المصورة في الوطن في كل مهمة تغطية مع زملائها، إذ تدرك أن كل طرف من طرفي النزاع يمكنه ببساطة اتهام الآخر في دم صحفي أو مصور. “في الحد الأدنى من المشاكل، أتعرض لاعتداءات لفظية، دون محاسبة، وطرد من موقع الحدث، وتحرص المؤسسات الآن بشكل واضح على ألا تخسر المزيد من أفرادها نتيجة إصابات أو قتل، لكن الأصعب من هذا أنه لا يحدث تجريم لأحد، أو أن يتغير الموقف إلى الأحسن”.

هل يؤثر ذلك على عرض الحدث بشكل متكامل؟ هذا ما تتحكم فيه أزمة أخرى يواجهها من يعمل في الحقل الصحفي، وهو أن السياسة التحريرية أحيانا ما تتجه نحو جزء بعينه من المشهد، ذلك الجزء الذي يعبر عن موقف المؤسسة، في دعم أحد الطرفين.

تبدو مهمة صحفي التغطية الميدانية أشد صعوبة في وسط إعلامي يعج بالاستقطاب السياسي على حد وصف محمود علم الدين أستاذ الصحافة في كلية الاعلام بجامعة القاهرة، فمواقع التواصل الاجتماعي، تبحث عن العناوين الأشد سخونة لتداولها، كما لا تقدم المؤسسات الضمان الكافي للعاملين بها، أو على حد قوله: “أجد أن مبادرة نقابة الصحفيين في تدريب الصحفيين الميدانيين على قواعد السلامة المهنية، هي مهمة يجب أن تقوم بها الصحف بالدرجة الأولى”.

خاض أحمد البرديني الصحفي الشاب إحدى الورش التدريبية التي أقامتها نقابة الصحفيين المصرية مؤخرا، لكن الواقع الذي يراه في أماكن الاشتباكات، أشد تعقيدا من المحتوى التدريبي، فإحدى آخر أماكن التغطية التي حضرها، كان وسط متظاهرين مسلحين يشتبكون مع الأمن داخل منطقة عشوائية في حلوان.

"هذه خطوة أولى تقدم الأطر العامة للسلامة المهنية، ويمكن للمحتوى التدريبي أن يتطور في المستقبل، بل إن نقاشات الورشة نفسها، هي التي قد تكسب المتدرب مهارات جديدة، وأفكارا تفيده في عمله”. هذا ما تحدث عنه خالد البلشي عضو نقابة الصحفيين.

وبين أماكن اشتباكات تلفظ الصحفيين، ومزاج عام داخل المؤسسات الاعلامية، لا يحبذ تسليط الأضواء على اشتباكات جماعة تصفها الدولة بالإرهابية، تزداد مهمة الصحفي صعوبة.

No comments:

Post a Comment