Tuesday, May 6, 2014

في عالم النشطاء .. الحياة المهنية في قبضة السياسة


تجربة الحبس تقود تحولات فى حياة السياسيين الشباب
الشهرة تفتح مجالات عمل جديدة للبعض وتعيق عمل آخرين
المجتمع المدنى يحوى شريحة «النشطاء» لقربها من العمل العام
سعيد صادق: إذا اغترب الشباب.. فقدوا انتماءهم الوطنى

تغيرت حياة مها مأمون بسبب لقب «الناشطة» الذى ظل يصاحبها طوال الفترة الماضية، ومن أهم أعباء هذا اللقب ألا ينقطع الاتصال عن هاتفها من عائلات تبحث عن دعم ذويهم الذين تعرضوا للحبس أو الاعتقال، إذ أصبح رقم هاتفها متداولا بين كثير من الذين تعرضوا لمشاكل بسبب نشاطهم السياسى.
«كنت فى عمل مستقر حتى وقعت ثورة 25 يناير، ثم اندمجت فى العمل العام منذ سنة 2011، وبعدها واجهت التضييق فى عملى السابق، وأصبح استخدامى للانترنت أو الهاتف يثير هواجس زملائى، بسبب كونى ناشطة فى حملة لا للمحاكمات العسكرية آنذاك.. وتصاعد التضييق تدريجيا حتى أدركت أنه عليّ الرحيل». تنتمى مها مأمون الناشطة الحقوقية إلى شريحة من النشطاء اتسع مجال نشاطهم مع اشتعال الأحداث السياسية بشكل متوال، واضطر بعضهم إلى هجر وظائفهم التقليدية والاتجاه إلى العمل فى مهن أخرى أكثر اشتباكا مع الأحداث، وبعد رحلة من العمل التطوعى ومحاولة العودة إلى وظيفتها الأصلية، استقرت على أن تعمل فى المجال الحقوقى.
«حاولت أن أعود إلى عملى الأصلى فى مجال التسويق والاعلان، فتكرر الموقف نفسه بسبب ضيق صاحب العمل بوجود ناشطة حقوقية لديه، تدعم الآخرين، وتتنقل بين أقسام الشرطة لدعم من حبسوا، فتركت العمل بعد خبرة عشر سنوات، واتجهت إلى العمل المتقطع فى عدد من منظمات المجتمع المدني». تجلس مها مأمون الناشطة الثلاثينية فى كافيه على بعد أمتار من رسم جرافيتى لسامبو فى شارع محمد محمود، و«سامبو» هو الشاب الذى اشتهر بصورته التى يمسك فيها بندقية جندى أمن مركزى أثناء اشتباكات جرت فى يونيو 2011، أما الآن فتكتشف مها أنه يجمعها مع سامبو سياق واحد، إذ مرّ هو الآخر بمتاعب فى حياته المهنية بعد تعرضه للحبس بعد هذا الحادث.

«هناك فئات أوقعتها الأحداث فى متاعب مهنية أسوأ من التى نتعرض لها». تشير بيدها إلى نهاية شارع محمد محمود قائلة: «سامبو على سبيل المثال أحد هؤلاء، فهو شاب مصرى عادى، انطلق فى أحد الأيام مدافعا عن المتظاهرين، وتبدلت حياته بعدها.. واليوم لا يتذكره أحد». وقع هذا الشاب الثلاثينى فى حالة من «الوصم» داخل منطقته فى حى الشرابية، بسبب ارتباط اسمه بالثورة فى ذلك الوقت، ما جلب عليه متاعب مستمرة حتى يومنا هذا، أثرت على عمله كحرفى يعمل لحساب مقاولين، وجرت محاولات لمساندته من بعض النشطاء لإيجاد عمل يناسبه، لكن إحباطه وأداءه المشاغب أوقعه فى مشاكل جديدة مع الأمن فيما بعد.
تلك الضغوط المهنية ليست جديدة على عالم النشطاء، إذ كانت السياسة فى فترات سابقة عبئا على من عارضوا السلطة، وبين النشطاء الحاليين من تعرض لمواقف شبيهة حتى فى فترة حكم مبارك. على سبيل المثال تعرض أحمد ماهر مؤسس حركة 6إبريل لأزمات مهنية فى العام 2008 بعد إضراب 6 أبرايل الشهير، وهذا ما حدث معه فى نهاية العام الماضى قبل حبسه، وصدور حكم بحبسه لثلاث سنوات، إذ كتب رسالة فى ديسمبر الماضى من سجن ليمان طرة ذكر فيها نصا: «كان المفترض هذا الشهر، أن أبدأ عملى فى وظيفة جديدة كمهندس مدنى، بعد إجازة عدة شهور من الهندسة». لم يكن هذا الموقف جديدا بالنسبة إليه، إذ تعرض أحمد ماهر للتضييق الأمنى فى عمله كمهندس فى فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حتى انتقل إلى مكتب المهندس والناشط السياسى ممدوح حمزة، ثم تم فصله فى اغسطس الماضى بسبب تغيبه عن العمل على حد تصريحات حمزة فى ذلك الوقت.

نشطاء السبوبة
وفى حالات «النشطاء» ذوى السمعة الشهيرة، هناك بعض الطرق التى قد تعوض أحيانا عن مشاكلهم المهنية، منها حضور فاعليات أو إلقاء محاضرات أو العمل فى ورش تدريبية تتوافق مع خبراتهم فى مقابل مادى، لكنها أمور تأتى على فترات غير منتظمة فى أغلب الأوقات، وإلى جانب ذلك، فإن هناك من نجحوا فى الاستفادة من سمعتهم السياسية فى الحصول على تمويل لمشروعات فى مجال التدريب السياسى أو الاعلامى وغيرها. وبعيدا عن هذا الطريق، هناك من تمسكوا بمهنتهم الأصلية، أحدهم هو مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق، والناشط السياسى المعروف. إذ افتتح فى نوفمبر الماضى مركزا لطب الاسنان فى مدينة نصر، لكن ذلك لم يمنع البعض من اتهامه فى ذمته المالية والتشكيك فى قدرته على تأسيس عيادة بهذه التكلفة، واضطر الناشط السياسى مصطفى النجار إلى نفى تلك الاتهامات على صفحته فى الفيسبوك، والتأكيد على انه لم يبتعد أبدا عن الطب، وعرض صورًا ضوئية من عقد إيجار المركز الذى شارك فى تأسيسه مع زملاء من نفس المهنة، ثم نشر إيصالات بقيمة أجهزة العيادة التى يشارك فى تسديدها بالتقسيط مع زملائه، كما نشر قيمة دخله الشهرى كطبيب وكاتب فى عدد من الصحف المصرية والذى يتراوح بين 15 إلى 18 ألف جنيه، مبرزا إقرار الذمة المالية المنشور فى عدد من الصحف تفصيلا قبل توليه منصب نائب مجلس الشعب عن دائرة مدينة نصر، لكنه ما زال فى دائرة الاتهام بين الحين والآخر، ووصفه بأنه من «نشطاء السبوبة»، وهو الوصف الذى تستخدمه بعض البرامج التليفزيونية بشكل صريح تجاه العديد من النشطاء.
هذه التفاصيل أحيانا ما تنعكس على الحياة الأسرية لهؤلاء «النشطاء»، وهو ما قلب مسار حياتهم تماما، وأبعدهم عن حلم حياتهم الذى اختاروه من البداية.

فى مركز هشام مبارك للقانون فى القاهرة، جلست هند نافع منسق حملة «وطن بلا تعذيب» وسط زملائها من المحامين والحقوقيين العاملين فى المركز، وبدأت فى استعراض خطوات تعديل مسار حياتها من طالبة فى السنة التمهيدية للماجستير، إلى أن استقرت فى عملها الحالى كحقوقية فى المركز. «تعرضت لتعنيف من أساتذتى فى الجامعة بسبب نشاطى السياسى، كما تعرضت لعنف أسرى بعدها، ولم استكمل طموحى الأكاديمى، وكل هذا بعد واقعة احتجازى على خلفية أحداث مجلس الوزراء فى العام 2011».
كانت هند ضمن الأوائل على دفعتها فى كلية التربية بجامعة بنها، وتطمح أن تستكمل مسيرتها التعليمية، تمهيدا للتعيين كمعيدة فى الجامعة، وكانت النقطة الفاصلة فى حياتها بعد احتجازها فى نهاية 2011، وتعرضها لاعتداءات من الأمن، إضافة إلى موقفها الشهير حين احتجت على زيارة المشير طنطاوى لها فى المستشفى، وهو ما دفع أهلها إلى احتجازها فى المنزل، وتعنيفها لشهور طويلة، حتى نجحت فى إيجاد صيغة تبقيها فى القاهرة، ووفر لها الحقوقى أحمد سيف الإسلام عملا فى مركز هشام مبارك. وبعد أكثر من ثلاث سنوات، تكتشف هند أن قصتها لم تنته بعد، إذ إن قضية أحداث مجلس الوزراء مازالت تتخذ مسارها القضائى، ومن الاتهامات التى تواجهها هند مع زملائها، الاعتداء على رجال السلطة العامة من أفراد القوات المسلحة والشرطة، وإلقاء «مولوتوف» على المجمع العلمى المصرى، وإضرام النار فيه وفى سائر المبانى المجاورة، إلى جانب تهم أخرى قد تتسبب فى عقوبة جنائية تعيق مستقبلها المهنى مرة أخرى.
«بحكم عملى فى حملة وطن بلا تعذيب، رأيت حالات تضررت مهنيا، إلى جانب ما يحدث لفئة أخرى هى الطلاب الذين يتعرض بعضهم للتضييق فى مسارهم الدراسى، وأقرب هذه النماذج منى، هو أحمد طه زميلى فى الحملة، الذى خرج من الحبس بعد 9 شهور ليجد نفسه مفصولا من مدرسته الثانوية، وبعد متابعة قضيته، عاد إلى الدراسة مرة أخرى». هذا ما ذكرته هند نافع.
وتكشف التقارير الحقوقية على مدار السنوات الماضية عن أزمات تتعرض لها شريحة أخرى من النشطاء، لم يتضرروا بسبب السياسة، لكن بسبب انخراطهم فى الدفاع عن حقوقهم المهنية والعمالية، ولم ينقطع هذا النوع من القضايا عن بعض المراكز الحقوقية، منها المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذى سجل حالات فقدت عملها بسبب تبنيهم العمل الاحتجاجى داخل مؤسساتهم. فى إحدى هذه الحالات التى وثقها المركز تعرض العامل للنقل عدة مرات داخل الشركة حتى تم فصله من العمل، وذلك بعد أن أقام دعوى قضائية أمام مجلس الدولة ببطلان خصخصة وبيع الشركة التى يعمل فيها، وهى الحالة التى وثقها المركز على موقعه الالكترونى.

الحرية للجدعان
«الأزمات المهنية لا يتعرض لها النشطاء السياسيون فقط، بل يتعرض لها نشطاء عماليون، سواء بالتهديد أو بالنقل التعسفى، لمجرد أنهم يطالبون بحقوق عمالية، وهذا الأمر ليس جديدا، خاصة مع عودة جهاز الأمن الوطنى إلى داخل المؤسسات الحكومية والمصانع». هذا الحديث للناشط السياسى خالد عبدالحميد المتحدث الاعلامى لحملة «الحرية للجدعان».
انغمس خالد فى أريكة جلدية بإحدى غرف مركز دعم لتقنية المعلومات، حيث يعمل منذ سنوات، ثم تحدث ضاحكا: «لا يعلم كثيرون ماذا أعمل بقدر ما يعلمون صفتى كناشط سياسى، لكن لقب ناشط ليس مهنة». ينتمى خالد عبدالحميد عضو جبهة طريق الثورة المصرية إلى جيل من السياسيين الشباب، وجدوا مجالات تحتويهم دون أن تكون عبئا على نشاطهم السياسى. عمل فى البداية فى دار ميريت للنشر لصاحبها محمد هاشم المنخرط فى العمل العام، وانتقل بعدها بين العامين 2001 و2004 للعمل فى المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حتى استقر فى السنوات العشر الأخيرة فى عمله الحالى فى مركز دعم لتقنية المعلومات، ويعترف أنه يمثل نموذجا توافرت له مساحة للانخراط فى الشأن السياسى، دون إخلال بحياتهم المهنية.
«أصحاب العمل فى هذه الأماكن كانوا من المرونة أن يتسامحوا مع انشغالى بالسياسة، هذا إن لم يكونوا هم أنفسهم منخرطين فى نفس الهم». على حد قوله. كما يرى خالد بحكم موقعه كمؤسس لحملات وتجارب حزبية، أن اتساع عالم المبادرات فى السنوات العشر الأخيرة والظهور الكثيف لدور مؤسسات المجتمع المدنى، قد أتاح للبعض حلا للانخراط فى الشأن العام من خلال حياة مهنية، فى وقت أغلقت الحكومة أبوابها للتعيين إلا فى مساحات محدودة مقارنة بالأجيال السابقة.
لكن البعض يتخذ حذره خوفا من أن يكون اتساع دائرة المنخرطين فى العمل السياسى سببا فى اتساع دائرة من تأثرت حياتهم المهنية بسلبيات السياسة، هذا ما يعتبره سعيد صادق استاذ علم الاجتماع السياسى واحدا من أعراض المرحلة الانتقالية التى تعيشها مصر، وهى بحسب وجهة نظره ليست مؤشرا يدل على صورة المستقبل، فإما أن يكون الطريق القادم متجها نحو مجتمع مفتوح، يحتوى هذه الشريحة من الشباب المنخرطة فى الشأن السياسى، فيتحولون إلى أحد مكاسب الدولة، أو أن يتجه المسار إلى الطريق الثانى الذى يحذر منه قائلا: «إذا ما تحول المجتمع إلى الانغلاق، فسيزداد إحساس أبناء هذه الشريحة من الشباب المنخرط فى السياسة بالاغتراب، وفى هذا خطورة شديدة على انتمائهم الوطنى، خاصة أن هذه الشريحة قد اتسعت بعد أن انخرط كثير من المواطنين فى الشأن السياسى، لذا فالتعسف ونزع الكرامة عن أولئك الشباب، قد يفقدهم إيمانهم بالدولة، وهو ما حدث فى نهاية حكم مبارك».
ليست الصورة بهذه القتامة، فما زال هناك من يعمل رغم ما يتعرض له من ضغوطات، على سبيل المثال.. ناقش شريف فرج المعيد فى كلية الفنون الجميلة بجامعة الاسكندرية رسالة الماجستير فى سجن الحضرة فى الاسكندرية، وتم منحه الدرجة أثناء حبسه احتياطيا على ذمة التحقيقات فى اتهامه بالمشاركة فى أحداث عنف وقعت قبل عدة أشهر. أما مها مأمون الناشطة الحقوقية، فقد بدأت مشوارها فى دراسة الحقوق استكمالا لمشوارها فى هذا المجال، بينما تفكر هند نافع التى تنتظر حكما فى قضية أحداث مجلس الوزراء أن تحضر الماجستير فى مجال حقوق الانسان وتودع تخصصها الأصلى فى مجال التربية إلى الأبد.
 **
تصوير: جيهان نصر
**
الناشط.. الأصل والفصل
يستمد لفظ «النشطاء» جذوره من الثقافة الغربية منذ القرن الماضى، حيث أصبح يطلق على من يعملون على إحداث تغيير اجتماعى، أو سياسى، أو اقتصادى، أو حتى بيئى، مستخدمين فى ذلك مختلف أدوات للتغيير، مثل مخاطبة وسائل الإعلام، أو الحملات السياسية، أو المقاطعة، أو التظاهر، انتهاء بالإضراب عن الطعام. وازداد على ذلك استخدام الانترنت لتحقيق نفس الأهداف.
أما فى مصر، فقد أصبح لفظ «الناشط» أكثر تداولا فى وسائل الاعلام بعد اتساع دائرة عمل منظمات المجتمع المدنى فى السنوات الأخيرة، وازدياد أعداد المتطوعين فى مبادرات تنموية وحقوقية وسياسية، ومع اختلاط هؤلاء مع أقرانهم فى دول أخرى من خلال مؤتمرات وفاعليات مختلفة، انتقل لفظ ناشط إلى بيئة العمل المصرية. وهنا يجب التفريق بين ناشط يستخدم أساليب التغيير من خلال مبادرة أو حملة أو غيرها، وقد تكون له مهنة أخرى عادية، وبين ناشط يعمل فى المجال الحقوقى ويقوم عمله بالكامل على إقامة المبادرات والفاعليات لنشر التوعية أو لإحداث تغيير فى المجتمع.
وفى داخل الأوساط الحقوقية العالمية يظهر مفهوم صناعة النشاط الحقوقى Activism Industry المتصل بأسلوب عمل النشطاء فى كافة المجالات الحقوقية والسياسية، إذ تعتمد شريحة من النشطاء على التمويل وتلقى المنح، من أجل دعم مشروعاتهم وأفكارهم، ويتم ذلك من خلال تدشينهم منظمات غير هادفة للربح، يعملون فيها على قضايا محددة. لذا فقد أصبحت مسألة إدارة تمويل هذه المؤسسات، وتسويق المشروعات والحملات أمام الجهات المانحة مجالا يحتاج للتفرغ التام، وهو ما أظهر أيضا تكتيكات تستخدمها المنظمات والنشطاء للضغط على الحكومات، وتحقيق التغيير الذى يسعون إليه.
وهكذا تتبدل صورة الناشط محليا وعالميا، بين متطوع يعمل بنفس أدوات التغيير لتحقيق أهدافه، أو ناشط آخر يعمل كجزء من منظمة حقوقية.
 أحمد دومة في سيارة الترحيلات - تصوير: محمد الميموني
**
صحيفة الحالة الجنائية لناشط سياسى
بعض الاتهامات التى يواجهها نشطاء تم القبض عليهم من أماكن تظاهرهم قد تظهر مستقبلا فى صحيفة الحالة الجنائية الخاصة بهم، إذ يواجه بعضهم أحكاما فى عدة قضايا جنائية.
«لا يتم تسجيل الجناية فى صحيفة الحالة الجنائية إلا حين يصدر حكم بات، وبعد انهاء كافة مراحل التقاضى فى المحاكم المصرية». هذا ما يذكره محمد عبدالعزيز المحامى الحقوقى، حيث يجلس فى مكتبه بمركز الحقانية فى وسط المدينة بين عدد من ملفات تعج بهذا النوع من القضايا. وتتبدل اتهامات النشطاء غالبا بين عدد من التهم، مثل: التجمهر، وإثارة الشغب، واتلاف ممتلكات خاصة أو عامة، والتعدى على موظف عام، وأخيرا انضمت إليهم تهمة التظاهر دون تصريح. وقد تظهر فى المستقبل أحكام نهائية داخل صحيفتهم الجنائية، إذا ما تكرر تعرضهم لعقوبات قانونية، وهو ما قد يزيد من متاعبهم فى حياتهم المهنية، لكن الأزمة الأكبر تكمن فى تطبيق إجراء «الحبس الاحتياطي» بشكل متعسف، حين يبقى المتهم فى الحبس لأسابيع دون العرض على محاكمة.
«حتى لا يتعرض المحبوس للفصل من عمله، يتم الحصول على شهادة من جدول النيابة، لإثبات أنه قيد الحبس الاحتياطى وليس ممتنعا عن العمل، وهو ما قد يحمى وظيفته من الضياع». هذا ما يذكره محمد عبدالعزيز الذى احتجز فى نوفمبر الماضى، حين شارك فى أول مظاهرة ضد قانون التظاهر، ثم أخلى سبيله بعدها، بينما يتابع الآن مسار عدد من قضايا النشطاء.

يقر محمد عبدالعزيز أن تسجيل الاحكام القضائية فى صحيفة الحالة الجنائية ليس أمرا شائعا فى قضايا النشطاء السياسيين، إذ لم يتكرر صدور أحكام جنائية لأغلبهم، فى الفترة الماضية، لكن الأزمة التى تلاحق من يعمل على قضايا النشطاء السياسيين، هى فى مواجهة أمر الحبس الاحتياطى، فحسب المادة (134) من قانون الإجراءات الجنائية يجوز لقاضى التحقيق أن يصدر أمرًا بحبس المتهم احتياطيا، وذلك فى حالات محددة منها، أن تكون الجريمة فى حالة تلبس، أو أن تكون هناك خشية من هروب المتهم، أو التخوف من أن يستغل المتهم نفوذه فى التأثير على المجنى عليه أو الشهود، أو العبث فى الأدلة أو القرائن المادية، أو أن يجرى المتهم اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها. أخذ محمد عبدالعزيز يتلو النص القانونى من شاشة الكمبيوتر، موضحا ان مهمة المحامى هنا تتلخص فى محاولة الضغط من أجل تحديد جلسة قريبة، وهو ما يحدده القاضى فى النهاية، لذا فالحبس الاحتياطى الذى دام فى عدد من القضايا عدة شهور يتحول إلى عقوبة حسبما يرى كثير من الحقوقيين.
يعود المحامى الشاب إلى شاشة الكمبيوتر ليتلو نص المادة (136 ) قائلا: «تنص هذه المادة على أن يشتمل أمر الحبس على بيان الجريمة المسندة إلى المتهم والعقوبة المقررة لها، والأسباب التى بنى عليها الأمر.. فهل تحققت هذه النقاط فى كافة أوامر الحبس الاحتياطى؟ فنحن هنا نتحدث عن وقائع جرت فى زحام المظاهرات والاشتباكات، والسلطة كلها فى يد رجال الأمن لتبرير الحبس الاحتياطي».
ينتهى الحديث مع محمد عبدالعزيز، الذى لا يكف هاتفه عن تلقى اتصالات زملائه المتطوعين، محاولا ادارة أزمات المحبوسين بأفضل الطرق القانونية.

No comments:

Post a Comment