Sunday, August 28, 2011

عقل قديم فى شكل جديد ... أسطورة الشرطى التى لم تتحطم


الجميع ينتظر التغيير
من يطلق النار على ماضي الداخلية؟


كتب - عبدالرحمن مصطفى
«إن الصورة المزعجة التى ارتسمت فى وعى المواطنين عن رجل الشرطة جعلت هناك ميلا تلقائيا إلى وصف من يرتكب سلوكا عنيفا وغير لائق بأنه مثل ضابط الشرطة، بل إن رجل الشرطة نفسه إذا ارتكب سلوكا مذموما أو مخالفا للقانون لا يرجعه الآخرون إلى أخلاقياته أو إلى البيئة التى تربى فيها، بل إلى كونه فردا من أفراد الشرطة». هذه الصورة التى سجلتها الدكتورة بسمة عبدالعزيز فى كتابها (إغراء السلطة المطلقة، دار صفصافة، 2010)، قبل قيام ثورة 25 يناير، ما زالت مستمرة حتى الآن، إذ ما زال الإعلام التقليدى والانترنت معا يعرضان كمًا كبيرا من الغضب تجاه الشرطة سواء باتهامها بالتقاعس عن أداء مهامها أو بسبب استمرار تعسف بعض أفرادها حتى اليوم. من بين مئات الصفحات على الانترنت التى تتناول أداء الشرطة وتطور صورتها كتب مؤسسو صفحة وزارة الداخلية المصرية هذا العنوان: «يا ريت نفترض حسن النية فى الحديث بيننا».
لكن هذه العبارة المؤثرة لم تجد صدى لدى بعض المعلقين فتباينت التعليقات بين متعاطفة مع العنوان وأخرى من نوعية «طهر الجهاز أولا عشان نحس إنكم بالفعل تحبون هذا البلد ولا تحبون البدلة التى تستغل فى الإرهاب». ومنذ أن أنشئت الصفحة التى أسسها مجموعة من الضباط قبل تنحى الرئيس السابق مبارك بأيام ما زالت صورة الشرطى قبل 25 يناير مسيطرة على المشهد. يرى العميد السابق ــ محمود قطرى ــ بحكم خلفيته الشرطية أن الحل قادم من داخل جهاز الشرطة نفسه، إذ يقول: «الضابط لا يستطيع التخلص من ولائه للوزارة ولزملائه، أما الأهم فهو ولاء الشرطى للتعليمات، وهذا ما يجب الاعتماد عليه فى التعامل مع العاملين بالجهاز، كى يتغير أداء الشرطى بناء على هذه التعليمات الجديدة».
ما يذكره محمود قطرى يختلف عن وجهة نظر أخرى يقدمها الدكتور أحمد عبدالله ــ مدرس الطب النفسى بكلية طب جامعة الزقازيق- الذى يقول: «إذا لم تقبل وزارة الداخلية التعامل مع متخصصين من خارجها ستظل العقلية نفسها هى المسيطرة على جهاز الشرطة وأفراده». يذكر أحمد عبدالله هذا الرأى فى تعليقه على مصير مبادرة الصحة النفسية للشرطة والشعب التى تصدى لها مجموعة من الأطباء النفسيين أطلقوا على أنفسهم «نفسانيون من أجل الثورة»، ودعت المبادرة إلى عدد من التوصيات على رأسها: معالجة عقيدة وعقلية الاستعلاء الشرطى. ويضيف أحمد عبدالله: «ما حدث فى الفترة الماضية أنه كان هناك اختلال فى التعاقد القائم بين الشرطة والشعب أدى إلى تعسف من الجهاز الأمنى، أما ما يجب أن يحدث الآن هو أن تقبل الوزارة مشاركة المبادرات المدنية أو حتى جهة مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان من أجل إعادة تشكيل ذلك التعاقد بين الشرطة والشعب، وألا يعتمد الأمر على الارتجال والضغط المتبادل بين الشعب والشرطة».. وتأتى فكرة التعاقد بين مؤسسة ترعى الأمن وأفراد الدولة كإحدى العلامات المهمة فى تطور الدولة الحديثة منذ نشأتها، إذ كانت الحالة المصرية قديما تعتمد على مجموعات بعينها فى المجتمع هى من تحتكر حمل السلاح على رأسها المماليك، وكانت حيازة السلاح آنذاك فى البيوت الكبيرة تصنع نوعا من التوازن فيما بينهم، بينما لا يشارك الشعب فى الرقابة على من يحمل السلاح. يرى الدكتور خالد فهمى ــ أستاذ ورئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية فى القاهرة ــ أن جهاز الشرطة فى النصف الأول من القرن الماضى كان فعالا فى مقاومة الجريمة، وكانت نبرة الفخر المؤسسى واضحة فى تلك الحقبة، ويعلق: «ما حدث فى ثورة 25 يناير هو محاولة لضبط المعايير للفئة التى تحتكر استخدام السلاح داخل الدولة وهى جهاز الشرطة». ويؤكد خالد فهمى فى كتاباته على أن عهد الرئيس السابق مبارك كان نقطة مهمة فى تغير أداء الشرطة وهو ما انعكس بالتالى على صورتها، إذ كان إعلان حالة الطوارئ فى العام 1981 سببا فى تغير أداء عمل الشرطة فى القبض والاحتجاز والتحقيق، وفى تجاوزات تمت تحت ادعاء مكافحة الإرهاب وامتدت إلى مظاهر أخرى مثل الاستعانة بمجرمين فى التحرى الجنائى.
فى مساحة أخرى داخل أكاديمية الشرطة تتشكل صورة الضابط مبكرا تحت ظروف وإجراءات خاصة، ذكر العميد السابق محمود قطرى بعضها فى كتابه الشهير «اعترافات ضابط شرطة فى مدينة الذئاب»، إذ يذكر أن بعض المواقف التى كانت تحدث داخل كلية الشرطة هدفها حسب عبارته: «تحويل الضباط إلى عبيد يهدفون إلى إرضاء سادتهم». ورغم ما دونه فى كتابه الصادر فى العام 2004 إلا أنه يجد اليوم أن بذرة الأمل فى جهاز الشرطة تتمثل فى أفراده وفى خلفياتهم الاجتماعية، ويقول: «ما أؤكده أن عملية اختيار أفراد جهاز الشرطة تتم على مستوى عال من الدقة، وهو ما يعد ميزة يجب استغلالها، إذ إن طلبة أكاديمية الشرطة ينتمون إلى أسر ذات مستوى طيب.. لكن المشكلة الآن فى التخلص من القيادات الفاسدة ذات العقليات القديمة». كانت إحدى أهم التوصيات التى تبنتها مبادرة الصحة النفسية للشرطة والشعب «تكوين لجنة متعددة التخصصات من خبراء الأمن وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وقانونيين وناشطين فى حقوق الإنسان وذلك لمراجعة المناهج وطرق التدريس والتدريب بكلية الشرطة وتقديم مقترحاتها لإدارة الكلية»، لكن مسئولين بوزارة الداخلية اكتفوا بوعود فقط أن تكون الدراسة فى المرحلة القادمة أكثر تطورا، وهو ما يجعل الوضع باقيا على ما هو عليه حتى حين.





داخل إحدى أكاديميات التأهيل للكليات العسكرية كان محمد إبراهيم المتخرج حديثا من المرحلة الثانوية يبحث عن فرصة لدخول كلية الشرطة، ويعلق على ذلك قائلا: «أنا هعتمد على شخصيتى بعد ما أبقى ضابط، رغم المشكلات اللى بيواجهها ضباط الشرطة حاليا فى تعاملهم مع الناس».
ترك محمد إبراهيم بلدته فى محافظة المنيا وجاء خصيصا كى يقيم مع عمه فى القاهرة بحثا عن وسيلة للالتحاق بأكاديمية الشرطة بعد أيام من فتح باب التسجيل على موقع الأكاديمية على الانترنت، وبدا متفائلا على عكس آخرين أظهروا قلقهم على مواقع الإنترنت، إذ كتب أحدهم على صفحة ائتلاف ضباط الشرطة الحر قائلا: «أنا دلوقتى فى ثالثة جامعة كلية الآداب وعاوز أقدم فى كلية الشرطة السنة دى.. هل ينفع أم لا..؟ لأننى حابب ادخل كلية الشرطة وأكون واحدا من أبنائها». تلقى صاحب هذه العبارة تعليقات استهجان إحداها: «ليه يابنى تعمل فى نفسك كدة، دى الناس بتدعى عليهم ربنا ينتقم منهم». مثل هذه التعليقات لا يهتم بها محمد إبراهيم. فحسبما يقول عمه المرافق له فى فترة التدريب فإن: «الصعيد له حسابات أخرى، إذ إن مهنة الشرطة ما زالت مثار فخر وما زال لصاحبها حضور قوى، رغم حالة الاستهانة التى قد يواجهون بها الآن». حسبما يؤكد مسئول التدريب فى أكاديمية التأهيل فإن إقبال الشباب لم يقل هذا العام عن الأعوام السابقة، لكن شابا آخر «بلديات محمد إبراهيم» من محافظة المنيا، يعرض وجهة نظر أخرى، قائلا: «أنا اخترت دخول الحربية لأن الأيام أثبتت أن المستقبل للجيش».
هذا الشاب نفسه لم يخف قلقه من الروايات التى يسمعها فى بلدته عن شباب المجندين الذين التحقوا بالخدمة العسكرية ونقلوا له خبرات صعبة أثناء فترة تجنيدهم. ويعلق قائلا: «أخشى من التعرض لضغوط أو تعسف إذا تم قبولى فى الكلية الحربية».وحسب تصريحات اللواء أحمد البدرى ــ مدير أكاديمية الشرطة ــ فإن أكثر من 30 ألف طالب تقدموا هذا العام للالتحاق بالأكاديمية، وهو ما يمثل ضعفى عدد المتقدمين العام الماضى، إذ تقدم وقتها أكثر من 16ألف طالب. ولم يقتصر الأمر على خريجى الثانوية العامة بل ظهرت شريحة من خريجى كليات الحقوق أعربوا عن رغبتهم فى استعادة حلمهم القديم للالتحاق بأكاديمية الشرطة. وذلك بعد أن وعدت الحكومة المصرية قبل شهور بدراسة قبول خريجى كليات الحقوق داخل سلك الشرطة، وتكرار التوصيات بتفعيل هذه المبادرة.
مصطفى زكى خريج دفعة 2007 من كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية كان أحد هؤلاء المطالبين، إذ تقدمت مجموعة من أصدقائه بفكرتهم إلى الدكتور عصام شرف، ويعلق على ذلك قائلا: «لم أنجح فى الالتحاق بكلية الشرطة أو سلك النيابة.. وأعمل الآن فى إحدى الشركات السياحية بمدينة شرم الشيخ». ترك مصطفى زكى رقم هاتفه فى إحدى المجموعات الإلكترونية على شبكة فيس بوك على أمل أن يتلقى مكالمة تبشره بميعاد تقديم أوراقه إلى أكاديمية الشرطة، وهو ما جعله يظن فى بداية المكالمة الهاتفية معه أنها البشرى التى ينتظرها، ويقول معلقا: «إذ ما فتح الباب أمام خريجى الحقوق سيتقدم الآلاف، لأن خريج الحقوق يتعرض لكثير من المشاق حتى يجد عملا مستقرا، لكن قطاع الشرطة يوفر العديد من المزايا على رأسها العمل المستقر».
وجهة نظر مصطفى زكى خريج الحقوق تتفق مع محمد إبراهيم الشاب فى مركز التأهيل للكليات العسكرية، إذ يرى كلاهما أن الشرطة عائدة لا محالة، لكن إبراهيم تحركه أبعاد أخرى عائلية، إذ إن له أقرباء من القيادات الشرطية الحالية استمروا فى خدمتهم بعد الثورة، أما عن جذوره الصعيدية فيقول: «تأكد أن القواعد فى الصعيد مختلفة، إذ لم تحدث مواجهات مع الشرطة بنفس القوى التى جرت فى مدن مثل الإسكندرية والقاهرة والسويس.. وما زالت العلاقات العائلية تدير الموقف مع الشرطة، وهو ما لا يشعرنى بالقلق».




يستعيد العميد كمال سعيد (تم تغيير الاسم بناء على رغبة المصدر) العديد من المواقف التى واجهها أثناء عمله بجهاز الشرطة، ولا ينكر أن ما كان يعيشه من مواقف مع المجندين وأفراد الشرطة أصبح يقرؤها الآن بشكل آخر. خاصة أنه بالمعاش منذ سنوات ولديه القدرة على أن يراقب الموقف من بعيد، ويعلق: «عقلية الشرطة لا تختلف كثيرا عن أى عقلية عسكرية تقدس الأوامر واحترام المسافات فى التعامل، لكن المشكلة الحقيقية تكمن فى اختلاف ثقافة العاملين بالداخلية من العسكرى إلى الضابط».
من بين الفيديوهات الشهيرة على الانترنت فيديو عسكرى الأمن المركزى الذى يسأله بعض الضباط «حرب أكتوبر 1973 كانت سنة كام؟»، فيجيب عليهم بهلع: «والله ما أعرف يا باشا» هذا الفيديو شاهده العميد كمال سعيد ضمن أكثر من 100 ألف مشاهد اطلعوا على هذا الكليب، حسب موقع يوتيوب لتحميل لقطات الفيديو، ولم يشغل باله وقتها على عكس كثيرين من الشباب والمعلقين والحقوقيين الذين رأوا فيه امتهانا لمجند الشرطة، ويقول: «هذا الكليب مفتعل.. لكن الواقع أصعب من هذا وأحيانا ما كنت أضطر إلى اتخاذ سلوكيات ليست من طبعى ضد أفراد يعملون تحت يدى».
يضرب مثلا بقصة أراد بها توضيح الحالة الذهنية لبعض أفراد الداخلية ذوى الثقافة البسيطة، إذ طلب من أحد أفراد الأمن التابعين له بعض الطعام الخاص حين أصيب باضطراب معوى، كانت الطلبات ببساطة هى نصف كيلو بقسماط، وجبن رومى، وزيتون أخضر، وبعد أن غاب فرد الأمن مدة طويلة كى يصل إلى محل بقالة قريب عاد بخبز «فينو» وجبن مطبوخ ومخلل، وهو ما لا يناسب مريضا فى حالته.. اليوم يروى هذه القصة وهو يضحك، لكن رد فعله وقتها كان مليئا بالعصبية دون التماس عذر الخلفية الريفية التى أدت إلى عدم فهم الفروق بين المعروض أمامه. ويعلق على ذلك قائلا: «كان يعمل معنا فعلا شباب لا يدركون الكثير من مظاهر المدنية حولهم»، لكن فى بعض الحالات كانت مثل تلك المواقف متعمدة من أفراد الأمن كنوع من المقاومة السلبية لأوامر الباشا... ويروى إحدى تلك القصص عن موقف حدث مع ضابط زميل له، حين قرر السائق أن يبتعد عن مهمته اليومية فى شراء الخضراوات لزوجة الضابط، وفعل ذلك بأن تعمد شراء أسوأ ما هو موجود فى السوق من منتجات حتى اكتشفت ذلك زوجة الضابط من البائع نفسه الذى كان يفاجأ يوميا بالسائق يمر عليه لشراء ما لا يصلح للطهى. يعلم كل الضباط أن مثل هذه المهام ليست من واجبات أفراد الشرطة أو العاملين فى الداخلية، وبحسب تعليقه: «من المؤكد أنها ليست من مهام عمله... لكن مافيهاش حاجة إذا عمل ده»... محاولات المقاومة السلبية التى يمارسها أفراد الأمن قد تأتى بتأثير عكسى من جانب الضباط الذين يعتبر كثير منهم ذلك نوعا من العصيان.
يضرب العميد كمال سعيد مثلا آخر كان يحدث فى إدارته قائلا: «كان رئيسى المباشر لديه كاميرات ترصد الممرات المؤدية إلى مكتبه، وكان يفاجأ بأننى الضابط الوحيد الذى يقف له العساكر ويؤدون له التحية دونا عن بقية زملائى».
حسبما يصف فإن السر ببساطة هو أنه كان يلكز سيقان العساكر بشكل موجع كلما مر وهو ما لم تظهره زاوية التصوير فى الكاميرات، وهو ما لم يدركه مديره إلا متأخرا، أما عن تبريره ذلك فيقول: «لم أهدف سوى تأكيد المسافات بينى وبينهم، فمثلما أحترم الرتبة الأكبر منى، على العساكر أيضا أن يقدموا لى الاحترام نفسه». أما هؤلاء العساكر المذعورون وأفراد الشرطة فأحيانا ما يقعون فى مواقف تعسة وقت تنفيذ الأوامر خشية غضب رؤسائهم، يعلق العميد السابق قائلا: «فى مرة اقتحم أحدهم مكتبى وأخبرنى أن مدير إدارتنا يريدنى فى مكتبه، ثم كررها بإلحاح فى مرة ثانية، وفى الثالثة ضرب بقبضته على مكتبى وقال: لو سمحت تيجى معايا دلوقت، الباشا قاللى مجيش من غيرك.. وبالطبع شعرت بإهانة، فأنا لست مقبوضا علىّ». فما كان من العميد السابق إلا وأن أصاب فرد الأمن بعدة لكمات متتالية حتى أسقطه على الأرض، ودخل فى جدل مع مدير الإدارة الذى جرأ فرد الأمن على ضابط، ودفعه إلى الحديث بهذه الطريقة. وحسب عبارته: «الضباط بيشيلوا بعض.. وطبعا المدير جاء فى صفى لأن اللى عملوه غلط». ويأتى هذا التكريس لحس الطاعة لدى أفراد الأمن أحيانا بنتائج مبالغ فيها مثل موقف حدث مع العميد كمال فى التسعينيات حين قرر سائقه أن يسير على قضبان المترو القديم ويدخل بالسيارة فى أحد الأنفاق لمجرد إرضائه والابتعاد به عن الزحام فى ذلك اليوم. يرى العميد السابق أن الحل لن يكون سوى فى دخول أفراد شرطة على درجة من الوعى والثقافة لضبط تلك العلاقة بين الضابط وبين من هم أدنى فى الدرجة، لأن تلك الفجوة الثقافية بين أفراد ذوى ثقافة ضعيفة وضباط الشرطة تصنع مشكلات وقد تدفع بالضابط إلى استخدم إجراءات وسلوكيات متعسفة، ويختم قائلا: «كفاية تعامل الضباط مع مشاكل المواطنين ومعتادى الإجرام، مش المفروض يكون عليهم عبء زائد من جوا الداخلية نفسها».

Monday, August 15, 2011

الصوم في أعوام قلقة


رمضانات ساخنة

جولة بين عناوين الصحف في سنوات حاسمة مثل 1948، 1967، 1973 قد تبرز تشابها بين رمضان في تلك السنوات ورمضان بعد ثورة 25 يناير. إذ أنها سنوات يجمعها خيط واحد.. هو أنها سنوات قلقة، ألقت بطابعها على شهر الصوم
كتب – عبد الرحمن مصطفى


1948
بين أول رمضان بعد الثورة في عام 2011 ورمضان في عام 1948 ما يقارب 63 عاما، لا يلتقي الرمضانين سوى في أن أول أسبوع في كليهما قد شهد حدثا قد يضفي طابعا على الأسابيع التالية، إذ شهد الأسبوع الأول من رمضان الحالي فض اعتصام التحرير وبدء محاكمة مبارك ونجليه ليتوقع الجميع أن يكون هذا هو طابع رمضان في عام الثورة، أما العام 1948 ففي أول رمضان من عام 1367هـ الموافق 8 يوليو 1948 كان العنوان الرئيسي لجريدة الأهرام "الاستعداد لاستئناف القتال صباح غد"، لينبئ عن رمضان ساخن في ذلك العام بعد هدنة لم تستمر طويلا... فقد شهد العام 1948 بداية الحرب بين تحالف القوات العربية ضد الميلشيات الصهيونية في فلسطين، وهي المعارك التي وصفها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بأنها أقرب إلى بعثرة لجنودنا في الصحراء، وهو ما جعل أخبار القتال في فلسطين هي المسيطرة على الصحف في ذلك الوقت. وفي أجواء صيفية حارة استمرت الصحافة في عرض مشكلات مجتمعية أخرى كانت عنوانا لتلك الحقبة، مثل أزمة غلاء الايجارات والحاجة إلى بناء مساكن شعبية، لكن لم يزد توتر الصائمين في ذلك العام إلا بعد أن ظهرت الغارات الجوية في سماء القاهرة مع نهاية الأسبوع الأول من رمضان، وتزايدت حدة الأحداث مع وقوع عمليات تخريبية داخلية اتهمت الصحافة وقتها بعض اليهود الموالين للصهيونية، ولم يكتف بعضهم بهذا بل استهدفت مراكز تجارية شهيرة آنذاك مثل بنزايون وجاتينيو رغم إعلان إدارتا المتجرين عن موقفهما المناهض للجرائم الصهيونية في فلسطين. كل هذه الأحداث المقلقة في شهر الصوم خلقت حالة عامة يصفها الرئيس الأسبق محمد نجيب في مذكراته قائلا: "كانت مصر مشغولة بحرب يائسة، وبملك انحدر إلى درجة منحطة جدا". هذا التناقض بين الحرب البائسة والحاكم البائس، يمكن تتبعه من خلال أخبار المآدب الملكية التي كانت تقام للعامة أو للجنود المصابين من الحرب وكيف كان محرر الخبر آنذاك يجمل صورة الملك وجلساته بعبارة من نوعية: "وامتلأت الموائد بألوان الطعام الشهية" وأن "ضيوف الملك قد خرجوا من لديه في تمام الرضا والسعادة".
وعلى هامش تلك الحالة العامة لم تتوقف عجلة الانتاج في مجالات عديدة على رأسها السينما، بل استفزت نجما مثل أنور وجدي أن يطرح إعلانا ذكيا في الجريدة اليومية عن فيلمه الجديد فيكتب: إلى كل من تسمى سعاد.. حضرة المحترمة، بعد التحية، يسر شركة الأفلام المتحدة، دعوتك بمناسبة فيلم "طلاق سعاد هانم"، وسيعرض على سينما ريفولي، وعلى كل من تسمى سعاد أن تعرض ما يثبت شخصيتها ولها تذكرتين هدية. مثل هذه الأفكار الذكية كانت بمثابة حرب على المزاج العام لجمهور مشتت بين أخبار حرب فلسطين وصيام رمضان، ورغم وقوع غارات جوية على القاهرة وصدور تعليمات من محافظة القاهرة باطفاء الأنوار وقت الغارات، إلا أن مثل تلك الأجواء لم توقف أنشطة أخرى كانت أكثر ازدهارا، فتكفي مطالعة إعلانات الصحف في ذلك الوقت لتكشف أن هناك نشاطا آخر ازدهر وكان يعرض دعايته في الصحف اليومية مثل بيع مخلفات الحرب القادمة من فلسطين، وذلك في مفارقة أن الصحيفة المعلنة نفسها قد أعلنت عن حملات جمع تبرعات مادية من المواطنين لصالح الجنود المصريين . ولا ينتهي القلق بانتهاء شهر رمضان لعام 1948، بل يستمر بعد انتهاء الشهر الكريم.

1967
ومن شهر رمضان في العام 1948 إلى العام 1967 مرورا برمضانات أخرى ساخنة في تلك الفترة المشحونة يرتفع سعر الصحيفة اليومية من 10 مليمات إلى 15 مليما. وفي أول يوم من شهر رمضان بعد هزيمة 67، يتصدر الصفحة الأولى من جريدة الأهرام إعلانا عن افتتاح فرع جديد لمحل جاتينيو، الذي كان هدفا لعمليات تخريبية في رمضان 1948، لكنه أصبح تحت التأميم وتابعا للشركة المصرية لتأثيث المنازل. ومع مرارة الهزيمة وبرد الشتاء تبدو عناوين الصحف أكثر برودة وجمودا، إذ تتصدر الصحف طوال الشهر عناوين أخبار خارجية مثل: استقلال اليمن الجنوبي أو محاولة الانقلاب العسكري في الجزائر أو انقلاب اليونان، ويتوارى صخب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قليلا عن عناوين الصفحة الأولى وتستمر أم كلثوم في حفلاتها لكن بهدف دعم المجهود الحربي. و في الأسبوع الأول من شهر رمضان في ذلك العام تقرر الحكومة المصرية فتح باب الهجرة إلى الخارج بعد مداولات دامت أكثر من شهرين، وذلك كي تتيح الفرصة لمن ضاق بهم العيش أن يهاجروا أو أن يعملوا في الخارج. وتبدو تلك الأجواء الخانقة غير مشجعة على إظهار مشاعر البهجة برمضان، إذ ما زالت المعركة مع العدو لم تنته، ورغم ذلك استمرت محاولات الاذاعة والتلفزيون في استعادة روح رمضان في برامج المنوعات، كأن تجد برنامجا يحمل عنوان "التحليلات الصوتية" للدكتور مصطفى محمود يحلل فيه صوت فايزة أحمد، وتكشف أيضا إعلانات الصحف اليومية عن استمرار عمل الكازينوهات والملاهي الليلية في رمضان خاصة قرب احتفالات رأس السنة، وذلك في تناقض مع إعلان إلغاء حفل الكنيسة الأرثوذكسية في ذلك العام. ووسط حالة التشتت العامة يلتفت المجتمع المصري في رمضان إلى ظاهرة جديدة هي الميكروجيب والميني جيب الذي اخترق الجامعات المصرية، وفي الصفحة الأخيرة من جريدة الأهرام ينشر الصحفي مرسي عطاالله بتاريخ 20 ديسمبر 1967 الموافق 19 من رمضان موضوعا تحت عنوان: هل يختفي الميني جيب ويوحد الزي في الجامعة؟ ويستمر الجدل حول تلك القضية الجديدة، بل و ينتقل إلى البرلمان، إذ طالب عضو مجلس شعب بعدم دخول الميني جيب والميكروجيب إلى الجامعات نهائيا. ولا ينتهي رمضان بأخبار سعيدة، إذ تستمر أجواء الهزيمة والتشتت لست سنوات أخرى حتى العام 1973.

1973
بدأ أول أيام شهر رمضان من العام 1973 في السابع والعشرين من سبتمبر أثناء موجة حارة عانى منها المصريون أثناء صيامهم ولم تنته إلا في 30 سبتمبر - رابع أيام شهر رمضان- وذلك بعد يوم واحد من بدء الدراسة في البلاد. أي أن المصريين استقبلوا الموسم الدراسي متزامنا مع موسم رمضان لتتحمل الأسر تكاليف الموسمين قبل انتهاء الشهر والحصول على المرتبات. ومنذ اليوم الأول في هذا الشهر الكريم يبرز الرئيس السابق السادات بشكل أكبر في عناوين الصحف والأخبار بما يدل على وجود حراك أكبر على مستويات عديدة، إذ يفتتح الشهر الكريم بإحياء ذكرى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر عبر العديد من المنابر السياسية، كما أذاع الرئيس السادات خطابا بهذه المناسبة. أما عن الأجواء الرمضانية فقد بدت واضحة في الأيام العشرة الأولى من الشهر، إذ استمرت الملاهي الليلية في دعايتها في الصحف، واستمر المغنون في حفلاتهم، وفي الجريدة اليومية يجد القارئ إعلانا عن مسرحية فريد شوقي الجديدة "نيام نيام" دون قلق من أجواء رمضان أو الموسم الدراسي. أما صلاح جاهين فيرسم كاريكاتيره في جريدة الأهرام بتاريخ 2 أكتوبر الموافق 6 رمضان عن الهوس بالتلفزيون في رمضان راسما طفل يسأل والدته : ـ "ماما .. هو قبل ما يخترعوا التلفزيون، كان فيه رمضان؟" وكأنه يشير إلى حالة الانجذاب التي كان يعيشها الجميع مع أجواء الترفيه الرمضانية قبل حرب أكتوبر.
وقبل بدء العمليات العسكرية بيومين يـُنشر الخبر الشهير في يوم 4 أكتوبر الموافق 8 رمضان عن: آخر موعد لتقديم العسكريين للعمرة، ضمن خطة الخداع الاستراتيجي قبل الحرب، أما الجنود على جبهة القتال فلم يعرف أغلبهم بما سيحدث قريبا من عمليات عسكرية حاسمة، إلا حين وجهت إليهم أوامر بالإفطار مبكرا في 5 أكتوبر، أما صحف السادس من أكتوبر/العاشر من رمضان فاكتفت بالإشارة إلى "توتر في جبهات القتال"، بينما يرسم صلاح جاهين كاريكاتيره عن "طابور الجمعية" متضامنا مع معاناة المواطن المصري في رمضان في الحصول على حاجاته الأساسية، خاصة مع وجود من استغلوا ظروف المواطنين لحساب السوق السوداء. ولا يتغير طابع الأحداث إلا بعد السابع من أكتوبر مع إعلان عبور القوات المصرية للقناة، واجتياز خط بارليف، وهي اللحظات التي لم يصدقها بعض المصريين في البداية واتجهوا إلى الاذاعات الغربية للتأكد من حقيقة الموقف. وفي تلك الفترة ومنذ النصف الثاني من شهر رمضان بدأت أجواء الحرب تزحف على حياة المصريين، وبدأت إدارة الدفاع المدني تكرر تعليماتها بضرورة: عدم إضاء الأنوار وقت سماع صفارة الانذار، وطلاء زجاج النوافذ، والاحتفاظ بأكياس الرمل والمياه لحالات الطواريء، وغيرها من التعليمات التي حفظها المصريون على مدار حروب عديدة خاضوها طوال القرن الماضي. ومع تسلسل الأحداث وعرض صور ولقاءات مع الأسرى الإسرائيليين بدأ المزاج العام يتبدل، إذ أوقفت المسرحيات التابعة للقطاع الخاص عملها وبدأ بعض الفنانين في عمل أنشطة متصلة بأجواء الحرب، وتلاشي الطابع الرمضاني تدريجيا من أخبار الصحف مع إيقاف العمل بالمدارس. وقبل عيد الفطر بيومين فقط اضطرت مدينة السويس إلى القتال في رمضان في صف القوات المسلحة المصرية . لينتهى الشهر الكريم في أجواء خاصة احتفظ بها المصريون في ذاكرتهم إلى اليوم. وتستمر الرمضانات بعدها ولا ينافسها في الأجواء القلقة سوى رمضان الثورة في العام 2011.

مع الفرنسيس والانجليز
رمضان في زمن الاحتلال
في فبراير 1799 مـ شهدت القاهرة أول رمضان في ظل الاحتلال الفرنسي، وهو أول احتلال أجنبي كامل في العصر الحديث.. في بداية الشهر اجتمع نابليون بونابرت بالمشايخ وقادة القاهرة في ذلك الوقت وأوصل إليهم أنه قد وجه ضربات مؤلمة للمماليك في الصعيد وأنه متوجه شرقا إلى غزة لإتمام مهمته، لم يكن المصريون يدركون آنذاك هل سيتغير طابع احتفالهم الرمضاني في ذلك العام أم لا؟ أو حسبما ذكر عبدالرحمن الجبرتي في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار، فإن المصريون كانوا على حذر من الفرنسيين أثناء رمضان خشية غضبهم إذ يقول : "أهل مصر كانوا على عادتهم في بدعهم التي كانوا عليها وانكمشوا عن بعضها خوفا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم الفرنساوية القيد .. رجعوا إليها" ، إذ عاش المصريون بقية الشهر بتلقائية رغم بعض المنغصات في حوادث كانت تحمل ملمحا طائفيا بين المسلمين والمسيحيين نتيجة السياسات الخاطئة في تلك الفترة، وفيما يبدو أن بعض الشرائح من المجتمع المصري استغلت شهر رمضان و تلك الفترة المميزة من السنة لتحقيق تواصل أكبر مع الفرنسيين، إذ يضيف الجبرتي في وصفه: "إن الفرنساوية صاروا يدعون أعيان الناس والمشايخ والتجار للإفطار والسحور، ويعملون لهم الولائم ويقدمون لهم الموائد ،...، ويتولى ذلك الطباخون والفراشون من المسلمين حتى يطمئنوا".
وبعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر مرت سنوات طويلة دون احتلال أجنبي سوى مع مجيء الاحتلال الانجليزي لمصر في العام 1882، وتزامنت البدايات الأولى للاحتلال قبل شهر رمضان بأيام قليلة، حين تم قصف الإسكندرية بالمدافع الانجليزية في 11 يوليو 1882، وكانت مصر قبلها تعيش أجواء قلقة في أعقاب التغييرات التي أعقبت ظهور أحمد عرابي في المشهد السياسي، إذ شهد الشهر السابق على رمضان في ذلك العام توابع حادث الإسكندرية الشهير بين المالطيين (الرعايا الانجليز) والمصريين، وهو ما هدد مبكرا بتدخلات أجنبية في البلاد و توقعات بوقوع الحرب ونزوح الأجانب عن المدينة، وفي اليوم الأول من رمضان (1299 هـ) تحديدا أعلن أحمد عرابي تخوين الخديوي توفيق لموالاته الجيش الانجليزي المعتدي. وبدأ الاستعداد للحرب في كفر الدوار بعد سقوط مدينة الإسكندرية في يد الانجليز وتخريبها .. في تلك الفترة قضى المصريون رمضانا عصيبا، فرغم تأييد العديد من كبار شخصيات المجتمع لأحمد عرابي إلا أن المصريين تلقوا في نفس الشهر (7 أغسطس 1882/23 رمضان 1299هـ) منشورا من الخديوي يتهم عرابي بالعصيان وأنه سبب تخريب الإسكندرية، بل و دعا المصريين إلى التخلي عن عرابي تماما. وانتهى شهر رمضان في ذلك العام بعيد لم يفرح فيه المصريون، إذ لم يمض سوى أسابيع قليلة على سقوط المدن المصرية بأيدي الانجليز حتى سقطت العاصمة القاهرة، ليبدأ عهد جديد من الاحتلال.
pdf

Monday, August 1, 2011

فنون صناعة النخبة في مصر



عبد الرحمن مصطفى

«رجل الدولة يؤمن بأنه منتمٍ إلى الدولة، أما رجل السياسة فيؤمن بأن الدولة هى التى تنتمى إليه»، تلخص هذه العبارة الرائجة فى عالم السياسة الفارق بين السياسى صاحب المشروع ورجل الدولة الذى يستمر ضمن النخبة فى أى نظام سياسى. بعض الباحثين سجلوا هذه الملاحظة فى دراساتهم حول النخبة السياسية فى مصر، إذ إن بعض الرموز السياسية ما زالت مستمرة منذ العهد الناصرى فى الستينيات حتى اليوم فى مناصب عليا وداخل حوارات وطنية بعد الثورة. أحد من رصدوا تطور هذه النخبة المستمرة هو القيادى اليسارى عبدالغفار شكر، إذ يقول: «بعد بروز دور الشباب مؤخرا فكرت فى كتابة مقال بعنوان: وداعا جيل السبعينيات، الذى تصدر الحياة السياسية فى الفترة الماضية، لأن هذه الثورة جعلته يبدو قديما.. فما بالك بجيلى الأقدم منه؟!». يعد عبدالغفار شكر أحد شهود تجربتين أنتجتا بعض رموز المشهد طوال العقود الماضية، الأولى تجربة التنظيم الطليعى، والثانية هى منظمة الشباب الاشتراكى. ويعلق قائلا: «بعض من نشأوا سياسيا فى هذه الفترة انقسموا إلى فريقين، الأول انتقل إلى صفوف المعارضة متبنيا القيم العليا للشعب المصرى، أما الفريق الآخر فاختار الالتصاق بالسلطة على مر العصور منذ الستينيات رغم تبدل سياسات الدولة طوال العقود الماضية». ويرجع إنشاء «تنظيم طليعة الاشتراكيين» المعروف بالتنظيم الطليعى إلى العام 1963، وكان الهدف هو تجنيد كوادر داخل الاتحاد الاشتراكى كى تعمل على قيادة الجماهير والترويج لأفكار النظام السياسى آنذاك. وتكفى نظرة على بعض الأسماء المعروفة فى هذا التنظيم السرى الذى تجاوز عدد أعضائه 30 ألف مواطن حتى يتضح أن شريحة من رجال الدولة البارزين اليوم قد كانوا فى يوم من الأيام جزءا من هذا التنظيم واستمروا حتى هذه اللحظة. ويرصد كتاب «عبدالناصر والتنظيم الطليعى السرى» (مكتبة بيروت، 2008) بعض المشاركين فى التنظيم.. أما «منظمة الشباب الاشتراكى» فأنشئت أيضا فى العام 1963 كتنظيم شبابى للنظام الناصرى الحاكم. وتكفى نظرة أخرى على كتاب «تجربة منظمة الشباب الاشتراكى فى إعداد القيادات» (عن مركز دراسات الوحدة العربية، 2004) لعبدالغفار شكر كى تكشف عن جزء آخر من المشهد، إذ كان عبدالغفار شكر أمينا مساعدا لمنظمة الشباب الاشتراكى للتثقيف حتى عام 1969. وفى القسم الرابع من هذا الكتاب أسماء ظهرت فى الفترة الناصرية واستمرت فى عهدى السادات ومبارك بين صفوف المعارضة والسلطة على السواء، وما زال بعضهم موجودا بعد سقوط نظام مبارك. أحد من ذكروا شهاداتهم فى هذا الكتاب كان الدكتور عاصم الدسوقى ــ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب فى جامعة حلوان ــ أما اليوم فينقد التجربة بعين متخصص فى التاريخ قائلا: «بعض أفراد هذه النخبة السياسية سواء فى منظمة الشباب أو التنظيم الطليعى اختاروا القرب من مركز السلطة حتى مع تبدل الأنظمة، على أن تكون مهمتهم هى إضفاء الشرعية على إجراءات السلطة، وفى ظل معايير اعتمدت فى النظم السابقة على تصعيد المقربين بدلا من معيار الكفاءة، ظلت بعض الأسماء مستمرة حتى بعد الثورة، وهناك من ابتعدوا عن قلب السلطة وظلوا محافظين على توازنهم، إلى جانب من اختاروا المعارضة، خاصة بعد التحول الكبير فى عهد السادات». وفى دراسة للدكتورة ــ مايسة الجمل ــ أستاذة العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة منشورة تحت عنوان «النخبة السياسية فى مصر» (عن مركز دراسات الوحدة العربية، 1998) ترصد الباحثة كيف أن النظام السياسى منذ ثورة 52 لم يتنازل عن فكرة إعادة تدوير النخبة ودعم استمرارها، لأنها فى النهاية نخبة مرتبطة بالدولة تؤدى دورها فى خدمة توجيهات الرئيس. والآن فى ظل نظام سياسى بلا رئيس، ما زالت هذه النخبة القديمة مستمرة حتى اليوم. بعض رموز هذه النخبة أثاروا الارتباك فى الأسابيع الأولى بعد الثورة بسبب تصديرهم فى المشهد السياسى، كترشيح الدكتور مصطفى الفقى لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية الذى أثار احتجاجات ضده، وهو أحد نماذج البقاء داخل النخبة منذ أن كان عضوا فى التنظيم الطليعى الخاص بالخارجية المصرية وبقاؤه فى المناصب الرفيعة حتى رحيل مبارك. ومع سقوط نظام الرئيس السابق وخاصة بعد حل الحزب الوطنى الديمقراطى اختفت رموز من النخبة المستمرة من حقبة التنظيم الطليعى كانت لصيقة بالسلطة من خلال الحزب مثل الدكتور مفيد شهاب والدكتور على الدين هلال وغيرهما، وبقيت رموز أخرى كانت جزءا من الدولة فى فترات سابقة وعادت بعد الثورة. وتكفى مطالعة أسماء من المستقلين فى العمل العام مثل وزير الإعلام الأسبق محمد فائق ــ رئيس اللجنة التنسيقية للمجلس الوطنى المشكل خارج إطار مؤسسات الدولة، أو الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس لجنه الحوار الوطنى، أو الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء السابق، حتى نجد خيطا يجمع كل هذه الأسماء، فقد كانت تنتمى جميعها إلى التنظيم الطليعى فى عهد جمال عبدالناصر ثم ظهروا فى عصور تالية بمهام مختلفة. وإلى جانب هذا الجيل فهناك جيل السبعينيات الذى يمثل قيادات العمل السياسى الآن، ويوضح أحمد تهامى عبد الحى فى كتاب «الأجيال فى السياسة المصرية (عن هيئة الكتاب، 2009) أن جيل السبعينيات استعاد عافيته السياسية فى التسعينيات وعرف وقتها بجيل الوسط، لكن هذا الجيل أصبح الآن فى الخمسين والستين بينما تحول الجيل السابق عليه إلى جيل الشيوخ ليكوِّن الجيلان معا أساس النخبة السياسية الحالية. «العلاقات القديمة بين أبناء الجيل الواحد تدير الموقف أحيانا، خاصة بين من نشأوا فى تجربة سياسية مشتركة مثل التنظيم الطليعى أو منظمة الشباب»، حسبما يرى عبدالغفار شكر، وفى هذه الأجواء لا يخلو الأمر من صدامات بين جيل الشباب الحالى والنخبة السياسية القديمة داخل جلسات الحوار بسبب اختلاف ثقافة الشباب التى يصفها عبدالغفار شكر بأنها «ثقافة جيل نشأ بعيدا عن التنظيمات السياسية التقليدية للدولة».



يتحدث عبدالكريم طه بحماس واضح عن أيامه الذهبية التى قضاها فى أمانة التنظيم داخل الحزب الوطنى المنحل قائلا: «كله كان ماشى كويس، وفجأة حصلت الثورة». ولا يبدو قلقا حين يتحدث مع زملائه فى كلية الحقوق عن ماضيه مع الحزب الوطنى. عبدالكريم الذى لم يتجاوز الثانية والعشرين مارس سلطات من خلال ما كان يكلف به من مهام حزبية فى الشارع. يلتقط ورقة وقلما شارحا بعض تلك المهام: «كانت لنا هيبة حين نهبط على إحدى الوحدات الحزبية لاستطلاع آراء أعضاء الوحدة هناك عن مرشحيهم، إذ كانت لدينا من السلطة أن نطرد مرشحا انتخابيا إذا حاول التطفل على عملنا». أما أكثر المهام التى كان يبدو فيها عبدالكريم متألقا فى بدلته الأنيقة فهى أثناء مراقبة أداء مرشحى الحزب الوطنى خلال موسم الانتخابات. حين كان يتابع مع غرفة العمليات فى القاهرة تفاصيل ما يحدث أمامه، أما أكثر ما كان يدعمه وسط الأحداث فهو اللقب الذى كان يحمله هو وزملاؤه فى مثل هذه المهام، فهم إما «رجالة أحمد عز»، أو «شباب جمال مبارك». هذه النخبة التى كان يكونها الحزب الوطنى أصبحت اليوم بلا سند. فعلى حد قوله: «شباب الحزب اختفوا فى ظروف غامضة!». يختلف الدكتور وحيد عبدالمجيد ــ نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ــ مع تعبير «صناعة النخبة» أو أن الحزب الوطنى كان يمارس هذا الدور، ويقول: «فى وضع ديمقراطى لن نسمع مصطلحا مثل تكوين النخب، هذا من أعراض الحكم الشمولى الذى يتعامل مع المواطنين على أنهم أدوات يشكلها حسبما يريد.. فى فرنسا على سبيل المثال هناك المدرسة الوطنية للإدارة التى تخرج فيها الكثير من رموز الدولة، لكنها فى النهاية خارج الحسابات الحزبية وتمارس عملها باستقلال». فى الحالة المصرية لم يكن الحزب يستخدم مجهودات عبدالكريم وزملائه لمجرد تعميق مهاراتهم السياسية، إذ كان العامل الاقتصادى هو أحد دوافع مشاركة هؤلاء الشباب، فقد كانت تلك الأنشطة تتم تحت قيادة مسئول اتصال هو بمثابة «وزير فى منطقته» على حد تعبير عبدالكريم طه، هذا إلى جانب دخل شهرى يتجاوز عدة آلاف ومكاسب أخرى ونفوذ محلى. بعض المهام التى كان يؤديها «شباب أحمد عز» كانت تتم أحيانا عبر مؤسسات مثل الجمعية الوطنية للسياسات الاقتصادية، التى تقوم بدراسات واستبيانات فى الشارع تخدم أمين التنظيم، وكان على كل شاب ألا يشير من قريب أو بعيد أنه ذو صلة بالحزب الوطنى، بل يقدم نفسه للمواطنين على أنه باحث مستقل تابع للجمعية. هذه الخدمات التى كان يقدمها شباب أمانة التنظيم أحيانا ما كانت تتداخل مع نشاط أحمد عز فى مجال الصناعة، وهو ما شارك فيه مدحت الأخ الأكبر لعبدالكريم، إذ كان هو الآخر عضوا فى الحزب الوطنى المنحل، ويصف مدحت هذه التجربة قائلا: «فى مرة تم استدعاؤنا لفيللا أحمد عز فى المنوفية، وانتقلنا فى رعاية الداخلية، وذلك أثناء أزمة غلاء أسعار الحديد قبل سنوات، وجلسنا إليه وعلمنا تفاصيل مهمتنا، وأصدروا لنا كارنيهات فى الحال على أننا عاملون فى مصانع حديد عز».
كانت المهمة التى يتحدث عنها مدحت هى التفتيش على موزعى الحديد فى المحافظات وضبط المغالين فى الأسعار واتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم. يكمل مدحت قائلا: «كنا نعلم نحن أيضا أن علينا رقابة، فأحد زملائنا تم استدعاؤه إلى القاهرة بسبب مخالفة ارتكبها مع أحد الموزعين».الأمر كان بالنسبة للأخوين عبدالكريم ومدحت هو البحث عن فرصة للصعود فى سلم الحزب، وأن ينتقلا إلى موقع مسئول الاتصال والتنظيم فى سن الثلاثين، فيزداد الدخل، وتزداد السلطة. حسب وصف الدكتور وحيد عبدالمجيد فإن «الحزب الوطنى لم يكن حزبا بقدر ما كان تجمعا لأصحاب المصالح وأقرب إلى ميلشيا سياسية». وبعيدا عن شباب أمانة التنظيم فقد كانت هناك طلائع تصعد فى أماكن أخرى عن طريق الحزب، وخاصة فى «جمعية جيل المستقبل» التى ارتبط اسمها بجمال مبارك. ويقوم نشاطها على شباب الخريجين لتطوير مهاراتهم ودعمهم فى الحصول على وظائف، وعلى مجموعة: معا للحفاظ على جمعية جيل المستقبل ورابطة خريجى الجمعية فى شبكة الفيسبوك، يحاول بعض الأعضاء إبراز الجانب الإيجابى فى هذه المؤسسة التى انهارت مع حل الحزب الوطنى، وفى أحد التعليقات يدخل سيد راشد رافعا صورة له مع جمال مبارك قائلا: « كنت شغال فى جمعية جيل المستقبل وأعرف كل صغيرة.. أنا رأيت حاجات والله العظيم أغرب من الخيال، والحمد الله أنى تركتها فى 2007، ياريت الفترة الجاية تفكروا فى مستقبلكم بجد وممكن تستمروا فى الجمعية بس بإيديكم إنتوا مش بتوجيهات من أشخاص فاسدين». ينهى تعليقه رافضا إعطاء مزيد من التفاصيل بعد التواصل معه حول تجربته فى هذا المكان.
هل كانت تلك الكيانات تنمى روح الانتهازية لدى أعضائها من الشباب؟ يرفض عبدالكريم طه ــ أحد شباب أمانة التنظيم - التعميم، قائلا: «لقد قمت أنا وزملائى بجهد كبير فى الانتخابات السابقة، وأقسم أننا كنا نعمل بشفافية وأمانة... نعم لقد كانت النتائج غير منطقية وكان هناك تزوير لكنى لم أشارك فيه». فى ذلك الوقت كتب عبدالكريم وزملاؤه عبارة موحدة على الفيس بوك: «إحنا آسفين يا مصر»، أما اليوم فلا يخفى مشاعره تجاه الثورة التى غيرت موقعه وأنشطته تماما. ويوضح: «رأيت مرشحين ينفقون الملايين لمجرد إرضاء غرور العصبية والقبلية، ماذا ستفعل الثورة مع هذه الأدمغة؟؟». بالنسبة إليه ولأخيه مدحت لم يكن الحزب انتماء بقدر ما كان أسلوب حياة، ففى محافظته الأصلية على مسافة مئات الكيلومترات من القاهرة لا وجود حقيقيا للأحزاب السياسية، وهناك دورات كرة قدم وبطولات ورحلات كان يرعاها الحزب.. يختم قائلا: «كان الحزب هو الحكومة، لا أكثر ولا أقل».
* تم تغيير بعض الأسماء بناء على رغبة المصادر


فى مدونته «الطريق للدولة القوية العادلة» كتب عمرو العجماوى ما اعتبره نقدا لائتلاف شباب الثورة، أحد أهم الائتلافات الشابة حاليا على الساحة، وذكر أن أغلب أعضاء الائتلاف يشاركون فى العمل السياسى «وكأنهم الوحيدون الثائرون أو كأن الثورة هى عنوانهم حصريا». ويضيف قائلا: «أصبحت أشك أن تصديرهم فى مقدمة المشهد إعلاميا هو جزء من محاربة الثورة، إذ إن سلوكهم كفيل بإحداث حالة من نفور الناس من الثورة ومن ينتمى إليها».. هنا توقف عمرو العجماوى وبدأ فى سرد بعض المواقف الداعمة لوجهة نظره. ولم يكن ما كتبه منفردا إنما فى سياق يمكن تتبعه على الإنترنت فى مواقع أخرى، وخاصة على موقع التدوين القصير «تويتر» بواسطة شباب سخروا من فكرة الائتلافات المنتشرة حاليا، خاصة بعد لقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أول يونيو الحالى مع مجموعة من الائتلافات المغمورة. من وجهة نظر أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة ــ الدكتور أحمد زايد ــ فإن بروز الشباب بهذا الشكل فى المشهد السياسى يؤكد أننا أمام «نخبة فى طور التكوين». ويشرح قائلا: «من المؤكد أن النخبة السياسية السابقة قد أغلقت قنوات الحراك السياسى بحيث استبعدت الشباب، لكن المشهد الآن لا يوحى بأننا أمام نخبة شابة تستطيع تسلم العمل السياسى بعد الثورة، لن يحدث هذا إلا بعد سنوات من العمل والتجربة».
فى مساحات أخرى، لم تكن هناك طاقة للصبر على ائتلاف شباب الثورة المتهم دائما بأنه احتكر المشهد لحسابه، من ضمن ذلك أن يكتب أحدهم فى صفحة الائتلاف على شبكة فيس بوك تحت عنوان: نصيحة إلى الأستاذ زياد العليمى المتحدث الرسمى باسم الائتلاف، ويكتب تحت هذا العنوان قائلا: «مداخلة برنامج صباح دريم كنت أشعر بالضبط أن المتحدث هو صفوت الشريف وذلك عن طريق نبرة التعالى والكبر فى الحديث مما أشعرنى بالغضب الشديد»، فما كان من مدير صفحة الائتلاف إلا أن أجاب: «نشكر للجميع التواصل والنصيحة.. وإن شاء الله نجتهد فى إيصالها للزميل زياد العليمى». هذه الروح المناهضة لشريحة من السياسيين الشباب يتصدرون واجهة المشهد انتقلت إلى العمل الحركى نفسه، إذ تمسك الائتلاف فى دعوات سابقة للتظاهر والاعتصام يوم الجمعة بميعاد مبكر للرحيل، وفى يوم الجمعة 27/5 «الثورة المصرية الثانية» وقع شباب الائتلاف فى تحدٍ حين طالبوا من تبقى فى ميدان التحرير حتى الساعة الواحدة صباحا بفتح الطرق المؤدية للميدان، وكذلك الاكتفاء ببقاء المعتصمين فى حديقة الميدان. وكان أحد شباب الائتلاف فى ذلك اليوم على اتصال بوزارة الداخلية خشية اقتحامها التحرير كما ورد إليه من مصدر فى الوزارة.. لكن بعض من كانوا فى الميدان لم يستجيبوا فى ذلك اليوم، لرفضهم أن يمارس أحدهم دورا نخبويا وسطهم. كل هذه الصراعات التى تعيشها فئة من شباب الثورة أرادوا استكمال العمل السياسى والحركى معا، وهذه المشكلات يدركها جيدا خالد تليمة ــ عضو المجلس التنفيذى لائتلاف شباب الثورة.. فأحيانا ما توجه إليه اتهامات مباشرة فى الندوات أو الحوارات الوطنية من نوعية: «اشمعنى إنت هنا على المنصة؟! أنا مشوفتكش فى التحرير أيام الثورة..!»، ويعلق خالد على هذه التعليقات قائلا: «بعيدا عن كل هذا.. هناك نخبة سياسية بالفعل تتكون الآن، لكن الإعلام دوره مؤثر بشدة، لأن تركيز الإعلام على مجموعة أسماء بعينها فى الائتلاف أو غيره هو ما يصنع هذا الجدل». لكن بعيدا عن الإعلام فإن هناك أنشطة أخرى يشارك بها أعضاء الائتلاف سواء فى بعثات دبلوماسية ذات طابع خاص، أو فى الندوات والمؤتمرات. ويوضح خالد بهذا الشأن أن أعضاء الائتلاف من الشباب هم فى الأساس نشطاء فى أحزاب وكانت لهم أنشطتهم من قبل، ويكمل فكرته قائلا: «لا يمكن الحكم على الناس كلها بطريقة واحدة.. أنا عن نفسى أفضل أن أجلس مع ناس بسطاء على المقهى أفضل ألف مرة من الجلوس فى المؤتمرات والاحتفاليات الرسمية».


الحكم بعد العمل
فى الأول من يونيو اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بنحو 153 ائتلافا من مختلف المحافظات، بينما قاطع نحو 35 من الائتلافات والقوى السياسية الشهيرة هذا اللقاء، وكان ائتلاف 19 مارس (الأغلبية الصامتة) أحد هذه الائتلافات المغمورة التى التقت المجلس العسكرى، وتكفى زيارة إلى صفحة الائتلاف على الفيس بوك كى تتضح الملامح العامة لهذا الائتلاف. فهم مجموعة نشأت بتأثير لحظة الاستفتاء الأخير فى 19 مارس وخروجهم من الصمت والسلبية السياسية إلى الإدلاء بأصواتهم مع الجماهير المصرية. ويقول عبدالفتاح نصار ــ عضو ائتلاف الأغلبية الصامتة: «إحنا مع الثورة لحد يوم التنحى.. لكن مش ممكن نفضل فى مظاهرات على طول واعتصامات، لأن كل المطالب ممكن تتحقق مع الوقت، وكمان المحاكمات أكيد هتاخد وقتها». لا يخفى عبدالفتاح نصار غياب خبرته السياسية السابقة، إذ كانت المرة الأولى التى يشارك فيها سياسيا فى يوم استفتاء مارس الشهير رغم تجاوزه الأربعين وعمله محاميا، ولا يختلف الأمر عن بقية المجموعة الأساسية لهذا الائتلاف الذين يصفون أنفسهم بأنهم : «طلبة جامعيون ومدرسون وصيادلة ومحامون ومهندسون وأعمال حرة وربات بيوت وغيرها من الوظائف، ليس بينهم شخصية معروفة أو مشهورة، ولم يجمعهم سوى خوفهم على ما يحدث بمصر حاليا». ينفى نصار أن يكون بينهم تيار سياسى معين. ويضيف: «لقد أراد المجلس العسكرى عرض نماذج أخرى مختلفة عن القوى السياسية التى احتكرت المشهد من الشباب بعد الثورة، ونحن بشكل عام مؤيدون للمجلس العسكرى كحاكم الآن حتى نجتاز هذه المرحلة بسلام». ورغم المشهد المزدحم حاليا بانقسامات وتضارب فى وجهات النظر فإن الدكتور أحمد زايد ــ أستاذ علم الاجتماع السياسى ــ يجد رؤية أكثر واقعية لما يحدث الآن ضاربا المثل بالحركات الشبابية التى اجتاحت العالم فى عام 1968، ويقول: «كان يقال على ألسنة الشباب وقتها.. لا تثق فى أحد تجاوز الثلاثين، والمفارقة أن دراسات أجريت فيما بعد على من شاركوا فى هذه الانتفاضة فوجدوهم قد تبدلت أحوالهم إلى موظفين تقليديين ورجال أعمال.. إذن فالفيصل هنا هو أن ممارسة السياسة على أرض الواقع هى التى ستنتج نخبة المستقبل». ما يراه زايد من واقع حالى هو مجرد محاولات للحفاظ على المظهر الثورى بطرق مختلفة. لكن يبقى «الحكم بعد الممارسة السياسية» حسبما قال. وفى خضم الانتقادات التى يوجهها البعض إلى الائتلافات الشبابية المعارضة على الساحة وعلى رأسها ائتلاف شباب الثورة ما زال البعض فى المعسكر الآخر يجد فى كل ما يحدث الآن جانبا إيجابيا، أما خالد تليمة عضو المجلس التنفيذى لائتلاف شباب الثورة فيقول: «لن ننسلخ عن الشباب.. فنحن الخاسرون إن فعلنا هذا. نحن تحت أمر الشارع، لكن يجب أن يتذكر كثيرون أن أغلبنا كان يواجه الأمن المركزى طوال السنوات الماضية.. وكنا وحدنا، لذا فلنتفرغ لفرصة العمل الآن».