Monday, August 1, 2011

فنون صناعة النخبة في مصر



عبد الرحمن مصطفى

«رجل الدولة يؤمن بأنه منتمٍ إلى الدولة، أما رجل السياسة فيؤمن بأن الدولة هى التى تنتمى إليه»، تلخص هذه العبارة الرائجة فى عالم السياسة الفارق بين السياسى صاحب المشروع ورجل الدولة الذى يستمر ضمن النخبة فى أى نظام سياسى. بعض الباحثين سجلوا هذه الملاحظة فى دراساتهم حول النخبة السياسية فى مصر، إذ إن بعض الرموز السياسية ما زالت مستمرة منذ العهد الناصرى فى الستينيات حتى اليوم فى مناصب عليا وداخل حوارات وطنية بعد الثورة. أحد من رصدوا تطور هذه النخبة المستمرة هو القيادى اليسارى عبدالغفار شكر، إذ يقول: «بعد بروز دور الشباب مؤخرا فكرت فى كتابة مقال بعنوان: وداعا جيل السبعينيات، الذى تصدر الحياة السياسية فى الفترة الماضية، لأن هذه الثورة جعلته يبدو قديما.. فما بالك بجيلى الأقدم منه؟!». يعد عبدالغفار شكر أحد شهود تجربتين أنتجتا بعض رموز المشهد طوال العقود الماضية، الأولى تجربة التنظيم الطليعى، والثانية هى منظمة الشباب الاشتراكى. ويعلق قائلا: «بعض من نشأوا سياسيا فى هذه الفترة انقسموا إلى فريقين، الأول انتقل إلى صفوف المعارضة متبنيا القيم العليا للشعب المصرى، أما الفريق الآخر فاختار الالتصاق بالسلطة على مر العصور منذ الستينيات رغم تبدل سياسات الدولة طوال العقود الماضية». ويرجع إنشاء «تنظيم طليعة الاشتراكيين» المعروف بالتنظيم الطليعى إلى العام 1963، وكان الهدف هو تجنيد كوادر داخل الاتحاد الاشتراكى كى تعمل على قيادة الجماهير والترويج لأفكار النظام السياسى آنذاك. وتكفى نظرة على بعض الأسماء المعروفة فى هذا التنظيم السرى الذى تجاوز عدد أعضائه 30 ألف مواطن حتى يتضح أن شريحة من رجال الدولة البارزين اليوم قد كانوا فى يوم من الأيام جزءا من هذا التنظيم واستمروا حتى هذه اللحظة. ويرصد كتاب «عبدالناصر والتنظيم الطليعى السرى» (مكتبة بيروت، 2008) بعض المشاركين فى التنظيم.. أما «منظمة الشباب الاشتراكى» فأنشئت أيضا فى العام 1963 كتنظيم شبابى للنظام الناصرى الحاكم. وتكفى نظرة أخرى على كتاب «تجربة منظمة الشباب الاشتراكى فى إعداد القيادات» (عن مركز دراسات الوحدة العربية، 2004) لعبدالغفار شكر كى تكشف عن جزء آخر من المشهد، إذ كان عبدالغفار شكر أمينا مساعدا لمنظمة الشباب الاشتراكى للتثقيف حتى عام 1969. وفى القسم الرابع من هذا الكتاب أسماء ظهرت فى الفترة الناصرية واستمرت فى عهدى السادات ومبارك بين صفوف المعارضة والسلطة على السواء، وما زال بعضهم موجودا بعد سقوط نظام مبارك. أحد من ذكروا شهاداتهم فى هذا الكتاب كان الدكتور عاصم الدسوقى ــ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب فى جامعة حلوان ــ أما اليوم فينقد التجربة بعين متخصص فى التاريخ قائلا: «بعض أفراد هذه النخبة السياسية سواء فى منظمة الشباب أو التنظيم الطليعى اختاروا القرب من مركز السلطة حتى مع تبدل الأنظمة، على أن تكون مهمتهم هى إضفاء الشرعية على إجراءات السلطة، وفى ظل معايير اعتمدت فى النظم السابقة على تصعيد المقربين بدلا من معيار الكفاءة، ظلت بعض الأسماء مستمرة حتى بعد الثورة، وهناك من ابتعدوا عن قلب السلطة وظلوا محافظين على توازنهم، إلى جانب من اختاروا المعارضة، خاصة بعد التحول الكبير فى عهد السادات». وفى دراسة للدكتورة ــ مايسة الجمل ــ أستاذة العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة منشورة تحت عنوان «النخبة السياسية فى مصر» (عن مركز دراسات الوحدة العربية، 1998) ترصد الباحثة كيف أن النظام السياسى منذ ثورة 52 لم يتنازل عن فكرة إعادة تدوير النخبة ودعم استمرارها، لأنها فى النهاية نخبة مرتبطة بالدولة تؤدى دورها فى خدمة توجيهات الرئيس. والآن فى ظل نظام سياسى بلا رئيس، ما زالت هذه النخبة القديمة مستمرة حتى اليوم. بعض رموز هذه النخبة أثاروا الارتباك فى الأسابيع الأولى بعد الثورة بسبب تصديرهم فى المشهد السياسى، كترشيح الدكتور مصطفى الفقى لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية الذى أثار احتجاجات ضده، وهو أحد نماذج البقاء داخل النخبة منذ أن كان عضوا فى التنظيم الطليعى الخاص بالخارجية المصرية وبقاؤه فى المناصب الرفيعة حتى رحيل مبارك. ومع سقوط نظام الرئيس السابق وخاصة بعد حل الحزب الوطنى الديمقراطى اختفت رموز من النخبة المستمرة من حقبة التنظيم الطليعى كانت لصيقة بالسلطة من خلال الحزب مثل الدكتور مفيد شهاب والدكتور على الدين هلال وغيرهما، وبقيت رموز أخرى كانت جزءا من الدولة فى فترات سابقة وعادت بعد الثورة. وتكفى مطالعة أسماء من المستقلين فى العمل العام مثل وزير الإعلام الأسبق محمد فائق ــ رئيس اللجنة التنسيقية للمجلس الوطنى المشكل خارج إطار مؤسسات الدولة، أو الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس لجنه الحوار الوطنى، أو الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء السابق، حتى نجد خيطا يجمع كل هذه الأسماء، فقد كانت تنتمى جميعها إلى التنظيم الطليعى فى عهد جمال عبدالناصر ثم ظهروا فى عصور تالية بمهام مختلفة. وإلى جانب هذا الجيل فهناك جيل السبعينيات الذى يمثل قيادات العمل السياسى الآن، ويوضح أحمد تهامى عبد الحى فى كتاب «الأجيال فى السياسة المصرية (عن هيئة الكتاب، 2009) أن جيل السبعينيات استعاد عافيته السياسية فى التسعينيات وعرف وقتها بجيل الوسط، لكن هذا الجيل أصبح الآن فى الخمسين والستين بينما تحول الجيل السابق عليه إلى جيل الشيوخ ليكوِّن الجيلان معا أساس النخبة السياسية الحالية. «العلاقات القديمة بين أبناء الجيل الواحد تدير الموقف أحيانا، خاصة بين من نشأوا فى تجربة سياسية مشتركة مثل التنظيم الطليعى أو منظمة الشباب»، حسبما يرى عبدالغفار شكر، وفى هذه الأجواء لا يخلو الأمر من صدامات بين جيل الشباب الحالى والنخبة السياسية القديمة داخل جلسات الحوار بسبب اختلاف ثقافة الشباب التى يصفها عبدالغفار شكر بأنها «ثقافة جيل نشأ بعيدا عن التنظيمات السياسية التقليدية للدولة».



يتحدث عبدالكريم طه بحماس واضح عن أيامه الذهبية التى قضاها فى أمانة التنظيم داخل الحزب الوطنى المنحل قائلا: «كله كان ماشى كويس، وفجأة حصلت الثورة». ولا يبدو قلقا حين يتحدث مع زملائه فى كلية الحقوق عن ماضيه مع الحزب الوطنى. عبدالكريم الذى لم يتجاوز الثانية والعشرين مارس سلطات من خلال ما كان يكلف به من مهام حزبية فى الشارع. يلتقط ورقة وقلما شارحا بعض تلك المهام: «كانت لنا هيبة حين نهبط على إحدى الوحدات الحزبية لاستطلاع آراء أعضاء الوحدة هناك عن مرشحيهم، إذ كانت لدينا من السلطة أن نطرد مرشحا انتخابيا إذا حاول التطفل على عملنا». أما أكثر المهام التى كان يبدو فيها عبدالكريم متألقا فى بدلته الأنيقة فهى أثناء مراقبة أداء مرشحى الحزب الوطنى خلال موسم الانتخابات. حين كان يتابع مع غرفة العمليات فى القاهرة تفاصيل ما يحدث أمامه، أما أكثر ما كان يدعمه وسط الأحداث فهو اللقب الذى كان يحمله هو وزملاؤه فى مثل هذه المهام، فهم إما «رجالة أحمد عز»، أو «شباب جمال مبارك». هذه النخبة التى كان يكونها الحزب الوطنى أصبحت اليوم بلا سند. فعلى حد قوله: «شباب الحزب اختفوا فى ظروف غامضة!». يختلف الدكتور وحيد عبدالمجيد ــ نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ــ مع تعبير «صناعة النخبة» أو أن الحزب الوطنى كان يمارس هذا الدور، ويقول: «فى وضع ديمقراطى لن نسمع مصطلحا مثل تكوين النخب، هذا من أعراض الحكم الشمولى الذى يتعامل مع المواطنين على أنهم أدوات يشكلها حسبما يريد.. فى فرنسا على سبيل المثال هناك المدرسة الوطنية للإدارة التى تخرج فيها الكثير من رموز الدولة، لكنها فى النهاية خارج الحسابات الحزبية وتمارس عملها باستقلال». فى الحالة المصرية لم يكن الحزب يستخدم مجهودات عبدالكريم وزملائه لمجرد تعميق مهاراتهم السياسية، إذ كان العامل الاقتصادى هو أحد دوافع مشاركة هؤلاء الشباب، فقد كانت تلك الأنشطة تتم تحت قيادة مسئول اتصال هو بمثابة «وزير فى منطقته» على حد تعبير عبدالكريم طه، هذا إلى جانب دخل شهرى يتجاوز عدة آلاف ومكاسب أخرى ونفوذ محلى. بعض المهام التى كان يؤديها «شباب أحمد عز» كانت تتم أحيانا عبر مؤسسات مثل الجمعية الوطنية للسياسات الاقتصادية، التى تقوم بدراسات واستبيانات فى الشارع تخدم أمين التنظيم، وكان على كل شاب ألا يشير من قريب أو بعيد أنه ذو صلة بالحزب الوطنى، بل يقدم نفسه للمواطنين على أنه باحث مستقل تابع للجمعية. هذه الخدمات التى كان يقدمها شباب أمانة التنظيم أحيانا ما كانت تتداخل مع نشاط أحمد عز فى مجال الصناعة، وهو ما شارك فيه مدحت الأخ الأكبر لعبدالكريم، إذ كان هو الآخر عضوا فى الحزب الوطنى المنحل، ويصف مدحت هذه التجربة قائلا: «فى مرة تم استدعاؤنا لفيللا أحمد عز فى المنوفية، وانتقلنا فى رعاية الداخلية، وذلك أثناء أزمة غلاء أسعار الحديد قبل سنوات، وجلسنا إليه وعلمنا تفاصيل مهمتنا، وأصدروا لنا كارنيهات فى الحال على أننا عاملون فى مصانع حديد عز».
كانت المهمة التى يتحدث عنها مدحت هى التفتيش على موزعى الحديد فى المحافظات وضبط المغالين فى الأسعار واتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم. يكمل مدحت قائلا: «كنا نعلم نحن أيضا أن علينا رقابة، فأحد زملائنا تم استدعاؤه إلى القاهرة بسبب مخالفة ارتكبها مع أحد الموزعين».الأمر كان بالنسبة للأخوين عبدالكريم ومدحت هو البحث عن فرصة للصعود فى سلم الحزب، وأن ينتقلا إلى موقع مسئول الاتصال والتنظيم فى سن الثلاثين، فيزداد الدخل، وتزداد السلطة. حسب وصف الدكتور وحيد عبدالمجيد فإن «الحزب الوطنى لم يكن حزبا بقدر ما كان تجمعا لأصحاب المصالح وأقرب إلى ميلشيا سياسية». وبعيدا عن شباب أمانة التنظيم فقد كانت هناك طلائع تصعد فى أماكن أخرى عن طريق الحزب، وخاصة فى «جمعية جيل المستقبل» التى ارتبط اسمها بجمال مبارك. ويقوم نشاطها على شباب الخريجين لتطوير مهاراتهم ودعمهم فى الحصول على وظائف، وعلى مجموعة: معا للحفاظ على جمعية جيل المستقبل ورابطة خريجى الجمعية فى شبكة الفيسبوك، يحاول بعض الأعضاء إبراز الجانب الإيجابى فى هذه المؤسسة التى انهارت مع حل الحزب الوطنى، وفى أحد التعليقات يدخل سيد راشد رافعا صورة له مع جمال مبارك قائلا: « كنت شغال فى جمعية جيل المستقبل وأعرف كل صغيرة.. أنا رأيت حاجات والله العظيم أغرب من الخيال، والحمد الله أنى تركتها فى 2007، ياريت الفترة الجاية تفكروا فى مستقبلكم بجد وممكن تستمروا فى الجمعية بس بإيديكم إنتوا مش بتوجيهات من أشخاص فاسدين». ينهى تعليقه رافضا إعطاء مزيد من التفاصيل بعد التواصل معه حول تجربته فى هذا المكان.
هل كانت تلك الكيانات تنمى روح الانتهازية لدى أعضائها من الشباب؟ يرفض عبدالكريم طه ــ أحد شباب أمانة التنظيم - التعميم، قائلا: «لقد قمت أنا وزملائى بجهد كبير فى الانتخابات السابقة، وأقسم أننا كنا نعمل بشفافية وأمانة... نعم لقد كانت النتائج غير منطقية وكان هناك تزوير لكنى لم أشارك فيه». فى ذلك الوقت كتب عبدالكريم وزملاؤه عبارة موحدة على الفيس بوك: «إحنا آسفين يا مصر»، أما اليوم فلا يخفى مشاعره تجاه الثورة التى غيرت موقعه وأنشطته تماما. ويوضح: «رأيت مرشحين ينفقون الملايين لمجرد إرضاء غرور العصبية والقبلية، ماذا ستفعل الثورة مع هذه الأدمغة؟؟». بالنسبة إليه ولأخيه مدحت لم يكن الحزب انتماء بقدر ما كان أسلوب حياة، ففى محافظته الأصلية على مسافة مئات الكيلومترات من القاهرة لا وجود حقيقيا للأحزاب السياسية، وهناك دورات كرة قدم وبطولات ورحلات كان يرعاها الحزب.. يختم قائلا: «كان الحزب هو الحكومة، لا أكثر ولا أقل».
* تم تغيير بعض الأسماء بناء على رغبة المصادر


فى مدونته «الطريق للدولة القوية العادلة» كتب عمرو العجماوى ما اعتبره نقدا لائتلاف شباب الثورة، أحد أهم الائتلافات الشابة حاليا على الساحة، وذكر أن أغلب أعضاء الائتلاف يشاركون فى العمل السياسى «وكأنهم الوحيدون الثائرون أو كأن الثورة هى عنوانهم حصريا». ويضيف قائلا: «أصبحت أشك أن تصديرهم فى مقدمة المشهد إعلاميا هو جزء من محاربة الثورة، إذ إن سلوكهم كفيل بإحداث حالة من نفور الناس من الثورة ومن ينتمى إليها».. هنا توقف عمرو العجماوى وبدأ فى سرد بعض المواقف الداعمة لوجهة نظره. ولم يكن ما كتبه منفردا إنما فى سياق يمكن تتبعه على الإنترنت فى مواقع أخرى، وخاصة على موقع التدوين القصير «تويتر» بواسطة شباب سخروا من فكرة الائتلافات المنتشرة حاليا، خاصة بعد لقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أول يونيو الحالى مع مجموعة من الائتلافات المغمورة. من وجهة نظر أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة ــ الدكتور أحمد زايد ــ فإن بروز الشباب بهذا الشكل فى المشهد السياسى يؤكد أننا أمام «نخبة فى طور التكوين». ويشرح قائلا: «من المؤكد أن النخبة السياسية السابقة قد أغلقت قنوات الحراك السياسى بحيث استبعدت الشباب، لكن المشهد الآن لا يوحى بأننا أمام نخبة شابة تستطيع تسلم العمل السياسى بعد الثورة، لن يحدث هذا إلا بعد سنوات من العمل والتجربة».
فى مساحات أخرى، لم تكن هناك طاقة للصبر على ائتلاف شباب الثورة المتهم دائما بأنه احتكر المشهد لحسابه، من ضمن ذلك أن يكتب أحدهم فى صفحة الائتلاف على شبكة فيس بوك تحت عنوان: نصيحة إلى الأستاذ زياد العليمى المتحدث الرسمى باسم الائتلاف، ويكتب تحت هذا العنوان قائلا: «مداخلة برنامج صباح دريم كنت أشعر بالضبط أن المتحدث هو صفوت الشريف وذلك عن طريق نبرة التعالى والكبر فى الحديث مما أشعرنى بالغضب الشديد»، فما كان من مدير صفحة الائتلاف إلا أن أجاب: «نشكر للجميع التواصل والنصيحة.. وإن شاء الله نجتهد فى إيصالها للزميل زياد العليمى». هذه الروح المناهضة لشريحة من السياسيين الشباب يتصدرون واجهة المشهد انتقلت إلى العمل الحركى نفسه، إذ تمسك الائتلاف فى دعوات سابقة للتظاهر والاعتصام يوم الجمعة بميعاد مبكر للرحيل، وفى يوم الجمعة 27/5 «الثورة المصرية الثانية» وقع شباب الائتلاف فى تحدٍ حين طالبوا من تبقى فى ميدان التحرير حتى الساعة الواحدة صباحا بفتح الطرق المؤدية للميدان، وكذلك الاكتفاء ببقاء المعتصمين فى حديقة الميدان. وكان أحد شباب الائتلاف فى ذلك اليوم على اتصال بوزارة الداخلية خشية اقتحامها التحرير كما ورد إليه من مصدر فى الوزارة.. لكن بعض من كانوا فى الميدان لم يستجيبوا فى ذلك اليوم، لرفضهم أن يمارس أحدهم دورا نخبويا وسطهم. كل هذه الصراعات التى تعيشها فئة من شباب الثورة أرادوا استكمال العمل السياسى والحركى معا، وهذه المشكلات يدركها جيدا خالد تليمة ــ عضو المجلس التنفيذى لائتلاف شباب الثورة.. فأحيانا ما توجه إليه اتهامات مباشرة فى الندوات أو الحوارات الوطنية من نوعية: «اشمعنى إنت هنا على المنصة؟! أنا مشوفتكش فى التحرير أيام الثورة..!»، ويعلق خالد على هذه التعليقات قائلا: «بعيدا عن كل هذا.. هناك نخبة سياسية بالفعل تتكون الآن، لكن الإعلام دوره مؤثر بشدة، لأن تركيز الإعلام على مجموعة أسماء بعينها فى الائتلاف أو غيره هو ما يصنع هذا الجدل». لكن بعيدا عن الإعلام فإن هناك أنشطة أخرى يشارك بها أعضاء الائتلاف سواء فى بعثات دبلوماسية ذات طابع خاص، أو فى الندوات والمؤتمرات. ويوضح خالد بهذا الشأن أن أعضاء الائتلاف من الشباب هم فى الأساس نشطاء فى أحزاب وكانت لهم أنشطتهم من قبل، ويكمل فكرته قائلا: «لا يمكن الحكم على الناس كلها بطريقة واحدة.. أنا عن نفسى أفضل أن أجلس مع ناس بسطاء على المقهى أفضل ألف مرة من الجلوس فى المؤتمرات والاحتفاليات الرسمية».


الحكم بعد العمل
فى الأول من يونيو اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بنحو 153 ائتلافا من مختلف المحافظات، بينما قاطع نحو 35 من الائتلافات والقوى السياسية الشهيرة هذا اللقاء، وكان ائتلاف 19 مارس (الأغلبية الصامتة) أحد هذه الائتلافات المغمورة التى التقت المجلس العسكرى، وتكفى زيارة إلى صفحة الائتلاف على الفيس بوك كى تتضح الملامح العامة لهذا الائتلاف. فهم مجموعة نشأت بتأثير لحظة الاستفتاء الأخير فى 19 مارس وخروجهم من الصمت والسلبية السياسية إلى الإدلاء بأصواتهم مع الجماهير المصرية. ويقول عبدالفتاح نصار ــ عضو ائتلاف الأغلبية الصامتة: «إحنا مع الثورة لحد يوم التنحى.. لكن مش ممكن نفضل فى مظاهرات على طول واعتصامات، لأن كل المطالب ممكن تتحقق مع الوقت، وكمان المحاكمات أكيد هتاخد وقتها». لا يخفى عبدالفتاح نصار غياب خبرته السياسية السابقة، إذ كانت المرة الأولى التى يشارك فيها سياسيا فى يوم استفتاء مارس الشهير رغم تجاوزه الأربعين وعمله محاميا، ولا يختلف الأمر عن بقية المجموعة الأساسية لهذا الائتلاف الذين يصفون أنفسهم بأنهم : «طلبة جامعيون ومدرسون وصيادلة ومحامون ومهندسون وأعمال حرة وربات بيوت وغيرها من الوظائف، ليس بينهم شخصية معروفة أو مشهورة، ولم يجمعهم سوى خوفهم على ما يحدث بمصر حاليا». ينفى نصار أن يكون بينهم تيار سياسى معين. ويضيف: «لقد أراد المجلس العسكرى عرض نماذج أخرى مختلفة عن القوى السياسية التى احتكرت المشهد من الشباب بعد الثورة، ونحن بشكل عام مؤيدون للمجلس العسكرى كحاكم الآن حتى نجتاز هذه المرحلة بسلام». ورغم المشهد المزدحم حاليا بانقسامات وتضارب فى وجهات النظر فإن الدكتور أحمد زايد ــ أستاذ علم الاجتماع السياسى ــ يجد رؤية أكثر واقعية لما يحدث الآن ضاربا المثل بالحركات الشبابية التى اجتاحت العالم فى عام 1968، ويقول: «كان يقال على ألسنة الشباب وقتها.. لا تثق فى أحد تجاوز الثلاثين، والمفارقة أن دراسات أجريت فيما بعد على من شاركوا فى هذه الانتفاضة فوجدوهم قد تبدلت أحوالهم إلى موظفين تقليديين ورجال أعمال.. إذن فالفيصل هنا هو أن ممارسة السياسة على أرض الواقع هى التى ستنتج نخبة المستقبل». ما يراه زايد من واقع حالى هو مجرد محاولات للحفاظ على المظهر الثورى بطرق مختلفة. لكن يبقى «الحكم بعد الممارسة السياسية» حسبما قال. وفى خضم الانتقادات التى يوجهها البعض إلى الائتلافات الشبابية المعارضة على الساحة وعلى رأسها ائتلاف شباب الثورة ما زال البعض فى المعسكر الآخر يجد فى كل ما يحدث الآن جانبا إيجابيا، أما خالد تليمة عضو المجلس التنفيذى لائتلاف شباب الثورة فيقول: «لن ننسلخ عن الشباب.. فنحن الخاسرون إن فعلنا هذا. نحن تحت أمر الشارع، لكن يجب أن يتذكر كثيرون أن أغلبنا كان يواجه الأمن المركزى طوال السنوات الماضية.. وكنا وحدنا، لذا فلنتفرغ لفرصة العمل الآن».

No comments:

Post a Comment