Thursday, September 23, 2010

فنادق شعبية وخدمة إنسانية

المصيفون والطلبة يمتنعون

لوكاندة الناصر ليست كغيرها من الفنادق الشعبية، فهى تحمل اسم الزعيم الراحل امتنانا من صاحبها لعهد الثورة الذى غير ملامح المدينة، كما تشير إلى بقايا تأثيرات قديمة حين كانت المدينة تستقبل تجار المتوسط. نزلاؤها ما هم إلا حالات إنسانية طلبت اللجوء فى غرفها ذات الأسرة الأربعة.
كتب - عبدالرحمن مصطفى
تصوير - أحمد ناجي


لا ينشغل السيد محمد نحلة برحيل المصيفين عن مدينة الإسكندرية أو مجىء موسم الدراسة، ففى لوكاندة الناصر الشعبية التى يديرها توجد قواعد خاصة لوجود الزبائن، فهى حسب وصفه «مجتمع صغير ومتجدد»، أما عن دوره فى هذا المكان فيقول: «أنا مثل رجل فتح بيته لغيره، دائما فى قلق مما قد يحدث، لذا تبرز أهمية العلاقات الإنسانية داخل المكان». الأمر بالنسبة إلى السيد محمد نحلة أعمق من كونه مجرد «لوكاندة شعبية» بل يلخص المشهد فى مجموعة من الحقائق تخالف التصورات التقليدية عن المكان، قائلا: «أنا لا أعمل حسب قواعد الصيف والشتاء، نزلاء المكان هنا لهم طبيعة خاصة وأغلبهم ليسوا من المصيفين أو الطلبة، بل المفاجأة أن أغلبهم من مدينة الإسكندرية، وحلوا ضيوفا على المكان بسبب مشكلات عائلية دفعتهم إلى الإقامة لأسابيع طويلة».
هذه الصورة التى يرسمها السيد نحلة تكسر التصور التقليدى عن الفنادق الرخيصة التى تستقبل زوار الأقاليم المجاورة وأصحاب الزيارات السريعة، يعلق على ذلك قائلا: «هذا النوع من الزبائن ليس النشاط الأساسى فى المكان، الزبون الأهم لدى هو الذى تستمر إقامته لأكثر من أسبوعين».
تقع لوكاندة الناصر فى حى بحرى فى أطراف حى المنشية العريق بمدينة الإسكندرية، وتكاد تبرز وحيدة على شريط الترام المجاور للكورنيش على عكس فنادق أخرى «شعبية» تتمركز حول ميدان محمد على الشهير فى حى المنشية وكذلك قرب محطة مصر، بعض مديرى تلك الفنادق يتحفظ فى الحديث عن نوعية زبائنه، إلا أن حصيلة الآراء تبرز الزبون الطارئ على حساب الزبون المستقر، على عكس الوضع فى لوكاندة الناصر الشعبية حيث تعلو مكانة هؤلاء الذين أصابتهم المشكلات الأسرية فى صلب حياتهم فانسحبوا إلى مساحة أخرى بعيدة. «لو جلس كاتب موهوب هنا لاستلهم عشرات القصص المأساوية التى يسطرها فى روايات وأفلام». يصمت السيد محمد نحلة ثم يضرب مثلا بأهم القصص التى مرت عليه حين وفد إليه طبيب يقطن بإحدى العمارات المجاورة، ثم خرج من منزل عائلته طريدا بعد أن انفرد أخوه بالشقة ليتزوج فيها، مثل هذا النزيل كان على الجميع معاملته معاملة خاصة نظرا لتردى حالته النفسية، وفى قصة أخرى كاد السيد مدير اللوكاندة أن يقع فى مأزق حين اضطر أن يتواصل مع أسرة نزيل مسن قاطعه أبناؤه رغم مرضه، وحاول عدة مرات أن يعيده إلى منزله، لكن الأهل رفضوا ولم يقبلوا سوى بعد فترة من التفاوض. فى تلك الأجواء تتحول اللوكاندة إلى منزل مؤقت لمن ترك أسرته أو فقد بيته كما يتحول مدير اللوكاندة إلى كاتم أسرار الزبائن وليس مجرد رجل يطلب الأجرة أول كل شهر.لهذا السبب يتضامن جميع النزلاء على الصمت والامتناع عن التحدث عن أسباب وجودهم فى اللوكاندة، لأنها تمس حياتهم الشخصية.

للرجال فقط
داخل اللوكاندة تتجاور الغرف فى الطابق الأول من العمارة القديمة أمام شريط الترام، وفى كل غرفة أربعة سرائر، ومع غياب التليفزيون وخدمات الغرف والطعام تتوطد العلاقات بشكل أكبر بين المقيمين، لا يبدو المشهد مزعجا لأحد حين يتخفف النزلاء من ملابسهم فى الصالة الرئيسية لأنهم «رجالة فى بعض» وهو ما يجعل وجود فتيات داخل اللوكاندة أمرا مستبعدا، بل أحيانا ما تنزعج الأسر من فكرة استخدام حمام مشترك مع نزلاء آخرين من الرجال. لذا لم يعد مدير اللوكاندة متحمسا لتسكين الأسر وهى كلها شرائح يخسرها وسط زبائنه، لكن همه الأكبر يكمن فى اختيار نزيل غير مثير للمتاعب، لذا يميل لا إراديا إلى الحذر عند اختيار نزيل جديد، وهو يوضح : «بعد قرابة ثلاثين عاما من العمل فى هذا المجال أصبح لدى الآن الحس الذى يجعلنى أتوسم فى أحدهم أنه يصلح للسكن هنا وأن الآخر لا يصلح، تكفى أسئلة بسيطة ومتابعة أدائه أثناء الإجابة كى تتضح الصورة، ولم يتولد لدى هذا الحس إلا بعد الوقوع فى عدد من المشكلات مع لصوص ومدمنين، لذا أصبح من حقى الآن أن أعلن تخوفاتى من أن يأتينى زبون مضطرب بشكل أو بآخر، فالأمن يحاسبنى على كل ما يحدث هنا». فى غرفة أسفل العمارة يقع مكتب السيد محمد نحلة حيث يستقبل زبائنه الجدد، ويسجل فى دفاتر إلى جواره بيانات الزبائن فى إجراء أمنى تقليدى، أمامه يجلس أحد قدامى الزبائن المسنين الذى اختار شرب الشاى ومشاهدة نشرة الأخبار معه. وفى الخلفية تعلو صورة الوالد محمد نحلة مؤسس المكان، حتى اليوم ما زال اسم والده مرفوعا أمامه على المكتب فى لمسة وفاء، رغم اختلاف كل شىء عن زمن الوالد حسبما يصف: «حين أنشئت هذه اللوكاندة فى الخمسينيات كان حى بحرى أكثر نشاطا بسبب الميناء، أما اليوم فالأوضاع راكدة، فى الماضى كان الرواج سببه العمالة الوافدة إلى الإسكندرية، على عكس من يأتى للعمل فى الإسكندرية اليوم، إذ يشترك مع غيره فى شقة واحدة بحثا عن الأجرة الزهيدة، وكذلك يفعل الطلبة مثلهم». يبلغ متوسط أجرة السرير فى الشهر 200 جنيه، أما أجرة اليوم الواحد فتبلغ 10 جنيهات، لكن الواقع أصعب من هذه الأرقام إذ يضيف: «لا أستطيع منع أحدهم إذا جاء فى ليلة ممطرة يطلب اللجوء، وأحيانا ما أتحمل تأخر أجرة البعض، خاصة من الزبائن القدامى، لذا أزعم أن هذا المشروع ليس مجرد بيزنس بل هو خدمة إنسانية أيضا، ورهانى دائما على الإنسان وطبيعته الأصيلة التى يأسرها الخير». فى عمله هذا لا يتأثر كثيرا بموسم الصيف إلا حين مجىء مجموعات الشباب وقت المصايف، وهو ما لم يشعر به أثناء رمضان الماضى، أما فى أوقات الدراسة فلا يفد إليه من الطلبة سوى من جاء لقضاء أيام الامتحانات أو أيام بسيطة حتى يجد سكنا مع زملائه.
عن هذه التجربة دوّن أحد طلبة كلية العلوم بجامعة الإسكندرية تجربة قضاء ليلة فى لوكاندة شعبية على مدونته المسماة «واحد جامعة» حين أصابه التخوف والأرق مع أصدقائه من فكرة العيش مع غرباء ينتمون لطبقات بسيطة.
النظر إلى لافتة «لوكاندة الناصر الشعبية» يعيد إلى الأذهان تعبيرات من عصور قد انتهت، فكلمة لوكاندة الإيطالية تشير إلى بقايا تأثيرات قديمة حين كانت المدينة تستقبل تجار البحر المتوسط ومهاجرى الشمال من إيطاليا واليونان، على عكس اللافتات الحالية التى تعتمد كلمة فندق العربية كبديل عن كلمتى لوكاندة أو بنسيون، أما اسم «الناصر» فقد اختاره الوالد امتنانا للرئيس جمال عبدالناصر وعهد الثورة الذى غيّر ملامح المدينة.
وسط قصص النزلاء وفحص وجوه العابرين يعيش السيد محمد نحلة متوائما مع هذه المهنة إلى جانب عمله الأصلى كمحاسب إدارى، يقول: «كل ميسر لما خلق له، أعتقد أن استمرارى فى هذا العمل هو نوع من الوفاء وارتباط بالمكان، إلى جانب أمر أهم وهو أن تعاملى مع هذا العمل به جانب خدمى، خاصة أن هذه الأسعار تستهدف شريحة متواضعة الحال بالفعل، بمعنى أن الشرائح الأعلى لن تتشجع على المرور هنا إلا فى ظروف طارئة». هل سيظل المكان مستمرا من بعده فى ظل هذه الأفكار الخاصة؟ يجيب : «لا أعتقد.. الأجيال الشابة تؤمن بالروح العملية وتنصاع للواقع، ولا أجد بين أبناء العائلة من يتحمس لاستمرار هذا المشروع، بل أحيانا ما ندخل فى جدل يجعلنى أتوقع أننى الجيل الأخير فى إدارة هذا المكان».

Wednesday, September 15, 2010

في المنصورية.. لهو جريء وآخر بريء

على ضفتى ترعة المنصورية القديمة ناحية منطقة الأهرامات الأثرية يزدهر ركوب الخيل والجمال لدى أصحاب الاسطبلات الخاصة وداخل الأماكن الترفيهية ذات الخدمات المتنوعة يختلف الطابع فى كل جهة وكأنهما عالمان منفصلان، كما تختلف نوعية الزبائن والمشكلات التى تواجه أصحاب تلك الأنشطة الترفيهية رغم بقاء الحصان رمزا لأهم أنشطة المنطقة هناك.

يسأل السائق الشاب بعفوية: «هتركب خيل؟!»، الجميع هنا يبحث عن زبون، بعض الاسطبلات أرسلت مندوبين إلى مشارف منطقة نزلة السمان لرصد السيارات قرب مدخل أبوالهول السياحى على أمل اقتناص سائح من الطريق. أما السائق الشاب فلا تشغله تلك التفاصيل، يتابع أنشطتهم من بعيد كواحد من سكان المنطقة معلقا على ما رآه صباحا من بعض زبائن الخيل، يقول: «الشغل زيادة اليومين دول عشان فيه عرب جايين يركبوا خيل، لكن الصبح كان فيه لا مؤاخذة بنات مبسوطين زيادة وبيصرخوا وهما راكبين الخيل عشان الشباب يتفرج عليهم». لا يخفى فى حديثه نبرة الحسد من أجواء شارع جمال عبدالناصر طريق الاسطبلات حيث تتضاعف الأسعار أحيانا وتزيد المكاسب - حسب قوله. ينهى مشواره ثم يعود إلى شارع الهرم حيث يوجد الزبائن التقليديون. فى منطقة الاسطبلات التى لا يفصلها عن الأهرامات سوى سور عال، بدت الصورة أكثر ازدحاما بين حركة راكبى الخيل وانشغال أصحاب الجمال بتأديبها، أمام اسطبل (FG) انشغل عم محمد (الجمّال) مع رفاقه فى خوض معركة لغسل أحد الجمال المتمردة، ينهى مهمته ثم يجلس إلى جوار أحمد حسام احد مالكى الاسطبل، ويدور الحديث حول مستقبل المهنة، يشرح عم محمد تطور الموقف قائلا: «قبل أكثر من ستين عاما كان آباؤنا يعملون بحُرية حول الأهرامات وكنا نتعامل مباشرة مع السائحين وإرشادهم، ثم تطور الوضع مع بداية السبعينيات وظهور مهنة الإرشاد السياحى والشركات الكبرى، وأجرَّنا اسطبلات، ثم حدث قبل سنوات أن أنشئ هذا السور حول المنطقة منعا لنا من دخول المنطقة الأثرية بخيولنا، ولم يبق لنا إلا منفذ واحد». تأتى تلك الإجراءات ضمن مشروع تطوير الأهرامات الذى انتهت مرحلته الأولى العام الماضى وتقرر على أثره منع وجود الباعة الجائلين وقائدى الخيل والجمال من الوجود بجوار الأهرامات، تكفى زيارة إلى داخل الموقع كى تكشف عن استمرار هذا الوجود، رغم النجاح فى القضاء على وجود المتسولين داخل المنطقة، يذكر صاحب أحد الاسطبلات الذى تجرى خيوله حول الهرم أن العاملين فى هذا المجال قد حطموا جزءا من البوابات المانعة المجاورة كى يوجدوا مع الزبائن فى الداخل بجوار الأهرامات، وحاليا تتم الموافقة على دخولهم مقابل تذكرة مع الاطلاع على هوية الخيّال، لكن أزمة الخيّالة والجمّالة الكبرى تكمن فى خطة نقلهم جميعا ناحية طريق الفيوم، يعلق عم محمد: «لما ييجى أمر الله.. يحلها الله»، لا يقبل أحمد حسام (26 سنة) أحد مالكى الاسطبل تلك العبارة التى أطلقها عم محمد سائس الاسطبل معلقا: «هذا هو منطق كثير من العاملين هنا، بعضهم لا تشغله قضية مثل نقل مصدر رزقهم من خيل وجمال بعيدا عن أماكن عملهم وسكنهم».
بالنسبة لأحمد الذى أكمل دراسته حتى السنة الثانية فى إحدى الأكاديميات الخاصة فالأمر يستدعى القلق.. يلتقط ورقة وقلما ويبدأ فى رسم مخطط لمنطقة أبوالهول الأثرية، مشيرا إلى الموقع الذى تقترح الجهات المسئولة نقل الخيول والجمال إليه ناحية طريق الفيوم، ثم يقول بانفعال: «إيه اللى هيودينا الناحية دى؟»، يتابع قائلا: «مئات العاملين وآلاف الأسر من منطقتى نزلة السمان وكفر الجبل المجاورة يعملون فى تقديم خدمة ركوب الدواب حول الهرم، هل من السهولة نقلهم بهذه البساطة إلى مكان يبعد عشرات الكيلومترات بعد أن استقر عملهم هنا منذ عشرات السنوات». فى داخل المنطقة الأثرية تقل أعداد المصريين مقارنة بالسائحين الأجانب، أما المصريون فلهم أماكن أخرى يزدهر وجودهم فيها، خاصة فى الشتاء مع ازدياد أعداد الزبائن. يعود أحمد حسام إلى المخطط الذى رسمه للمنطقة قائلا: «هناك منطقة أغلب زبائنها من المصريين بعيدا عن المنطقة الأثرية، وأغلبهم من محترفى قيادة الخيل، حيث ينطلقون ليلا بحرية بعد الواحدة صباحا أنا عن نفسى أفضل التعامل مع الأجانب».
يتوقف الحديث وتبدأ النداءات لإنذار أحد الجمال المتمردة، ثم يتجه عم محمد بعصاه لتأديبه، فى إحدى تلك المرات التى حاول فيها تأديب الجمال تلقى عم محمد ضربة غادرة من أحد الجمال نتج عنها عملية جراحية كبيرة بعد تهتك الطحال، يعود مشغولا عن الحديث ثم يقول: «اللى بياخد القرارات دى بمنع دخول الخيل والجمال الهرم ميعرفش حاجة عن شغلنا». أما أحمد حسام فيعتقد أن ردود أفعال الخيّالة والجمّالة ستكون عنيفة إذا ما وجدوا أنفسهم بعيدين عن السائح أو منطقة الأهرامات، أما الهدوء الحالى فسببه الانشغال بالرزق، يقول: «فى داخل منطقة الهرم بإمكانى ممارسة بعض الحيل لإقناع الزبون بركوب الخيل وأن الطريق طويل بالداخل وانه مضطر للركوب، ثم أتفاوض معه على السعر.. هذا ما اعتدنا عليه طوال حياتنا». فى المستقبل القريب - حسب تصريحات مسئولى الآثار - سيُمنع وجود الدواب داخل المنطقة الأثرية، وفى الداخل ستكون وسيلة المواصلات هى العربات الكهربائية، حياة الخيّالة والجمّالة التى اعتادوها فى التعامل المباشر مع السائح ستنتقل إلى نمط آخر لا يستطيع البعض تفهمه، يعلق عبدالناصر الجابرى نائب الحزب الوطنى عن دائرة الهرم وأحد أبناء نزلة السمان، بأن الوضع يبدو غامضا لكثير من أصحاب الاسطبلات ولا يتفهمون فكرة النقل التى يراها غير عملية على أرض الواقع وإن كانت ستوفر مزيدا من التنظيم للمكان، ويقول: «هذه التطويرات لم تكن تشغل كثيرا من أصحاب الخيول لأن الجميع يلهث وراء رزقه فى حين كان الأثريون ينطلقون لإتمام مشروعهم، أما على أرض الواقع الآن فهناك محاولات لتوفيق الأوضاع المستقبلية للمكان وأهله على المخطط الجديد، وعن نفسى أستبعد وقوع تمرد أو أعمال عنف، لأنه على أرض الواقع أيضا حتى الآن لم يتم منع أحد من العاملين من ممارسة عمله داخل منطقة الهرم».
فكرة تنظيم عمل أصحاب الاسطبلات كانت إحدى دواعى إقامة المشروع نتيجة الإحساس بعدم الرقابة على هذا النشاط حسب تصريحات المسئولين، أما أحمد حسام فيدرك جيدا الاتهامات الموجهة إلى العاملين فى المجال باستغلال السائحين والزوار وتغاضيهم عن تجاوزات بعض الشباب، يجيب أحمد: «هناك شرطة السياحة لتلقى الشكاوى، أما من يتحدث عن تجاوزات من الشباب فهناك أيضا الشرطة، ليست مسئوليتى انتقاء الزبائن، أنا أتعامل مع جميع الملل والجنسيات». يصمت قليلا ثم يكمل حديثه قائلا: «على فكرة أنا أيضا أتعرض لاستغلال وأحيانا ما أدفع أموالا كى أنهى عملى، كما أن شركات السياحة تحصل على نسبة تتجاوز 50% من أى صفقة تتم، إلى جانب عمولات السائقين الذين يأتون بزبائنهم، كل هذا لا يره أحد، أقول لك فلسفة بعض الخيّالة عن فكرة تحديد أسعار الركوب، أنا لدى تقييم للزبون، والمسألة تفاوض، فحتى شركات السياحة ليست أسعارها واحدة، وخدماتها متنوعة، لذا فإذا استطعت أن أتفاوض للحصول على أجر كبير مع أحد الزبائن فبإمكانى أن أعوض أياما أخرى لا أعمل فيها». ينهى حديثه ثم يستقبل زوارا مصريين من الشباب والفتيات جاءوا للانطلاق بالخيول فى مجموعة، يستقبلهم بابتسامة على وجهه بينما يخفى داخله قلقا يوميا على حجم الزبائن وعلى مستقبل هذه المهنة بأكمله.
أجواء عائلية مع الخيول
يلخص عصام خليل المدير المالى فى قرية الخيول العربية رؤية المشروع فى عبارة قصيرة قائلا: «قبل تسع سنوات تقريبا دارت الفكرة برأس الحاج أحمد القبانى صاحب مشروعات دار الأورمان لرعاية الأيتام والذى فكّر فى مشروع سياحى يستهدف الطفل والعائلة». لا يخفى عصام أن الفكرة فى البداية كانت تستهدف أجواء مختلفة عن فكرة ركوب الخيل الحر ناحية نزلة السمان وعلى جانبى طريق المنصورية. لكن فى أشهر الصيف تقل أعداد الزوار نتيجة اتجاه الأسر إلى المصايف فى ذلك الوقت وغياب رحلات المدارس، وهو ما دفع القرية إلى الاعتماد على تنظيم الأفراح التى تزيد فى الصيف لتعويض قلة الحركة فى القرية مقارنة بالشتاء.
بإمكان الزائر إدراك الأجواء العائلية للمكان منذ الوهلة الأولى، أما رهان العاملين فى القرية فكان على لافتة كبيرة قرب الطريق الدائرى تشير إلى الخدمات التى يمكن للزبون أن يتلقاها مقابل عشرة جنيهات فقط، ويستثنى منها وجبة الطعام ونزول حمام السباحة، فى تلك الأجواء الصيفية قد تتحول رحلة عائلية إلى حدث مهم، يتابع عصام خليل قوله: «حين تدير مشروعا كهذا أنت تعلم أنك لن تستهدف الربح الكبير، خاصة فى مواسم مثل الصيف، لكن فى نفس الوقت عليك أن تكون من الذكاء بحيث تستغل ما لديك فى تقديم خدمات أخرى، وتخفيض التكلفة مثل استخدام ألعاب لا تستهلك الكهرباء، واستغلال حمام السباحة مساء فى إقامة الأفراح.. وهكذا». فى الجوار كانت هناك مجموعة تتجاوز الثلاثين فردا قد انشغلوا مع الفقرة الترفيهية للعبة الكراسى الموسيقية، بينما انشغل آخرون بلعب البلياردو والبينج بونج، وهذا بعد أن خاضوا تجربة ركوب الخيل فى بداية اليوم الذى بدأ فى الساعة العاشرة صباحا، يقول إميل إبراهيم منظم تلك الرحلة: «نداوم على المجىء إلى هنا منذ أربع سنوات ولهذا عدة أسباب أهمها السعر، كذلك فمن الصعب أن أتجه لركوب الخيل ناحية الهرم، حيث لا أعرف النظام أو الأسعار، كما أننا نبحث عن مكان آمن للأسرة والفتيات». يكمل لعب البلياردو بينما كان محمد السائس يعد لفقرة رقص الخيول، بعدها يجلس داخل الاسطبل فى انتظار من يريد إعادة تجربة ركوب الخيل، هكذا تطور عمله منذ بداية نشأة القرية حين بدأ طفلا صغيرا بها، وحتى الآن ما زال متمسكا بالعمل فى نفس النظام رغم انتمائه إلى نزلة السمان وإلى عائلة تعمل فى مجال الخيل والجمال، يقول: «الفرق بين ما أقدمه هنا وهناك هو نوعية الزبون، أغلبهم هنا من الأطفال الصغار، ودورى هو التوجيه، خاصة فى الشتاء مع ازدياد رحلات المدارس، كذلك فالمساحة هنا مهما اتسعت فهى محدودة مقارنة بما يحدث فى نزلة السمان حين نصعد التلال الصحراوية جوار الهرم، وهنا الرقابة أعلى».
تلك النقطة الأخيرة التى تحدث عنها محمد اجتذبت عصام خليل المدير المالى كى يعلق عليها: «أهم شىء فى مشروع كهذا أن أظل محافظا على الرؤية، بعض الأنشطة أقمناها ثم تخلينا عنها، كى نبقى على نفس الدرب». يذكر عصام أنه لا يعتمد على عروض الشركات السياحية بسبب اشتراط بعضها تقديم مشروبات روحية فى خدمته، الأكثر من هذا أنه قد لا يقبل تجاوزات من الزوار ويقول: «البعض يأتى إلى منطقة الهرم لركوب الخيل بغرض مشاهدة الفتيات وسماع صراخ من لم يركبن خيلا من قبل، كذلك هناك من يسعى إلى الانطلاق والتحرر بشكل قد يؤذى العائلات.. هذا ما لا نقبله هنا تماما». يشير بيده إلى أحد الأركان التى أغلقها فى فترة الصيف شارحا ذلك بقوله: «هذا المكان أستغله فى الشتاء مع ازدحام الزوار، أما فى الصيف فأغلقه، حتى يكون الوضع تحت السيطرة». رغم هذه القواعد التى قد تبدو صارمة، إلا أن ذلك لم يمنع زوار الرحلة فى ذلك اليوم من الرقص والانطلاق مع الموسيقى فى المطعم.
فى تلك الأجواء قد تصبح الخيل ضيفا على المكان، وهى النقطة التى يعلق عليها محمد سائس الخيل، بأنه لديه مهام يومية بعيدا عن نشاط القرية فى ترييض الخيل والاهتمام بها ومتابعتها، أما الأهم فهو خدمة التدريب، يقول: «هناك تدريب لمرة واحدة مقابل 25 جنيها، وهناك كورس يستمر لعدة أسابيع مقابل 200 جنيه، وهذه إحدى مهامى». مع توديع الزوار للمكان فى الساعة الخامسة، ينشط العاملون للتفكير فى أفراح المساء الصيفية، بينما يتجه محمد إلى نزلة السمان حيث يقطن، ليعيش مفارقة بين عالمين مختلفين يجمعهما حب الخيل.

* أساطير نزلة السمان
يقطن المنطقة المجاورة لأهرامات الجيزة جماعات من الأعراب منذ مئات السنين، وعرفت المنطقة في فترة سابقة باسم "بركة السمان" حيث كانت هناك بركة يجتمع حولها طائر السمان بينما يعيد البعض الآخر التسمية إلى الشيخ الصوفي "حمد السمان" الذي ما زال هناك ميدانا باسمه في المنطقة، وحسب قواعد تسمية الأماكن التي تسكنها القبائل العربية يطلق لفظ "نزلة" كدليل على فرض السطوة على مساحات من الأراضي نتيجة نزال. وينقل موقع touregypt.net المتخصص في المصريات والسياحة قصة أخرى عن المنطقة نقلا عن بعض قدامى المكان، حيث قصة أسطورية تحكي عن أحد أمراء الأسرة المالكة الذي كان يستقبل ضيوفه في خيمته جوار الهرم، وأنه وعد أحد كبار شيوخ المنطقة بأن يملكه وعشيرته تلك الأراضي المحيطة بعد ان لمس ضيق الشيخ المسن من غربته في ارضه دون ملكية موثقة امام الحكومة، مرت الأيام وعاد الأمير إلى التريض في نفس المكان، فاعترضه الشيخ مذكرا إيه بوعده الذي أخلفه، فتم توثيق الأراضي للسكان العرب في هذه الناحية جوار الأهرامات، وتذكر القصة أن الشيخ كان أحد أفراد عائلة الجابري إحدى أكبر عائلات المنطقة حاليا، و حتى اليوم ما زالت تقطن "نزلة السمان" عائلات ذات حضور تاريخي قديم يعمل كثير من أبنائها الآن في مجال السياحة ويمتلكون مزارع الخيول والإسطبلات جوار الأهرامات. حسب أرقام آخر تعداد للسكان في عام 2006 فإن عدد سكان نزلة السمان حوالي 26 ألف مواطن، بينما يسكن كفر الجبل المجاورة التي تشارك في العمل بقطاع السياحة حول منطقة الأهرامات حوالي 14 ألف مواطن.
خيل وأشياء أخرى
• الطريق إلى سقارة
"لا أرز الهرم إلا في الشتاء، في الصيف.. الأجواء غير مناسبة تماما" يصف عمرو أحد محبي ركوب الخيل في منطقة الهرم الرحلات التي اعتاد عليها كل شتاء حيث تصاحبه مجموعة من أصدقائه وسائس الخيل، تنطلق الرحلة في الليالي المقمرة بعد الواحدة صباحا في مقابل 30 جنيه حسب السعر الذي اعتادته المجموعة، ينطلقون في الصحراء إلى جوار المنطقة الأثرية ناحية صحاري سيتي، يتابع قائلا : "في الاستراحات على الطريق تستقر المجموعة وأحيانا ما نشرب ما نجلبه معنا من مشروبات، ثم نتابع الرحلة". ليست كل المشروبات بريئة حسبما يصف، غالبا ما يكون مشروبهم الرسمي هو الخمور، و لا تثير هذه الأجواء قلق بعض المجموعات المجاورة التي تضم فتيات من الصعود إلى التل في تلك الأوقات المتأخرة. أما بالنسبة إليه فكان أهم ما يبحث عنه هناك هو الهدوء والتأمل حسب تعبيره.

• سنة أولى خيل
في فيلم "عسل أسود" يطلب بطل الفيلم "مصري سيد العربي" ركوب أحد الخيول، فيظن السائس لأول مرة أنه أجنبي وحين يعلم أنه مصري يتركه مع فرس هزيلة وعنيدة، تلك الصورة الكوميدية قد لا تنطبق تفاصيلها تماما مع الواقع، شريف حسن الذي جاء مع أقاربه الشباب لركوب الخيل لا يجد حريته في الانطلاق بالفرس دون تدخلات السائس وتعليقاته المتكررة، يقول شريف الطالب بإحدى الجامعات الخاصة : "هذه ثاني زيارة لي للمكان، المرة السابقة كانت قبل سنوات طويلة مع أسرتي ولم تكن مرضية بعد الدخول في مفاوضات مع السائس داخل منطقة الهرم، ولم أستمتع". في هذه المرة يتجول شريف بحرية أكبر لولا تدخلات السائس الذي يدير الموقف تماما مراعيا الحركة المحدودة في شارع الاسطبلات، مكتفيا بنصف ساعة مقابل 25 جنيها، يقول شريف : "في البداية دربنا السائس على كيفية قيادة الخيل، لكن ما زال امامنا وقت طويل". لا يزد من إحباطه سوى الصبية الصغار الذي ينطلقون بجواره مندفعين كفرسان حقيقيين مسددين نظرات الزهو إلى من حولهم، إلى جانب ارتفاع السعر مقارنة بما كان يتوقعه، خاصة أنه لا يعرف التمييز بين الخيل الأصيلة وغيرها وهو ما يؤثر في الأسعار.

• نزهة مع المدام
في منتدى "العرب المسافرون" على الانترنت طرح أحد الأعضاء الخليجيين هذا السؤال: أين أجد إسطبل خيل بالقاهرة؟ وتلقى إجابات من خاضوا التجربة قبله.. إحدى الإجابات دونتها عضوة خليجية قائلة : "أبدا لا تفكر تروح على منطقة نزلة السمان اللي في الهرم، مكان ما هو نظيف .. وتلاقي فيها كل المستويات"، لكن الإجابة الأكثر إنصافا لنزلة السمان جاءته من عضوة أخرى قالت : " الاسطبلات موجودة بالهرم بنزلة السمان ولها دخلة خاصة يعرفها كل سائقين التاكسي، أهم شيء تكاسرهم – تتفاوض على السعر- والافضل إنك تروح بالصباح الباكر يعني الساعة 5 والجو رايق تقدر تاخذ راحتك مع زوجتك ". لم يسجل العضو بعدها تفاصيل تجربته في القاهرة، لكن على ارض الواقع تجتذب قيادة الخيول شريحة كبيرة من الزوار العرب من الجنسين.

• السمانيون يتحدثون
داخل مجموعة (proud to be a sammanian – فخور بأني من نزلة السمان) في شبكة فيسبوك الاجتماعية شارك مجموعة من شباب عائلات المنطقة في كتابة أرائهم حول فكرة طرحها أحد الأعضاء باللغة الانجليزية تحت عنوان : " That's why I hate nazlet el samman ! - لهذا أكره نزلة السمان !"، كتب مصطفى قاسم خطاب عن كرهه لاتجاه شريحة من الشباب للعمل بالسياحة وأنشطة مرتبطة بهذا قائلا: "ألم نسأل أنفسنا لماذا يقل عدد المهندسين والدكاترة لدينا في المنطقة؟"، يمر مصطفى ايضا بنقطة سلبية أخرى تثير ضجره وهي عن ضرورة أن يكون شباب المنطقة أكثر إيجابية في مواجهة مشكلة يتسبب فيها العاملون في إسطبلات الخيول وإلحاحهم على اصطياد الزبائن من الطريق وأبدى في تعليقه تأييد فكرة تجميع الإسطبلات في مكان واحد، أما يمنى الجابري ترى أن أجمل ما في نزلة السمان هو التقارب بين العائلات رغم اتساع المنطقة وانتقال غرباء إليها، وتقول : "أحيانا بيكون الواحد في نص هدومه لما حد يزوره من قلة نظافة الحي، لكن كفاية لما يبص الضيف من البلكونة على مشهد أبو الهول.. بينسى كل حاجة".
PDF

Sunday, September 12, 2010

العيد في أغنية مكررة

كتب ــ عبدالرحمن مصطفى
لا يخفى المهندس الشاب عمر صالح إحساس الملل الذى يصيبه عند إذاعة أغانى المناسبات فى كل موسم، يعلق قائلا: «حين أنظر إلى أغنية مثل (أهلا بالعيد) للفنانة صفاء أبوالسعود التى تذاع منذ أن كنت طفلا قبل أكثر من عشرين عاما لا أستطيع أن أتفهم هذا التكرار، عن نفسى أجده مملا، خاصة حين تتكرر الأغنية نفسها عدة مرات فى اليوم الواحد».
أسباب ضيق عمر ليس لها علاقة بهذه الأغنية تحديدا، بل هى حالة من الرفض لتكرار أغانى المناسبات بشكل عام، يقول: «طوال شهر رمضان تعاد أغنية (رمضان جانا) بتوزيعاتها المختلفة، وفى يوم عيد العمال أو ذكرى أكتوبر تعاد الأفلام والأغنيات نفسها، أتمنى أن تأتى مناسبة خالية من هذه الملامح القديمة». بعيدا عن المشاعر السلبية التى يظهرها عمر تجاه أغانى المناسبات فالمفارقة أن أسرته لا تتبنى هذه الرؤية، بل على العكس من ذلك أحيانا ما يواجه بعبارات من نوعية «العيد ميبقاش عيد من غير الأغانى دى!». ليست أسرة عمر فقط هى المتحمسة لهذه نوعية من الأغانى، بعض أبناء جيل الثمانينيات الذى ينتمى إليه اختاروا إظهار حفاوتهم الشديدة بأغانى المناسبات التى تذكرهم بطفولتهم، خاصة مع أغنية «أهلا بالعيد» للفنانة صفاء أبوالسعود، يظهر هذا من خلال مئات التعليقات التى تنتشر بين المنتديات الإلكترونية وعلى موقع يوتيوب لتحميل لقطات الفيديو، أسفل أحد هذه الفيديوهات كتب أحدهم: «هذه هى أغنية العيد المفضلة لدى حتى وأنا عندى 30 سنة.. أم كلثوم فى ليلة العيد وصفاء أبوالسعود.. يوم العيد الصبح». بعض هذه التعليقات جاء من الدول العربية ليؤكد أنها كانت أغنية رائجة لديهم أيضا، مما دفع البعض إلى تسجيل ذكراه مع الأغنية والاعتراف بحنينه المحبب إلى الماضى، لكن هذه الروح السمحة مع «أهلا بالعيد» لم تشمل الجميع، فمع هذه الأغنية تحديدا خرج أحد أكبر «إفيهات» الانترنت قبل أكثر من عام، والسبب هو أن عددا كبيرا من أبناء هذا الجيل قد اشتركوا فى «الحفظ الخاطئ» لإحدى جمل الأغنية، حيث تقول الأغنية: «العيد فرحة، وأجمل فرحة، تجمع شمل قريب وبعيد.. سعدنا بيها، بيخليها، ذكرى جميلة لبعد العيد». لكن تعبير سعدنا بيها تحول فى آذان الكثيرين منذ الصغر إلى «سعد نبيهة»!
وعلى شبكة فيس بوك الاجتماعية داخل مجموعة «ذكريات من السبعينيات للتسعينيات» طرح أحد الأعضاء هذا السؤال: «يا ترى كام واحد كان نفسه يعرف مين سعد نبيهة (سعدنا بيها) اللى كانت بتغنيله صفاء أبوالسعود؟» فى سلسلة الردود على هذا السؤال الغريب قال أحدهم إنه كان يظن أن المقصود هو «سعد نبينا». أما الشخصية الأسطورية «سعد نبيهة» فقد تكونت لها مجموعة أخرى على الفيس بوك وطرح مؤسس المجموعة رؤيته التى حملت بعض العمق، إذ يرى أن هذا اللبس فى فهم جملة «سعدنا بيها» هو دليل وشاهد على أن هذا الجيل قد تربى على الحفظ دون الفهم، حتى إن كان حفظا خاطئا، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ظهرت مجموعة أخرى على الفيس بوك ترشح «سعد نبيهة» لانتخابات الرئاسة القادمة، وهكذا لم تعد أغنية العيد للفنانة صفاء أبوالسعود مجرد أغنية تقليدية، بل تعامل البعض معها على أنها أحد رموز الجيل، خاصة فى جملة ملتبسة مثل «سعد نبيهة». فى المرات القليلة التى ناقش فيها عمر صالح والديه حول ضجره من أغانى العيد المكررة نقلت له والدته صورة أخرى تمعن فى الحنين إلى الماضى، كانت الأغنية الأهم لديها هى أغنية «ليلة العيد» للفنانة أم كلثوم، وفى نقاشها مع نجلها الشاب كانت حجتها فى الدفاع عن أغانى العيد كالآتى: «أغنية ليلة العيد هى إحدى علامات ثبوت رؤية هلال العيد، إذ لا تذاع إلا فى ليلة العيد، لكن الأهم من هذا أنها تمثل ذكرى شخصية للملايين، وتعيد كبار السن إلى عصر كان أكثر هدوءا وألفة من الآن، على عكس حالة الانغلاق والانشغال بالظروف الاقتصادية الحالية». بعيدا عن هاتين الأغنيتين الشهيرتين فقد ظهرت على مدى السنوات الماضية العديد من أغنيات العيد، لكن القليل منها هو الذى علق فى الأذهان، أحد هذه النماذج المندثرة أغنية ذات لحن فولكلورى تغنت خصيصا ليوم العيد غناها الفنان الصعيدى ــ حفنى أحمد حسن ــ الذى اشتهر فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، الأغنية التى يتذكرها بعض ذوى الأصول الصعيدية من كبار السن كانت تتغنى فى فضل بر الأم فى يوم العيد، وفى أحد كوبليهات الأغنية يقول الريس حفنى: «أمك وعايش فى ضلها.. خليك دايما فاضلها.. ولا تنسى أبدا فضلها، وعيد عليها.. يوم العيد». هذه الأغنية التى تكاد تكون اليوم مغمورة، كتب أحد أعضاء منتدى سماعى تعليقا عليها بعد أن انقطع عنها لسنوات طويلة، واسترجع ذكرى والدته التى كانت تحب سماعها، وفى منتدى آخر على الانترنت كتب أحدهم موضحا أن هذه الأغنية أيضا تذكره بأمه حين كانت تسمعها تحديدا فى يوم عيد الأم. وهى مناسبة جديدة ربما لم يفطن إليها صاحب الأغنية نفسه. أما عمر صالح فلم تمر بأسماعه هذه الأغنية أبدا، إذ اعتادت أذناه على كلاسيكيات أغانى المناسبات التى سئم منها، خاصة أغانى العيد.

Thursday, September 9, 2010

مواسم تقسيم الشوارع

يدير أحمد فودة مخبزا ومحلا لبيع الحلويات. كان يكتفى فقط منذ بداية شهر رمضان بمراقبة صخب التجار وما أقامه بعضهم من سرادقات وخيام غيرت ملامح الشوارع، أما الآن فقد حان موعد المشاركة ورفع خيمة لعرض منتجاته من كعك العيد. يقول فودة: «لا أنصب الخيمة حول المحل سوى فى هذه الفترة تقريبا، أى فى الأسبوع الأخير من شهر رمضان». يقول هذه العبارة فى نفس التوقيت، الذى تستعد فيه محال بيع الياميش والبلح لفض سرادقاتها وإزالة قماش الخيامية، الذى يزين مداخلها كى تتسلم منها الراية محال بيع كعك العيد. يقع المحل الذى يديره أحمد فودة فى سوق التوفيقية بوسط المدينة، ومن حوله ابتكر بعض أصحاب محال قطع الغيار المنتشرة طريقة للتعبير عن تآلفهم مع أجواء رمضان فى صنع ما يشبه (البوابة) على رأس الشارع، أقاموها على أعمدة خشبية وقماش الخيامية، أما فودة فكان الهدف من إقامة سرادقه الصغير دعائيا جدا، حيث اعتاد فى كل عام على إتمام مجموعة من الإجراءات لإقامة سرادقه، ويقول: «حين أطلب التصريح من الحى لعرض منتجاتى أمام المحل فى هذه المناسبة يأتى موظفون لأخذ المقاييس، التى ستحدد مساحة عرض منتجاتى أسفل الخيمة، وعن نفسى فقد اخترت أن تكون مدة العرض عشرة أيام فقط». حسبما يذكر فإن قيمة التأجير من الحى فى متناول التاجر العادى، ولا تتجاوز جنيهين للمتر فى اليوم الواحد. لكن هذه الإجراءات التى يتحدث عنها كشفت سر تحفظ البعض عن التحدث عن خيامهم، التى رفعوها بشكل عفوى. خاصة أن بعض أصحاب المحال أصبحوا يحرصون على امتلاك قماش الخيامية الشهير، الذى يسهل رفعه على أعمدة خشبية لبث أجواء الفرح لدى المارة، إلا أن البعض الآخر يلجأ إلى محال الفراشة، التى تقيم السرادقات والحفلات الدينية كى تقوم بهذه المهمة.
أحد العاملين فى مجال الفراشة هو الحاج حسن جمعة، الذى يدير محلا للفراشة فى منطقة بولاق أبوالعلا المجاورة، يقدم نفسه على أنه يعمل كمتعهد فنادق وحفلات دينية، لذا تكون إقامة السرادقات وواجهات المحال من الخيام بمثابة نشاط جانبى. يقول الحاج حسن جمعة: «التعامل مع المحال فى هذه الفترة أو فى الفترات الشبيهة مثل المولد النبوى هو عمل موسمى، لذا يكون التأجير مقابل 200 إلى 400 فى اليوم حسب نوع السرادق، الذى يختاره صاحب المحل». أما النقطة الأهم بالنسبة إليه فهى التأكد من وجود تصريح لدى صاحب المحل كى لا تصادر خيامه أثناء إحدى الضبطيات. بالعودة إلى أحمد فودة فقد تأكد له بعد أن خاض تجربة التعامل مع محال الفراشة أن الأوفر هو شراء قماش الخيامية، ويقول معلقا: «هذه الخيمة والأعمدة التى ترفعها كلها قد لا تتكلف 3000 جنيه، وهى قيمة تأجير فترة أقل من شهر لأى محل. فماذا يجبرنى على تكرار هذه التجربة؟».
يتبع محل أحمد فودة حى عابدين، حيث تجاوره مناطق تجارية أخرى متعددة، ويعلق اللواء خليل غازى رئيس حى عابدين قائلا: «فى هذه الفترة من ألسنة تبرز بعض الأنشطة مثل عمل الكنافة والقطايف فى الشارع أو عرض الكعك قرب نهاية رمضان مما يغير شكل الأنشطة، لكن الملاحظ بصورة عامة أن نسبة المخالفات تقل من عام إلى عام فى هذه الفترة من السنة، وتزيد نسبة الالتزام بإصدار التصاريح اللازمة، وهو ما يدعو إلى التفاؤل».
بعض المحال تلصق صورة من هذا التصريح على واجهة المحل للتأكيد على شرعيتهم، وهو ما فعله فودة صاحب منتجات الكعك. فى هذه الأجواء حين تتحول التجارة إلى مشهد احتفالى، قد يصدق التعبير الذى أطلقه باحث الانثروبولوجى الأمريكى «والتر ارمبروست» المهتم بدراسة الثقافة الشعبية المصرية حين صك مصطلح Christmas-ization of Ramadan أى تحويل رمضان إلى ما يشبه موسم الكريسماس فى الغرب، بما يصاحبه من أجواء احتفالية، إلا أن هذا التشبيه أسقط من حساباته تجاور المظاهر الدينية فى شوارع القاهرة بحيث تنافس سرادقات التجار وخيامهم.

Thursday, September 2, 2010

رمضان الآخر

كتب - عبدالرحمن مصطفى
رغم ابتعادهما آلاف الأميال عن الولايات المتحدة الأمريكية ووجودهما الحالى فى القاهرة، فإنه بإمكان كل منهما أن يرسم ملامح طالب مغترب أثناء قضاء شهر رمضان فى أمريكا، الأمر بالنسبة لأشرف الشريف تحول إلى ذكرى انتهت فى العام 2007،أما بالنسبة لصديقه محمد عز الدين فمازال أمرا واقعا، حيث إنه لم يكمل حتى الآن عامه الأول فى الولايات المتحدة الأمريكية، يقول أشرف الشريف المحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: «بالنسبة لى فالأمر مختلف قليلا، قضيت رمضان فى أمريكا لأربع سنوات متتالية منذ 2003 حتى 2007 فى أثناء دراستى للدكتوراه وأجدها تجربة مختلفة تماما عن قضاء رمضان فى مصر، حيث الأصدقاء والسهرات الرمضانية ومتابعة مباريات كرة القدم».
فى الفترة التى اتجه فيها أشرف إلى الولايات المتحدة كانت الأوضاع الداخلية قد تأثرت بأحداث 11 سبتمبر، لكن حسب قوله: «لم تكن هناك مشاكل كثيرة تواجه المسلم فى حياته اليومية مثلما قد يتخيل البعض.. المشكلة كانت فى الإعلام وبعض المواد التحريضية المذاعة، وأظن أن الأوضاع أصبحت أفضل الآن مع مجىء أوباما». بمجرد ذكر اسم الرئيس الأمريكى باراك أوباما يبتسم صديقه محمد عزالدين معلقا على هذه العبارة بقوله: «ربما كانت ظروفى أفضل من الذين سبقونى فى الذهاب إلى أمريكا، لكن هذا لا ينفى الأجواء الصعبة المفروضة على الصائم هناك، أبسطها أن تفتقد أجواء رمضان التقليدية وأن تفاجأ بالإفطار فى الساعة الثامنة والنصف مساء، وغير ذلك من التفاصيل البسيطة». فى العام الماضى تصادف أن تنطلق رحلته إلى أمريكا لدراسة الماجستير مع بدء شهر رمضان، فكان لقاؤه الأول مع بلد العم سام متزامنا مع مناسبة إسلامية خاصة. ومنذ ذلك الوقت مازال محمد عزالدين يكتشف أمريكا التى يصفها بأنها «متحف كبير»، موضحا أن هناك أشياء تحدد شكل حياتك فى أمريكا على رأسها اسم الولاية أو الإقليم الذى تقيم فيه، فأمريكا ليست نمطا واحدا.
عند هذه النقطة تحديدا يشارك الدكتور أشرف الشريف برأيه محاولا توضيح اختلافات المجتمع الأمريكى وكيف تنعكس على المسلم هناك، يقول: «كنت أدرس فى جامعة بوسطن بولاية ماساشوستس وهى ولاية ذات طبيعة ليبرالية تتسع للجميع فى قوانينها وفى نمط حياتها، ورغم ما كان يشاع عن التضييق على المسلمين فى أمريكا، فإننى لم أشعر بهذا، على العكس كنت أجد أحيانا احتراما لخصوصيتى ولطقوس العبادة التى أمارسها، فالمواطن العادى البسيط لا يهتم بمثل هذه التفاصيل الدينية نظرا لتنوع فئات وطوائف المجتمع، أما المواطن المثقف فهو يحترم خصوصيتك كى لا يتلقى عبارات الاستهجان من المحيطين». هذه التجربة مر بها محمد عزالدين أيضا الذى اتجه العام الماضى لدراسة التاريخ المصرى الحديث فى جامعة جورج تاون بالعاصمة واشنطن، يصف ذلك قائلا: «فى طريق عودتى إلى المنزل يتنوع الركاب حسب محطات الركوب والنزول، على سبيل المثال أعرف أن منزلى قد اقترب حين تمتلئ الحافلة بذوى الأصول اللاتينية من إحدى المحطات، هذا لن تجده فى ولايات أخرى بها أغلبية بيضاء، أو ولايات ذات طابع ريفى». يضرب مثلا بتجربة الأكاديمية المصرية الشابة زينب أبوالمجد ذات الجذور الصعيدية التى تركت واشنطن العاصمة كى تقوم بتدريس تاريخ الشرق الأوسط فى ولاية أوهايو، حيث اكتشفت عالما آخر فى أمريكا أغلبه من ذوى الأصول البيضاء، حيث المراعى والمزارع الكبرى، فى هذه البيئة الخاصة تحولت الفتاة السمراء المسلمة إلى كائن غريب. على عكس الحياة فى مدن أخرى مثل واشنطن ونيويورك، ونظرا لغرابة التجربة دونت الدكتورة زينب أبوالمجد مشاهداتها فى كتاب تحت عنوان: «يوميات أبله فى أرياف أمريكا». بعض تلك التفاصيل يدركها أشرف الشريف وصديقه محمد عزالدين.. فحتى داخل هذه المدن المليونية كانا يواجهان فى شهر رمضان أسئلة عن جدوى الصيام؟ وماذا إن شرب أحدهما أو أكل فى أثناء فترة الصيام؟ وعن فلسفة هذه العبادة؟ وحول ما إذا كان الهدف تعذيب الذات أم التعاطف مع الفقراء؟ كل هذه الأسئلة كان عليهما الإجابة عنها بإجابات مقنعة لأنها فى الغالب لن تتحول إلى جدل، بل قد تكون الإجابة الأولى هى الأخيرة.
يوميات صائم فى أمريكا
فى القرن الماضى قال المناضل الأسود مالكوم اكس: «وجودك هنا فى أمريكا لا يجعلك أمريكيا»، هذا ما أدركه كل من أشرف الشريف ومحمد عزالدين حين وجدا أعراقا مختلفة تعيش من حولهما وهو ما انعكس على واقع المسلمين هناك بحيث لم يتحولوا إلى مجموعة واحدة، بل أصحاب ديانة تجمع العديد من الثقافات، تلك الأجواء المزدحمة أحيانا ما تكون مكسبا للأقليات، وهى النقطة التى يوضحها أشرف ولمسها فى أثناء رمضان تحديدا، يقول: «أحيانا ما كنت أواجه بأن امتحاناتى ستستمر أثناء فترة الصيام حتى بعد الإفطار، كان الأساتذة يقدرون هذه الاختلافات، بل أحيانا ما كان يحصل الطلاب المسلمون على إجازة أثناء هذه المناسبة الدينية رغم أن ذلك بمثابة عرف داخل الجامعة وليس قانونا ملزما». وفى هذه الأجواء المزدحمة بالأعراق أيضا تكون تجمعات المسلمين فرصة لتخفيف غربة الصائم هناك، وهو ما دفع اتحاد الطلاب المسلمين فى الجامعة على سبيل المثال إلى تنظيم إفطار يومى فى الجامعة، أما صلاة التراويح فكان المركز الإسلامى هو المكان الأنسب لها.
هذه الطبيعة البسيطة فى الحياة الرمضانية لم تخل من مفارقات واجهت محمد عزالدين فى عامه الأول بأمريكا، يذكر منها نموذجا استفزه داخل جامعته، يقول: «تعين الجامعة واعظا لكل طائفة، نظرا للأصول الكنسية لهذه الجامعة تحديدا، لكن بالنسبة لواعظ المسلمين فقد أتوا بشخص أصابنى بالصدمة فى أيامى الأولى فى أمريكا». يذكر محمد عزالدين أنه واجه «واعظا مسلما» متحاملا على المسلمين وصاحب ابتكارات وبدع فى أصول الدين مثل إلغائه صلاة الجمعة بسبب أنها تزامنت مع يوم عطلة رسمى، أو أن يعلن بدء رمضان حسب الظن دون التقيد بالرؤية الشرعية. يضيف محمد «كل هذه الأمور أدت إلى مواجهة البعض لما يرتكبه من تفريط فى حق الدين وحقنا. هناك أمر آخر يظهر فى مثل تلك المواقف وهو الاتحاد بين المسلمين دون النظر إلى خلفية المذهب سواء كان سنيا أم شيعيا.
فى مثل هذه المواقف نتحد سويا للصالح العام». هذه الملحوظة أدركها أيضا أشرف الشريف موضحا أن فترة رمضان تخفف من روح المذهبية إلى حد كبير، فالجميع يعلم أن أنه إذا فتح الباب لاقتحام الثقافات فى الدين سيتشتت المسلمون.
بعيدا عن الولايات المتحدة يفتقد كل من أشرف الشريف ومحمد عزالدين بعض ما رأوه فى «رمضان الأمريكى» يقول أشرف بعد قضاء ثلاث سنوات فى مصر: «افتقدت من هذه التجربة أن تكون العبادة فردية، لا يجبرنى عليها أحد، كنت أصوم وأصلى وسط أغلبية لا تدرك ما أفعل.وهذا على عكس روح الاستهلاك التى طغت على أشياء كثيرة فى مصر، بدءا من المسلسلات والطعام حتى إنها تسللت إلى العبادة نفسها التى أصبح الاستعراض فيها أحد مظاهر رمضان». بنفس النبرة يكمل محمد عزالدين ما بدأه أشرف متحدثا عن حالة التأمل الروحانية التى وجدها فى أثناء وجوده فى أمريكا فى أثناء رمضان الماضى، يقول: «هناك توافرت لى فرصة التأمل فى عبادة الصيام التى أقوم بها، حين لم يكن الصيام ضمن جماعة». يصمت قليلا ثم يكمل: «فى أمريكا كنت أفتقد صوت الأذان بشدة، لكنى عندما عدت إلى مصر أخيرا صدمت بصخب الميكروفونات، وتعمد تعلية صوت القرآن الصادر من بعض المحال، كلها مظاهر تحيى الحس الجماعى فى العبادة وتقتل متعة تأمل الفرد فى عبادته».
صوم وحجاب بين ثلاث دول
حتى هذه اللحظة لم تتضح معالم الصورة أمام أميرة قطب في مجتمعها الجديد داخل ولاية كاليفورنيا الأمريكية، تقضي الآن أول رمضان لها في الولايات المتحدة التي انتقلت إليها بعد زواجها، أما ذكريات رمضان لثلاث سنوات مضت فكانت في كندا وتحديدا في مدينة كيبيك – داخل الإقليم الفرانكفوني - حيث تدرس الدكتوراه في التنمية الدولية عن "التعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع في مصر". تقول أميرة : "حتى الآن لم تظهر اختلافات كثيرة، الوضع هنا يتشابه مع أداء الجالية المسلمة في كندا، خاصة في ظاهرة الإفطار الجماعي حيث تشارك الأسر بطعامها على الرغم من أن نسبة كبيرة من الطلبة المتواجدين هنا ليسوا مع عائلاتهم". في أول رمضان قضته أميرة في كندا قبل عدة سنوات لم تشعر بأجواء رمضان عدا المظاهر التقليدية التي تنشغل بها الجالية المسلمة كل عام مثل قضاء صلاة التراويح، وتنظيم الإفطار الجماعي، وحضور الدروس في المسجد. إلا أن الأعوام التالية أظهرت جوانب أخرى من المجتمع الكندي، تقول أميرة : "فوجئت في رمضان التالي أن بعض الكنديين غير المسلمين على دراية بحلول شهر رمضان، بل إن بعضهم لفت نظره صيام المسلمين فأصبح يمتنع عن تناول الطعام أمامنا مراعاة لشعورنا، و أكثر من هذا أن بعضهم جاء لحضور الإفطار الجماعي التي تنظمه الجالية للتعرف على هذه العبادة". حسبما تقول أميرة فإن الحديث هنا مع غير المسلمين يحتاج إلى اهتمام فبعض الطلبة سينشرون هذه المعلومات في مجلة الجامعة، وآخرون يطرحون أسئلة عن جدوى الصيام، لذا فالإجابة لا بد أن تكون ذكية دون إلحاح كي لا يعتقد الطرف الآخر أن هناك محاولة لدعوته إلى الإسلام. رمضان في كندا حسب وصف أميرة لا يحمل معه مشاكل كبيرة للمسلم رغم حساسية أهل كيبيك كأقلية ذات أصل فرنسي داخل كندا، قد تظهر مشاكل من نوعية أخرى مثل بعد المسجد عن السكن وقلة المواصلات بعد ساعات متأخرة من الليل، تقول أميرة : "الحقيقة أنني لم أواجه بعنف بسبب ممارسة عباداتي أو حتى بسبب ارتدائي الحجاب، هذا لم يحدث في كندا أو أمريكا، لكنه حدث لي من قبل في فرنسا حين وصفت إحدى النساء في الشارع حجابي بأنه رمز الإرهاب، ولم يكن هذا هو الموقف الوحيد، فأثناء دراستي هناك قبل توجهي إلى كندا طالبتني إحدى الموظفات المسئولات ألا أصلي داخل المعهد وأن أصلي في منزلي وتهكمت على فكرة الإيمان بالله ..! هذا علما بأن بعض الجامعات تتيح قاعات لصلوات المسلمين على مدار اليوم". وسط عالم مليء بالأسئلة عن مظهرك وعبادتك أدركت أميرة قطب أن عليها دورا في الإجابة على هذه الأسئلة، تطوعت لفترة كمترجمة في مواقع تشرح الإسلام باللغة الفرنسية. كما حاولت المشاركة في جمعية الطلبة المسلمين في كندا (مدينة كيبيك) وكذلك من خلال المركز الإسلامي، لكن أحيانا ما كانت تفاجأ بمشاكل داخلية تذكرها : "وجدت جمعية الطلبة تقدم الإسلام المتشدد، أما المركز الإسلامي فكان هناك انقسام بين الجالية بسبب تشدد إمام المسجد، لكن بعيدا عن كل هذا كانت هناك مزايا أخرى مثل عدم الإطالة في صلاة التراويح كما أن بعض المساجد كانت تفتح أبوابها أمام النساء لأداء صلوات التهجد في ساعات متأخرة من الليل أثناء العشر الأواخر من رمضان". بعيدا عن مصر لا تشعر أميرة بافتقادها الشديد لرمضان المصري بل تقول : "أفضّل قضاء رمضان خارج مصر، لأنك حتى أثناء وجودك في مصر ستظل مشغولا بحياتك خارج مصر، كذلك فنسبة التشويش الذهني عالية جدا في مصر بسبب المسلسلات وتحول الصيام إلى عادة اجتماعية بدلا من كونها عبادة روحية.