للتعبير عن كل ما لا يطيقونه، لجأ شباب وسط البلد ما بين العشرين والثلاثين عاما إلى كلمة «كيتش» الألمانية، وصف جديد انتقل من عالم الفن التشكيلى والأدب إلى العامية الدارجة.
الاربعاء 3 يونيو 2009
الاربعاء 3 يونيو 2009
عبدالرحمن مصطفى
حين يقف أحدهم وفى يده وردة بلاستيكية حمراء رديئة الصنع، مرتديا قميصا ذا ذوق سيئ، مع كمية كثيفة من الكريمات اللامعة فوق شعره، ثم يزيد على هذا باستخدام عبارات مستعارة من الأشعار والأفلام القديمة مفتعلا حالة حب يستعرض بها أمام الآخرين، فإن الوصف المناسب لدى الشباب لهذه الحالة بجميع تفاصيلها هو كلمة..
«كيتش». قد تبدو الكلمة غريبة على أسماع الكثيرين حين تذكر للمرة الأولى، إلا أن ذلك لا يمنع أنها اتخذت طريقها بالفعل إلى شريحة وجدت فيها أداة انتقام من الواقع المزيف وتعبيرا مختصرا لحالات المبالغة والابتذال والتزييف بجميع أنواعها.
فالعبارات الرنانة والادعاءات الكبرى والأداء المتكلف، كلها وجوه لكلمة «كيتش»، التى استمدت جذورها الأولى من وصف الفن الردئ بما يحويه من رخص وابتذال وإنتاج سيئ.
«استخدام التيمات الفنية التقليدية، التى نراها فى الأفلام العربية المتكررة واستخدام بعض الشعراء لصفات معينة يصفون بها مصر كبهية أو السيدة السمراء، لرسم صورة ذهنية لا هى واقعية ولا حقيقية هو أصدق تعبير عن الكيتش» هكذا وصف الصحفى والمدون الشاب أحمد ناجى بعض الأمثلة الفنية والأدبية المكررة فى حياتنا، التى لا نجد أحيانا المعنى المعبر عنها.
ورغم أن الموضع المثالى لاستخدام هذه الكلمة هو الكتابات الأدبية والفنية، فإنها انتقلت إلى من هم خارج هذا المجال من فئة القراء المطلعين، بعد أن أعجبوا بالمعنى المختفى وراء هذه الكلمة، الذى يمكنهم من وصف أداء الأشخاص وتصرفاتهم ومبالغاتهم، يكمل أحمد ناجى: «بالإمكان اعتبار هذه الكلمة مجرد موضة، استمرار بقائها لدى بعض الفئات سببه أنها تحولت إلى كلمة بديلة عن ألفاظ أخرى حادة من الصعب استخدامها للتعبير عن الضجر والملل».
يعود أصل كلمة «كيتش» Kitsch إلى اللغة الألمانية، حيث ظهرت فى منتصف القرن التاسع عشر كتعبير عن موجة فنية أنتجت وقتها فنونا رديئة اعتمدت على التقليد والمبالغة.
وانتقلت الكلمة من بلد إلى بلد، ثم اشتهرت مع قراءات خاصة للكلمة من قبل بعض الكتاب، خاصة ذلك التقديم الذى أضافه الأديب التشيكى ميلان كونديرا لملايين القراء حين ركز على وجه آخر لهذه الكلمة، فالكيتش لديه ليس فقط الفن الرخيص كما يظن البعض، بل هو سلوك وموقف وصفة لفئة من البشر ترى نفسها فى الكذب المجمل.
سرعان ما انتقل هذا المعنى إلى مساحة أوسع للتداول على شبكة الإنترنت منذ عدة سنوات، خارج نطاق نخب القراء إلى رواد الشبكات الاجتماعية والمدونات، لتتحول الكلمة إلى طريقة لوصف الكثير من الأفعال والأشياء المحيطة وتقييمها.
وفى تجمع صغير يكاد يكون العربى الوحيد، الذى يتناول «الكيتش» فى حياتنا من بين مئات الآلاف من مجموعات شبكة فيس بوك الاجتماعية، التقى عشرات المشتركين للتعبير عن ضجرهم من مظاهر «الكيتش».
تقول نهال عمران ــ مديرة المجموعة: «الكلمة فى الأساس تعبر عن رؤية فنية لكن استخدامها الآن أصبح يعبر عن كل جميل تم ابتذاله واستهلاكه وتكراره بصورة مملة أفقدته معناه الأصلى، فصورة الثائر جيفارا، التى كانت رمز البطولة أصبحت مجرد ملصق رخيص يتمسح به كل مدعى الثورية، حتى الحب لم يسلم من المظاهر المتكلفة المثيرة للسخرية، تماما مثل المنتجات الرخيصة المقلدة، التى أساءت للمنتجات الأصلية، هذا كله هو الكيتش الذى لا نستسيغه».
ولعل فكرة الكتابة عن «الكيتش» فى حد ذاتها تعتبر نوعا من الكيتش، حين يبدأ الصحفى فى التعرف على آراء الناس حول الكلمة وأصلها وفصلها، من أجل كتابة موضوع يدعى فيه أنه أدرك الحقيقة، وتوصل إلى النتيجة النهائية تحت عنوان مثير، فهذه الحالة نفسها تعتبر نوعا من الكيتش حسب وصف إحدى الشابات، التى رأت فى الحديث عن الكلمة فى موضوع صحفى نوعا من التكلف والمبالغة، فهى ترفض فكرة أن تعامل كنجمة يستطلع رأيها فى الصحافة.
وقد يثير استخدام الكلمة ووصف أحدهم بها مشكلات غير محسوبة، وهو ما دفع صاحبة إحدى المدونات إلى استخدام عبارة واضحة فى صدر مدونتها تقول فيها «هذه المدونة ضارة جدا بصحة كارهى الكيتش»، وذلك كى تمهد لنفسها أن تكتب ما تريد حتى إن اعتبره البعض مبالغ فيه أو... كيتش
يتساءل أحمد ناجى: «ما المشكلة فى أن يوصف أحدهم بأن تعبيراته كيتش؟ من حق أى أحد أن يعبر عن نفسه بأى طريقة حتى إن كانت متكلفة، ومن حق الآخرين أن يقيموه حسب رؤيتهم، فالجدل والاختلاف حول ذلك مطلوب، ولعل الإنترنت تعطى مساحة للتعبير والجرأة لا توجد فى الواقع بهذا الشكل، فقد يحزن أنصار شاعر حين توصف كلماته فى إحدى المدونات بأنها كيتش، ويقيموا الدنيا.. وذلك لأنهم على أرض الواقع لا يواجهون بهذه الآراء أو المعارك كثيرا». لا يخلو الأمر من تنويعات جديدة قدمها بعض الكتاب فى وصف نماذج من أوساط بعينها، ففى كتابها «المبتسرون» تعرضت الكاتبة الراحلة أروى صالح لتعبير «الكيتش النضالى» حين تناولت فكرة انسحاق الفرد داخل حلم «الخلاص الجماعى» بعد أن يقع فى فخ يتصور فيه أنه فى رحلة نضال، بينما الواقع انه أسير مجموعة من الصور والاستعارات والخطابة تتحول حسب رؤيتها إلى كيتش.. فى إشارة منها إلى حالة الزيف، التى تمارسها السلطة على الأفراد عن طريق الوهم النضالى أو الكيتش النضالى حسب تعبيرها.
ولا تخفى نهال أن الكلمة فى كثير من الأحيان ما تكون استعلائية، وأقرب إلى أداة تقييم، لكنها تراها الآن أكثر الكلمات تعبيرا عن التمرد على أشكال الحياة، التى فقدت روحها الأصلية. ثم تضيف: «ليتنا نجد كلمة عربية جامعة تعبر عن هذه الحالة التى تصف نمط الحياة المتكلف والفن الردئ، وذلك رغم أنه أحيانا ما يكون اللجوء إلى تلك الحالة وإلى كلاشيهاتها المكررة محاولة لرفع حالتنا المعنوية وبحث عن الأمان».
وسواء تمثل «الكيتش» فى خطاب سياسى يزيف وعى الناس أو فى منتج ردئ الصنع أو فى فن مبتذل يداعب العواطف البشرية أو حتى كان تكلفا فى القول والفعل.. فمن الواضح أن هذه الكلمة هى الوصف المناسب لهذه الحالة الذى ارتضاه شباب بين العشرين والثلاثين من أعمارهم، وكأنها علامة تحذيرية من التفاعل مع المحتوى الردئ .
حين يقف أحدهم وفى يده وردة بلاستيكية حمراء رديئة الصنع، مرتديا قميصا ذا ذوق سيئ، مع كمية كثيفة من الكريمات اللامعة فوق شعره، ثم يزيد على هذا باستخدام عبارات مستعارة من الأشعار والأفلام القديمة مفتعلا حالة حب يستعرض بها أمام الآخرين، فإن الوصف المناسب لدى الشباب لهذه الحالة بجميع تفاصيلها هو كلمة..
«كيتش». قد تبدو الكلمة غريبة على أسماع الكثيرين حين تذكر للمرة الأولى، إلا أن ذلك لا يمنع أنها اتخذت طريقها بالفعل إلى شريحة وجدت فيها أداة انتقام من الواقع المزيف وتعبيرا مختصرا لحالات المبالغة والابتذال والتزييف بجميع أنواعها.
فالعبارات الرنانة والادعاءات الكبرى والأداء المتكلف، كلها وجوه لكلمة «كيتش»، التى استمدت جذورها الأولى من وصف الفن الردئ بما يحويه من رخص وابتذال وإنتاج سيئ.
«استخدام التيمات الفنية التقليدية، التى نراها فى الأفلام العربية المتكررة واستخدام بعض الشعراء لصفات معينة يصفون بها مصر كبهية أو السيدة السمراء، لرسم صورة ذهنية لا هى واقعية ولا حقيقية هو أصدق تعبير عن الكيتش» هكذا وصف الصحفى والمدون الشاب أحمد ناجى بعض الأمثلة الفنية والأدبية المكررة فى حياتنا، التى لا نجد أحيانا المعنى المعبر عنها.
ورغم أن الموضع المثالى لاستخدام هذه الكلمة هو الكتابات الأدبية والفنية، فإنها انتقلت إلى من هم خارج هذا المجال من فئة القراء المطلعين، بعد أن أعجبوا بالمعنى المختفى وراء هذه الكلمة، الذى يمكنهم من وصف أداء الأشخاص وتصرفاتهم ومبالغاتهم، يكمل أحمد ناجى: «بالإمكان اعتبار هذه الكلمة مجرد موضة، استمرار بقائها لدى بعض الفئات سببه أنها تحولت إلى كلمة بديلة عن ألفاظ أخرى حادة من الصعب استخدامها للتعبير عن الضجر والملل».
يعود أصل كلمة «كيتش» Kitsch إلى اللغة الألمانية، حيث ظهرت فى منتصف القرن التاسع عشر كتعبير عن موجة فنية أنتجت وقتها فنونا رديئة اعتمدت على التقليد والمبالغة.
وانتقلت الكلمة من بلد إلى بلد، ثم اشتهرت مع قراءات خاصة للكلمة من قبل بعض الكتاب، خاصة ذلك التقديم الذى أضافه الأديب التشيكى ميلان كونديرا لملايين القراء حين ركز على وجه آخر لهذه الكلمة، فالكيتش لديه ليس فقط الفن الرخيص كما يظن البعض، بل هو سلوك وموقف وصفة لفئة من البشر ترى نفسها فى الكذب المجمل.
سرعان ما انتقل هذا المعنى إلى مساحة أوسع للتداول على شبكة الإنترنت منذ عدة سنوات، خارج نطاق نخب القراء إلى رواد الشبكات الاجتماعية والمدونات، لتتحول الكلمة إلى طريقة لوصف الكثير من الأفعال والأشياء المحيطة وتقييمها.
وفى تجمع صغير يكاد يكون العربى الوحيد، الذى يتناول «الكيتش» فى حياتنا من بين مئات الآلاف من مجموعات شبكة فيس بوك الاجتماعية، التقى عشرات المشتركين للتعبير عن ضجرهم من مظاهر «الكيتش».
تقول نهال عمران ــ مديرة المجموعة: «الكلمة فى الأساس تعبر عن رؤية فنية لكن استخدامها الآن أصبح يعبر عن كل جميل تم ابتذاله واستهلاكه وتكراره بصورة مملة أفقدته معناه الأصلى، فصورة الثائر جيفارا، التى كانت رمز البطولة أصبحت مجرد ملصق رخيص يتمسح به كل مدعى الثورية، حتى الحب لم يسلم من المظاهر المتكلفة المثيرة للسخرية، تماما مثل المنتجات الرخيصة المقلدة، التى أساءت للمنتجات الأصلية، هذا كله هو الكيتش الذى لا نستسيغه».
ولعل فكرة الكتابة عن «الكيتش» فى حد ذاتها تعتبر نوعا من الكيتش، حين يبدأ الصحفى فى التعرف على آراء الناس حول الكلمة وأصلها وفصلها، من أجل كتابة موضوع يدعى فيه أنه أدرك الحقيقة، وتوصل إلى النتيجة النهائية تحت عنوان مثير، فهذه الحالة نفسها تعتبر نوعا من الكيتش حسب وصف إحدى الشابات، التى رأت فى الحديث عن الكلمة فى موضوع صحفى نوعا من التكلف والمبالغة، فهى ترفض فكرة أن تعامل كنجمة يستطلع رأيها فى الصحافة.
وقد يثير استخدام الكلمة ووصف أحدهم بها مشكلات غير محسوبة، وهو ما دفع صاحبة إحدى المدونات إلى استخدام عبارة واضحة فى صدر مدونتها تقول فيها «هذه المدونة ضارة جدا بصحة كارهى الكيتش»، وذلك كى تمهد لنفسها أن تكتب ما تريد حتى إن اعتبره البعض مبالغ فيه أو... كيتش
يتساءل أحمد ناجى: «ما المشكلة فى أن يوصف أحدهم بأن تعبيراته كيتش؟ من حق أى أحد أن يعبر عن نفسه بأى طريقة حتى إن كانت متكلفة، ومن حق الآخرين أن يقيموه حسب رؤيتهم، فالجدل والاختلاف حول ذلك مطلوب، ولعل الإنترنت تعطى مساحة للتعبير والجرأة لا توجد فى الواقع بهذا الشكل، فقد يحزن أنصار شاعر حين توصف كلماته فى إحدى المدونات بأنها كيتش، ويقيموا الدنيا.. وذلك لأنهم على أرض الواقع لا يواجهون بهذه الآراء أو المعارك كثيرا». لا يخلو الأمر من تنويعات جديدة قدمها بعض الكتاب فى وصف نماذج من أوساط بعينها، ففى كتابها «المبتسرون» تعرضت الكاتبة الراحلة أروى صالح لتعبير «الكيتش النضالى» حين تناولت فكرة انسحاق الفرد داخل حلم «الخلاص الجماعى» بعد أن يقع فى فخ يتصور فيه أنه فى رحلة نضال، بينما الواقع انه أسير مجموعة من الصور والاستعارات والخطابة تتحول حسب رؤيتها إلى كيتش.. فى إشارة منها إلى حالة الزيف، التى تمارسها السلطة على الأفراد عن طريق الوهم النضالى أو الكيتش النضالى حسب تعبيرها.
ولا تخفى نهال أن الكلمة فى كثير من الأحيان ما تكون استعلائية، وأقرب إلى أداة تقييم، لكنها تراها الآن أكثر الكلمات تعبيرا عن التمرد على أشكال الحياة، التى فقدت روحها الأصلية. ثم تضيف: «ليتنا نجد كلمة عربية جامعة تعبر عن هذه الحالة التى تصف نمط الحياة المتكلف والفن الردئ، وذلك رغم أنه أحيانا ما يكون اللجوء إلى تلك الحالة وإلى كلاشيهاتها المكررة محاولة لرفع حالتنا المعنوية وبحث عن الأمان».
وسواء تمثل «الكيتش» فى خطاب سياسى يزيف وعى الناس أو فى منتج ردئ الصنع أو فى فن مبتذل يداعب العواطف البشرية أو حتى كان تكلفا فى القول والفعل.. فمن الواضح أن هذه الكلمة هى الوصف المناسب لهذه الحالة الذى ارتضاه شباب بين العشرين والثلاثين من أعمارهم، وكأنها علامة تحذيرية من التفاعل مع المحتوى الردئ .
No comments:
Post a Comment