- قانون السوق: بين كل موسمين للحصاد هناك موسم غلاء
- أصلحوا حال المزارع ينصلح حال السلعة
- أصلحوا حال المزارع ينصلح حال السلعة
تستيقظ "أم رجب" بعد صلاة الفجر مباشرة كي تستعد لرحلتها اليومية إلى سوق العبور، و تعود من هناك ومعها كل ما تحتاجه من خضروات، أما في بقية اليوم ، فتجلس أمام لافتة متجرها الصغير "الصابح" في الحي التاسع في مدينة نصر حيث تنتظر الزبائن . تشير بيدها إلى أقفاص الطماطم قائلة : "كيلو الطماطم اللي بأبيعه بأربعة جنيه انهارده، كان من شهر بس بجنيه واحد و بأقل من كده كمان .. محدش عارف بعد أسبوعين تلاتة هيبقى بكام ".
في رحلتها الصباحية إلى سوق العبور، تستأجر سيارة (ربع نقل)، ثم تقوم بجولة سريعة بين عنابر الخضار لدراسة أسعار السوق. في الأيام الماضية كان سعر قفص الطماطم يتحرك بين 35 جنيها إلى 80 جنيها، حسب جودة الصنف و ظروف البيع ، علما بأن حمولة القفص الواحد تتراوح بين 18 إلى 20 كيلوجرام . في زيارتها الأخيرة إلى سوق العبور اشترت قفص الطماطم (العداية حسب لغة السوق) بحوالي 40 جنيها . و بحسبة بسيطة قد يظن البعض أن ثمن الكيلوجرام من الطماطم حسب هذه الأسعار سيتكلف جنيهان فقط، فلماذا تبيعه "أم رجب" بأربعة جنيهات ؟ تجيب على ذلك قائلة : "هناك مصاريف لا يراها أحد، مثل أجرة سيارة النقل يوميا، وقيمة تأمين القفص بـ 6 جنيهات ، كما أن التاجر يضيف وزن القفص -حوالي 2 كيلوجرام – إلى الحمولة الاجمالية، كذلك فإن هناك نسبة من الطماطم تفسد يوميا لدى كل بائعي الخضروات، والأهم من كل ذلك هو إيجار المحل الذي يتكلف 1200 جنيه شهريا".
في أسواق الجملة الكبرى مثل سوق 6 أكتوبر أو سوق العبور، أحيانا ما تكون العلاقات المباشرة بين تجار هذه الأسواق و صغار البائعين هي الفيصل، حيث يتم الاتفاق على الطلبيات عبر الهاتف على عكس المجهود اليومي الذي تقوم به "أم رجب". و في طريق مصر/الاسماعيلية الصحراوي حيث يقع سوق العبور لتجارة الخضروات والفاكهة، تبرز شاحنات محمّلة بأقفاص الطماطم قادمة رأسا من المزرعة، تتجه إلى عنابر الخضار حيث تجار الجملة، مهمتهم الوساطة بين المزرعة والأسواق الصغيرة أوالمحلات، لذا يقدم بعض التجار أنفسهم بوصفهم "قوموسيونجي". وفي داخل أحد العنابر الكبرى، وقف المعلم أبوعلي فرغلي جوار شاحنة كبيرة تبلغ حمولتها 240 قفص طماطم .. في انتظار البيع. هناك وسيلة شهيرة للبيع وهي المزاد، خاصة في المواسم الشحيحة، حين ينتظر التاجر تجمع المشترين حول شاحنة الطماطم القادمة من المزرعة، ثم يبيع لأعلى سعر. أما في حالة المعلم أبوعلي فرغلي فقد جلس إلى جوار ابنه جلال على دكة خشبية محاولا بيع "حمولة الطماطم" بهدوء ، منتظرا الزبون المناسب .. وهناك بين أغلب التجار كلمتان خفيفتان على لسان كل تاجر منهم، يرددونها كل حين : "السوق عرض وطلب، ماينفعش حد يتحكم في الأسعار، خصوصا مع الطماطم".
تتم زراعة الطماطم على مدار السنة، في مناطق مختلفة من الجمهورية، وفي أثناء الفترات الفارغة بين كل فترة حصاد يقل المعروض تدريجيا في السوق، وبالتالي تزيد الأسعار. هذا بعيدا عن لعبة التجارة نفسها التي قد يحدث فيها تذبذب في الأسعار على مدار اليوم الواحد : "في يوم بعت القفص بسعر 65 جنيه ، وبقية البضاعة بعتها آخر النهار على 45 جنيه". هكذا يحاول كل من جلال ووالده أبوعلي فرغلي تشبيه عملية التجارة في سوق العبور على أنها أشبه بالبورصة أو المقامرة .
وبسبب تقلبات السوق، يعمل كثير من التجار على تأمين أنفسهم مبكرا، بأن يدفعوا أموالا للمزارعين قبل زراعة الطماطم، بل و يضخوا أموالا في شكل أقساط للمزارع الذي يحتاج هذه الأموال للإنفاق على الأرض الزراعية و على أسرته، وبهذه الطريقة يضمن تاجر الجملة أن يحصل على المحصول بسهولة في وقت الحصاد، وكأنه شريك في الأرض. "كل ذلك حتى نضمن أن نحصل على الطماطم، بدلا من أن نجدها في أسواق الشلايش (السوق السوداء) غير الرسمية، لذا فإن من يتحدث عن تثبيت الأسعار يبتعد عن الواقع، وأي محاولة في هذا الاتجاه ستفتح سوقا سوداء للمزارعين تقضي على أسواق الجملة، الوضع السليم أن نترك السوق يحدد الأسعار حسب العرض والطلب" . يختم جلال أبوعلي تاجر الجملة في سوق العبور بتلك العبارة.
من المنتظر في الأيام القادمة أن تطرح أسواق بني سويف والجيزة ومناطق متفرقة في غرب الدلتا كميات من الطماطم مع بدء موسم حصادها، أما في الأسابيع الماضية فكانت هناك مناطق أخرى هي التي تمد الأسواق بحصادها، منها أراضي وادي النطرون المجاورة لطريق مصر/الاسكندرية الصحراوي.
وبصورة عامة ، تبلغ المساحة المزروعة بالطماطم في مصر سنويا حوالي 550-600 ألف فدان ، تنتج حوالي 10 مليون طن سنويا، وذلك حسب أرقام مركز البحوث الزراعية، التابع لوزارة الزراعة . على مسافة نصف ساعة بالسيارة من مدخل مدينة وادي النطرون، تتوزع حقول الموالح والفاكهة، إلى جانب الطماطم، أما محصول الطماطم قد تم بيع أغلبه في الأسابيع الماضية، عدا مساحات ضئيلة مازالت تنتظر الحصاد، ومن المتوقع أن يحصل أصحاب هذه المساحات الضئيلة المتبقية على مقابل جيد، بعد أن قلَّ ضخ الطماطم في الأسواق الكبرى .
"المسألة حظ، و أشبه بالقمار" حسبما يصف السائق الذي يقودنا إلى مزرعة المعلم علاء هاشم ذي الجذور الصعيدية، الذي كان يجلس في غرفة حجرية مع عدد من العمال الزراعيين المقيمين معه في الأرض، وبدأ في الحديث قائلا: "بإمكاننا أن نزرع الأرض في ثلاث تواريخ هي أول يونيو، أو أول يوليو، أو في منتصف يوليو تقريبا، وبالتالي سيختلف موعد حصاد أصحاب المزارع، وأيضا سينعكس ذلك على الكمية المطروحة في سوق الجملة، وهو ما سيؤثر على تجار التجزئة، ثم المستهلك العادي". في هذه الأرض الصحراوية يستأجر كثيرون مثل المعلم علاء أراض هنا ويزرعونها، وهناك من حقق أرباحا خيالية، وهناك من أصابته لوثة بعد أن فسد محصوله ولم يستطع بيعه بعد أن أصيبت الطماطم بداء قضى على أغلبها، وفي مثل هذه الحالات حين يفسد جزء كبير من محصول الطماطم في منطقة، فإن الفرقة الناجية من المزارعين هي التي تحقق أكبر الأرباح.
في وادي النطرون على بعد أكثر من 90 كيلو متر من القاهرة يمر المعلم علاء هاشم بين الحقول المجاورة، لمزرعته، حيث مازال البعض لم يجن ثمار الطماطم بعد، فهل سيحقق هؤلاء أرباحا أكثر من التي حققها هو في الأسابيع الماضية أثناء فترة رواج الطماطم؟ يجيب علاء هاشم سريعا :" من يضمن ذلك !؟ قد يتزامن ذلك مع نضج محصول في منطقة أخرى مثل العامرية، ما سيقلل من فرص هؤلاء.. لا شيء مضمون" . يصمت قليلا ثم يردد مثلا شهيرا يعرفه أغلب المزارعين :"حـُسن السوق ، ولا حــُسن البضاعة".
يخرج المعلم علاء من جيبه فواتير يعود تاريخها إلى أول الشهر الماضي، وتكشف فاتورتان لعمليتي بيع في نفس اليوم، أنه باع لتاجر في سوق الجملة في مدينة 6أكتوبر 40 قفص طماطم بسعر 10 جنيهات للقفص الواحد، وفي اليوم نفسه أيضا باع بقية الكمية لتاجر آخر بسعر 17 جنيه للقفص الواحد، هذا عدا نسبة العمولة التي تصل إلى 10% من المبلغ، في حين كان متوسط التسعيرة المعلنة على موقع سوق العبور على الانترنت هو 25 جنيها، "الأسعار تتبدل في نفس اليوم، وتختلف من تاجر لآخر .. نصيب" هكذا يختم المزارع الصعيدي.
قد تختلف الأسعار بين الأسواق الكبرى مثل السادس من أكتوبر وسوق العبور، كذلك قد يتباين سعر نقل المحصول حسب طول المسافة، أما الأهم فهو ما يتكلفه المزارع من مصاريف أثناء عملية الزراعة، "يتكلف الفدان أثناء الزراعة على الأقل 10 ألاف جنيه في الموسم". حسبما أكد عدد من المزارعين، لكن تتلخص رحلة الطماطم في حظ المزارع أثناء عملية البيع، وذكاء تاجر الجملة كوسيط، و نشاط تاجر التجزئة في البحث عن السعر الأفضل، أما الزبون العادي فليس أمامه سوى الشراء دون مقاومة.
No comments:
Post a Comment