Tuesday, July 23, 2013

رمضان 2013 .. صلوات في رحاب السياسة

 إمام أسد بن الفرات : احذروا من سقوط المساجد في قبضة السياسة
 كتب - عبدالرحمن مصطفى
ما أن ينه الدكتور أحمد عبدالرحيم إمام وخطيب مسجد أسد بن الفرات صلاة التراويح، حتى ينتقل بعدها إلى غرفته للقاء بعض رواد المسجد وزواره، وفي أوقات كثيرة كان يتزامن ذلك مع فعاليات خارج المسجد في شارع التحرير بالدقي لدعم الرئيس السابق محمد مرسي، سواء كانت بتوزيع المنشورات أو بخروج مسيرات معادية للسلطة الحالية. تلك الأجواء ليست غريبة على المسجد، إذ كان أشبه بمنصة اطلاق مسيرات ومظاهرات على مدار أكثر من عامين ، كما كان معقلا للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وأتباعه. يشرح الدكتور أحمد عبدالرحيم وضعية هذا المسجد الذي عمل في إمامته قبل خمس سنوات قائلا: "كان هذا المسجد من أهم مساجد وزارة الأوقاف بالجيزة، حين كانت تقام فيه الندوات والمؤتمرات لسنوات طويلة قبل أن يفد عليه الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل في العام 2011، فأصبح المسجد يستضيف دروسه الأسبوعية وندواته ومؤتمراته لساعات طويلة، وقد أخبرت بعض أتباعه في فترة مبكرة أن ما يقومون به غير منضبط من الناحية الشرعية، لكن المسجد كان يتم أسره في مناسبات محددة، من جمهور الشيخ حازم". رغم هدوء الأجواء داخل المسجد في شهر رمضان حاليا، إلا أن ذلك لم يمنع في وقت من الأوقات أن يمر بعض معتصمي جامعة القاهرة على المسجد الشهير للصلاة، و لوم الإمام على انه لم يدعو على السلطة الحالية ، أو الدعاء للرئيس السابق محمد مرسي، يقول الشيخ أحمد عبدالرحيم متابعا: "في الحقيقة أنا أقدر الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ، و أقدر مريديه، وتجمعني صلة طيبة بهم جميعا، والحقيقة أنهم كانوا يستأذنون قبل أي فعالية يقيمونها هنا في المسجد". يصمت قليلا ثم يضيف مبتسما: "كان استئذانا في صيغة إخطار".
ما عاناه إمام مسجد أسد بن الفرات من ارتباط سمعة المسجد بفصيل محدد هو أتباع الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ، ليس حالة فريدة، إذ يرى الدكتور أحمد عبدالرحيم أن إمام المسجد ليس في سلطته فرض إجراءات تنظيمية على أحد، خاصة أن سياسة الدولة في فترة من الفترات قد أعلت من شأن أئمة سلفيون ومن جماعة الاخوان ورفعتهم فوق منابر مساجد تاريخية، أما في فترة تولي الرئيس السابق محمد مرسي، فقد كان الضغط يزيد على بعض الأئمة المستقلين من أجل الترويج لبعض المواقف السياسية التي يتبناها تيار الاسلامي السياسي، وبعيدا عن تجربة مسجد أسد بن الفرات ، فإن أئمة آخرين كانوا متوافقين مع تيار الاسلام السياسي، وتأثرت المساجد التي يؤمونها بهذا الأمر، و من أشهر هذه الحالات، ما حدث في مسجد الفتح في ميدان رمسيس بالقاهرة، حيث أعلن إمام المسجد موقفه المتضامن في اعتصام رابعة العدوية الشهير ، ما جعل مسجد الفتح في مرمى نيران الاشتباكات التي وقعت مؤخرا، بعد لجوء أنصار الرئيس مرسي إلى هذا المسجد تحديدا في عدة فعاليات .
أما في مسجد أسد بن الفرات فلم يزول القلق تماما من ذهن إمام المسجد ، فقد مر بتجارب تعرض في إحداها للتضييق المباشر من صعود المنبر على يد أنصار الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل ، كما تعرض للتعنيف في مواقف أخرى، و يزيد على ذلك قائلا: "المشكلة الأسوأ أن سمعة إمام الأوقاف لدى شريحة من الناس أنه إمام الحكومة ، وهذا للأسف أمر له جذور حقيقية ، بسبب تبعية الأئمة لوزارة الأوقاف التي تتبدل سياساتها مع تبدل الحكومات المختلفة، هذا إلى جانب تحريض بعض المشايخ من تيارات أخرى على الأزهر الشريف، وكل ذلك يضعف موقف الإمام في مواجهة الجمهور" . بعد عمله 16 سنة قضاها الشيخ أحمد عبدالرحيم إماما بالأوقاف المصرية، كان من المتوقع أن يفقد منصبه في قرار لتغيير أئمة المساجد الكبرى في حكومة هشام قنديل السابقة،من أجل ضمان انحياز المساجد للرئيس السابق محمد مرسي، لكن الأحداث المتلاحقة أبقت الأوضاع كما هي حتى حين، ليقضي إمام أسد بن الفرات هدنة مع رواد المسجد في شهر رمضان.
 **
هموم الدعوة و الداعية
 " كان أكبر خوفنا هو أن تتحول المساجد إلى منابر للأحزاب والسياسة ، و أن يتم تهميش دور إمام المسجد تحت سطوة التيارات الدينية المختلفة"  . يتحدث الشيخ قرشي سلامة الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف بمحافظة قنا عن حالة الدعوة والداعية في فترة تولي الرئيس السابق محمد مرسي ، حين تم تصعيد أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين إلى مناصب هامة في وزارة الأوقاف، وهو ما بدأ في التأثير على الحياة اليومية لبعض الإمام والخطباء التابعين للوزارة ، يعلق الشيخ قرشي سلامة الذي عمل في الأوقاف قبل أكثر من 20 سنة قائلا: "هناك من ينصاع أمام النظام الجديد ، على طريقة مات الملك ، عاش الملك ، سواء كانت القيادات من الحزب الوطني في عهد مبارك أو من الاخوان المسلمين في عهد مرسي ، لذا فإن استبدال قيادات الأوقاف لحساب تيار معين يعني بالضرورة تغيير معالم الامامة والدعوة بشكل كامل ، فالإمام و الخطيب يعملان وفق توجهات الوزارة، وهذا وضع لابد أن ينته " . هنا تبرز أزمة يدركها أئمة ناشطون مثل الشيخ قرشي سلامة الناشط في حركة "أئمة بلا قيود" ، إذ تتلخص الأزمة الحالية في كيفية التعامل مع المساجد التي خضعت لسيطرة تيارات دينية ، و كيفية تحقيق استقلال الدعوة في المساجد عن السياسة.
هذه التفاصيل تخفي وراءها هموم أثقل وعلى رأسها أنه لا يوجد قانون ينظم عمل الأئمة والوعاظ ، وحين جرت محاولة مبكرة بعد ثورة 25 يناير لتدشين نقابة الأئمة والدعاة (المستقلة) المشهرة في العام 2011، ظهر مشروع مضاد في فترة الرئيس السابق مرسي ممثلا في نقابة الدعاة المصرية التي احتضنها جامع الفتح برمسيس في القاهرة، وكان المشرفون على هذا المشروع مسؤولون ينتمون إلى جماعة الاخوان المسلمين، لذا فإن كل ما ينتظره الأئمة الناشطين الآن هو إعادة ترتيب الأوراق من جديد.
بعيدا عن المشاكل الادارية و التنظيمية هناك أمور ذات صلة بعقيدة الامام ، إذ يقدم أغلب خريجي الأزهر الشريف أنفسهم كأصحاب المنهج الوسطي الذي يؤهلهم في العمل بالدعوة والإمامة في المساجد المصرية، بحيث يكونوا على مسافة واحدة من كافة التيارات الدينية الأخرى ، هذه القناعة هي التي دفعت بعضهم إلى الالتفات منذ بدء ثورة 25 يناير إلى تأسيس كيانات تهدف إلى استقلال الأزهر الشريف، و ألا يتحول إلى صوت للسلطة ، يقول عبدالغني هندي منسق الحركة الشعبية لاستقلال الأزهر: "يمكن تسييس الدعوة في وزارة الأوقاف بعدد بسيط من المسؤولين، فهي تحكمها اللوائح الداخلية والمنشورات والعلاقات المباشرة ، على عكس وزارات أخرى تحكمها قوانين واضحة، وقد ظهرت في الفترة الماضية بالفعل محاولات لتشويه منهج الأزهر، وتدمير استقلاليته الفكرية النابعة من مصر". كانت الفترة الماضية في عهد الرئيس السابق مرسي قد شهدت ضغطا على الأئمة والدعاة الناشطين من العاملين في وزارة الأوقاف ، وذلك في مواجهة محاولات لتغيير فكر الأئمة ، من أشهرها كانت الحادثة الشهيرة التي جرت في يونيو الماضي أثناء دورة تدريبية حاضر فيها الدكتور صفوت حجازي المحسوب على جماعة الاخوان المسلمين وشخصيات أخرى ، شنت هجوما على المنهج الأزهري في الدعوة، واكتملت الصورة بعد أن ظهرت نفس هذه الشخصيات فيما بعد في ميدان رابعة العدوية بعد عزل الرئيس السابق مرسي و أعلنوا عداءهم لمؤسسة الأزهر .  هنا تتحرك مجموعات وائتلافات داعمة لاستقلال الأزهر ترى أن "الأزهري"  بحكم تكوينه العلمي هو أبعد الناس عن الاستقطاب الديني. 
 **
درس الفجر .. ملجأ من اعتزلوا الفتنة
يبدأ الشيخ مسعد أنور درسه الأسبوعي بعد صلاة الفجر بدقائق قليلة، أمام العشرات من رواد مسجد أبوبكر الصديق في منطقة الوايلي الكبير بشارع بورسعيد، بعضهم اعتاد حضور دروسه منذ سنوات، وآخرون ازداد ارتباطهم به من خلال برنامجه على قناة الرحمة الاسلامية التي أغلقت مؤخرا. وتزامن البدء في جدول دروس الفجر في رمضان مع أوقات عصيبة ألقت بظلالها على حالة المسجد ذي الطابع السلفي ، يقول الشيخ مسعد الشيمي الذي أشرف مؤخرا على إعادة بناء المسجد ليكون مركزا إسلاميا ضخما: "بدأ رمضان و هناك شريحة من أبناء هذا المسجد قد اختاروا المكوث في اعتصامي رابعة العدوية و جامعة القاهرة، لكن هناك من اعتزل فتنة السياسة وأتى هنا للعبادة وطلب العلم". ينسق الشيخ مسعد الشيمي مع الداعية مسعد أنور كافة شؤون الدعوة في المسجد الذي نال سمعته منذ منتصف التسعينات ، إذ كان حاضرا طوال الوقت لابعاد المسجد عن السياسة قدر الامكان، خاصة مع وجود سياسات جهاز أمن الدولة القديم قبل الثورة. ورغم الضغوط التي يتعرض لها الملتحون أحيانا مع ازدياد حدة الاشتباكات السياسية بين الاسلاميين وغيرهم ، فإن الأمر هنا يختلف حسبما يصف الشيخ مسعد الشيمي، إذ أن الحضور القديم لبعض العائلات التي ينتمي إليها السلفيون، كثيرا ما يضبط شكل العلاقات بين كافة الأطراف.
أما في درس الفجر ، فقد جاء من حضروا من المناطق المجاورة في حي الوايلي والزاوية الحمراء، يستأنسون بشيوخ مثل مسعد أنور وأيمن صيدح، و من يرونهم على الفضائيات و يعرفونهم في هذا المسجد منذ سنوات، وهي أجواء يرحب بها أهل السهر، الذين اختاروا قضاء وقت مفيد في صلاة الفجر وحضور درس ديني بعدها .
لكن تظل الشريحة الأهم من رواد هذا المسجد هم الشباب السلفي الحريص على ارتياد المسجد طوال العام ، حيث يلم أغلبهم بالعلم الشرعي، ما يعطي ثقلا لوجودهم في المناقشات الدينية، وداخل الأنشطة المختلفة بالمسجد، أحد الشباب ذكر بعد انتهاء الدرس أن امثال الشيخ مسعد أنور هم من يكسرون الصورة النمطية التي يصنعها الاعلام عن الملتحي وكأنه إرهابي. وبينما انشغل جزء من هذ الشريحة الشابة بالسياسة، مكث بقيتهم في المسجد معتزلين للفتنة على حد قول أحمد جمال الشاب الملتحي، الذي لم يتكف بدرس الفجر ، بل قضى وقتا بعدها في قراءة القرآن حتى طلوع الشمس، يقول: "بعضنا اختاروا اعتزال الفتنة ، أنا عن نفسي لا أستطيع قبول فكرة أن أتحول إلى قاتلا أو قتيلا في مثل هذه الاشتباكات، لكني في نفس الوقت أقدر قرار من اختاروا الانخراط في مسيرات واعتصامات طوال الاسابيع الماضية". لم تفرِّق السياسة بين أحمد جمال المواظب على ارتياد المسجد وبين زملائه الذين انخرطوا في اعتصام رابعة العدوية منذ بدايته، لكن غاية طموحه الآن هو أن يجدهم إلى جواره قريبا في صلوات التراويح و في دروس الفجر، ويقول: "ليست المرة الأولى التي تقع فيها مشاكل بسبب السياسة ، لكن أقسم بالله أن كل ذلك يزول حين يجد المتنازعان كليهما في نفس المسجد يؤديان صلاة واحدة".
تجسد قصة هذا المسجد صعود التيار السلفي منذ التسعينات متزامنا مع بروز شيوخ مثل محمد حسان ، وأبو اسحق الحويني ، ومحمد حسين يعقوب ، وغيرهم ، فالمسجد يرجع عمره إلى عشرات السنوات حين كان معروفا باسم "جامع الماحي" على اسم مؤسسه ، ويروي الشيخ مسعد الشيمي أنه تعاون بنفسه مع الشباب في منتصف التسعينات لازاحة الاخوان المسلمين وبقايا المتصوفة من المسجد و إضفاء الطابع السلفي على الشعائر، وأصبح الاسم الرسمي للمسجد هو أبو بكر الصديق، ويعود الشيخ مسعد الشيمي معلقا: "الحقيقة أن انغماس بعض الشباب والمشايخ في عالم السياسة ، أفقدنا الكثير، وشغل البعض عن العبادة وطلب العلم ". حتى الآن  لا تتضح صورة المستقبل أمام رواد المسجد ، ولا يعلمون إذا ما كانت السياسة ستعود إلى المساجد مع عودة من خاضوا تجربة الاعتصام والاشتباك في الفترة الماضية داخل ميداني رابعة ونهضة مصر. الأمر الوحيد المؤكد هنا، هو أن برنامج دروس الفجر سينتقل بعد رمضان بنفس ترتيبه ليصبح بعد صلاة العشاء، أما عدا ذلك .. فلا أحد يرى تصورا للمستقبل.
 **
التراويح في رحاب رابعة العدوية
 المشهد لا يتواءم مع ذكرى السيدة رابعة العدوية، فهي نفسها من قالت في القرن الثاني الهجري: راحتي يا إخوتي في خلوتي ، أما الآن فيحيط أنصار الرئيس السابق  محمد مرسي بمسجد رابعة العدوية في مدينة نصر ، حيث تختفي الخلوة ، وتزول الراحة . فالمتوجه إلى صلاة التراويح في اعتصام رابعة العدوية، سيواجه طرقا تضيق بالمصلين في شارع الأتوستراد، حيث تتوزع عربات الباعة الجائلين و خيام المعتصمين على جانبي الشارع ، وبين هؤلاء جميعا يمر الوافدون على الاعتصام، و هم يتلون عبارات السخط على السلطة الحالية، وبين الحين والآخر يتلقون نفس النداء في أثناء صلاة التراويح ، "الصوت يا جماعة ، الناس بتصلي". فيصمت المارة وسط طرقات بلا إنارة منذ عدة أيام، وحين يكتشف الوافدون على الاعتصام أن الطرق مزدحمة بشكل لن يسمح لهم بالصلاة، يعودون من نفس الطريق بحثا عن مساحات أخرى أكثر اتساعا .
في أثناء البحث عن موضع قدم في طرق أغلقتها الخيام و عربات الباعة الجائلين، يجلس بعض الشباب بين المصلين و قد اختاروا مهمة مختلفة، حيث يوجهون شعاع الليزر الأخضر لبعض العساكر المناوبين فوق أحد المباني العسكرية المجاورة، وكذلك يفعلون مع بقية المباني السكنية المجاورة خشية وجود قناصة . و كلما اقترب الزائر من مسجد رابعة العدوية نفسه ، يزيد الزحام ، حتى وصل ببعض المعتصمين أن أقاموا شعائرهم في مداخل العمارات، أما في داخل مسجد رابعة العدوية نفسه، فالصلاة مقصورة على السيدات . في أوقات التصعيد ، حين تخرج المسيرات من الميدان في اتجاه الحرس الجمهوري أو إلى رمسيس مثلما حدث في يوم الاثنين 17 يوليو الماضي، يكون الإجراء كالتالي : تعلن المنصة في استراحة صلاة التراويح عن مسيرات تهدف إلى التصعيد، وفي تلك اللحظات يمر المتحمسون وسط المصلين في طوابير طويلة، وكلما مرت طائرة عسكرية لمراقبة الاعتصام، تبدأ الهتافات، ويتصدى لها المعتصمون بنفس الرد الشهير "الصوت يا جماعة ، الناس بتصلي" .
 PDF

No comments:

Post a Comment