Wednesday, March 30, 2011

الإعلام الجديد بعد الثورة .. اشتباك مع واقع مختلف



حين وجه الإعلامى الأمريكى وولف بليتزر سؤاله إلى الناشط المصرى وائل غنيم قائلا: «ماذا بعد تونس ومصر ؟!»، كانت الإجابة تلقائيا: «اسأل الفيس بوك». ثم أضاف غنيم: «أتمنى فى يوم من الأيام أن ألتقى مارك زوكربيرج ــ مؤسس شبكة فيسبوك الاجتماعية ــ كى أشكره بشدة». هذا الحوار جرى بعد ساعات من إعلان الرئيس السابق مبارك تخليه عن السلطة، لتظهر بعدها أسئلة أخرى عن دور الإعلام الجديد فى ثورة 25 يناير وكيف غيرت الثورة ملامح مواقع مثل (فيس بوك، تويتر، المدونات) لدى المستخدمين المصريين.

قبل 25 يناير لم يكن من الرائج وجود تعليق على شبكة الإنترنت موجها إلى القوات المسلحة المصرية من نوعية: «إيه البطء الممل ده؟.. كده أتوقع ثورة أخرى لإنقاذ الثورة»، هذا التعليق ليس سوى واحد من آلاف التعليقات التى تتلقاها صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على شبكة فيس بوك، ولم يعد أمام القوات المسلحة إلا الرضوخ لقواعد الإنترنت الحرة والصبر على التعليقات الغاضبة، فى السنوات الماضية كان حضور القوات المسلحة المصرية منحصرا على موقع بسيط باللغة الإنجليزية، وبعض فيديوهات الصاعقة المنتشرة على الإنترنت.. لم يعد غريبا الآن أن يكتب أحدهم على صفحة مجلس الوزراء على الفيس بوك تعليقا مثل: «لازم تبينوا كرامة عشان صورتكم تبقى حلوة أمام الشعب العظيم»، إذ تمر التعليقات ويتم التعامل معها بصبر، على عكس القطيعة، التى كانت بين الجهات الحكومية والشباب على الإنترنت فى السنوات الماضية. يرى الدكتور محمود خليل ــ أستاذ الصحافة بكلية الإعلام فى جامعة القاهرة ــ أن النظام الماضى كان يتعامل بقدر كبير من الجهل بأدوات الإعلام الجديد على الانترنت، ويعلق قائلا: «كان هناك نوع من الجهل بمفاهيم سياسية حديثة نتجت عن التقاء عالم الإنترنت والسياسة مثل مفهوم الديمقراطية الإلكترونية، بل كان يتم تهميش المجموعات السياسية، التى وجدت لها مساحة فى فضاء الإنترنت». هذه الخطوة من الجهات الحكومية للوجود فى مواقع على الإنترنت ذات سمعة «شبابية» أصابها بعض الارتباك إذ أصدرت نفس هذه الجهات (المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورئاسة مجلس الوزراء) توضيحات تؤكد على وجود صفحات أخرى شبيهة (غير رسمية) يجب الحذر فى التعامل معها. هذا الارتباك داخل مواقع التدوين والشبكات الاجتماعية رسم ملامح جديدة لهذه المواقع، فبعدما كانت الأضواء مسلطة على شباب لمعوا من خلال الانترنت بسبب نشاطهم السياسى أو بسبب كتاباتهم فى مدوناتهم على مدار السنوات الماضية، أصبحت هناك قواعد جديدة ناتجة عن التعطش لمقال رصين لشاب من شباب التحرير، ولم يعد اسم الكاتب أهم من المضمون السياسى داخل شبكة مثل الفيس بوك، بل ظهرت مفاجآت أخرى لفئات ظهرت بشكل مختلف تماما مثل الشرطة التى أصبح هناك من يمثلها فى ثوب إصلاحى مثل «ضباط ضد الفساد» أو «ضباط شرطة ضد الفساد». وبعد صعود شريحة السلفيين على الساحة السياسية مؤخرا، بدأت حالة من الوجود السلفى فى مواقع لم يكونوا عليها بالكثافة نفسها مثل شبكة فيسبوك الاجتماعية. يحذر الناشط الحقوقى والمدون ــ علاء عبدالفتاح ــ من خداع الفيس بوك لمستخدميه قائلا: «فى النهاية أنت ترى ما يتم تبادله بين دائرة أصدقائك على الموقع من مقالات وفيديوهات، وليس بالضرورة أن يعبر عن ظاهرة حقيقية شاملة لدى مستخدمى الفيس بوك.. فعلى سبيل المثال كانت فترة اعتصام التحرير فرصة للتعرف على شباب سلفى هناك، وبعضهم أضاف أصدقاء جددا فى الفيس بوك، وبالتالى انضم إلى دوائر أخرى جديدة بعيدا عن التجمعات السلفية التقليدية على الإنترنت، لكن هذا لا يمثل ظاهرة حقيقية، خاصة أن أغلبهم من مستوى ثقافى معين». يرى علاء عبدالفتاح أن طبيعة التجمعات السلفية على الإنترنت ذات طابع خاص مرتبط بمرجعية الشيخ وقائمة على التحزب والتحفظ لحماية العقيدة، وهو ما يناسب المنتديات الإلكترونية، حيث الرقابة الصارمة، مما يؤكد فكرته حول عدم وجود هجرة حقيقية للسلفيين نحو أدوات الإعلام الجديد.


ملامح أخرى

من ضمن الملامح الجديدة لعالم الإعلام الجديد هو ظهور وجوه قديمة بشكل جديد، مثل الفنانين والإعلاميين حين يتحول إلى مادة للتندر ــ الفنانة عفاف شعيب نموذجا ــ بسبب تصريحات أدلى بها أثناء الثورة، أو أن يتم تبادل مقالات كتبها سيناريست ومخرج مثل محمد دياب على شبكة الفيس بوك فى موقف لم يكن ليحدث لولا موقفه الداعم للثورة. يتوقع الدكتور محمود خليل ــ أستاذ الإعلام ــ فى الفترة المقبلة أن ينعكس الواقع السياسى بشدة على الإعلام الجديد، إذ يقول: «أصبحنا نسأل الآن هل أنت مع النظام القديم أم الجديد..؟ مع الاستقرار أم التغيير؟ هذه الروح ستنعكس على الإعلام الجديد، أتوقع أن يحدث ما نسميه بتفكيك الحشد، خاصة أننا مقدمون على مرحلة ستدخل إليها قوى سياسية جديدة فى حاجة إلى أدوات إعلامية رخيصة توافرها الإنترنت». هذا الزحام أحيانا ما يصاحبه تضارب فى المعلومات، وهو ما حدث مع صفحات كبرى على شبكة فيس بوك وموقع تويتر لتدوين الرسائل القصيرة، كانت لها مصداقية عالية أثناء فاعليات الثورة مثل شبكة رصد الإخبارية، التى تعرضت للتشكيك بعد بثها أخبارا عن وقوع حوادث فى مواقع محددة، ونفى أعضاء الصفحة حدوثها، كما اتهمها آخرون بأن وراء الصفحة مصالح إخوانية، وهو ما اضطرها إلى الإعلان عن هوية مديريها وأماكن وجودهم ومهنة كل واحد منهم من أجل استعادة مصداقيتها.

هذه الأجواء القلقة تزداد مع الحوادث الكبرى أيضا، مثلما حدث مع موجة الهوس بتسريبات وثائق جهاز أمن الدولة السابق بعد اقتحام مقاره وظهور عدة صفحات تعرض بعض هذه الوثائق.. لكن عدم القدرة على التأكد من صحة الوثائق ومصدرها الحقيقى دفع البعض إلى التشكك فى صحة بعضها، بينما واجه آخرون ذلك بالسخرية، إذ زيّف أحدهم وثيقة تثبت أن مصر اختارت «شيبسى» بطعم الملوخية وليس الجمبرى فى إشارة إلى الإعلان الشهير، وذلك لمجرد التأكيد على إمكانية تزييف أى وثيقة على الإنترنت ونسبها إلى أى جهة. يقول الدكتور محمود خليل: «ما زلنا فى البداية وفى ضوء أننا بلد ما زال لم يصك قانونا لتداول المعلومات سنظل نعمل بعيدا عن الاحترافية»، ويزيد غياب الاحترافية حسب رأى الدكتور محمود خليل بسبب طبيعة أدوات الإعلام الجديد نفسها وصعوبة السيطرة على انتشار المعلومة أو مراجعتها بسهولة. ويرى علاء عبدالفتاح أن خطورة انتشار معلومات مغلوطة على شبكة الفيس بوك ــ تحديدا ــ هو أنها تصل إلى العضو عن طريق شبكة علاقاته مما يعطيها بعض المصداقية خاصة مع تكرارها على عكس المدونات قديما حين كان المجال مفتوحا للمراجعة من الزوار والمدونين الآخرين، ويقول: «فى الجزء الأول من أحداث الثورة كنت خارج مصر ورأيت كيف أن بعض المصريين فى الخارج قد ساهموا فى نشر بعض الشائعات مثل الهجوم على مدينة الرحاب من البلطجية، ووصل الخبر إلى مصر وانتشر رغم عدم مصداقيته، وهذه الحالة من الشائعات لم تظهر فى السنوات الأخيرة بهذا الشكل سوى وقت صراع مصر والجزائر حين تم بث كليبات مزيفة من البلدين للتحريض على الكراهية».

بعيدا عن هذه الأجواء القلقة يستعير البعض اللمحة الفكاهية، التى ارتبطت بثورة 25 يناير فى صفحات على الفيس بوك يسخرون فيها على كل تطور يطرأ على الأحداث، إحدى هذه الصفحات انطلقت من خلفية حضور البلطجية فى الأحداث مؤخرا، ودشن مؤسسوها «الصفحة الرسمية للبلطجية فى مصر»، وأصبحت مهمة أكثر من 30 ألف عضو هى تقمص شخصية البلطجى والتهكم على ما يدور حولهم من أحداث تخفيفا لقلقهم، يمر أحد الأعضاء قائلا: «عايز أسأل سؤالا.. الناس اللى مشتركة هنا مكتفية بالهزار والضحك ومش بتشارك فى أى خطوة من خطوات إصلاح البلد؟» فيأتى الرد من مدير الصفحة: «إحنا بنتكلم جد جدا بس بأسلوب ساخر، اتكلمنا عن التعديلات الدستورية، اتكلمنا عن اللى بيحصل فى الإعلام، واتكلمنا عن الطائفية». بعض أعضاء الصفحة لهم اهتمامات سياسية حقيقية لكنهم يتابعون الصفحة وصفحات أخرى شبيهة كجزء من المشهد، الذى فرضته ثورة 25 يناير على الإنترنت والإعلام الجديد.

Saturday, March 26, 2011

أحزاب 25 يناير: لا للحزب الوطنى ولا للمشاهير

من ميدان التحرير إلى ميدان السياسة
كتب - عبدالرحمن مصطفى

لم يعتقد سيد حسن فى يوم من الأيام أنه سيقتحم عالم السياسة ويتحول فى أسابيع قليلة إلى وكيل مؤسسى حزب سياسى جديد، ما أصابه هو نفس ما أصاب آخرين شاركوا بالحماسة نفسها فى أحداث ثورة 25 يناير، وأرادوا استكمال مشوارهم عبر حزب سياسى، يقول سيد حسن وكيل مؤسسى حزب ثورة يناير: «قبل تنحى الرئيس بيوم واحد خرجت على الناس فى ميدان التحرير وأخذت الميكروفون لأعلن ضرورة إنشاء كيان سياسى..وحين ضغط على بعض المنتمين إلى الإخوان المسلمين لمعرفة برنامج الحزب، قلت عبارة واحدة وهى أن برنامج الحزب القادم هو تحقيق رغبات الناس». تلك العفوية التى يظهرها فى حديثه لا تختلف عن حال كثير من «ثوار التحرير» الذين اختبروا السياسة للمرة الأولى عبر مبادرات تأسيس أحزاب جديدة، أصحاب تلك المبادرات اختاروا فى البداية اسم «حزب 25 يناير» كاسم مؤقت لأحزابهم المستقبلية، وتكفى زيارة إلى شبكة فيس بوك الاجتماعية والبحث عن اسم «حزب 25 يناير» حتى تظهر عشرات النتائج، ومن الصعب تحديد عدد المبادرات التى قامت لتأسيس أحزاب جديدة من الشباب الذين شاركوا فى الثورة، فبعضهم اكتفى بصفحات على الفيس بوك دون عمل على الأرض، والبعض الآخر اتخذ إجراءات عملية لتسجيل حزبه.
فى الطابق الأخير من مبنى تجارى عتيق فى حى الدرب الأحمر، يجلس سيد حسن وسط مجموعة من زملائه فى حزب ثورة يناير (تحت التأسيس)، يطل الشباك المجاور على مركز شباب الحبانية حيث مشهد مختلف تماما عما يدور فى هذه الغرفة من مناقشات. أغلب الجالسين قد تكونت علاقاتهم فى ميدان التحرير، هناك ولدت فكرة الحزب، وقادتهم العفوية إلى هذا المقر المؤقت الذى تبرع به أحد أبناء الحى إلى أن اتخذوا مقرا آخر فيما بعد. يتدخل وليد أحد المشاركين الأوائل فى الحزب بسؤال قائلا: «هل تعلم أين كانت النشأة الأولى لهذا الحزب؟» استمر فى سرد الإجابة موضحا: «كانت الاستمارات يتم تجميعها داخل محل تجارى قرب ميدان التحرير فى عهدة أحد المتطوعين، لكننا فوجئنا بأن هذا الشخص الذى تركنا له مهمة الحفاظ على الاستمارات يمنعها عنا حين قررنا تحويل الفكرة إلى واقع عملى واتهمنا بأننا من الحزب الوطنى، وخضنا معركة حتى استرددنا استمارات الحزب عنوة». يترك سيد حسن ــ وكيل المؤسسين ــ الغرفة ثم يعود بعد قليل بكومتين من الأوراق واصفا إياها بفخر: «دى استمارات الحزب، ولسه بنجمع تانى».يعمل سيد حسن ــ الذى جاوز الأربعين ــ محاسبا، بينما يعمل وليد الثلاثينى موظفا بإحدى شركات البترول، ويستغل كل منهما علاقاته التى تكونت فى ميدان التحرير من أجل دعم مشروعهم السياسى. ويجمع هذه المبادرات الشابة رابط مهم يتمثل فى رفض دخول الرموز السياسية إلى مشروعاتهم الحزبية حماية لها من الاختطاف. لكن كثافة تلك المبادرات أثارت قلق بعض المتخصصين، خاصة بعد الإعلان مؤخرا عن نية تعديل قانون الأحزاب بما يسمح بإنشاء الأحزاب فور الإخطار.
الدكتور عمرو هاشم ربيع مدير ــ وحدة التحول الديمقراطى بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ــ لا يخفى قلقه تجاه هذه المبادرات ذات النوايا الطيبة قائلا: «أخشى أن يصاب بعضهم بالإحباط إذا لم ينجح فى إدارة حزب سياسى، وأخشى أكثر من أن يحدث إخفاق نتيجة قلة الخبرة السياسية ويتم تفسير ذلك تفسيرا تآمريا». يرى الدكتور عمرو هاشم أن قلق هؤلاء الشباب الحالى من دخول رموز سياسية بينهم هو قلق من أن تضيع مكتسبات الثورة التى عاشوها لحظة بلحظة، ويضيف: «الرهان الآن على الأكثر تنظيما والحكم للصندوق الانتخابى فى النهاية». وعند الحديث مع أصحاب المبادرات الحزبية يؤكد أغلبهم على قدرته على إدارة الموقف، بل تتردد عبارات من نوعية: «نحن معنا متخصصون فى السياسة وأكاديميون.. ولدينا برنامج محكم». لكن تلك العفوية التى تقود المسيرة ما زالت تنتج مفارقات وشكلا جديدا على الحياة السياسية، من هذه المفارقات محمد ريحان، الشاب العشرينى الذى كان اسمه متصدرا فى البداية لصفحة الحزب مع سيد حسن على شبكة الفيس بوك وانتقاله إلى مجموعة أخرى يتزعمها الآن على الفيس بوك تحت اسم: «حزب التحرير والتغيير».يعلق محمد ريحان على ذلك: «كنت مع مجموعة سيد حسن واخترت أن أعمل فى جبهة جديدة.. أنا أبحث عن مزيد من النضج السياسى». لم يندم على هذه الخطوة حتى بعد أن علم أن الحزب الذى تركه قد سجل أوراقه فى الشهر العقارى وبدأ فى خطوات عملية للوجود، ويقول: «أهم نقطة لدى ألا يدخل الحزب الذى أسعى مع رفاقى لتأسيسه شخص ينتمى إلى الحزب الوطنى، وأن يكون لدى العضو مستوى مقبول من الإدراك بالسياسة، يكفينى ما وجدت فى الفترة الماضية، لقد وصل الحال أن قابلت شخصا لديه رغبة فى إنشاء حزب لمجرد أنه تعرض لحادث سرقة!!». محمد ريحان الذى نفى استعداده قبول أعضاء من الحزب الوطنى، لم يتخذ مقرا بعد، وكانت خانة الانتماء السياسى فى صفحته الشخصية على الفيس بوك تحتوى على هذه العبارة «الحزب الوطنى الديمقراطى»، وأزالها بعد الاستفسار عنها.

توحيد الأحزاب
فى خضم هذا الزحام بدأت محاولات لضم المبادرات الصغيرة من قبل أحزاب أخرى، حزب «شباب التحرير» الذى ارتبط اسمه فى البداية باسم الصحفى والإعلامى وائل الإبراشى هو أحد الأحزاب التى نشأت فى ميدان التحرير، لم يخف الإبراشى محاولاته المبكرة لضم هذه المشروعات الحزبية فى حزب واحد، وعلى شبكة الفيس بوك كانت هناك دلائل واضحة على هذه المحاولات.. ففى صفحة تحمل اسم «حزب شباب 25 يناير» تجاوز عدد أعضائها الخمسين ألف عضو، كتب أحد مديرى الصفحة هذا العنوان: «مهم وعاجل جدا.. حزب شباب 25 يناير يتحد مع حزب شباب التحرير فى حزب واحد»، صاحب هذا العنوان أوضح بعض تفاصيل لقائه مع الإعلامى وائل الإبراشى، وحين استفسر أعضاء صفحة الحزب عن زميله الذى كان متصدرا المشهد اتضح أن هناك انقساما حدث فى الداخل. وأوضح قائلا: «رامى شغال مع نفسه ورافض النقاش أو التعاون». وخلال أيام ترددت أنباء عن ابتعاد وائل الإبراشى ورفع اسمه من على مجموعة الحزب على شبكة الفيس بوك. هذا التضارب الذى صاحب دعوات إنشاء أحزاب الثوار بدأ يهدأ مع مرور الوقت، خاصة بعد إجماع أغلب أصحاب المبادرات الحزبية الجديدة على مجموعة من «اللاءات» المحددة، منها: «لا لدخول الرموز السياسية»، «لا لكوادر الحزب الوطنى»، «لا للتمويل الخارجى». فى مقر حزب آخر تحت التأسيس هو «حزب الحر المستقل» قرب ميدان الأوبرا يجلس عمرو حسان مشغولا باتخاذ الخطوات التى تكفل له ولمجموعته وجود قاعدة شعبية فى المحافظات وفى العاصمة، هو الآخر اختلفت حياته تماما فى ميدان التحرير، إذ كان له دور أثناء الاعتصام مع اللجان الأمنية هناك، يقول عن مجموعة الحزب: «كنا نحو خمسين فى البداية تعرفنا فى الميدان، وبدأنا فى العمل بعد التنحى.. وبدأنا خطوات فعلية فى مؤتمرات شعبية داخل القاهرة وخارجها». منذ 25 يناير الماضى وهو مقيم فى القاهرة بعيدا عن مسقط رأسه بمحافظة المنوفية، واليوم يشارك مع رفاق ميدان التحرير فى إعداد لائحة للحزب وضم أعضاء جدد. يصمت قليلا ثم يصف قصة الحصول على المقر المؤقت للحزب فى وسط المدينة بالتوفيق الإلهى حين تعاطف المالك معهم واقتنع بأفكارهم، وتطوعوا جميعا لتجهيز المكان وتأجيره.أثناء حديثه تخرج مجموعة من رفاقه إلى الشارع للتعرف على شباب جدد محاولين إقناعهم بالانضمام إلى الحزب. ما يتفق فيه عمرو حسان وكيل مؤسسى «حزب الحر المستقل» مع سيد حسن وكيل مؤسسى «حزب ثورة يناير»، هو الابتعاد عن الرموز السياسية، وقيادات الوطنى، وكلاهما تعرض لمحاولات إقناع من جانب حزب التحرير حيث الإعلامى وائل الإبراشى، كما تعرضا لمحاولات سيطرة من رجال أعمال ميسورى الحال. وعلى أرض الواقع فإنهما أظهرا بعض التسامح مع فكرة أن يكون للشخص ماضٍ فى الحزب الوطنى حسبما يوضح عمرو حسان من حزب الحر المستقل فإن «كارنيه الحزب الوطنى ليس جريمة.
البعض كان مضطرا للحصول عليه لأسباب متعددة، لم يكن يمثل أدنى انتماء، القلق من أن تكون هناك هجرة من الحزب الوطنى للأحزاب الناشئة»، فى داخل الأحزاب الناشئة بعض من كانوا فى فترة سابقة فى الحزب الوطنى، لكــــن المعيـــــار لدى المؤسسين فى القبول هو مصداقية الشخص.

الخوف من الوطنى
فى هذه المرحلة من حياة أصحاب المبادرات السالف ذكرها هناك حساسية شديدة تجاه ما يخص سمعتهم، خاصة مع ما راج فى الصحف وعلى الإنترنت مبكرا وقبل تنحى الرئيس السابق مبارك عن تأسيس «حزب 25 يناير» الذى سيضم الراحلين عن الحزب الوطنى الديمقراطى، وهو ما وصم الكثير من أحزاب «ثوار التحرير» فى بدايتها، خاصة أن أغلبها اختار اسم «25 يناير» كاسم مؤقت فى البداية. أحد من تعرضوا لهذا الوصم وما زالوا يتعرضون له على صفحتهم هم مجموعة من الشباب دشنوا مبكرا على شبكة الفيس بوك الاجتماعية صفحة (حزب 25 يناير 25th January Party) التى تضم اليوم أكثر من 360 ألف عضو، ومازال يواجه مؤسسها ــ أدهم حسن ــ متاعب العمل السياسى للمرة الأولى بصبر. ويقول: «مبدئيا فإن اسم هذا الحزب كان مؤقتا ولم يتم تغيير اسم الصفحة لأسباب تقنية، وقد كان علينا الظهور فى التليفزيون لنعلن عن أنفسنا، خاصة بعد أن اتهمنا البعض بأننا نعمل لصالح الحزب الوطنى». تبدو طريقة إدارة الأمور لدى أدهم ومجموعته مختلفة إلى حد ما عن مشروعات أحزاب أخرى، فبينما يشارك فى الصفحة على الفيس بوك أكثر من 360 ألف عضو إلا أن العمل على الأرض يديره ما بين 40 إلى 50 فردا فقط فى 15 محافظة. وتختلف ثقافة أدهم الذى يعمل فى المجال العقارى بعد سنوات قضاها فى الولايات المتحدة عن بعض أصحاب المبادرات الحزبية الأخرى، ويوضح: «نعد برنامجا حزبيا على أساس علمى يقدم حلولا ومعنا خبرات قانونية ستعيننا على ذلك». فى تلك الأجواء تدور حرب ضد اسم «حزب 25 يناير 25th January Party». إذ نشر أحدهم على الانترنت فيديو مدته 9 دقائق تحت هذا العنوان (حقائق جديدة لحزب 25 يناير) إلى جانب تعليقات من نوعية «مينفعش أساسا إنه حد يسمى حزب بالاسم ده.. علشان دى ثورة مصر كلها مش حزب بس». ويظهر الفيديو ترصدا لمجموعة أدهم حسن وصفحته التى جاوز أعضاؤها 360 ألفا، واستدل معد الفيديو من خلال تحليل مضمون الصفحة بأنها تابعة للحزب الوطنى دون أن يتواصل مع مديرى الصفحة الذين نفوا ذلك، كما أعلنوا مؤخرا عن استقرارهم على اسم جديد للحزب هو «النهضة» وفى قول آخر «نهضة 25 يناير» الذى يتشابه مع اسم مبادرة تأسيس حزب آخر منسوبة إلى الداعية عمرو خالد، لكن يظل الاتهام بخطف اسم 25 يناير واتهام الصفحة بأن وراءها الحزب الوطنى كلها أمور مربكة لشباب لم يحترفوا السياسة من قبل.
هذا الطريق الذى اختارته مجموعات من الشباب التقوا فى ميدان التحرير أثناء أحداث الثورة، وبدأوا فى تكوين أحزاب سياسية، لم يكن على هوى شباب آخرين خاصة أولئك الذين اختبروا العمل الحزبى والسياسى من قبل مثل هانى رياض عضو اللجنة التنسيقية فى حركة شباب 25 يناير، إذ لم يخف أن فكرة إنشاء حزب سياسى فى هذا التوقيت ستكون أمرا شكليا.. وعلى عكس ما يراه أصحاب جميع هذه المبادرات يرى هانى أن مفهوم (الحركة السياسية) فى هذه المرحلة أفضل، لأنها تبتعد عن الشكل السياسى القديم لحقبة ما قبل 25 يناير، ويعلق قائلا: «الحركة الآن لها وجود فى 12 منطقة شعبية فى القاهرة وفى داخل 5 محافظات وبدأ العمل طوال الأسابيع الماضية على تطوير أدائها وتشكيل لجان لحماية الثورة، ورعاية المطالب الاجتماعية حتى لمن لم يشارك فى أحداث الثورة». ويؤمن هانى بقناعة تتلخص فى أن «المطالب الاجتماعية والفئوية الآن مهمة تماما مثل المطالب السياسية، لذا فأساس عمل الحركة مرتبط بالشارع والعمل الحركى إلى حد كبير». لهذه الأسباب لم تفكر الحركة حتى الآن فى التحول إلى حزب سياسى، على عكس شريحة خاضت معارك الثورة وتريد أن تحافظ عليها من خلال حزب يوفر لهم وجودا فى العمل السياسى، يعلق الدكتور عمرو هاشم ربيع ــ مدير وحدة التحول الديمقراطى بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ــ قائلا: «فى المرحلة القادمة لن يكون تاريخك وما أنجزته فى ميدان التحرير مفيدا بقدر ما ستكون لائحة الحزب هى الفيصل».

Wednesday, March 16, 2011

زمن الجرأة .. حان وقت التعامل مع الماضي

البعض لديه ثأر شخصي
كرداسة.. تراقب بحذر عودة الشرطة

كتب- عبدالرحمن مصطفى
قد لا تختلف الشعارات المتبقية هنا على الجدران عن أى منطقة أخرى فى مصر.. «يسقط مبارك»، «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكن الأكثر وضوحا فى مدينة كرداسة هو خلو مركز الشرطة من أى فرد تابع لوزارة الداخلية، إذ تم نقل العمل بشكل مؤقت إلى القرية الذكية، ورغم مرور أسابيع على قرار عودة الشرطة إلى العمل إلا أن كرداسة ظلت مدينة بلا شرطة. «عودتهم ليست بهذه البساطة، فالبعض لديه ثأر شخصى مع أشخاص كانوا يديرون مركز الشرطة»، يقول عمرو عبداللطيف عبارته ثم يكمل طريقه مع مجموعة من شباب كرداسة الذين لم تتجاوز أعمارهم الواحدة والعشرين ليقفوا أمام مركز الشرطة المحترق، ثم انتقل الحديث إلى أحمد خالد الذى بدأ فى الشرح قائلا: «فقدت كرداسة اثنين من الشهداء فى يوم جمعة الغضب 28 يناير، كان أحدهما حسام الجندى، وهو من أقرب أصدقائى». أثناء الحديث يخرج رجلان من داخل مبنى مركز الشرطة فى حالة من القلق مستفسرين عن سبب الوقوف أمام المركز، يعلق أحدهما واسمه محمد حامد قائلا: «أريد أن أوضح أنه لابد من عودة الشرطة». ينصت إليه الشباب وهو يتحدث عن حوادث السرقة التى وقعت مؤخرا، وعن ضبط لصوص حاولوا سرقة ما تبقى من مركز الشرطة، أما عن مهنته فهو يدير متجرا مجاورا للمركز مما جعله دائما فى قلب الحدث، ويضيف قائلا: «هناك مساجين هاربون ما زالوا طلقاء لم يضبطهم أحد، ونحن نقلق على بناتنا حتى من الذهاب إلى المدرسة فى هذه المرحلة، لقد طالبنا بتغيير طاقم العاملين فى مركز الشرطة حتى تهدأ النفوس». ينهى عبارته ثم يشير إلى لافتة معلقة أعلى مبنى مركز الشرطة مكتوبا عليها «دار للأيتام» فى إشارة ساخرة من أحدهم تدل على حالة مركز الشرطة. فى الطريق إلى موقع آخر يكمل أحمد خالد صديق الشهيد الراحل حسام الجندى حديثه مشيرا بيده إلى لافتة أعلى أحد الشوارع الرئيسية تحمل صورتى شهيدى كرداسة إحداهما حسام صديقه، ويضيف: «فى ذلك اليوم فعلت الشرطة كل شىء، أطلقت الغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحى، وقطعوا الكهرباء عن المكان كله، ومع كل خطوة كان غضب الشباب والأهالى يزداد». أثناء حديث أحمد خالد كان أصدقاء الراحل حسام الجندى يؤكدون فى عبارات قصيرة أن ما حدث فى ذلك اليوم من قمع استدعى كل الذكريات السيئة التى عاشوها من قبل فى التعامل مع الشرطة.
يتبع دائرة قسم كرداسة ــ إداريا ــ أكثر من نصف مليون مواطن متفرقين بين قرى ومراكز مجاورة لمدينة كرداسة الرئيسية حيث هناك مركز تجارى لصناعة النسيج، ويقع إلى جوار مركز شرطة كرداسة موقف سيارات الميكروباص، وهى الفئة الأكثر تضررا من وجود المركز إلى جوارهم طوال السنوات الماضية. الجميع فى موقف الأجرة يتحدثون لغة واحدة عن تجاوزات تعرضوا لها، وعن تضررهم من عدم وجود نيابة فى مبنى المركز، ما يعرضهم للحبس الجبرى دون أن أى رقيب، البعض ردد عبارات مثل: «نريد رقابة على الشرطة»، وآخرون كانوا فاقدين للثقة تماما فى الشرطة فقالوا: «احنا كده كويسين من غير شرطة». هذه العبارة الأخيرة أصبحت تتعارض مع رغبة بعض السكان فى عودة الشرطة مع ازدياد حالات السرقة، وهو ما أوجد بعض المبادرات التى تسير فى اتجاه التوفيق بين كل هذه الآراء. يرى الدكتور سمير نعيم ــ أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ــ أن هناك صورة تحققت بالفعل فى مصر لأداء الشرطة يمكن استعادتها مرة أخرى على أرض الواقع، ويشير فى مقال له بعنوان: «مجتمع ميدان التحرير.. مصر الفاضلة» (جريدة الشروق ــ 26 فبراير الماضى) إلى الفرق التطوعية التى تكونت داخل ميدان التحرير وكيف كان كل فرد فى الميدان حريصا على الأمن وعلى الكشف عن أى مخالفات للأمن العام فى ميدان التحرير، ويعلق الدكتور سمير نعيم قائلا: «هذه الصورة التى تكونت فى ميدان التحرير، جعلت الناس فى الميدان تحترم هؤلاء المتطوعين كبديل عن الشرطة فى هذا الموقع، تلك العلاقة هى التى يجب أن تكون عليها العلاقة مع جهاز الشرطة فى جميع أنحاء مصر، لكن ذلك لن يتحقق إلا بعد إسقاط النظام القديم فعليا وتحقيق أهداف الثورة لأن جهاز الشرطة فى النهاية ما زال يدار كامتداد للنظام السابق». ويطرح الدكتور سمير نعيم شروطا لبناء علاقات جديدة بين الشرطة والشعب على رأسها أن يشعر الشرطى باحترام كرامته فى العلاقات مع قادته داخل هذا الجهاز، وإعطائه حقه المادى الملائم لعمله، وأن تتعامل الحكومة مع جهاز الشرطة على أنه أداة لحفظ الأمن العام وليس جهازا للأمن السياسى، وحسب عبارته: «يجب أن يشعر المواطن بأن الشرطة جزء منه، مثلما كان الوضع مع متطوعى حماية الأمن فى ميدان التحرير». أما فى كرداسة فلم يجد البعض حلا سوى فى أن يقود مبادرة لتحريك الأوضاع قليلا، المستشار رءوف منير روفائيل الذى يحمل خلفية قانونية يرى الموقف بشكل آخر، يقول: «من المؤكد أن هناك أصحاب مصالح فى غياب الوجود الأمنى فى كرداسة، وهو ما جعلنا نفطن إلى ضرورة حل هذا الموقف فى أقرب فرصة». تصدى المستشار لمبادرة بالتعاون مع مجموعة من الشباب بعضهم لهم وجود على الفيس بوك من خلال مجموعة تحت اسم «شباب كرداسة»، وتعتمد المبادرة التى شارك فيها محامون ومثقفون من كرداسة فى أخذ ضمانات من مديرية أمن أكتوبر ترضى عائلات الشهداء والمصابين وكان على رأسها عدم إعادة الوجوه القديمة نفسها من العاملين فى مركز الشرطة. وتحاول هذه المبادرة احتواء الفئة الأكثر غضبا من سائقى الميكروباصات، خاصة أن بعضهم قاد اعتصاما حين بدأ احتكاكه برجال الشرطة خارج كرداسة، يرى الدكتور سمير نعيم أن هذه المبادرات لابد أن تتسق مع مؤشرات لتغيير نظام هذا الجهاز ويعلق قائلا: «ما زال العاملون كما هم بتدريبهم القديم، وما زالت الثقافة القديمة تدير العلاقات مثلما نرى فى هيئة المخبر القديم وأدائه لعمله». ويقترح الدكتور سمير نعيم أن يكون هناك تعاون بين أجهزة النظام الثورى الجديد ــ بعد إسقاط القديم ــ وجهاز الشرطة، من أجل بناء علاقات جديدة. أما المستشار رءوف منير روفائيل فيرى أن المبادرة التى يشارك فيها مع الشباب المثقف من كرداسة قد تصنع تغييرا، حسب حديثه يقول: «سنصنع حوارا مع السائقين بتعريفهم حقوقهم وواجباتهم، وأن يلتزموا بما عليهم حتى لا يدعوا فرصة لأحد أن يعتقلهم، كما سنطالب الخطباء فى المساجد بأن يتعرضوا لهذه المشكلة وكيفية بناء علاقات جديدة». هذه المبادرة لاقت قبولا لدى الكثيرين خشية أن يؤثر غياب الأمن لمدة طويلة على الحياة فى هذه المدينة. لكن فى طريق العودة من كرداسة إلى جوار المدينة الجامعية حيث تستقر سيارات الميكروباص القادمة من كرداسة يرى السائقون الحال بشكل مختلف، على أرض الواقع فى ذلك اليوم كان أحد أمناء الشرطة لا يرتدى زيه الرسمى يعنفهم لأنه يريد أن «توصيلة» إلى مديرية الأمن كى يأتى بأغراض خاصة من هناك، وزاد العنف اللفظى حين رفض السائقون توصيله، حتى استجاب أحدهم إنقاذا للموقف، يقول شريف المصرى، أحد السائقين: «أعمل فى هذا المجال منذ عشر سنوات أى قبل تأسيس مركز كرداسة نفسه، لكن الضغوط علينا كانت تزيد.. نعتقل دون تهمة، وعلينا السمع والطاعة لرغبات الشرطة ونجد أنفسنا نعمل كسائقين لديهم ومن يخالف يتعرض للإذلال.. هذا المركز فى كرداسة لم يحترق عبثا، لكن كان الناس لديهم ضغائن تجاهه». ينهى شريف جملته ويبدأ فى تحميل سيارته بعد أن نجا من أمين الشرطة، ويفكر فى مستقبل العلاقة إذا ما عادت الشرطة إلى كرداسة، خاصة بعد قيام السائقين باعتصام وتقديم مجموعة من المطالب قيد النظر.

الكارتة .. حالة ترقب فى عبود
اختلف حال موقف الأجرة عن حاله فى أول خميس بعد خطاب التنحى الشهير، فى ذلك اليوم كان موقف عبود شعلة من الغضب الذى سيطر على السائقين، إذ اقتحم الموقف مجموعة من البلطجية حاملين السيوف والكرابيج واعتدوا على السيارات والسائقين قهرا لهم كى لا يعترض أحدهم على دفع الكارتة. فى ذلك اليوم حاصرهم السائقون داخل مبنى الإدارة وسط رجال الشرطة العسكرية حتى انتهى الموقف، أما اليوم فقد اختلف الوضع تماما.. إذ كانت المشكلة الرئيسية لدى السائقين هى رفض دفع الكارتة مضاعفة مثلما كان الحال، أما اليوم فعادت الأمور كما كانت مع بعض الحذر من الجانبين. السيد عيدروس سائق أجرة (القاهرة ــ دكرنس) كان أحد شهود ذلك اليوم، بعدها بأيام اختار أن يكون الحديث داخل سيارته منعا للفت الانتباه، يشرح سبب الأزمة قائلا: «الإيصال الذى أستلمه عند وصولى إلى الموقف قيمته ستة جنيهات، لكننا نجبر من العمال هنا على أن ندفع عشرة جنيهات، ثم ندفع خمسة أخرى عند مغادرة الموقف، أى خمسة عشر جنيها.. هذا بعيدا عن سوء المعاملة وإمكانية الترصد لأحد السائقين عند الخلاف مع عمال الكارتة». يشير إلى سيارة تقف خلف طابور الميكروباصات المنتظرة قائلا: «هذه سيارة مخالفة، لأنها ليست مقيدة فى سجلات الموقف، لكننا مجبرون على قبولها، لأن المسألة تدار بالعلاقات الشخصية». قبلها بعدة أيام حين قامت ثورة السائقين على الكارتة كانت الهتافات تتردد «الجزيرة فين.. موقف عبود أهه». كان اللواء محمد سليمان ــ مدير موقف عبود ــ هو الآخر محاصرا فى ذلك اليوم داخل المبنى لولا تدخل القوات المسلحة لإنهاء الموقف. يحاول اللواء محمد سليمان التوضيح قائلا: «أنا مهمتى هنا إدارية.. لكن مشاكل تربح بعض العاملين فى الموقف وضغطهم ماليا على العاملين هذه مهمة قانونية تحتاج إلى ضبطية وتعاون من المتضرر». يذكر اللواء محمد سليمان أنه حاول ترتيب ضبطية لأحد العاملين قبل سنوات عديدة وفى أثناء التحقيقات تراجع السائق المتضرر ترضية للعامل. ويضيف اللواء محمد سليمان: «بعض الأمور تحدث هنا تحت بند المجاملات، ولا أستبعد أن يكون مجىء البلطجية قد تم تحت هذا البند». بعيدا عن تفسيرات مدير موقف عبود فإن عددا كبيرا من السائقين أظهروا انعدام الثقة فى الإدارة بل والتشكيك فى بعض العاملين، وكان المطلب الرئيسى هو تبديل وجوه العاملين والقيادة لأن استقرارهم لفترات طويلة يقويهم على السائقين. أثناء الحديث فى سيارة السيد عيدروس يمر بعض السائقين كى يقدموا شهاداتهم مثل عمرو سائق البيجو الذى يعمل هو الآخر فى الموقف منذ تأسيسه قبل أكثر من 15 سنة، يشير إلى أن مشاكلهم لا تنحصر فى الموقف فقط، فطوال الطريق هناك من يبتزهم سواء ممن ينتمون إلى الشرطة أو من عمال كارتة «بلطجية» على الطريق إلى القاهرة، يضيف عمرو ساخرا: «بعد أن ثرنا على دفع الكارتة بقيمة 15 جنيها بدلا من قيمتها الأصلية وهى ستة جنيهات تطوع بعضنا بأن يدفع الستة جنيهات وعليها جنيهان من باب الترضية لعمال الموقف، لكن المفاجأة أنهم لم يوافقوا.. إما القيمة الأصلية أو القيمة التى وضعوها هم». حتى الآن ما زال الموقف متوترا خاصة بعد أن جرب السائقون دفع الكارتة الأصلية دون الخضوع لأوامر عمال الموقف.
**
صحفيون بلا خوف: تعالوا نسترد مجلتنا
على المدونة التي تحمل عنوان : مجلة صباح الخير الأصلية، كتب الصحفي ناصر خليفة قبل أكثر من عشرة أيام أن كثيرا من الصحفيين قد أيقن "أن تحرير صحفهم يبدأ من ميدان التحرير فانضموا إلى ثورة المصريين وبعد نجاحها تأكدوا أن جرائدهم ومجلاتهم عادت إليهم مرة أخرى لأنهم أصحابها ". تلك الكلمات الحماسية تخفي وراءها موقفا تبناه حوالي 25 صحافيا من مجلة صباح الخير التابعة لمؤسسة روز اليوسف الحكومية، إذ لم يحتملوا أن يكتبوا معلومات مضللة عن الثورة، وقرروا إنشاء مساحة على الانترنت حتى ينجحوا في تحقيق مطالبهم وعلى رأسها إقالة رئيس التحرير محمد عبدالنور، تعلق الصحفية أمل فوزي على ذلك قائلة : "النقطة الفاصلة لعودتنا هي استقالة رئيس التحرير، فلم يعد من المقبول أن نتعامل مع من قام بتخوين الثورة، ورفض نشر الحقائق، ثم بدل موقفه اليوم". لهذا الموقف الذي تعبر عنه أمل فوزي وزملائها خلفيات لم يقبلها كثير من الصحفيين القدامى حين كان يطلب منهم تلميع صورة بعض أركان النظام السابق بشكل فج، مثل صفوت الشريف و جمال مبارك و سوزان مبارك. وهو ما جعل شريحة من الصحفيين تعزل نفسها بعيدا وتتجه للكتابة في أماكن أخرى، حتى إذا ما بدأت الثورة شعروا أن لهم حقا عليهم استرداده. تلك التطورات التي أحدثتها ثورة 25 يناير ما زالت تنتظر مزيدا من الإجراءات لتطوير حال الصحافة، وفي كتاب (تطور الصحافة المصرية- العربي للنشر والتوزيع، 1985) للدكتورة ليلى عبدالمجيد أستاذة الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، ترصد تأثيرات ثورة 52 على الصحافة وما أعقب ذلك حتى العام 1981، ولاحظت بشكل عام أن تلك الفترة كان الاتجاه فيها نحو الحد من الاجتهادات الذاتية للصحفيين في إدارة أمورهم وتضييق حرية التعبير عن الرأي عدا أهل الثقة من الصحفيين. وتوضح الدكتورة ليلى أن الأمر استمر بعدها حتى ثورة يناير، وتعلق قائلة: "أتوقع أن تبدأ التغييرات الحقيقية بعد فترة الستة أشهر القادمة، مع دستور جديد، وإعادة النظر في النصوص القانونية الخاصة بالصحافة والإعلام، وفك الاشتباك بين سيطرة الدولة على الصحف الكبرى التي انتقلت تبعيتها إلى الدولة.. كل هذه الأمور قد تغير فعلا من بيئة العمل الصحفي بشكل واضح". تلك المرحلة لم تبدأ بعد بقدر ما تم التركيز على رحيل القيادات والمطالبة بحقوق الصحفيين حتى وصلت الاحتجاجات إلى الصحف المستقلة أيضا. أما أمل فوزي التي عملت منذ العام 91 أثناء تدريبها في مجلة صباح الخير ترى هي وزملائها أن التغيير في المؤسسات القومية لن يتم إلا بعد رحيل قياداتها وذلك تمهيدا لتأسيس علاقات جديدة. على مدونة "صباح الخير الأصلية" كتب جورج أنسي عن نموذج رآه في جريدة الواشنطون بوست الأمريكية ويتمنى أن يراه في الصحف المصرية، تلك الطموحات المهنية ما زالت تنتظر التنفيذ. أما الدكتورة ليلى عبدالمجيد فترى أن الحالة العامة التي تطالب الآن بأن يكون التغيير في الإعلام هو أول التغييرات ليست عملية، مطلوب الآن إصلاح، وتقول : "تغيير بيئة العمل الصحفي يتوقف على حالة النظام السياسي ومدى تغيره، فقد حدد النظام السياسي السابق علاقته بالصحافة في أن يسيطر عليها، أما اليوم فنحن في انتظار نظام سياسي جديد يدير حوار مجتمعي يعيد تشكيل حالة الإعلام المصري".
PDF

Wednesday, March 9, 2011

ينـــ25ــــاير تدخل مرحلة التوثيق

تسجيل ذكرى و حفظ ذاكرة
ينـــ25ــــاير تدخل مرحلة التوثيق

كتب – عبدالرحمن مصطفى
"إن أملنا الوحيد اليوم هو استعادة الروح الثورية" تلك العبارة التي أطلقها الزعيم الأمريكي مارتن لوثر كينج في خطبة أثناء فترة العصيان المدني بأمريكا في ستينات القرن الماضي لعلها من أكثر الاقتباسات تعبيرا عن حال كثيرين بعد ثورة 25 يناير المصرية، إذ اتخذ كل منهم سبيله في محاولة الحفاظ على هذه الروح الثورية من خلال توثيق أحداث الثورة كل حسب طريقته. بعض هذه المحاولات تولدت أثناء الأحداث واعتمدت على التوثيق الشخصي عبر تحميل لقطات الفيديو والصور من قلب الحدث، بينما سجل آخرون شهادات حية وتجارب شخصية على مدوناتهم أو على شبكة فيسبوك الاجتماعية، البعض الآخر اتجه إلى عمل أكثر احترافية مثل محمد الشموتي الذي استغل خبرته التقنية مع متطوعين لإعادة تأسيس موقع يعمل على توثيق الثورة والحفاظ على مكتسباتها. يقول محمد : "في أثناء الفترة الأولى من الثورة كنت قد أسست موقعا لتفادي المواقع المحجوبة آنذاك مثل الفيسبوك، وفي نفس الوقت كنت أسعى إلى تجميع كل خلاصات المواقع الهامة داخل موقع واحد اسمه مركز فعاليات مصر الالكتروني، بعد هذه المرحلة أسست موقع ثورة اللوتس-25 يناير وكان الهدف منه هو تفنيد الإشاعات الكاذبة عن الثورة، ودعم مطالب الجماهير". دخل محمد الشموتي بعد هذه الأحداث إلى مرحلة جديدة إذ أصبح فردا في مجموعة تخطط لإعادة تأسيس الموقع بحيث تلائم أهدافه المرحلة القادمة، وعلى رأسها فكرة التوثيق. وفي مساحات أخرى على الانترنت هناك بعض التجارب الشبيهة لكنها لم تكتمل لاعتمادها على مجهود فردي وهو ما يتضح في موقع الكتروني آخر يحمل اسم "ثورة يناير"، أما في موقع "بوابة شباب 25 يناير" فما زالت إدارته متماسكة وتدير تحديثات الموقع بشكل يومي، خاصة بعد ربطه بصفحة على شبكة فيسبوك، على عكس كثير من المجموعات الفيسبوك التي لم يكتمل عملها بسبب الانشغال أو صعوبة الوصول إلى المادة التي ستوثق من فيديو أو شهادات أو صور.
خارج عالم الانترنت هناك محاولات أخرى ذات طابع مختلف، إذ ظهرت في فترة مبكرة مبادرة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة لتوثيق أحداث الثورة بالاعتماد على كوادرها في هذا العمل، هذه الفكرة تزامنت مع دعوة من الشاعر والصحفي أسامة عفيفي المشرف على سلسلة (ذاكرة الوطن) الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، للبدء في التجهيز للعدد القادم من السلسلة لتوثيق "يوميات الثورة وشهدائها"، ويشرح ذلك بقوله: "سيخصص هذا العدد لتوثيق أحداث الثورة، وسيتم الاعتماد على عدة مصادر إعلامية وحقوقية وحكومية وشهادات حية بهدف الوصول إلى المعلومة الأدق، والأهم في هذا الكتاب أنه سيتعمد تغطية أحداث الثورة في مصر كلها وعدم الاكتفاء بأحداث القاهرة وميدان التحرير". يوضح أسامة عفيفي أن العدد سيتعرض إلى جانب توثيق أسماء الشهداء والمختفين بعد مراجعة المعلومات والتدقيق فيها، وكذلك تطور الهتافات والشعارات في كل مرحلة. تلك المبادرات التي تهدف إلى توثيق أحداث الثورة انتقلت عدواها إلى جهات متخصصة مثل دار الكتب والوثائق الرسمية وكذلك مكتبة الإسكندرية إذ ظهرت لجان تخطط الآن لعملية توثيق الثورة لكن لم يتم الإعلان بعد عن تفاصيل إجراءات عملية التوثيق، يعلق أسامة عفيفي قائلا: "فكرة توثيق الثورات ليست جديدة علينا في مصر، ولعل أهم هذه التجارب كانت تجربة المؤرخ المصري عبدالرحمن الرافعي في تأريخه لثورة 1919 ، إذ عرض أحداثها وسرد أسماء شهدائها أيضا". وبين التوثيق التقليدي لأحداث الثورة والتوثيق على الانترنت تجري الآن محاولات للحفاظ على ذاكرة من شاركوا في هذا الحدث من النسيان وإبقاء روح الثورة لدى المصريين.