البعض لديه ثأر شخصي
كرداسة.. تراقب بحذر عودة الشرطة
كتب- عبدالرحمن مصطفى
قد لا تختلف الشعارات المتبقية هنا على الجدران عن أى منطقة أخرى فى مصر.. «يسقط مبارك»، «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكن الأكثر وضوحا فى مدينة كرداسة هو خلو مركز الشرطة من أى فرد تابع لوزارة الداخلية، إذ تم نقل العمل بشكل مؤقت إلى القرية الذكية، ورغم مرور أسابيع على قرار عودة الشرطة إلى العمل إلا أن كرداسة ظلت مدينة بلا شرطة. «عودتهم ليست بهذه البساطة، فالبعض لديه ثأر شخصى مع أشخاص كانوا يديرون مركز الشرطة»، يقول عمرو عبداللطيف عبارته ثم يكمل طريقه مع مجموعة من شباب كرداسة الذين لم تتجاوز أعمارهم الواحدة والعشرين ليقفوا أمام مركز الشرطة المحترق، ثم انتقل الحديث إلى أحمد خالد الذى بدأ فى الشرح قائلا: «فقدت كرداسة اثنين من الشهداء فى يوم جمعة الغضب 28 يناير، كان أحدهما حسام الجندى، وهو من أقرب أصدقائى». أثناء الحديث يخرج رجلان من داخل مبنى مركز الشرطة فى حالة من القلق مستفسرين عن سبب الوقوف أمام المركز، يعلق أحدهما واسمه محمد حامد قائلا: «أريد أن أوضح أنه لابد من عودة الشرطة». ينصت إليه الشباب وهو يتحدث عن حوادث السرقة التى وقعت مؤخرا، وعن ضبط لصوص حاولوا سرقة ما تبقى من مركز الشرطة، أما عن مهنته فهو يدير متجرا مجاورا للمركز مما جعله دائما فى قلب الحدث، ويضيف قائلا: «هناك مساجين هاربون ما زالوا طلقاء لم يضبطهم أحد، ونحن نقلق على بناتنا حتى من الذهاب إلى المدرسة فى هذه المرحلة، لقد طالبنا بتغيير طاقم العاملين فى مركز الشرطة حتى تهدأ النفوس». ينهى عبارته ثم يشير إلى لافتة معلقة أعلى مبنى مركز الشرطة مكتوبا عليها «دار للأيتام» فى إشارة ساخرة من أحدهم تدل على حالة مركز الشرطة. فى الطريق إلى موقع آخر يكمل أحمد خالد صديق الشهيد الراحل حسام الجندى حديثه مشيرا بيده إلى لافتة أعلى أحد الشوارع الرئيسية تحمل صورتى شهيدى كرداسة إحداهما حسام صديقه، ويضيف: «فى ذلك اليوم فعلت الشرطة كل شىء، أطلقت الغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحى، وقطعوا الكهرباء عن المكان كله، ومع كل خطوة كان غضب الشباب والأهالى يزداد». أثناء حديث أحمد خالد كان أصدقاء الراحل حسام الجندى يؤكدون فى عبارات قصيرة أن ما حدث فى ذلك اليوم من قمع استدعى كل الذكريات السيئة التى عاشوها من قبل فى التعامل مع الشرطة.
يتبع دائرة قسم كرداسة ــ إداريا ــ أكثر من نصف مليون مواطن متفرقين بين قرى ومراكز مجاورة لمدينة كرداسة الرئيسية حيث هناك مركز تجارى لصناعة النسيج، ويقع إلى جوار مركز شرطة كرداسة موقف سيارات الميكروباص، وهى الفئة الأكثر تضررا من وجود المركز إلى جوارهم طوال السنوات الماضية. الجميع فى موقف الأجرة يتحدثون لغة واحدة عن تجاوزات تعرضوا لها، وعن تضررهم من عدم وجود نيابة فى مبنى المركز، ما يعرضهم للحبس الجبرى دون أن أى رقيب، البعض ردد عبارات مثل: «نريد رقابة على الشرطة»، وآخرون كانوا فاقدين للثقة تماما فى الشرطة فقالوا: «احنا كده كويسين من غير شرطة». هذه العبارة الأخيرة أصبحت تتعارض مع رغبة بعض السكان فى عودة الشرطة مع ازدياد حالات السرقة، وهو ما أوجد بعض المبادرات التى تسير فى اتجاه التوفيق بين كل هذه الآراء. يرى الدكتور سمير نعيم ــ أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ــ أن هناك صورة تحققت بالفعل فى مصر لأداء الشرطة يمكن استعادتها مرة أخرى على أرض الواقع، ويشير فى مقال له بعنوان: «مجتمع ميدان التحرير.. مصر الفاضلة» (جريدة الشروق ــ 26 فبراير الماضى) إلى الفرق التطوعية التى تكونت داخل ميدان التحرير وكيف كان كل فرد فى الميدان حريصا على الأمن وعلى الكشف عن أى مخالفات للأمن العام فى ميدان التحرير، ويعلق الدكتور سمير نعيم قائلا: «هذه الصورة التى تكونت فى ميدان التحرير، جعلت الناس فى الميدان تحترم هؤلاء المتطوعين كبديل عن الشرطة فى هذا الموقع، تلك العلاقة هى التى يجب أن تكون عليها العلاقة مع جهاز الشرطة فى جميع أنحاء مصر، لكن ذلك لن يتحقق إلا بعد إسقاط النظام القديم فعليا وتحقيق أهداف الثورة لأن جهاز الشرطة فى النهاية ما زال يدار كامتداد للنظام السابق». ويطرح الدكتور سمير نعيم شروطا لبناء علاقات جديدة بين الشرطة والشعب على رأسها أن يشعر الشرطى باحترام كرامته فى العلاقات مع قادته داخل هذا الجهاز، وإعطائه حقه المادى الملائم لعمله، وأن تتعامل الحكومة مع جهاز الشرطة على أنه أداة لحفظ الأمن العام وليس جهازا للأمن السياسى، وحسب عبارته: «يجب أن يشعر المواطن بأن الشرطة جزء منه، مثلما كان الوضع مع متطوعى حماية الأمن فى ميدان التحرير». أما فى كرداسة فلم يجد البعض حلا سوى فى أن يقود مبادرة لتحريك الأوضاع قليلا، المستشار رءوف منير روفائيل الذى يحمل خلفية قانونية يرى الموقف بشكل آخر، يقول: «من المؤكد أن هناك أصحاب مصالح فى غياب الوجود الأمنى فى كرداسة، وهو ما جعلنا نفطن إلى ضرورة حل هذا الموقف فى أقرب فرصة». تصدى المستشار لمبادرة بالتعاون مع مجموعة من الشباب بعضهم لهم وجود على الفيس بوك من خلال مجموعة تحت اسم «شباب كرداسة»، وتعتمد المبادرة التى شارك فيها محامون ومثقفون من كرداسة فى أخذ ضمانات من مديرية أمن أكتوبر ترضى عائلات الشهداء والمصابين وكان على رأسها عدم إعادة الوجوه القديمة نفسها من العاملين فى مركز الشرطة. وتحاول هذه المبادرة احتواء الفئة الأكثر غضبا من سائقى الميكروباصات، خاصة أن بعضهم قاد اعتصاما حين بدأ احتكاكه برجال الشرطة خارج كرداسة، يرى الدكتور سمير نعيم أن هذه المبادرات لابد أن تتسق مع مؤشرات لتغيير نظام هذا الجهاز ويعلق قائلا: «ما زال العاملون كما هم بتدريبهم القديم، وما زالت الثقافة القديمة تدير العلاقات مثلما نرى فى هيئة المخبر القديم وأدائه لعمله». ويقترح الدكتور سمير نعيم أن يكون هناك تعاون بين أجهزة النظام الثورى الجديد ــ بعد إسقاط القديم ــ وجهاز الشرطة، من أجل بناء علاقات جديدة. أما المستشار رءوف منير روفائيل فيرى أن المبادرة التى يشارك فيها مع الشباب المثقف من كرداسة قد تصنع تغييرا، حسب حديثه يقول: «سنصنع حوارا مع السائقين بتعريفهم حقوقهم وواجباتهم، وأن يلتزموا بما عليهم حتى لا يدعوا فرصة لأحد أن يعتقلهم، كما سنطالب الخطباء فى المساجد بأن يتعرضوا لهذه المشكلة وكيفية بناء علاقات جديدة». هذه المبادرة لاقت قبولا لدى الكثيرين خشية أن يؤثر غياب الأمن لمدة طويلة على الحياة فى هذه المدينة. لكن فى طريق العودة من كرداسة إلى جوار المدينة الجامعية حيث تستقر سيارات الميكروباص القادمة من كرداسة يرى السائقون الحال بشكل مختلف، على أرض الواقع فى ذلك اليوم كان أحد أمناء الشرطة لا يرتدى زيه الرسمى يعنفهم لأنه يريد أن «توصيلة» إلى مديرية الأمن كى يأتى بأغراض خاصة من هناك، وزاد العنف اللفظى حين رفض السائقون توصيله، حتى استجاب أحدهم إنقاذا للموقف، يقول شريف المصرى، أحد السائقين: «أعمل فى هذا المجال منذ عشر سنوات أى قبل تأسيس مركز كرداسة نفسه، لكن الضغوط علينا كانت تزيد.. نعتقل دون تهمة، وعلينا السمع والطاعة لرغبات الشرطة ونجد أنفسنا نعمل كسائقين لديهم ومن يخالف يتعرض للإذلال.. هذا المركز فى كرداسة لم يحترق عبثا، لكن كان الناس لديهم ضغائن تجاهه». ينهى شريف جملته ويبدأ فى تحميل سيارته بعد أن نجا من أمين الشرطة، ويفكر فى مستقبل العلاقة إذا ما عادت الشرطة إلى كرداسة، خاصة بعد قيام السائقين باعتصام وتقديم مجموعة من المطالب قيد النظر.
كرداسة.. تراقب بحذر عودة الشرطة
كتب- عبدالرحمن مصطفى
قد لا تختلف الشعارات المتبقية هنا على الجدران عن أى منطقة أخرى فى مصر.. «يسقط مبارك»، «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكن الأكثر وضوحا فى مدينة كرداسة هو خلو مركز الشرطة من أى فرد تابع لوزارة الداخلية، إذ تم نقل العمل بشكل مؤقت إلى القرية الذكية، ورغم مرور أسابيع على قرار عودة الشرطة إلى العمل إلا أن كرداسة ظلت مدينة بلا شرطة. «عودتهم ليست بهذه البساطة، فالبعض لديه ثأر شخصى مع أشخاص كانوا يديرون مركز الشرطة»، يقول عمرو عبداللطيف عبارته ثم يكمل طريقه مع مجموعة من شباب كرداسة الذين لم تتجاوز أعمارهم الواحدة والعشرين ليقفوا أمام مركز الشرطة المحترق، ثم انتقل الحديث إلى أحمد خالد الذى بدأ فى الشرح قائلا: «فقدت كرداسة اثنين من الشهداء فى يوم جمعة الغضب 28 يناير، كان أحدهما حسام الجندى، وهو من أقرب أصدقائى». أثناء الحديث يخرج رجلان من داخل مبنى مركز الشرطة فى حالة من القلق مستفسرين عن سبب الوقوف أمام المركز، يعلق أحدهما واسمه محمد حامد قائلا: «أريد أن أوضح أنه لابد من عودة الشرطة». ينصت إليه الشباب وهو يتحدث عن حوادث السرقة التى وقعت مؤخرا، وعن ضبط لصوص حاولوا سرقة ما تبقى من مركز الشرطة، أما عن مهنته فهو يدير متجرا مجاورا للمركز مما جعله دائما فى قلب الحدث، ويضيف قائلا: «هناك مساجين هاربون ما زالوا طلقاء لم يضبطهم أحد، ونحن نقلق على بناتنا حتى من الذهاب إلى المدرسة فى هذه المرحلة، لقد طالبنا بتغيير طاقم العاملين فى مركز الشرطة حتى تهدأ النفوس». ينهى عبارته ثم يشير إلى لافتة معلقة أعلى مبنى مركز الشرطة مكتوبا عليها «دار للأيتام» فى إشارة ساخرة من أحدهم تدل على حالة مركز الشرطة. فى الطريق إلى موقع آخر يكمل أحمد خالد صديق الشهيد الراحل حسام الجندى حديثه مشيرا بيده إلى لافتة أعلى أحد الشوارع الرئيسية تحمل صورتى شهيدى كرداسة إحداهما حسام صديقه، ويضيف: «فى ذلك اليوم فعلت الشرطة كل شىء، أطلقت الغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحى، وقطعوا الكهرباء عن المكان كله، ومع كل خطوة كان غضب الشباب والأهالى يزداد». أثناء حديث أحمد خالد كان أصدقاء الراحل حسام الجندى يؤكدون فى عبارات قصيرة أن ما حدث فى ذلك اليوم من قمع استدعى كل الذكريات السيئة التى عاشوها من قبل فى التعامل مع الشرطة.
يتبع دائرة قسم كرداسة ــ إداريا ــ أكثر من نصف مليون مواطن متفرقين بين قرى ومراكز مجاورة لمدينة كرداسة الرئيسية حيث هناك مركز تجارى لصناعة النسيج، ويقع إلى جوار مركز شرطة كرداسة موقف سيارات الميكروباص، وهى الفئة الأكثر تضررا من وجود المركز إلى جوارهم طوال السنوات الماضية. الجميع فى موقف الأجرة يتحدثون لغة واحدة عن تجاوزات تعرضوا لها، وعن تضررهم من عدم وجود نيابة فى مبنى المركز، ما يعرضهم للحبس الجبرى دون أن أى رقيب، البعض ردد عبارات مثل: «نريد رقابة على الشرطة»، وآخرون كانوا فاقدين للثقة تماما فى الشرطة فقالوا: «احنا كده كويسين من غير شرطة». هذه العبارة الأخيرة أصبحت تتعارض مع رغبة بعض السكان فى عودة الشرطة مع ازدياد حالات السرقة، وهو ما أوجد بعض المبادرات التى تسير فى اتجاه التوفيق بين كل هذه الآراء. يرى الدكتور سمير نعيم ــ أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ــ أن هناك صورة تحققت بالفعل فى مصر لأداء الشرطة يمكن استعادتها مرة أخرى على أرض الواقع، ويشير فى مقال له بعنوان: «مجتمع ميدان التحرير.. مصر الفاضلة» (جريدة الشروق ــ 26 فبراير الماضى) إلى الفرق التطوعية التى تكونت داخل ميدان التحرير وكيف كان كل فرد فى الميدان حريصا على الأمن وعلى الكشف عن أى مخالفات للأمن العام فى ميدان التحرير، ويعلق الدكتور سمير نعيم قائلا: «هذه الصورة التى تكونت فى ميدان التحرير، جعلت الناس فى الميدان تحترم هؤلاء المتطوعين كبديل عن الشرطة فى هذا الموقع، تلك العلاقة هى التى يجب أن تكون عليها العلاقة مع جهاز الشرطة فى جميع أنحاء مصر، لكن ذلك لن يتحقق إلا بعد إسقاط النظام القديم فعليا وتحقيق أهداف الثورة لأن جهاز الشرطة فى النهاية ما زال يدار كامتداد للنظام السابق». ويطرح الدكتور سمير نعيم شروطا لبناء علاقات جديدة بين الشرطة والشعب على رأسها أن يشعر الشرطى باحترام كرامته فى العلاقات مع قادته داخل هذا الجهاز، وإعطائه حقه المادى الملائم لعمله، وأن تتعامل الحكومة مع جهاز الشرطة على أنه أداة لحفظ الأمن العام وليس جهازا للأمن السياسى، وحسب عبارته: «يجب أن يشعر المواطن بأن الشرطة جزء منه، مثلما كان الوضع مع متطوعى حماية الأمن فى ميدان التحرير». أما فى كرداسة فلم يجد البعض حلا سوى فى أن يقود مبادرة لتحريك الأوضاع قليلا، المستشار رءوف منير روفائيل الذى يحمل خلفية قانونية يرى الموقف بشكل آخر، يقول: «من المؤكد أن هناك أصحاب مصالح فى غياب الوجود الأمنى فى كرداسة، وهو ما جعلنا نفطن إلى ضرورة حل هذا الموقف فى أقرب فرصة». تصدى المستشار لمبادرة بالتعاون مع مجموعة من الشباب بعضهم لهم وجود على الفيس بوك من خلال مجموعة تحت اسم «شباب كرداسة»، وتعتمد المبادرة التى شارك فيها محامون ومثقفون من كرداسة فى أخذ ضمانات من مديرية أمن أكتوبر ترضى عائلات الشهداء والمصابين وكان على رأسها عدم إعادة الوجوه القديمة نفسها من العاملين فى مركز الشرطة. وتحاول هذه المبادرة احتواء الفئة الأكثر غضبا من سائقى الميكروباصات، خاصة أن بعضهم قاد اعتصاما حين بدأ احتكاكه برجال الشرطة خارج كرداسة، يرى الدكتور سمير نعيم أن هذه المبادرات لابد أن تتسق مع مؤشرات لتغيير نظام هذا الجهاز ويعلق قائلا: «ما زال العاملون كما هم بتدريبهم القديم، وما زالت الثقافة القديمة تدير العلاقات مثلما نرى فى هيئة المخبر القديم وأدائه لعمله». ويقترح الدكتور سمير نعيم أن يكون هناك تعاون بين أجهزة النظام الثورى الجديد ــ بعد إسقاط القديم ــ وجهاز الشرطة، من أجل بناء علاقات جديدة. أما المستشار رءوف منير روفائيل فيرى أن المبادرة التى يشارك فيها مع الشباب المثقف من كرداسة قد تصنع تغييرا، حسب حديثه يقول: «سنصنع حوارا مع السائقين بتعريفهم حقوقهم وواجباتهم، وأن يلتزموا بما عليهم حتى لا يدعوا فرصة لأحد أن يعتقلهم، كما سنطالب الخطباء فى المساجد بأن يتعرضوا لهذه المشكلة وكيفية بناء علاقات جديدة». هذه المبادرة لاقت قبولا لدى الكثيرين خشية أن يؤثر غياب الأمن لمدة طويلة على الحياة فى هذه المدينة. لكن فى طريق العودة من كرداسة إلى جوار المدينة الجامعية حيث تستقر سيارات الميكروباص القادمة من كرداسة يرى السائقون الحال بشكل مختلف، على أرض الواقع فى ذلك اليوم كان أحد أمناء الشرطة لا يرتدى زيه الرسمى يعنفهم لأنه يريد أن «توصيلة» إلى مديرية الأمن كى يأتى بأغراض خاصة من هناك، وزاد العنف اللفظى حين رفض السائقون توصيله، حتى استجاب أحدهم إنقاذا للموقف، يقول شريف المصرى، أحد السائقين: «أعمل فى هذا المجال منذ عشر سنوات أى قبل تأسيس مركز كرداسة نفسه، لكن الضغوط علينا كانت تزيد.. نعتقل دون تهمة، وعلينا السمع والطاعة لرغبات الشرطة ونجد أنفسنا نعمل كسائقين لديهم ومن يخالف يتعرض للإذلال.. هذا المركز فى كرداسة لم يحترق عبثا، لكن كان الناس لديهم ضغائن تجاهه». ينهى شريف جملته ويبدأ فى تحميل سيارته بعد أن نجا من أمين الشرطة، ويفكر فى مستقبل العلاقة إذا ما عادت الشرطة إلى كرداسة، خاصة بعد قيام السائقين باعتصام وتقديم مجموعة من المطالب قيد النظر.
الكارتة .. حالة ترقب فى عبود
اختلف حال موقف الأجرة عن حاله فى أول خميس بعد خطاب التنحى الشهير، فى ذلك اليوم كان موقف عبود شعلة من الغضب الذى سيطر على السائقين، إذ اقتحم الموقف مجموعة من البلطجية حاملين السيوف والكرابيج واعتدوا على السيارات والسائقين قهرا لهم كى لا يعترض أحدهم على دفع الكارتة. فى ذلك اليوم حاصرهم السائقون داخل مبنى الإدارة وسط رجال الشرطة العسكرية حتى انتهى الموقف، أما اليوم فقد اختلف الوضع تماما.. إذ كانت المشكلة الرئيسية لدى السائقين هى رفض دفع الكارتة مضاعفة مثلما كان الحال، أما اليوم فعادت الأمور كما كانت مع بعض الحذر من الجانبين. السيد عيدروس سائق أجرة (القاهرة ــ دكرنس) كان أحد شهود ذلك اليوم، بعدها بأيام اختار أن يكون الحديث داخل سيارته منعا للفت الانتباه، يشرح سبب الأزمة قائلا: «الإيصال الذى أستلمه عند وصولى إلى الموقف قيمته ستة جنيهات، لكننا نجبر من العمال هنا على أن ندفع عشرة جنيهات، ثم ندفع خمسة أخرى عند مغادرة الموقف، أى خمسة عشر جنيها.. هذا بعيدا عن سوء المعاملة وإمكانية الترصد لأحد السائقين عند الخلاف مع عمال الكارتة». يشير إلى سيارة تقف خلف طابور الميكروباصات المنتظرة قائلا: «هذه سيارة مخالفة، لأنها ليست مقيدة فى سجلات الموقف، لكننا مجبرون على قبولها، لأن المسألة تدار بالعلاقات الشخصية». قبلها بعدة أيام حين قامت ثورة السائقين على الكارتة كانت الهتافات تتردد «الجزيرة فين.. موقف عبود أهه». كان اللواء محمد سليمان ــ مدير موقف عبود ــ هو الآخر محاصرا فى ذلك اليوم داخل المبنى لولا تدخل القوات المسلحة لإنهاء الموقف. يحاول اللواء محمد سليمان التوضيح قائلا: «أنا مهمتى هنا إدارية.. لكن مشاكل تربح بعض العاملين فى الموقف وضغطهم ماليا على العاملين هذه مهمة قانونية تحتاج إلى ضبطية وتعاون من المتضرر». يذكر اللواء محمد سليمان أنه حاول ترتيب ضبطية لأحد العاملين قبل سنوات عديدة وفى أثناء التحقيقات تراجع السائق المتضرر ترضية للعامل. ويضيف اللواء محمد سليمان: «بعض الأمور تحدث هنا تحت بند المجاملات، ولا أستبعد أن يكون مجىء البلطجية قد تم تحت هذا البند». بعيدا عن تفسيرات مدير موقف عبود فإن عددا كبيرا من السائقين أظهروا انعدام الثقة فى الإدارة بل والتشكيك فى بعض العاملين، وكان المطلب الرئيسى هو تبديل وجوه العاملين والقيادة لأن استقرارهم لفترات طويلة يقويهم على السائقين. أثناء الحديث فى سيارة السيد عيدروس يمر بعض السائقين كى يقدموا شهاداتهم مثل عمرو سائق البيجو الذى يعمل هو الآخر فى الموقف منذ تأسيسه قبل أكثر من 15 سنة، يشير إلى أن مشاكلهم لا تنحصر فى الموقف فقط، فطوال الطريق هناك من يبتزهم سواء ممن ينتمون إلى الشرطة أو من عمال كارتة «بلطجية» على الطريق إلى القاهرة، يضيف عمرو ساخرا: «بعد أن ثرنا على دفع الكارتة بقيمة 15 جنيها بدلا من قيمتها الأصلية وهى ستة جنيهات تطوع بعضنا بأن يدفع الستة جنيهات وعليها جنيهان من باب الترضية لعمال الموقف، لكن المفاجأة أنهم لم يوافقوا.. إما القيمة الأصلية أو القيمة التى وضعوها هم». حتى الآن ما زال الموقف متوترا خاصة بعد أن جرب السائقون دفع الكارتة الأصلية دون الخضوع لأوامر عمال الموقف.
اختلف حال موقف الأجرة عن حاله فى أول خميس بعد خطاب التنحى الشهير، فى ذلك اليوم كان موقف عبود شعلة من الغضب الذى سيطر على السائقين، إذ اقتحم الموقف مجموعة من البلطجية حاملين السيوف والكرابيج واعتدوا على السيارات والسائقين قهرا لهم كى لا يعترض أحدهم على دفع الكارتة. فى ذلك اليوم حاصرهم السائقون داخل مبنى الإدارة وسط رجال الشرطة العسكرية حتى انتهى الموقف، أما اليوم فقد اختلف الوضع تماما.. إذ كانت المشكلة الرئيسية لدى السائقين هى رفض دفع الكارتة مضاعفة مثلما كان الحال، أما اليوم فعادت الأمور كما كانت مع بعض الحذر من الجانبين. السيد عيدروس سائق أجرة (القاهرة ــ دكرنس) كان أحد شهود ذلك اليوم، بعدها بأيام اختار أن يكون الحديث داخل سيارته منعا للفت الانتباه، يشرح سبب الأزمة قائلا: «الإيصال الذى أستلمه عند وصولى إلى الموقف قيمته ستة جنيهات، لكننا نجبر من العمال هنا على أن ندفع عشرة جنيهات، ثم ندفع خمسة أخرى عند مغادرة الموقف، أى خمسة عشر جنيها.. هذا بعيدا عن سوء المعاملة وإمكانية الترصد لأحد السائقين عند الخلاف مع عمال الكارتة». يشير إلى سيارة تقف خلف طابور الميكروباصات المنتظرة قائلا: «هذه سيارة مخالفة، لأنها ليست مقيدة فى سجلات الموقف، لكننا مجبرون على قبولها، لأن المسألة تدار بالعلاقات الشخصية». قبلها بعدة أيام حين قامت ثورة السائقين على الكارتة كانت الهتافات تتردد «الجزيرة فين.. موقف عبود أهه». كان اللواء محمد سليمان ــ مدير موقف عبود ــ هو الآخر محاصرا فى ذلك اليوم داخل المبنى لولا تدخل القوات المسلحة لإنهاء الموقف. يحاول اللواء محمد سليمان التوضيح قائلا: «أنا مهمتى هنا إدارية.. لكن مشاكل تربح بعض العاملين فى الموقف وضغطهم ماليا على العاملين هذه مهمة قانونية تحتاج إلى ضبطية وتعاون من المتضرر». يذكر اللواء محمد سليمان أنه حاول ترتيب ضبطية لأحد العاملين قبل سنوات عديدة وفى أثناء التحقيقات تراجع السائق المتضرر ترضية للعامل. ويضيف اللواء محمد سليمان: «بعض الأمور تحدث هنا تحت بند المجاملات، ولا أستبعد أن يكون مجىء البلطجية قد تم تحت هذا البند». بعيدا عن تفسيرات مدير موقف عبود فإن عددا كبيرا من السائقين أظهروا انعدام الثقة فى الإدارة بل والتشكيك فى بعض العاملين، وكان المطلب الرئيسى هو تبديل وجوه العاملين والقيادة لأن استقرارهم لفترات طويلة يقويهم على السائقين. أثناء الحديث فى سيارة السيد عيدروس يمر بعض السائقين كى يقدموا شهاداتهم مثل عمرو سائق البيجو الذى يعمل هو الآخر فى الموقف منذ تأسيسه قبل أكثر من 15 سنة، يشير إلى أن مشاكلهم لا تنحصر فى الموقف فقط، فطوال الطريق هناك من يبتزهم سواء ممن ينتمون إلى الشرطة أو من عمال كارتة «بلطجية» على الطريق إلى القاهرة، يضيف عمرو ساخرا: «بعد أن ثرنا على دفع الكارتة بقيمة 15 جنيها بدلا من قيمتها الأصلية وهى ستة جنيهات تطوع بعضنا بأن يدفع الستة جنيهات وعليها جنيهان من باب الترضية لعمال الموقف، لكن المفاجأة أنهم لم يوافقوا.. إما القيمة الأصلية أو القيمة التى وضعوها هم». حتى الآن ما زال الموقف متوترا خاصة بعد أن جرب السائقون دفع الكارتة الأصلية دون الخضوع لأوامر عمال الموقف.
**
صحفيون بلا خوف: تعالوا نسترد مجلتنا
على المدونة التي تحمل عنوان : مجلة صباح الخير الأصلية، كتب الصحفي ناصر خليفة قبل أكثر من عشرة أيام أن كثيرا من الصحفيين قد أيقن "أن تحرير صحفهم يبدأ من ميدان التحرير فانضموا إلى ثورة المصريين وبعد نجاحها تأكدوا أن جرائدهم ومجلاتهم عادت إليهم مرة أخرى لأنهم أصحابها ". تلك الكلمات الحماسية تخفي وراءها موقفا تبناه حوالي 25 صحافيا من مجلة صباح الخير التابعة لمؤسسة روز اليوسف الحكومية، إذ لم يحتملوا أن يكتبوا معلومات مضللة عن الثورة، وقرروا إنشاء مساحة على الانترنت حتى ينجحوا في تحقيق مطالبهم وعلى رأسها إقالة رئيس التحرير محمد عبدالنور، تعلق الصحفية أمل فوزي على ذلك قائلة : "النقطة الفاصلة لعودتنا هي استقالة رئيس التحرير، فلم يعد من المقبول أن نتعامل مع من قام بتخوين الثورة، ورفض نشر الحقائق، ثم بدل موقفه اليوم". لهذا الموقف الذي تعبر عنه أمل فوزي وزملائها خلفيات لم يقبلها كثير من الصحفيين القدامى حين كان يطلب منهم تلميع صورة بعض أركان النظام السابق بشكل فج، مثل صفوت الشريف و جمال مبارك و سوزان مبارك. وهو ما جعل شريحة من الصحفيين تعزل نفسها بعيدا وتتجه للكتابة في أماكن أخرى، حتى إذا ما بدأت الثورة شعروا أن لهم حقا عليهم استرداده. تلك التطورات التي أحدثتها ثورة 25 يناير ما زالت تنتظر مزيدا من الإجراءات لتطوير حال الصحافة، وفي كتاب (تطور الصحافة المصرية- العربي للنشر والتوزيع، 1985) للدكتورة ليلى عبدالمجيد أستاذة الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، ترصد تأثيرات ثورة 52 على الصحافة وما أعقب ذلك حتى العام 1981، ولاحظت بشكل عام أن تلك الفترة كان الاتجاه فيها نحو الحد من الاجتهادات الذاتية للصحفيين في إدارة أمورهم وتضييق حرية التعبير عن الرأي عدا أهل الثقة من الصحفيين. وتوضح الدكتورة ليلى أن الأمر استمر بعدها حتى ثورة يناير، وتعلق قائلة: "أتوقع أن تبدأ التغييرات الحقيقية بعد فترة الستة أشهر القادمة، مع دستور جديد، وإعادة النظر في النصوص القانونية الخاصة بالصحافة والإعلام، وفك الاشتباك بين سيطرة الدولة على الصحف الكبرى التي انتقلت تبعيتها إلى الدولة.. كل هذه الأمور قد تغير فعلا من بيئة العمل الصحفي بشكل واضح". تلك المرحلة لم تبدأ بعد بقدر ما تم التركيز على رحيل القيادات والمطالبة بحقوق الصحفيين حتى وصلت الاحتجاجات إلى الصحف المستقلة أيضا. أما أمل فوزي التي عملت منذ العام 91 أثناء تدريبها في مجلة صباح الخير ترى هي وزملائها أن التغيير في المؤسسات القومية لن يتم إلا بعد رحيل قياداتها وذلك تمهيدا لتأسيس علاقات جديدة. على مدونة "صباح الخير الأصلية" كتب جورج أنسي عن نموذج رآه في جريدة الواشنطون بوست الأمريكية ويتمنى أن يراه في الصحف المصرية، تلك الطموحات المهنية ما زالت تنتظر التنفيذ. أما الدكتورة ليلى عبدالمجيد فترى أن الحالة العامة التي تطالب الآن بأن يكون التغيير في الإعلام هو أول التغييرات ليست عملية، مطلوب الآن إصلاح، وتقول : "تغيير بيئة العمل الصحفي يتوقف على حالة النظام السياسي ومدى تغيره، فقد حدد النظام السياسي السابق علاقته بالصحافة في أن يسيطر عليها، أما اليوم فنحن في انتظار نظام سياسي جديد يدير حوار مجتمعي يعيد تشكيل حالة الإعلام المصري".
PDF
No comments:
Post a Comment