حين وجه الإعلامى الأمريكى وولف بليتزر سؤاله إلى الناشط المصرى وائل غنيم قائلا: «ماذا بعد تونس ومصر ؟!»، كانت الإجابة تلقائيا: «اسأل الفيس بوك». ثم أضاف غنيم: «أتمنى فى يوم من الأيام أن ألتقى مارك زوكربيرج ــ مؤسس شبكة فيسبوك الاجتماعية ــ كى أشكره بشدة». هذا الحوار جرى بعد ساعات من إعلان الرئيس السابق مبارك تخليه عن السلطة، لتظهر بعدها أسئلة أخرى عن دور الإعلام الجديد فى ثورة 25 يناير وكيف غيرت الثورة ملامح مواقع مثل (فيس بوك، تويتر، المدونات) لدى المستخدمين المصريين.
قبل 25 يناير لم يكن من الرائج وجود تعليق على شبكة الإنترنت موجها إلى القوات المسلحة المصرية من نوعية: «إيه البطء الممل ده؟.. كده أتوقع ثورة أخرى لإنقاذ الثورة»، هذا التعليق ليس سوى واحد من آلاف التعليقات التى تتلقاها صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على شبكة فيس بوك، ولم يعد أمام القوات المسلحة إلا الرضوخ لقواعد الإنترنت الحرة والصبر على التعليقات الغاضبة، فى السنوات الماضية كان حضور القوات المسلحة المصرية منحصرا على موقع بسيط باللغة الإنجليزية، وبعض فيديوهات الصاعقة المنتشرة على الإنترنت.. لم يعد غريبا الآن أن يكتب أحدهم على صفحة مجلس الوزراء على الفيس بوك تعليقا مثل: «لازم تبينوا كرامة عشان صورتكم تبقى حلوة أمام الشعب العظيم»، إذ تمر التعليقات ويتم التعامل معها بصبر، على عكس القطيعة، التى كانت بين الجهات الحكومية والشباب على الإنترنت فى السنوات الماضية. يرى الدكتور محمود خليل ــ أستاذ الصحافة بكلية الإعلام فى جامعة القاهرة ــ أن النظام الماضى كان يتعامل بقدر كبير من الجهل بأدوات الإعلام الجديد على الانترنت، ويعلق قائلا: «كان هناك نوع من الجهل بمفاهيم سياسية حديثة نتجت عن التقاء عالم الإنترنت والسياسة مثل مفهوم الديمقراطية الإلكترونية، بل كان يتم تهميش المجموعات السياسية، التى وجدت لها مساحة فى فضاء الإنترنت». هذه الخطوة من الجهات الحكومية للوجود فى مواقع على الإنترنت ذات سمعة «شبابية» أصابها بعض الارتباك إذ أصدرت نفس هذه الجهات (المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورئاسة مجلس الوزراء) توضيحات تؤكد على وجود صفحات أخرى شبيهة (غير رسمية) يجب الحذر فى التعامل معها. هذا الارتباك داخل مواقع التدوين والشبكات الاجتماعية رسم ملامح جديدة لهذه المواقع، فبعدما كانت الأضواء مسلطة على شباب لمعوا من خلال الانترنت بسبب نشاطهم السياسى أو بسبب كتاباتهم فى مدوناتهم على مدار السنوات الماضية، أصبحت هناك قواعد جديدة ناتجة عن التعطش لمقال رصين لشاب من شباب التحرير، ولم يعد اسم الكاتب أهم من المضمون السياسى داخل شبكة مثل الفيس بوك، بل ظهرت مفاجآت أخرى لفئات ظهرت بشكل مختلف تماما مثل الشرطة التى أصبح هناك من يمثلها فى ثوب إصلاحى مثل «ضباط ضد الفساد» أو «ضباط شرطة ضد الفساد». وبعد صعود شريحة السلفيين على الساحة السياسية مؤخرا، بدأت حالة من الوجود السلفى فى مواقع لم يكونوا عليها بالكثافة نفسها مثل شبكة فيسبوك الاجتماعية. يحذر الناشط الحقوقى والمدون ــ علاء عبدالفتاح ــ من خداع الفيس بوك لمستخدميه قائلا: «فى النهاية أنت ترى ما يتم تبادله بين دائرة أصدقائك على الموقع من مقالات وفيديوهات، وليس بالضرورة أن يعبر عن ظاهرة حقيقية شاملة لدى مستخدمى الفيس بوك.. فعلى سبيل المثال كانت فترة اعتصام التحرير فرصة للتعرف على شباب سلفى هناك، وبعضهم أضاف أصدقاء جددا فى الفيس بوك، وبالتالى انضم إلى دوائر أخرى جديدة بعيدا عن التجمعات السلفية التقليدية على الإنترنت، لكن هذا لا يمثل ظاهرة حقيقية، خاصة أن أغلبهم من مستوى ثقافى معين». يرى علاء عبدالفتاح أن طبيعة التجمعات السلفية على الإنترنت ذات طابع خاص مرتبط بمرجعية الشيخ وقائمة على التحزب والتحفظ لحماية العقيدة، وهو ما يناسب المنتديات الإلكترونية، حيث الرقابة الصارمة، مما يؤكد فكرته حول عدم وجود هجرة حقيقية للسلفيين نحو أدوات الإعلام الجديد.
ملامح أخرى
من ضمن الملامح الجديدة لعالم الإعلام الجديد هو ظهور وجوه قديمة بشكل جديد، مثل الفنانين والإعلاميين حين يتحول إلى مادة للتندر ــ الفنانة عفاف شعيب نموذجا ــ بسبب تصريحات أدلى بها أثناء الثورة، أو أن يتم تبادل مقالات كتبها سيناريست ومخرج مثل محمد دياب على شبكة الفيس بوك فى موقف لم يكن ليحدث لولا موقفه الداعم للثورة. يتوقع الدكتور محمود خليل ــ أستاذ الإعلام ــ فى الفترة المقبلة أن ينعكس الواقع السياسى بشدة على الإعلام الجديد، إذ يقول: «أصبحنا نسأل الآن هل أنت مع النظام القديم أم الجديد..؟ مع الاستقرار أم التغيير؟ هذه الروح ستنعكس على الإعلام الجديد، أتوقع أن يحدث ما نسميه بتفكيك الحشد، خاصة أننا مقدمون على مرحلة ستدخل إليها قوى سياسية جديدة فى حاجة إلى أدوات إعلامية رخيصة توافرها الإنترنت». هذا الزحام أحيانا ما يصاحبه تضارب فى المعلومات، وهو ما حدث مع صفحات كبرى على شبكة فيس بوك وموقع تويتر لتدوين الرسائل القصيرة، كانت لها مصداقية عالية أثناء فاعليات الثورة مثل شبكة رصد الإخبارية، التى تعرضت للتشكيك بعد بثها أخبارا عن وقوع حوادث فى مواقع محددة، ونفى أعضاء الصفحة حدوثها، كما اتهمها آخرون بأن وراء الصفحة مصالح إخوانية، وهو ما اضطرها إلى الإعلان عن هوية مديريها وأماكن وجودهم ومهنة كل واحد منهم من أجل استعادة مصداقيتها.
هذه الأجواء القلقة تزداد مع الحوادث الكبرى أيضا، مثلما حدث مع موجة الهوس بتسريبات وثائق جهاز أمن الدولة السابق بعد اقتحام مقاره وظهور عدة صفحات تعرض بعض هذه الوثائق.. لكن عدم القدرة على التأكد من صحة الوثائق ومصدرها الحقيقى دفع البعض إلى التشكك فى صحة بعضها، بينما واجه آخرون ذلك بالسخرية، إذ زيّف أحدهم وثيقة تثبت أن مصر اختارت «شيبسى» بطعم الملوخية وليس الجمبرى فى إشارة إلى الإعلان الشهير، وذلك لمجرد التأكيد على إمكانية تزييف أى وثيقة على الإنترنت ونسبها إلى أى جهة. يقول الدكتور محمود خليل: «ما زلنا فى البداية وفى ضوء أننا بلد ما زال لم يصك قانونا لتداول المعلومات سنظل نعمل بعيدا عن الاحترافية»، ويزيد غياب الاحترافية حسب رأى الدكتور محمود خليل بسبب طبيعة أدوات الإعلام الجديد نفسها وصعوبة السيطرة على انتشار المعلومة أو مراجعتها بسهولة. ويرى علاء عبدالفتاح أن خطورة انتشار معلومات مغلوطة على شبكة الفيس بوك ــ تحديدا ــ هو أنها تصل إلى العضو عن طريق شبكة علاقاته مما يعطيها بعض المصداقية خاصة مع تكرارها على عكس المدونات قديما حين كان المجال مفتوحا للمراجعة من الزوار والمدونين الآخرين، ويقول: «فى الجزء الأول من أحداث الثورة كنت خارج مصر ورأيت كيف أن بعض المصريين فى الخارج قد ساهموا فى نشر بعض الشائعات مثل الهجوم على مدينة الرحاب من البلطجية، ووصل الخبر إلى مصر وانتشر رغم عدم مصداقيته، وهذه الحالة من الشائعات لم تظهر فى السنوات الأخيرة بهذا الشكل سوى وقت صراع مصر والجزائر حين تم بث كليبات مزيفة من البلدين للتحريض على الكراهية».
بعيدا عن هذه الأجواء القلقة يستعير البعض اللمحة الفكاهية، التى ارتبطت بثورة 25 يناير فى صفحات على الفيس بوك يسخرون فيها على كل تطور يطرأ على الأحداث، إحدى هذه الصفحات انطلقت من خلفية حضور البلطجية فى الأحداث مؤخرا، ودشن مؤسسوها «الصفحة الرسمية للبلطجية فى مصر»، وأصبحت مهمة أكثر من 30 ألف عضو هى تقمص شخصية البلطجى والتهكم على ما يدور حولهم من أحداث تخفيفا لقلقهم، يمر أحد الأعضاء قائلا: «عايز أسأل سؤالا.. الناس اللى مشتركة هنا مكتفية بالهزار والضحك ومش بتشارك فى أى خطوة من خطوات إصلاح البلد؟» فيأتى الرد من مدير الصفحة: «إحنا بنتكلم جد جدا بس بأسلوب ساخر، اتكلمنا عن التعديلات الدستورية، اتكلمنا عن اللى بيحصل فى الإعلام، واتكلمنا عن الطائفية». بعض أعضاء الصفحة لهم اهتمامات سياسية حقيقية لكنهم يتابعون الصفحة وصفحات أخرى شبيهة كجزء من المشهد، الذى فرضته ثورة 25 يناير على الإنترنت والإعلام الجديد.
No comments:
Post a Comment