Tuesday, December 7, 2004

الصراحة في غرفة العناية المركزة..!

كنت مارا يوم الأحد 5 ديسمبر ليلا بجانب كاتدرائية العباسية ، فلفت نظري ذلك الجمع الغفير المرابط حولها من رجال الشرطة والأمن المركزي ، والحقيقة أني كنت قد شعرت بالغيظ لعدم معرفتي ما يدور هناك حتى علمت تفاصيل الخبر - كالعادة- من مصدر إعلامي خارج وسائل إعلامنا الحكومية، والذي تحدث عن مظاهرة قام بها مسيحيون عقب جنازة الراحل / سعيد سنبل مطالبين فيها برفع المظالم عن الأقباط.. تلك المظالم التي كان آخرها - حسب زعم البعض- اختطاف زوجة أحد القساوسة من قبل زميل لها في العمل أجبرها على الدخول في الإسلام، و زعم البعض أن الجهات الأمنية تتستر على هذا الأمر.
هكذا قرأت الخبر في "إيلاف" ، ثم سمعته مرة أخرى من محطة الــ BBC التي تحدثت عن مظاهرة "قبطية" حول الكاتدرائية ، فجاءت كل تلك الأمور لتتلاءم مع ما رأيته بعيني في تلك الليلة من تواجد مكثف لقوات الشرطة. والحقيقة.. أن مثل تلك الادعاءات كوجود حالات إكراه على الدخول في الإسلام ليست بالأمر الجديد ، فقد اتهم منذ عدة أيام أمين الحزب الوطني في مدينة أسيوط ، الذي قيل بأنه يعمل على تحويل الأقباط وخصوصا النساء إلى الإسلام.

وأتذكر أنه منذ فترة ليست بالبعيدة ، قد تم توجيه إصبع الاتهام إلى أحد أصحاب محلات السوبر ماركت الذي قيل عنه أنه يستدرج الفتيات المسيحيات على وجه الخصوص من خلال عروض المحل إلى الدور العلوي بالمحل ، وهناك يقوم بإجبارهن على الدخول في الإسلام ، وقيل في بعض الروايات الأخرى أنه قد تم الاعتداء على البعض..! ورغم بلاهة بعض تلك القصص ، إلا أن البعض يروج لها ويعتبرها إحدى مرجعياته في تحديد علاقته مع المسلمين ، خصوصا من أبناء جيلي المرعوب من الحياة ، وما بها من مشاكل.هذا الجيل لم يشهد أحداث الزاوية الحمراء التي عرفت بأحداث الفتنة الطائفية ، و التي كانت كل علاقتنا بها ، هو تلك العبارات التي ذكرها الممثل "أحمد زكي " عن لسان الرئيس السادات في فيلم (أيام السادات)، والتي صورت الأمر على أنه " خناقة عادية بين إتنين مواطنين زي اللي بتحصل كل يوم .. مية غسيل نقطت على الجيران .. والظاهر إن هي مية مش ولا بد يعني .. تطورت إلى أحداث مؤسفة بتصور للعالم إن في مصر فتنة طائفية...إلخ" ، وصدَّق أبناء جيلي هذه العبارات من أحمد زكي ، لأن أسلوب السادات في تناول المشكلة ، هو نفس الأسلوب الذي نواجه به أزماتنا حاليا، فإذا كان هذا تناول السادات فعلا للموقف فعلا وقتها ، فهو تناول سطحي لازلنا نتعامل به حتى الآن في مسألة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. فمثل تلك الأحداث أو حتى الإشاعات لا بد أن يكون لها دلالاتها لدى أبناء المجتمع ، خصوصا في عصر يفيض بالتعصب بين مختلف الطوائف ،, يظهر فيه فئة "محتكري الأديان" في مختلف الأديان والطوائف.

الأولى بنا - كشعب - قبل الحكومات أن نواجه مسألة عدم الصراحة وعدم القدرة على المواجهة لدى شعبنا ، والتي ينتج عنها دائما أن نلقي باللائمة على أطراف خارجية كنوع من الهروب ، أو أن نهرب إلى التقوقع في داخل جماعات دينية أو شلل (ترفيهية) كل همها المخدرات والحريم..! أما آن الأوان أن نكون أكثر صراحة وشفافية وصدقا مع بعضنا البعض ..؟؟ إننا في داخل الحوارات الرسمية نعترف كمصريين ـ مسلمين ومسيحيين ـ أنه لا توجد أي مشاكل أو مشاعر سلبية بين الطرفين.

ألا تجدون معي أن هذا أمرا غير مألوف ، خصوصا وسط ما نعيشه اليوم من تعصب وتطرف وكراهية للآخرين..؟؟
إنني أجد وسط أبناء جيلي أن المسافات تتباعد بين أبناء الوطن ، ليس فقط بسبب الدين ، بل بسبب أمور كثيرة ، أما عن الدين .. فالبعض ـ مسلم أو مسيحي ـ أصبح يتخذه كهفا يتقوقع بداخله ، فينسي باقي البشر ، الذين يبدأ في النظر إليهم نظرة فوقية مليئة بالنرجسية والتعالي.

فأحيانا أجد بعض إخوتي المسيحيين يتجهون للانزواء والتعامل المتكلف الحذر مع الآخرين ، وأحيانا أجد بعض المسلمين يتعاملون مع المسيحيين بنفس التكلف غير المبرر.. الأمر الذي يجعل العلاقة بين الطرفين تملأها الحساسية.. هذا بالإضافة إلى داء (ضيق الأفق).. فبالرغم من انتشار التعليم عن ذي قبل ، إلا أن ضيق الأفق في تزايد مستمر ، والشخص ضيق الأفق غالبا ما يلقى المشاكل في طريقه ، ولكن مشاكله تلك يصبح لها تفسيرات أخرى إذا ما كانت من شخص مخالف في الديانة. وللأسف .. أجدنا نحن أبناء هذا الجيل أكثر سطحية ، وأقل معلومات ، مما يجعلنا أسهل انقيادا ، وأكثر تعصبا ، ثم أقل حرية و أقل إحساسا بالفردية ، وكل تلك الأمور تصنع شخصا ضيق الأفق، هذا بالإضافة إلى أن قلة المعرفة تدفع بصاحبها إلى الانضمام إلى مجموعة أيا كان تفكيرها، فيخضع لها مقابل حمايتها له من إحساسه بالوحدة وسط هذا العالم المخيف.

في النهاية.. أحب أن اعبر عن رأيي كواحد من جيل الشباب في مثل تلك الحوادث التي تعبر عن حالة الخرس الجماعي الذي يعيشه مجتمعنا و كذلك عن مستقبل الشباب مع مثل تلك الأحداث . أرى أنه إذا لم يتم تحويل الشباب عن ذلك الطريق الذي أصبح فيه الشاب خاضعا مستأنسا للأقوى ، سواء كان هذا الأقوى المتمثل في تدخلات و سلطة الأسرة أو المتمثل في أصحاب الصوت العالي بالمساجد والكنائس، ستكون النتيجة أن يلقى أبناء مصر جميعا مشاكل جمة ستعوق بالتأكيد مسيرة تنمية المجتمع.
خصوصا.. عندما تكون الصراحة المبنية على المعرفة واتساع الأفق قد أصبحت كالمريض بالغيبوبة الذي لا يغادر غرفة الإنعاش.
ــــــــــــــــــــــــــ

No comments:

Post a Comment