Tuesday, May 1, 2012

الترامادول.. مـزاج الليل وآخره !!



عبدالرحمن مصطفى
فى الساعة الواحدة صباحا ينخرط أحمد شوقى فى عمله داخل مقهى الإنترنت حيث يعمل منذ ثمانى سنوات، يبدأ العمل فى التاسعة مساء حتى التاسعة صباحا من اليوم التالى، فى تلك الأثناء يحرص على طقس يومى، يتناول قرصا من «الترامادول» من عينة 200 ملجم، أو من أى دواء قريب له يحمل نفس التأثير، مثل: تامول أو تيدول، وتبدأ رحلته اليومية. أسباب التعاطى يلخصها فى جملة واحدة: «هذا المحل أشبه بمدينة ملاهى، ولابد من شىء يجعلنى أتحمل كل هذا الضغط، وهو ما وجدته فى الترامادول قبل أربع سنوات». أحمد شوقى ــ وهو اسم مستعار حماية لخصوصيته ــ ليس وحده من يتعاطى الترامادول، فأحيانا ما يشاركه بعض زبائنه من الشباب، خاصة فى حالة وجود «الحشيش»، ولديهم نظرية حول ذلك تتلخص فى أن «الحشيش يدفع إلى الجبن، والترامادول يدفع إلى التهور، لذا فالاثنان معا يصنعان خلطة سحرية». بعد سنوات من الإدمان يعلم أحمد يدا أن نمط حياته هو سبب إدمانه، قائلا: «أنا طالب فى أحد المعاهد العليا منذ 9 سنوات، وفى الأغلب لن أتعافى من المخدرات بشكل عام إلا حين أترك هذا العمل وأبدأ حياة جديدة طبيعية، وسط أجواء أفضل». يختفى بعدها داخل مقهى الإنترنت بسبب وصول صاحب العمل، منتظرا عدة ساعات أخرى حتى يرحل صاحب العمل وينال حريته فى الحديث.
اخترق الترامادول فى السنوات الماضية عدة قطاعات، بدءا من الشباب المتعاطى لأسباب السهر، أو لإيجاد مزاج جديد مع نوع آخر من المخدرات، أو لاستخدامات جنسية حتى أصبح البعض يقدمه رشوة مصحوبة بالفياجرا!
وبعيدا عن مقهى الإنترنت حيث يعمل أحمد شوقى فى أطراف حى شعبى عريق، أوضح أحد سائقى التاكسى سبب استخدامه للترامادول، وهو تخفيف آلام الظهر التى أصابته من طول مدة قيادة السيارة، رغم إقراره بأنه يحصل عليه بصورة غير شرعية، ويشير إلى قدمه موضحا: «حين حاولت التوقف عن استخدامه، أصابتنى حالة هرش عنيفة فى قدمى، مثل أى مدمن»، لكن هذه الأعراض التى يتحدث عنها السائق، لها تفسير آخر عند الدكتور طارق نصار بحكم عمله لسنوات فى مجال علاج الإدمان، إذ يوضح أن: «البعض قد يصاب بالحساسية من تعاطى الترامادول، لكن الأخطر من ذلك هو أن يُصاب أحدهم بحالات تشنج أو بؤر صرعية فى الدماغ». هناك شرائح من أبناء المهن الليلة مثل رجال الأمن، ومصورى الأفراح، والسائقين، وغيرهم يستخدمون الترامادول بحثا عن النشاط والقدرة على السهر، والسبب فى ذلك أن القلق والتوتر هما اثنان من الأعراض الجانبية لهذا العقار الطبى، وهو ما يعطى إحساسا زائفا بالنشاط، كذلك فهو فى الأصل دواء مسكن للآلام لذا لا يشعر متعاطوه بما يبذله من جهد أو ألم، حتى إن البعض قد لا يشعرون بآلام أسنانهم أو مفاصلهم ويتأخرون فى علاجها. أما الشريحة التى اشتهرت باستخدامه فهم البلطجية ومعتادو الشجار، إذ تكفى خمس حبات لتجعل صاحبها فى حالة من التبلد والبلاهة، على حد وصف الدكتور طارق نصار. أما أحد أهم أسباب رواج الترامادول والتامول والتيدول فهو الثمن الرخيص، إذ يُباع الشريط من عشرين إلى ثلاثين جنيها، لكنها قد تزيد إلى خمسين، حسب صلة المتعاطى مع موزع المخدرات.
انظر حولك!
حول مقهى الإنترنت عالم صغير ينغمس فيه أحمد شوقى بكل حواسه، إذ يدير علاقات زبائنه، وينظم أوقات لعب الـ«بلاى ستيشن» ويشاركهم فى شرب الحشيش وتعاطى الترامادول: «أنا أعيش هنا أكثر مما أعيش مع أهلى، بمعنى أنى أستيقظ وأغسل وجهى هنا، وأجامل الناس فيجاملوننى، وهكذا أحصل أحيانا على ما أحتاج». هذه الصورة الوردية لا تجيب عن سؤال: من أين يحصل على هذا العقار المحرم الذى لا يتم صرفه من الصيدليات إلا بإجراءات معقدة؟ أحيانا ما يواجه أزمات، فالقواعد دائما تقول إن الغريب عن المربع السكنى يحصل على المخدرات بسعر أعلى، وهنا يواجه أحمد مشكلة جغرافية، إذ إنه ليس محسوبا على مربع سكنى بعينه، ما يدفعه إلى الاعتماد على أصدقائه وزبائنه كى يشتروا له معهم من أى موزع «ديلر» بسعر معقول، ويعلق على ذلك: «حتى لو خدعونى فى السعر، سأكون أنا الرابح، إذ سيتضاعف السعر إذا اشتريت بنفسى، كما أنى أريد أن أبتعد عن المخاطر».
عالمه ليس مقصورا على السايبر وزبائنه فقط، بل يمتد إلى المقهى البلدى الملاصق لمحل الإنترنت، إذ يشاركه بعض العاملين فى المقهى التعاطى، وحجتهم تتلخص فى منطق واضح: «طوال اليوم نقف على أرجلنا، وعلينا أن نركز فى عدد رصات الشيشة، ونراقب الزبائن، ولا يوجد حل سوى الترامادول». لكن هذه الحجج لا تفسر موقف زملاء لهم فى المقهى نفسه لا يتعاطون أى نوع من المخدرات.
وقرب الفجر يكون أداء هؤلاء العاملين «الِمترمِلين» قد وصل إلى أقصى درجات التوتر، حتى إن تسبب ذلك فى تصرفات غير مفهومة أو غير لائقة أو جمل استفزازية لزبائنهم المخلصين.. وأحد هؤلاء العاملين يمد أحمد شوقى بالترامادول، أما الحديث مع بعض زبائن المقهى فينعدم فيه الاحساس بالإدانة، لكن على جانب آخر تظهر قصص أخرى تنفى الصورة السعيدة التى قد يتصورها البعض عن مستخدم الترامادول، بدءا من السخرية من رجل سبعينى يستخدم الترامادول لأسباب جنسية، انتهاء بقصص بعض الباعة الذين اختفوا من الشارع بسبب افراطهم فى التعاطى، وانتهوا إلى اعتزال العالم وهم فى منتصف الثلاثينيات.
بعد آذان الفجر يخرج بعض الزبائن الشباب من مقهى الإنترنت إلى الصلاة، ويأتى آخرون ليبدأوا مباراة للبلاى ستيشن، ويقف أحمد شوقى أمام مقهى الإنترنت وقد بدت عليه أثار العصبية من الترامادول، ويطلق بعض العبارات تحمل تعميمات منها: «الشعب كله بيضرب ترامادول، لو مش عشان السهر، يبقى عشان الجنس». يدرك اللحظة الفارقة فى حياته، ويحددها بنهاية دراسته وانتقاله إلى عمل آخر وحياة جديدة، ويروى وهو الآن فى سن السادسة والعشرين أنه قبل عمله فى هذا السايبر كان شابا خجولا، لا يعرف الكثير عن الدنيا، ويقول: «هنا تعلمت كل شىء، المخدرات، وأنواع الموسيقى، والسياسة، وأصبحت أكثر قدرة على المواجهة». كل ما يطمح إليه هو أن يكون هذا العام النهائى لدراسته، أما الدكتور طارق نصار ــ المتخصص فى علاج الإدمان ــ فيقول: «جميع المراجع أجمعت على أن جماعة الأقران والأصدقاء غالبا ما تكون السبب فى تعاطى المخدرات، فابحث عمن حولك، حتى تفهم عاداتك اليومية».



فى موقع Tradekey للتبادل التجارى على الإنترنت، إعلان لإحدى الشركات المصرية تبدى فيه رغبتها فى شراء 200 كيلو جرام من المادة الخام للترامادول، ووضع المعلن رقم هاتفه.. فى الاتصال الأول، أنكر صاحب الرقم معرفته بالإعلان تماما أو معرفته باسم الشركة، لكنه عاد فى اتصال آخر ليوضح أن اسم الشركة الموجود على الموقع التجارى ربما تكون اسم الصيدلية التى كان يعمل بها سابقا، أما الصيدلية نفسها فقد نفت أى صلة بهذا الإعلان. وبالعودة إلى الموقع مرة أخرى تظهر إعلانات أخرى لشركات خارج القاهرة تطلب صفقات ترامادول خام، وأفراد آخرون تركوا أرقام هواتفهم مع عبارات بالإنجليزية من نوعية: «نحن نبيع الترامادول». أما صاحب الإعلان الأول الذى رفض ذكر اسمه، فقد قال إن هذه الإعلانات ربما تكون على سبيل التجربة ومعرفة أسعار السوق، نافيا أى صلة له بتجارة الترامادول. على أرض الواقع فإن استيراد الترامادول وإعادة تصنيعه فى مصر أشبه بمهمة مستحيلة، إذ إن صناعة دواء ترامادول تديره شركات كبرى مسجلة لدى وزارة الصحة، لكن ذلك لا يمنع حالات ضبطت فيها الشرطة تجارا استخدموا ترامادول خام وصنعوه فى عبوات مغشوشة لبيعها وسط المدمنين.
وتؤكد بيانات وزارة الداخلية أن أغلب كميات الترامادول المضبوطة قد دخلت مصر مهربة عبر الحدود، ويتم ترويجها عبر تجار وليس الصيدليات. وقبل أسابيع قليلة صرح وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم أن قد تم ضبط 200 مليون قرص ترامادول فى أسبوعين فقط، فى حين أن معدل التهريب لم يتجاوز الـ 100 مليون قرص فى إحدى السنوات السابقة.
«قبل حوالى 5 سنوات كان الترامادول موضوعا على الأرفف كأى دواء عادى، حتى أسىء استخدامه، وبعد قرار إدراجه فى جدول المخدرات لم أعد أتعامل معه نظرا لتعقيد إجراءات الحصول عليه، والأمر لم يعد يستحق العناء». العبارة للدكتور حسام موريس واصفا قلق بعض الصيدليات فى التعامل مع الأدوية التى تصنف فى جدول المخدرات ولها إجراءات معقدة للحصول عليها، رغم أنها أدوية طبية لها زبائنها من المرضى.
تبدأ قصة المواجهة الحقيقية مع الترامادول فى عام 2009 مع قرار وزير الصحة بإدراجه فى الجداول الخاصة بتنظيم تداول الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية، وهو ما دفع بعض الصيادلة وقتها إلى القلق من تداوله، فى حين كان البعض الآخر يحصل عليه من السوق السوداء، وهنا يظهر دور إدارة التفتيش الصيدلى فى وزارة الصحة لمراجعة ملفات الصيدليات، خاصة بعض القرار الأخير لوزير الصحة فى فبراير الماضى بنقل الترامادول إلى الجدول الأول الملحق بقانون المخدرات، وأن يتم صرفه بروشتات خاصة بأدوية «المخدرات» وعلى الصيدلى الاحتفاظ بما يثبت صرفه الكمية التى حصل عليها عبر الوزارة. عدا ذلك فقد يتعرض الصيدلى مثل أى تاجر يروج الترامادول إلى عقوبة جنائية.
يرى الدكتور عبدالغفار صالحين ــ رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى ــ أن هذه الإجراءات على الصيدليات ليست هى الفيصل فى الحد من انتشار الترامادول، معلقا: «يكفى أن نرى أن ما تم ضبطه عبر الحدود أثناء عمليات التهريب فى العام الماضى، فقد دخل إلى البلاد ما يوازى ما تم صنعه فى مصر على مدى 20 عاما مضت، وفى الحقيقة أن هذا التضييق على طرحه فى الصيدليات يعيق وصوله إلى المرضى، فى حين أن الأزمة فى جهة أخرى تماما، حيث التهريب عبر الحدود».

أصل العائلة
ظهر الترامادول فى مصر منتصف التسعينيات، لكنه أثار الجدل فى السنوات الأخيرة بعد إساءة استخدامه، ويتم صنع المادة الخام للعقار معمليا وكيميائيا، أما أسماء الشهرة للعقار وسط المتعاطين، فمنها «باور Power» لمن يعتبرونه منشطا أو «فراولاية» فى إشارة إلى لون قرص 200 ملجم، أو «تيمو» حسبما يفضل البعض تسميته. وطوال السنوات الماضية كانت الشركات المصرية مسيطرة على عملية الإنتاج، كما كان المنفذ الوحيد للتوزيع على الصيدليات عبر الشركة المصرية لتجارة الأدوية بمعرفة وزارة الصحة، وتتعدد أسماء المنتجات التى تحتوى المادة الفعالة نفسها: ترامادول هيدرو كلوريد. ومن هذه الأسماء التجارية للأدوية: ترامادول، تامول، تيدول، تراماك، الترادول وكنترمال وترامنديل.. وغيرها. لكن التهريب من الصين تحديدا فتح مجالا لنزول أقراص ذات تركيز عالٍ 200 ملجم حتى تساعد على الادمان، فى حين لم تكن تلك التركيزات متوافرة بهذا الشكل من قبل، أما الشكل الأسوأ فهو العبوات المعبأة فى مصانع غير مرخصة (تحت بير السلم) وكلها غير مطابقة للمواصفات، ووجود أقراص ذات تركيز عالٍ بكثافة يزيد من الأزمة، إذ إن نصائح الأطباء هى ألا يتجاوز الاستخدام الـ 400 ملجم فى اليوم، وهذا فى حالات السرطانات والآلام الشديدة فى العظام.
مشاكل فى الخارج
على مدى الأشهر الماضية تكررت نداءات وزارة الخارجية المصرية، بالتنبيه على المسافرين المصريين إلى السعودية وقطر والإمارات، بعدم حمل أنواع محظورة من العقاقير فى هذه البلدان، وعلى رأسها الترامادول، إذ قد يواجه حامل الترامادول فى دولة مثل السعودية عقوبة الإعدام، وهو ما عرض عشرات المصريين إلى الحبس فى السعودية لهذا السبب.
مزاج الثوار
فى إحدى الحلقات التليفزيونية وأثناء متابعة أحداث محمد محمود، هتف توفيق عكاشة وسط ضيوف برنامجه: «العيال دى بتضرب ترامادول، مستحيل يجيبوا الجرأة دى إلا بالترامادول»، واصفا بذلك إقدام المتظاهرين على النيران التى كانت مشتعلة أمامهم آنذاك. تلك الصورة التى تربط بين إقدام المتظاهرين وتعاطيهم الترامادول تستدعى ثقافة الشجار والبلطجة التى يستخدم فيها المشاغب أقراص الترامادول حتى يكمل شجاره بجرأة ودون إحساس بالألم وأن يستطيع مواصلة الشجار لساعات. وبعد أن وصل هذا الوصف إلى البرلمان بواسطة النائب السلفى الذى اتهم المتظاهرين بتعاطى الترامادول، فى إشارة تربطهم بثقافة البلطجة، عادت الكرة إلى ملعب المتظاهرين مرة أخرى، إذ كتب أحدهم ساخرا قبل مليونية (20 أبريل الماضى) بأيام على شبكة الإنترنت: «مش الإخوان فى البرلمان ده اللى قال التحرير فيه بلطجية بياخدوا 200 جنيه وبيضربوا ترامادول؟ إحنا بطلنا مخدرات ينزلوا هما بقى..!».

No comments:

Post a Comment