Friday, March 2, 2012

شباب الاعلام والثورة خارج العاصمة

في المنيا: مواجهة بين جيل التسعينات و جيل 25 يناير
-
الشباب: نشعر بعدم جدوى المظاهرات في الحضر، و العمل الخيري و الدين يسيطران على الريف.
كتب - عبدالرحمن مصطفى
حين كان عصام خيري عضو الجماعة الإسلامية في المنيا حبيسا في المعتقل عام 94، كان أحمد خيري الناشط في حركة 6 إبريل (الجبهة الديمقراطية) لم يتجاوز الرابعة من عمره، لكنهما اليوم ناشطان سياسيان في محافظة المنيا كتفا بكتف، ويحمل كل منهما تجربة مختلفة عن الآخر، ومواقف قد لا تلتقي قريبا. "المظاهرات أمر مشروع ما دامت لا تخالف الشرع والمصلحة العامة، و قد قامت الجماعة الإسلامية بإعتصامات ومظاهرات من قبل، أما اعتراض أفرادها اليوم فهو على ما يحدث من مسيرات ينظمها الليبراليون و اليساريون دون إجماع بقية المجتمع". يقف عصام خيري الصحفي الأربعيني أثناء حديثه على بعد أمتار من ميدان بالاس – معقل الأعمال الاحتجاجية- حيث يقع أيضا مقر حزب البناء والتنمية الواجهة السياسية للجماعة الإسلامية بعد الثورة . في هذه المساحة الجغرافية يقع مسجد صغير، كان أهم معاقل الجماعة الإسلامية في التسعينات، حين كانت تستخدم العنف المسلح ضد الحاكم. و على مدار الأشهر الماضية أبدى أبناء الجماعة معارضة لفكرة العمل الحركي في مسيرات ومظاهرات، بل كونوا لجانا شعبية لحماية المنشآت العامة تزامنت مع بعض المسيرات والمظاهرات التي نظمتها قوى ثورية في المنيا، منها حركة 6 إبريل في المنيا. أما الحجة التي استند إليها عصام خيري فهي أن "الجماعة أرادت التصدي لأي محاولة من المندسين للتخريب أو السرقة، كما أن أبناء الجماعة كان لهم باع طويل في التصدي للخارجين عن القانون وفي اللجان الشعبية وقت الثورة".
لم يأت هذا الموقف في المنيا على مدار الأشهر الماضية خارج سياق موقف الجماعة الرسمي، إذ ذكر عاصم عبد الماجد المتحدث (المستقيل) باسم حزب البناء والتنمية معلقا على فعاليات 25 يناير الماضي أن 6 إبريل ينوون الحصول على ديناميت لعمل تفجيرات وإسقاط الدولة. وبعدها بأيام علق طارق الخولي المتحدث الإعلامي باسم حركة 6 إبريل (الجبهة الديمقراطية) بأن هذه الادعاءات كانت أسلوبا يتبعه أفراد الجماعة الإسلامية في التسعينات من تفجيرات وقتل، ورغم هذه التصريحات النارية المتبادلة إلا أن الأجواء في المنيا لم تسفر عن اشتباكات أو مواجهات بين الطرفين.

الإسلاميون مسيطرون
المسافة بين ميدان بالاس في المنيا حيث مقر حزب البناء والتنمية، ومدينة مغاغة تقدر بحوالي 70 كم شمال المنيا، هناك لم تختلف المشاهد كثيرا عن العاصمة المنيا، عدا مساحات واسعة ما زالت محتفظة بأصولها القروية في تخطيط الشوارع وطبيعة المنازل في مغاغة، وفي مقهى ذو طابع حديث، جلس أحمد خيري الناشط في حركة 6 إبريل (الجبهة الديمقراطية)، يبدأ حديثه قائلا: "الإسلاميون ليسوا المشكلة الكبرى التي تعيق الأنشطة الحركية من مسيرات ومظاهرات، فالحقيقة انه لم تحدث بيننا اشتباكات، المشكلة في عناصر أخرى" . أحمد خيري الذي لم يجاوز الخامسة والعشرين سنة بدأ العمل السياسي في فترة مبكرة حين شارك مع حزب الغد (القديم) متطوعا في حملة السياسي أيمن نور، أما اليوم فهو ناشط في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي تأسس بعد الثورة.. يوقف حديثه ويدير حديثا سريعا مع أحد زملائه عن شؤون الحزب، ينته الحوار ليشير بعدها ناحية الشارع الرئيسي، قائلا: "أقمنا حملة كاذبون هناك في ذلك الشارع، وبمجرد أن بدأنا في عرض فيديوهات تدين المجلس العسكري توافد علينا البلطجية من كل حدب وصوب، وانتهى العرض سريعا ثم لجأنا إلى مركز الشرطة حتى ننه الموقف". هذه الأنشطة تعد جديدة على مغاغة، وتختلف ردود الأفعال الناس بين إعجاب ومشاهدة، وإدانة مباشرة، ولم تقع اشتباكات حقيقية خوفا من أن تتطور المشاكل بين عائلات المتظاهرين في المدينة الصغيرة.
ورغم ابتعاد عضو حركة 6 إبريل في مغاغة عن عضو الجماعة الإسلامية في مدينة المنيا، في المسافة وفي وجهة النظر، إلا أن القضية نفسها ما زالت تهم كليهما: هل من جدوى للعمل الحركي في مسيرات ومظاهرات في الشارع المنياوي؟ بعد عمل بدأه أحمد خيري منذ 2005 شارك خلالها في حزب الغد واتحاد الطلبة الحر في جامعة أسيوط وحركة 6 إبريل في القاهرة، لا يخفي اليوم إحباطه قائلا: "أشعر أحيانا بانعدام جدوى العمل الحركي حين أتذكر أننا في النهاية نعمل داخل الحضر، تاركين سيطرة الإسلاميين وسلطتهم على القرى الريفية بالعمل الخيري والدعاية الدينية، لكنني حين أتذكر أننا كنا نشارك في مظاهرات يحاصرها الأمن المركزي لا يتجاوز أفرادها 20 شخصا، وأنها كانت بداية تحريك الجماهير، وسقوط مبارك، أشعر بالأمل.. خاصة أن أغلب اعتماد العمل الحركي اليوم على الطلبة".
يترك المقهى متجولا في شوارع مغاغة التي تعتمد في مواصلاتها على الحنطور أو الموتوسيكل ويكشف عن أنه كان أحد المؤيدين لفكرة نزول شباب 6 إبريل للانتخابات رغم ما يتعرضون له من تشنيع، لكن الفكرة لم تلق قبولا لدى النشطاء، ويقول: "تعلمت من والدي درسا نقله لي أثناء صغري، حين حكى لي كيف كان إبراهيم شكري- رئيس حزب العمل السابق- يطوف بين البلدان للإشراف على تكوين الوحدات الحزبية في قرى المحافظات، لذا كانت لديه قواعد تنظيمية حقيقية"، هذا القلق من قلة الأعداد والأنشطة الحركية يدفع إلى مزيد من التنسيق بين جبهتي 6 إبريل وقوى ثورية أخرى في المحافظة. وكعادة المدن الصغيرة خارج العاصمة، تقل فرص الحصول على وسيلة انتقال بعد الساعة الحادية عشرة مساء، ولا يلتزم القطار بالمواعيد المحددة. أما في مدينة المنيا حيث عصام خيري- عضو الجماعة الإسلامية- فيكشف عن بعض ما رآه من تعذيب في سجون مبارك، ويرى أن التعامل القانوني هو الحل، واستغلال المؤسسة البرلمانية دون تصعيد في مسيرات أو مظاهرات. كان عصام يلعب منذ سنوات أحيانا مع بعض أبناء الجماعة دور الوسيط مع الأمن لتخفيف الضغط عليهم، تتبدل ملامحه حين يواجه باتهام عن أن هناك شريحة من الإسلاميين اختارت موالاة الأمن، و يعلق غاضبا: "لم يتضرر أحد من الأمن مثلما تضررنا في السنوات السابقة، لقد وصل الأمر أن يتلقى شخصا مثلي تعليمات بألا أحشد عددا من إخواني في حفل زفافي، لقد كانت أمامي فرص للانتقام من الأمن أثناء الثورة، لكننا اخترنا قرار منع العنف منذ سنوات".
وأمام مسجد الرحمن في مدينة المنيا ذي السمعة الشهيرة كمكان يجمع أبناء الجماعة الإسلامية، يروى عصام المزيد عما تعرض له من ضغط منذ أن كان طالبا في كلية العلوم قبل أكثر من عشرين سنة. كان أحمد خيري- الناشط في حركة 6 إبريل (الجبهة الديمقراطية)- قد قال في مغاغة إن "رفض الإسلاميين للعمل الحركي في الشارع والضغط من أجل التغيير هو خوف من منافس قد ينتزع منهم السلطة"، لكن عصام خيري يجيب بنبرة هادئة تحمل تشكيكا في نوايا بعض الجبهات الثورية، قائلا: "لماذا لم يكتف المتظاهرون بميدان التحرير؟ لماذا أصبحنا نجدهم أمام وزارة الداخلية، ومبنى ماسبيرو إلا إن كانت هناك نية سيئة؟". رغم ما يقوله إلا أنه لم يمنع نفسه من الابتسام حين علم أن شريحة من الذين اقتحموا مبنى أمن الدولة في مدينة نصر قبل شهور طويلة كانوا من أبناء الجماعات الإسلامية، ويختم بعبارة: "لا أعلم ربما لو كنت معهم لاقتحمت.. لكن كل معارضتنا الآن للمسيرات والمظاهرات هو خشية أن تحتكر فئة واحدة المشهد وتلجأ للتخريب والاقتحام لحسابها".
**
الفرصة لا تتجه جنوبا
- البعض اختار وظائف خارج مجال الاعلام والبعض الآخر ينتظر
- الانترنت كنز لم يكتشف بعد داخل المحافظات

في قاعة التدريب تجلس ماريان مدحت بشغف باحثة عن فرصة تنسيها تجربتها بعد التخرج العام الماضي من قسم الاعلام بجامعة المنيا، موضوع الورشة التدريبية : الاعلام الجديد والصحافة. يشتبك زملاؤها من حولها حول كيفية استخدام الانترنت كبديل عن الاعلام التقليدي الذي درسوه في الجامعة، تقاطع قائلة: "لم أعد أعرف جدوى دراسة الاعلام في الجامعة .. لم نمارس الخبرة العملية في ستوديوهات الكلية، ولم نحصل على تدريب حقيقي خارج الكلية، ولا سبيل سوى الاتجاه إلى القاهرة وخوض المغامرة".
رغم تلك المصاعب التي ترويها إلا أنها ما زالت متمسكة بأن تعمل في تخصصها الأساسي بشعبة الإذاعة والتلفزيون، وتحديدا في مجال الإخراج على عكس بعض زملاء دفعتها الذين اتجهوا إلى العمل في تخصصات أخرى مثل التسويق ورياض الأطفال. على مدار العام الماضي خاضت ماريان تجربة الانتقال إلى القاهرة والبحث عن عمل مع زميلاتها، كما تدربت فترة كمساعدة مخرج في مجال الدراما، حيث واجهت شريحة مختلفة ترى مجتمع الصعيد مثلما تصوره مسلسلات الدراما الصعيدية، وما زالت تبحث عن فرص حقيقية. حسب عبارتها : "عايزه أعرف حتى لو كان الطريق ده آخره الفشل .. بس أكون عارفة".
تضم قاعة التدريب، الذي نظمته مطرانية الأقباط الكاثوليك، طلبة وخريجين من قسم الاعلام بكلية الآداب في جامعة المنيا، يتحدثون بنبرة واحدة: "الصعيد مهمش، والقاهرة تبتلع الفرص كلها". أحد العاملين في تلفزيون شمال الصعيد كان حاضرا بينهم و دافع عن مؤسسته بحجة أن رئيس التلفزيون قد أكد في تصريحات سابقة أنه سيتيح الفرص أمام الطلبة لمزيد من التدريب، و أرجع التقصير إلى الجامعة.
تستمر النقاشات وتأتي تعليقات من نوعية: ما أهمية موقع مثل تويتر في تسجيل الأحداث الجارية بالمنيا؟ ندى مختار- طالبة الفرقة الثالثة في اعلام المنيا- لم تتسرب إليها نبرة اليأس، اختارت العمل بموقع إخباري محلي على أمل القضاء على الاحساس بانعدام جدوى دراسة الاعلام، و تقول: "رغم أني لا أتلقى تدريبا حقيقيا على الصحافة، لكني أعمل على تنمية مهاراتي في مساحات أخرى داخل الورش التدريبية، وعلى فكرة ليس هناك فارق كبير بين فرص الشباب والبنات، المشكلة الحقيقية هي غياب الفرص نفسها". يتدخل أحد زملائها ليروي قصة المظاهرة التي قادها الطلبة في أعقاب الثورة بأسابيع من أجل تحويل قسم الاعلام بكلية الاداب إلى كلية مستقلة للإعلام في جامعة المنيا، لكن ذلك لم يحدث رغم تطمينات الجامعة في ذلك الوقت، وحتى العام الماضي كان الدكتور حسن علي يعمل رئيسا لقسم الإعلام في كلية الآداب، قبل أن يعار حاليا إلى إحدى الجامعات الخاصة. وبعد سنوات من العمل تكونت لديه وجهة نظر عن دراسة الاعلام بشكل عام في مصر، ويعلق على ذلك قائلا: "في حالة تحويل قسم الإعلام إلى كلية قد يأتي ذلك بميزانية أكبر، لكنه سيزيد من المشكلة بالنسبة للطلبة، مع ازدياد أعدادهم، إذ تقول الأرقام أن لدينا في مصر 12 قسم للاعلام في كليات الاعلام، و6 أقسام في الجامعات الخاصة، و8 أقسام في كلية التربية، إضافة إلى الكلية الأقدم في جامعة القاهرة، وأرى أن ذلك مهزلة".

صحافة شعبية
"الحقيقة أن محافظة المنيا قد نالت اهتمام مشروعات التنمية في مصر مقارنة ببعض المناطق المهمشة والأكثر فقرا في محافظات أخرى، هذا ما ألاحظه في جولاتي التدريبية"، يتبنى هذا الرأي كمال نبيل مدير مركز دعم التنمية والتأهيل المؤسسي، و أحد المدربين على استخدام الاعلام الجديد كبديل عن الاعلام التقليدي. وبنبرة واثقة يتحدث عن أن الفرص متاحة على الانترنت لمن يستغلها، إذ يمكن إنشاء مدونة يتم تحويلها إلى صحيفة إخبارية تجتذب إعلانات المنشآت التجارية في المدينة، وهناك تجارب شبيهة في الوجه البحري، وبشراء كاميرا لا يتجاوز سعرها 1200 جنيه يمكن تسجيل تغطيات والتقاط صور بل و بيعها عبر مواقع على الانترنت. تلك الاقتراحات كانت تواجه أحيانا عبارات من نوعية: المنيا مافيهاش أحداث مهمة.
يرد كمال نبيل على ذلك بأن عدد من كانوا يتابعونه على موقع تويتر زاد عن ألف شخص بعدما نقل تفاصيل حادثة جرت في قطار قادم من المنيا، و يتابع قائلا: "كل من على الانترنت سيهتمون بالخبر ما دام جذابا ومثيرا للفضول، النقطة المهمة أن تضع في ذهنك لمن توجه معلومتك؟". في السنوات الماضية كان مفهوم المواطن الصحفي و الصحافة الشعبية قد راج في عالم الاعلام التقليدي، خاصة بعد انتقال صحفيون ذو خلفية لها صلة بالتدوين على الانترنت إلى بعض المؤسسات الاحترافية الإعلامية، وبالعودة إلى قاعة التدريب فهناك هاجس لدى جميع الحاضرين عن أن بعض القاهريين يرون مدينتهم المنيا وكأنها بعيدة عن التحضر وهو ما أرادوا نفيه حتى لو باستخدام الإعلام الجديد، مع اعترافهم بأن المنيا ما زالت ذات طبيعة محافظة مقارنة بالعاصمة، ينتشر فيها الخبر سريعا، لكن هذا الطابع اختلف تماما عن سنوات سابقة إذ "كان طلبة الإعلام يقادون إلى مراكز الشرطة بسبب ضيق الناس بمشروعات تخرجهم حين يصورون في الشارع"، على حد قول الدكتور حسن علي- أستاذ الاعلام. ويتفق معه المدرب كمال نبيل في أن المستقبل للانترنت، وأن إذاعة على الانترنت يمكنها أن تأتي باعلانات وسمعة طيبة تكون بداية إعلامي ناجح.
هذه الأحاديث الوردية تداعب أفكار فتاة مثل ماريان مدحت خريجة الاعلام، خاصة بعد أن لمست الواقع الصعب في الحصول على فرصة عمل في مجالها، و أملها الوحيد هو الحصول على مزيد من الورش التدريبية وخاصة في صناعة الأفلام، لتصور أفلاما بنفسها تعبر عن مجتمعها الصغير.

No comments:

Post a Comment