Friday, December 30, 2011

الألتراس .. صوت المشجع الصاخب


تفاصيل متشابكة عن مجموعات أثارت الجدل

كتب – عبدالرحمن مصطفى
في أثناء أحداث شارع محمد محمود الأخيرة كان محمد جمال بشير يتنقل من موقع إلى الآخر في ميدان التحرير حاملا في حقيبته أول أعماله "كتاب الألتراس" الذي تصادف صدوره في 19 نوفمبر الماضي مع بداية الاشتباكات، ورغم الأجواء المصاحبة للطبعة الأولى من الكتاب الصادر عن "دار دوّن" في حوالي 220 صفحة، إلا أن ذلك لم يمنع أن يتصدر الكتاب قوائم الأكثر مبيعا في الأسابيع القليلة الماضية. النظرة الأولى على عنوان "كتاب الألتراس" قد تنقل إلى القارئ إيحاء بأنه سيطالع كتابا مقدسا أو مرجعا تاريخيا عن طائفة خاصة، إلا أن الأقرب إلى الواقع هو ما سجله أحد القراء في مجموعة "كتاب الألتراس" على شبكة فيسبوك الاجتماعية إذ يقول: "دلوقتي بقي لينا مرجع نقدر نتكلم بيه قدام أي حد ". ما يقدمه الكاتب من معلومات حيادية في الكتاب لم تخف تبنيه دورا وسيطا بين ثقافة الألتراس والقارئ العادي، إذ يبدأ الكتاب بمقدمة وضع لها العنوان الآتي: مقدمة متواطئة بعض الشيء ! يقدم فيها تعريفا بروح الألتراس وكيف تحولت إلى أسلوب حياة قائلا: "فرد الألتراس يمشي رافعا رأسه دوما لأنه يدرك أن هناك جيشا خفيا قابعا بداخله يستطيع أن يطلق عنانه في أسوأ الظروف". هذه المقدمة كتبها الكاتب محمد جمال بشير – أو جيمي كما يعرفه رفاقه- في عدد من المواقع الالكترونية في عام 2008، إذ أنه أحد مؤسسي رابطة "الوايت نايتس" ألتراس نادي الزمالك، كما أنه مدون على الانترنت منذ بدايات حركة التدوين المصرية.
وفي عرضه لأفكار الكتاب اختار الكاتب تقسيما سهلا للفصول حتى أنه استغنى عن الفهرس التقليدي للعناوين مفضلا أن يقدم فصولا سريعة أشبه بهتافات حماسية من المدرجات يقدم فيها كما لا بأس به من المعلومات، إذ لا تتجاوز أغلب الفصول الخمس صفحات للواحد. ويبدأ أول فصول الكتاب بعنوان عن "أنواع مشجعي كرة القدم" وصنفهم حسب مواقفهم المختلفة من التشجيع الكروي، وهو ما قد لا يلتفت إليه المشجع العادي، إذ قسمهم إلى: جمهور النتائج الذي يشجع حسب نتائج الفريق، وجماهير التلفاز، والجماهير العادية غير المنتظمة في الحضور إلى الإستاد، ثم ينقلنا الكاتب إلى أنواع أخرى من المجموعات الجماهيرية المنتشرة حول العالم مثل: الهوليجانز، والهولز، والبارابرافا، والتورسيدا، موضحا تفاصيل شيقة عن كل فئة، ولا يخفى هنا أن الكاتب يعرض المشهد بعيون الألتراس، وبخلفية رؤيتهم ومواقفهم من قضية التشجيع الرياضي، خاصة أننا بصدد مجموعات لا تهتم كثيرا بالتواجد الإعلامي، خاصة أنها كانت في مرمى الاتهامات لسنوات إلى أن تحولت إلى أحد أهم عناصر الثورة منذ 25 يناير الماضي.
ينتقل الكاتب إلى فصل "دخول الألتراس إلى الوطن العربي" وهو أطول فصول الكتاب نسبيا، رغم تقسيمه إلى عدة أجزاء أصغر لافتا فيه إلى معلومات قد لا يدركها كثيرون، منها أن أول ظهور للألتراس كان في ليبيا عام 1989 في محاولة جريئة تم قمعها في ذلك الوقت على يد الرئيس السابق القذافي، ثم عرض الكاتب ملامح اختلافات تجارب الألتراس في تونس – خاصة بعد رحيل بن علي- وفي الجزائر والمغرب، وهنا يظهر في عرض الكاتب لهذه التجارب أثر الزيارات التي قام بها إلى بعض هذه الدول، إذ لا يخفي على القارئ منذ البداية ذلك التوقيع الذي دونه الكاتب للمقدمة الثانية للكتاب من الرباط عاصمة المغرب. أما في تناوله لظهور الألتراس في مصر فيظهر تأثير انخراطه المبكر في عالم الانترنت وربطه بين الانترنت وتطور ظهور الألتراس، مفاجئا القارئ بوجود مجموعات للألتراس بعيده عن الأندية المركزية في القاهرة (الأهلي، الزمالك)، مثل (التراس 300) التي تساند وتشجع فريق طنطا في دوري الدرجة الثانية، وكيف تؤثر ثقافة المدينة في عقلية الألتراس مثلما حدث في السويس الذين لقبوا أنفسهم بالفدائيين مستحضرين تاريخ المدينة الباسلة.
على مدار فصول الكتاب القصيرة تتلخص رسالة الكتاب في سؤال: "من هم الألتراس ؟" ولا يتوقف الكاتب كثيرا عند علاقة الألتراس بالثورة، بل يركز بشكل أكبر من خلال عناوين الفصول المتتالية على "عقلية وثقافة الألتراس"، و"هيكل المجموعة"، مؤكدا على الاختلاف بين الألتراس ومجموعات المشجعين الأخرى مثل الهوليجانز الانجليز الأكثر ميلا إلى العنف، ومجموعة البارابرافا اللاتينية التي تعتمد في تمويلها على عصابات المخدرات والدعارة، وهنا يؤكد الكاتب على موقف الألتراس من العنف وكيف يتم الصلح بين مجموعات الألتراس وقت وقوع الخلاف، مع الحفاظ على دأبه في الانتقال بين خارج وداخل مصر لإعطاء أمثلة، مثل الصلح الشهير بين مجموعات الألتراس المنسوبة للأهلي والزمالك، ومجموعات أخرى أوروبية في فترات سابقة.

كل رجال الأمن أوغاد
ومثلما لم يخف "كتاب الألتراس" تبنيه رؤية الألتراس للعالم وكيف يفكرون، فإن مجموعة أخرى من الفصول المتتالية تناولت جانبا آخر يهتم بتحديد الجبهات التي تتبادل العداء مع الألتراس، وفي فصل تحت عنوان "كل رجال الأمن أوغاد" يستعرض الكاتب محمد جمال بشير خلفية هذا الشعار الذي ينظر إلى رجال الأمن في الاستادات على أنهم حائط صد ضد متعة الجماهير واحتفالاتهم وصخبهم عبر السيطرة على حركة الجمهور، أما العداء للإعلام فعبر عنه في فصل آخر يبرز رفض الألتراس لما يقوم به الإعلام من تضليل وتزييف لبعض الحقائق، خاصة أن هذه المجموعات تتعمد الابتعاد عن النجومية والبحث عن الأضواء، وهو ما يجعل تعاملاتهم مع الإعلام مرفوضة أو في أضيق الحدود. أما ثالث أضلاع العداوة فهو ضد الكرة الحديثة، وهنا تبرز عقيدة هامة لدى الألتراس يستعرضها الكاتب في فصل تحت عنوان "ضد الكرة الحديثة"، وهي مواقف ضد غلاء أسعار التذاكر، و ضد دخول فرق الشركات والمؤسسات العسكرية إلى المنافسات الكروية لأنها تقريبا بلا جمهور، وهو ما يرفضه الألتراس الذين يرون أن أحد أهم أهداف كرة القدم هي الحضور إلى الإستاد للتعبير عن الولاء والانتماء للنادي، لأنهم بمثابة اللاعب رقم 12، ولا ينسى الكاتب أن يذكر قصة الألتراس في إيطاليا – مهد حركة الالتراس العالمية- التي نالت تطورها الأول كاحتجاج على غلاء أسعار التذاكر .
وفي طيات الكتاب استعراض للكثير من الأمور الفنية المتعلقة بتشجيع الألتراس منها (الدَخلة) التي تقوم بها مجموعات الألتراس في بدايات وفي منتصف المباريات للاحتفال وتشجيع فريقها، وكذلك بعض الألفاظ ذات الأصل اللاتيني التي تتكرر في الكتاب، وهو ما قد يدفع القارئ إلى الانتقال إلى "قاموس الألتراس" في الجزء الأخير من الكتاب لمطالعة تعريف المصطلحات المستخدمة لدى مجموعات الألتراس التي يتضح للقارئ في ختام الكتاب أنها ليست كيانا واحدا، حتى تلك التي تستقر في مكانها التقليدي في المدرجات. ورغم ابتعاد الكاتب عن التوثيق على طريقة الهوامش التي يسجل فيها المعلومات و تواريخ الحوادث المذكورة في الكتاب، إلا أنه لم ينس أن يضيف ملحقا كبيرا لشعارات مجموعات الألتراس حول العالم، كما لم يفت الكاتب – مثلما أعلن في مجموعة الكتاب على الفيسبوك- أن يخصص مكسبه من الطبعات الأولى كصدقة جارية على روح أخر شهداء الألتراس الذي استشهد في شارع محمد محمود حيث كان الكاتب متواجدا أيضا في تلك الأحداث.



الثورة بعيون قيادي سابق انضم إلى الثوار
حزب الكنبة .. رحلتي من الكنبة إلى الميدان

كتب – عبدالرحمن مصطفى
في 22 فبراير الماضي كتب عزت أمين مقالا تحت عنوان "رسالة إلى حزب الكنبة العظيم" ليكون هذا المقال بداية استخدام مصطلح "حزب الكنبة" الذي استمر معنا حتى اليوم، ومؤخرا صدر لعزت أمين كتاب "حزب الكنبة" عن دار الشروق في 175 صفحة، اختار له عنوانا فرعيا هو " رحلتي من الكنبة إلى الميدان " في محاكاة ساخرة للعنوان الأشهر "رحلتي من الشك إلى الإيمان" أحد أهم كتب الراحل الدكتور مصطفى محمود. ويصف الكاتب نفسه في المقدمة بأنه أحد الأعضاء المؤسسين في حزب الكنبة الذي يرمز إلى السلبية وتبرير الأحداث أيا كانت، مع تعريف قصير بظروف أبناء جيله من الشباب الذين تخبطوا كثيرا بين تيارات متعددة مثل قضية "عبدة الشيطان" التي لفقها أمن الدولة لهؤلاء الشباب، ومثل شباب وفتيات آخرين ترنحوا ناحية التشدد الديني، حتى توالت الأحداث ووجد الجميع خلاصه في ثورة 25 يناير.
يعمل مؤلف الكتاب عزت أمين في مجالي التأليف والإخراج بالإضافة إلى التمثيل، كما ساهم في صناعة فيلم قصير بعنوان "أين ودني" وكان البداية الأولى لظهور السلفيين في مجال الأفلام.
وينقسم الكتاب إلى قسمين كبيرين وهو ما يوضحه الكاتب في عبارات خفيفة قبل الفهرس قائلا: "الجزء الأول حكايات عن تجربة شخصية وما لاحظته على المجتمع من تغيرات أدت إلى قيام الثورة، ثم بعض ما شاهدته أثناء الثورة. أما الجزء الثاني هو المقالات التي نشرتها بعد التنحي". ويعرض الكاتب في القسم الأول تجربته وأفكاره على مدار ثمانية فصول بدأها بعنوان ساخر: "ذكرياتي على الكنبة" ثم يتوالى عرضه لمظاهر الحياة الراكدة قبل الثورة وكيف كانت ردود الأفعال تتصاعد حتى يصل في سرده إلى الفصل الخامس، إذ تزداد مساحة التشويق حيث يستعرض تجربته الشخصية وكيف انخرط في أحداث الثورة رغم انه لم تكن له علاقة سابقة بالمظاهرات ، يقول عن ذلك : "قلت لما أكلم أصدقائي أعضاء حزب الكنبة لأحاول أن انتقد مواقفهم السلبية إلا أنني فوجئت أن أحدهم يتظاهر في جامعة الدول العربية، ويقول: ثواني هنكسر الأمن أو نضربهم بالطوب وأجيلك، استناني عند هارديز.. إيه الكلام الجديد ده؟". ولم يلجأ عزت أمين إلى اللهجة العامية إلا حين يضطره الوصف أو الاحتياج إلى نبرة ساخرة في الحديث، كما تعمد ألا يفرط في السخرية على حساب التوثيق سواء من خلال تجارب شخصية أو بتحليله لتطور الأحداث.
في القسم الثاني من الكتاب مجموعة من المقالات والحكايات أغلبها منشور على الانترنت في فترات متتالية كان أولها المقال الأشهر: "رسالة إلى حزب الكنبة" الذي نشر في أعقاب تنحي مبارك بفترة وجيزة. ويتخذ الكاتب في مقالاته عدة طرق في الكتابة، إذ أحيانا ما يطرح أفكاره في المقال من خلال أسئلة وإجاباتها مثلما فعل في حوار متخيل داخل مقال بعنوان "نظرية أم فتحي السياسية"، وأحيانا ما يستعين باللهجة العامية الخالصة، وفي أحيان أخرى يكثف أفكاره في شكل ومضات مثلما فعل في مقال تحت عنوان: مانشيتات الجرائد في الذكري 74 للثورة. وتتوالي المقالات في هذا القسم بشكل متتالي زمنيا يبينه في كل عنوان تاريخ الكتابة والحدث الأبرز المصاحب لهذا التاريخ، وعلى عكس القسم الأول من الكتاب الذي يبرز حالة من التعرف على الثورة، فإن القسم الثاني أكثر تمردا على أحداث ما بعد الثورة، ولذا اختار الكاتب عزت أمين أن يختم كتابه بهذه الروح في صفحتين تحت عنوان خفيف هو : "آخر كلمتين على السلم"، إذ يقول: "لا تكن جزءا من دولة الإجابة النموذجية وتجعلهم يحددون لك دراستك وزواجك". ثم يختم كتابه قائلا: "دي كانت رحلتي من الكنبة إلى الميدان.. لا يوجد فيها ما يميزها، ولا دور للبطولة الزائفة بها، ولكني افتخر أني كنت واحدا على اتناشر مليون من هذا الانجاز.. وكتبت مع الملايين التاريخ".
PDF

Wednesday, December 28, 2011

فنان سويسري ينقب في سيرة الأسطول الأصفر





في غرفة داخل مركز الصورة المعاصرة بوسط القاهرة، استخدم الفنان السويسري أورييل أورلو العديد من العناصر في معرضه الذي تدعمه المؤسسة الثقافية السويسرية "بروهلفتسيا"، أما الهدف فهو نقل الزائر إلى مرحلة غائبة من تاريخ قناة السويس في زمن ما بعد حرب 67.
و اختار الفنان السويسري تقديم فكرته عبر فن "التجهيز في الفراغ - Installation" معتمدا على وسائط متعددة منها الصور القديمة والمادة الفيلمية والوثائق التاريخية.
وتقوم فكرة المعرض استنادا إلى قصة حقيقية حدثت في قناة السويس لأربعة عشر سفينة علقت في منطقة البحيرات المرة بعد إغلاق قناة السويس في يونيو 67 وظلت في وضع قانوني غامض حتى افتتاح القناة في العام 75، وعرفت هذه المجموعة من السفن فيما بعد بالأسطول الأصفر نتيجة تأثر لونها بهبوب العواصف الرملية عليها.
وظل طاقم هذه السفن متواجدا على هامش الأحداث لا يدرك مصيره، مع استبدال العاملين في فترات متباعدة بعاملين آخرين.
في هذا الموقف الذي يتضاءل فيه الإحساس بالصراعات القومية والكثير من القيم الكبرى، ظهر نمط حياة خاص لدى بحارة هذه السفن، وهو ما أراد الفنان السويسري التعبير عنه بعد أن حصل على صور و فيديوهات وبعد نجاحه في عقد لقاءات مع من تبقى من هؤلاء الملاحين.
أما المفارقة الكبرى التي ينبه إليها أورييل أورلو فهي أن أفراد طاقم تلك السفن كانوا ينتمون إلى معسكري الحرب الباردة في تلك الحقبة، أي الكتلة الغربية الرأسمالية والكتلة الشرقية الشيوعية.
وفي بدايات شهر ديسمبر التقي أورييل عددا من المهتمين بهذا الفن في ندوة خاصة في مركز الجزيرة للفنون المعاصرة بالزمالك ثم رحل قبل افتتاح المعرض لظروف طارئة تاركا عمله للزائرين في صالة عرض مركز الصورة المعاصرة في وسط المدينة ضمن معرض أكبر يحمل اسم "هيدراركية" يضم فنانين انشغلوا بقضايا شبيهة بانشغالات أورييل المتعلقة بعالم البحر المهمش.
وما أن يمر الزائر بقاعات العرض الأخرى بما تحمله من أفكار، يتجه الزائر إلى غرفة معرض "الزمن: قصيره.. وطويله" الخاصة بالتجهيز الفني للفنان أورييل أورلو، الذي كان قد أكد في ندوته السابقة على افتتاح العرض، أنه لا يقدم تأريخا لهذه الفترة، بل عملا فنيا أجرى قبله بحثا طويلا، وهو ما اعتاده في أعمال سابقة على هذا العمل مستهدفا ما سماه بالنقطة العمياء في التاريخ، التي لم يهتم بها المؤرخون.
وقد عرض أورييل هذا المعرض في تجارب سابقة خارج مصر لكنه على حد قوله قد أدخل تعديلات بسيطة بعد إقامته الأخيرة في مصر، إذ زار أثناء إقامته أرشيف الصحف المصرية، ومدينة بورسعيد.
وما أن يمر الزائر بغرفة العرض، حتى يفاجأ على يسار الباب بعناوين متتالية لأخبار وأسماء الأفلام وعناوين مانشيتات صحفية من تلك الحقبة وكلها تظهر بغير ترتيب، ويتعمد الفنان السويسري أن يظهرها هكذا بغير ترتيب حتى يفقدنا معنى الزمن، لكنه في داخل غرفة القاعة يعرض على طاولة بعض الصور الخاصة بالبحارة ونسخة من مقال قديم عن قصتهم، وهكذا يعيدنا إلى الواقع مرة أخرى وكأنه يقدم دلائل على مصداقية عمله واجتهاده في البحث، وعلى الحائط المقابل علامة (x) تشير إلى لغة عالمية يستخدمها البحارة عند الإشارة إلى أن سفينتهم عالقة في المياه.
يعتمد هذا النوع من الفن "التجهيز في الفراغ - Installation" على تكسير القوالب التقليدية، فعلى الزائر ألا يتوقع مشاهدة لوحات أو فيديوهات تعبر عن معارك، أو أجواء بحرية تقليدية، لكننا هنا أمام ظرف تاريخي استغله الفنان في التعبير عن أفكار واتجاه فني لا يكترث كثيرا للقيم الكبرى بما تحمله من ادعاءات وطموحات، كأن تجد صورة لحمولة السفن من فواكه وقد ألقوها في البحر بعد فسادها، وكأنها رسالة عن عدمية المشهد الذي يجبر البحارة على رفض الخضوع لسلطة الشركات في الحفاظ على منتجاتها.
أما أكثر ما يعبر عن هذه القناعات الفنية هو الفيديو الذي يعد بمثابة الركن الأهم في هذه الحجرة، إذ يلخص جهد الفنان في جمع مادته من مصر وخارجها في مادة لا تعبر هي الأخرى عن بداية أو نهاية زمنية.
يعرض البروجكتور مادة فيلمية من صور ولقطات قصيرة التقطها البحارة لأنفسهم، وفي هذه المشاهد تترسخ الحالة التي يبحث عنها الفنان، وأكثرها لفتا للأنظار صورة البحار الذي يقود دراجة وأمامه بحار آخر يرتدي زيا نسائيا، ولقطات تصور أطفالا يجمعون مخلفات السفن التي أزاحتها المياه ناحية الشاطئ في محاولة لاستعادة روح الماضي عبر ممثلين مساعدين إلى جانب اللقطات القديمة، وطوال اللقطات نشعر بأن عين الفنان تبحث عن المهمشين، وهو ما ينقل حالة الاستهانة بالقيود التقليدية عن صورة البحار ذو المظهر الرجولي التقليدي، وأن هناك من كانوا على الهامش بعيدا عن ظروف الحرب.
لا يخفي على الزائر ظهور أفكار ما بعد الحداثة في معرض الفنان السويسري أو في تيمة معرض هيدراركية بأكمله، وتحديدا في أفكار المفكر الفرنسي ميشيل فوكو عن التهميش الذي درس المهمشين و علاقة المؤسسات والسلطة بأجسادهم وحيز وجودهم.
وهو ما نجده لدى الفنان السويسري في تركيزه على مجال حركة هذه المجموعة المهمشة قسرا، حتى هو نفسه يظهر في مشاهد على هامش الفيديو، وفي نفس الوقت يجسد صراعا مع الخطابات السائدة في تلك الفترة، منها صورة الدورة الاوليمبية التي نظمها أفراد ملاحة تلك السفن فيما بينهم في محاكاة لدورة الألعاب الأوليمبية في عام 74، وكأن لسان حالهم أن كل كبير وعظيم في العالم هو هين وبسيط في عالمنا.
وهو ما يعيدنا إلى قصة المعرض في بدايته إذ يذكر أورييل أن فكرة المعرض ورحلة بحثه وجمعه لمادته، بدأت باكتشافه صورة لطابع بريد غريب الشكل على الانترنت، فاكتشف أنه على أحد خطابات هؤلاء البحارة، فاجتهد في بحثه حتى تطور الأمر إلى إقامة هذا المعرض، وكأن فكرة المعرض أيضا قد بدأت من هامش صغير لصورة طابع على الانترنت.

Tuesday, December 27, 2011

إيه اللى نزلها الشارع ؟ .. شعار ضد التاريخ




فى نسخة على الإنترنت من الكليب الشهير للصيدلانية غادة كمال التى تعرضت للضرب وتمزيق ملابسها على أيدى جنود القوات المسلحة أمام مجلس الوزراء دارت مئات التعليقات التى تستنكر المشهد وتلوم الجنود، لكن من بين أكثر من مليون مشاهد للفيديو كان هناك من ترك تعليقا مسيئا للفتيات اللائى يشاركن فى الاحتجاجات، وتم توجيه تعليقات مسيئة إلى غادة كمال بنفس الدعاية التى رددها إعلاميون على شاشة الفضائيات. وطرح هذا الجدل سؤالا حول: هل كانت الفتاة تواجه الأزمة نفسها مع المجتمع طوال الوقت فى مشاركتها داخل المظاهرات أم أنه أمر طرأ مؤخرا؟
«نحن لم نواجه مثل تلك المواقف التى تدين تواجد الفتاة فى مظاهرة أو اعتصام فى الستينيات والسبعينيات على سبيل المثال»، الإجابة للكاتبة الصحفية منى أنيس، إحدى المشاركات بفاعلية فى الحركة الطلابية فى أوائل السبعينات، إذ شهدت أعوام 68، 71، 72، 73 عددا من المظاهرات والاعتصامات داخل الجامعة وخارجها على خلفية هزيمة يونيو 67 وتداعياتها، وكان لطالبات الجامعة مشاركة فيها وتعرضت بعضهن للاعتقال. هذه الصورة لمشاركة المرأة فى المظاهرات دون إدانة اجتماعية دفع بعض الشباب اليوم إلى الاستعانة بالتاريخ فى دعم وجهة نظرهم حول حق الفتيات فى المشاركة فى الاحتجاجات دون التقليل من قيمتها، إذ انتشرت على الإنترنت مؤخرا صورة فتيات كن ضمن المقاومة الشعبية فى بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى على مصر، وكتب أسفل الصورة: مصريات متطوعات فى بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى.. إيه اللى نزلهم؟ وتكرر السؤال نفسه مع صور أخرى لنساء وفتيات فى أحداث 1919 جنبا إلى جنب مع الرجل. وتذكر هدى شعراوى ــ من رائدات الحركة النسائية ــ عن تلك الفترة المبكرة وقت ثورة 1919 أن النساء كن يقفن أمام المصالح الحكومية كى يحثثنهم على الإضراب، بل وكن يعرضن إعطائهم أساورهن الذهبية كتعويض مادى وإحراجهم على عدم مشاركتهم فى الإضراب. وحسب عبارات عدد من الباحثين والمؤرخين فإنه لم تكن هناك إدانة اجتماعية حادة ضد مشاركة المرأة فى احتجاجات الشارع، وحسب عبارة المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه عن ثورة 1919 فإن المسيرة النسائية التى اعترضها الإنجليز بالسلاح أثناء الثورة قد «قوبلت فى كل مكان بتصفيق الناس وهتافهم».
واستمر وجود الفتاة فى الثلاثينيات والأربعينيات خصوصا داخل الحركة الطلابية والسياسية، إلا أن النقلة الكبرى كانت فى وجود الفتيات فى الحركة الطلابية منذ عام 1968، ورغم هذا الوجود لم تبرز هذه الإدانة الاجتماعية للفتيات، أما السلطة فكانت تجرى مفاوضات أحيانا جنبا إلى جنب مع الاعتقالات السياسية. كما لم يبرز العنف المهين للمرأة والتحرشات الفاضحة فى الشارع حسبما تؤكد الكاتبة الصحفية منى أنيس، عدا حالات نسائية محدودة تعرضت للانتهاك الجسدى أثناء الاعتقال، وهى التى استوحى منها نجيب محفوظ بعض شخصيات روايته «الكرنك». تعرضت منى أنيس لتجربة الاعتقال على خلفية المشاركة فى اعتصامات طلابية فى بداية العام 1973، وأثناء فترة الاعتقال تذكر أنها لم تتعرض لإساءة من مأمور السجن الذى كان يعتبرهن أخوات صغارا له، لذا فإن مشهد إساءة جنود القوات المسلحة للفتيات أثناء اعتصامهن يدفعها لا إراديا إلى تذكر فترة السبعينيات حين كان الموقع الوحيد للجندى هو جبهة القتال على حد قولها. وتضيف: «صعود التيارات الدينية فى المجتمع منذ نهاية السبعينيات حتى الآن زاد من الحس المحافظ الذى يحط من دور المرأة ويلخص دورها فى داخل المنزل بعيدا عن أى مشاركة فما بالنا بالمشاركة فى المظاهرات، هذا ما يجعلنا نرى الآن من يبرر انتهاكات الجنود ضد الفتيات». تقطع حديثها محيلة النقاش إلى فيديو انتشر مؤخرا على الإنترنت لخطبة للرئيس جمال عبدالناصر حول حديثه مع مرشد جماعة الإخوان المسلمين بعد الثورة حين طالب عبدالناصر بفرض الحجاب على السيدات فى بداية فترة حكمه فأجابه عبدالناصر: «كيف لم تستطع أن تفرض على ابنتك طالبة الطب أن تكون محجبة وتطلب منى أن أفرض الحجاب على 10 ملايين مواطنة؟». وتكمل منى أنيس قائلة: «فكرة وصاية المجتمع على جسد المرأة لم تكن موجودة فى الماضى بهذا الشكل، لذا فحوادث الانتهاك الجسدى التى تعرضت لها الفتيات فى اعتصامهن أثارت نزعة الإدانة من بعض المعلقين تجاه الفتيات نتيجة نمو الحس المحافظ الذى لا يقبل رؤية هذه المشاهد، ما يجعل هذا التيار يفضل ابتعاد المرأة عن الحياة العامة».


سياسة فضح النساء
تناقل البعض منذ أشهر، فى مواقع الإنترنت الإسلامية وعلى الشبكات الاجتماعية، فتوى الشيخ أبوإسحق الحوينى ــ صاحب النفوذ الكبير على المجتمعات السلفية ــ حين تلقى سؤالا عن حكم مشاركة النساء فى المظاهرات، فأجاب: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تنزل إلى أى مظاهرة كانت، أو أن تشترك فى أى حزب سياسى». وانتقلت هذه الفتوى إلى ملصقات مطبوعة على جدران بعض المساجد.
لكن «صعود التيارات المحافظة» ليس السبب الوحيد وراء ظهور تيار إدانة الفتيات الموجودات فى المظاهرات والاعتصامات، فهناك عامل آخر تراه هالة كمال ــ المدرس فى قسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة والمهتمة بالدراسات النسوية ــ إذ تؤكد أن هناك خطابا إعلامى يعمل على الدفع فى اتجاه «رجعى» يدين الفتيات اللائى تعرضن لانتهاك جسدى على أيدى جنود الأمن، دون الالتفات إلى المعتدى، ولوم الضحية على كشف جسدها أثناء تعرضها للضرب، تعلق الدكتورة هالة كمال قائلة: «هناك عامل آخر وراء اتجاه البعض لإدانة الفتيات والتشنيع عليهن بسبب وجودهن فى المظاهرات وهو الخطاب الإعلامى الذى يطعن فى شرف الموجودات فى المظاهرات والاعتصامات دون محاسبة، وعلينا أن نتأكد أن هناك شرائح فى المجتمع ستخضع لهذه الدعاية المسيئة، خصوصا أن أغلب المجتمع لا يتمتع بالعقلية النقدية التى تحلل المواقف جيدا، كذلك فهناك عامل آخر علينا ألا ننساه وهو أن نظام مبارك قد رسخ فكرة فضح النساء المشاركات فى المظاهرات وامتهان أجسادهن، لذا فنحن أمام ممارسة تطورت بهذا الشكل المؤسف». وترى الدكتورة هالة كمال، بحكم وجودها القريب من الحركة الاحتجاجية التى ظهرت بقوة منذ العام 2005، أن أسلوب التشهير وامتهان النساء فى المظاهرات كان هدفه ــ مثلما هو الحال الآن ــ إفزاع الفتيات من المشاركة فى أى مسيرة أو مظاهرة لإضعاف الحركة الاحتجاجية آنذاك، وتضيف: «على الحكام ألا يكرروا الأخطاء نفسها مرة أخرى.. فمن الصعب كسر إرادة الناس».
PDF