Tuesday, December 27, 2011

إيه اللى نزلها الشارع ؟ .. شعار ضد التاريخ




فى نسخة على الإنترنت من الكليب الشهير للصيدلانية غادة كمال التى تعرضت للضرب وتمزيق ملابسها على أيدى جنود القوات المسلحة أمام مجلس الوزراء دارت مئات التعليقات التى تستنكر المشهد وتلوم الجنود، لكن من بين أكثر من مليون مشاهد للفيديو كان هناك من ترك تعليقا مسيئا للفتيات اللائى يشاركن فى الاحتجاجات، وتم توجيه تعليقات مسيئة إلى غادة كمال بنفس الدعاية التى رددها إعلاميون على شاشة الفضائيات. وطرح هذا الجدل سؤالا حول: هل كانت الفتاة تواجه الأزمة نفسها مع المجتمع طوال الوقت فى مشاركتها داخل المظاهرات أم أنه أمر طرأ مؤخرا؟
«نحن لم نواجه مثل تلك المواقف التى تدين تواجد الفتاة فى مظاهرة أو اعتصام فى الستينيات والسبعينيات على سبيل المثال»، الإجابة للكاتبة الصحفية منى أنيس، إحدى المشاركات بفاعلية فى الحركة الطلابية فى أوائل السبعينات، إذ شهدت أعوام 68، 71، 72، 73 عددا من المظاهرات والاعتصامات داخل الجامعة وخارجها على خلفية هزيمة يونيو 67 وتداعياتها، وكان لطالبات الجامعة مشاركة فيها وتعرضت بعضهن للاعتقال. هذه الصورة لمشاركة المرأة فى المظاهرات دون إدانة اجتماعية دفع بعض الشباب اليوم إلى الاستعانة بالتاريخ فى دعم وجهة نظرهم حول حق الفتيات فى المشاركة فى الاحتجاجات دون التقليل من قيمتها، إذ انتشرت على الإنترنت مؤخرا صورة فتيات كن ضمن المقاومة الشعبية فى بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى على مصر، وكتب أسفل الصورة: مصريات متطوعات فى بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى.. إيه اللى نزلهم؟ وتكرر السؤال نفسه مع صور أخرى لنساء وفتيات فى أحداث 1919 جنبا إلى جنب مع الرجل. وتذكر هدى شعراوى ــ من رائدات الحركة النسائية ــ عن تلك الفترة المبكرة وقت ثورة 1919 أن النساء كن يقفن أمام المصالح الحكومية كى يحثثنهم على الإضراب، بل وكن يعرضن إعطائهم أساورهن الذهبية كتعويض مادى وإحراجهم على عدم مشاركتهم فى الإضراب. وحسب عبارات عدد من الباحثين والمؤرخين فإنه لم تكن هناك إدانة اجتماعية حادة ضد مشاركة المرأة فى احتجاجات الشارع، وحسب عبارة المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه عن ثورة 1919 فإن المسيرة النسائية التى اعترضها الإنجليز بالسلاح أثناء الثورة قد «قوبلت فى كل مكان بتصفيق الناس وهتافهم».
واستمر وجود الفتاة فى الثلاثينيات والأربعينيات خصوصا داخل الحركة الطلابية والسياسية، إلا أن النقلة الكبرى كانت فى وجود الفتيات فى الحركة الطلابية منذ عام 1968، ورغم هذا الوجود لم تبرز هذه الإدانة الاجتماعية للفتيات، أما السلطة فكانت تجرى مفاوضات أحيانا جنبا إلى جنب مع الاعتقالات السياسية. كما لم يبرز العنف المهين للمرأة والتحرشات الفاضحة فى الشارع حسبما تؤكد الكاتبة الصحفية منى أنيس، عدا حالات نسائية محدودة تعرضت للانتهاك الجسدى أثناء الاعتقال، وهى التى استوحى منها نجيب محفوظ بعض شخصيات روايته «الكرنك». تعرضت منى أنيس لتجربة الاعتقال على خلفية المشاركة فى اعتصامات طلابية فى بداية العام 1973، وأثناء فترة الاعتقال تذكر أنها لم تتعرض لإساءة من مأمور السجن الذى كان يعتبرهن أخوات صغارا له، لذا فإن مشهد إساءة جنود القوات المسلحة للفتيات أثناء اعتصامهن يدفعها لا إراديا إلى تذكر فترة السبعينيات حين كان الموقع الوحيد للجندى هو جبهة القتال على حد قولها. وتضيف: «صعود التيارات الدينية فى المجتمع منذ نهاية السبعينيات حتى الآن زاد من الحس المحافظ الذى يحط من دور المرأة ويلخص دورها فى داخل المنزل بعيدا عن أى مشاركة فما بالنا بالمشاركة فى المظاهرات، هذا ما يجعلنا نرى الآن من يبرر انتهاكات الجنود ضد الفتيات». تقطع حديثها محيلة النقاش إلى فيديو انتشر مؤخرا على الإنترنت لخطبة للرئيس جمال عبدالناصر حول حديثه مع مرشد جماعة الإخوان المسلمين بعد الثورة حين طالب عبدالناصر بفرض الحجاب على السيدات فى بداية فترة حكمه فأجابه عبدالناصر: «كيف لم تستطع أن تفرض على ابنتك طالبة الطب أن تكون محجبة وتطلب منى أن أفرض الحجاب على 10 ملايين مواطنة؟». وتكمل منى أنيس قائلة: «فكرة وصاية المجتمع على جسد المرأة لم تكن موجودة فى الماضى بهذا الشكل، لذا فحوادث الانتهاك الجسدى التى تعرضت لها الفتيات فى اعتصامهن أثارت نزعة الإدانة من بعض المعلقين تجاه الفتيات نتيجة نمو الحس المحافظ الذى لا يقبل رؤية هذه المشاهد، ما يجعل هذا التيار يفضل ابتعاد المرأة عن الحياة العامة».


سياسة فضح النساء
تناقل البعض منذ أشهر، فى مواقع الإنترنت الإسلامية وعلى الشبكات الاجتماعية، فتوى الشيخ أبوإسحق الحوينى ــ صاحب النفوذ الكبير على المجتمعات السلفية ــ حين تلقى سؤالا عن حكم مشاركة النساء فى المظاهرات، فأجاب: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تنزل إلى أى مظاهرة كانت، أو أن تشترك فى أى حزب سياسى». وانتقلت هذه الفتوى إلى ملصقات مطبوعة على جدران بعض المساجد.
لكن «صعود التيارات المحافظة» ليس السبب الوحيد وراء ظهور تيار إدانة الفتيات الموجودات فى المظاهرات والاعتصامات، فهناك عامل آخر تراه هالة كمال ــ المدرس فى قسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة والمهتمة بالدراسات النسوية ــ إذ تؤكد أن هناك خطابا إعلامى يعمل على الدفع فى اتجاه «رجعى» يدين الفتيات اللائى تعرضن لانتهاك جسدى على أيدى جنود الأمن، دون الالتفات إلى المعتدى، ولوم الضحية على كشف جسدها أثناء تعرضها للضرب، تعلق الدكتورة هالة كمال قائلة: «هناك عامل آخر وراء اتجاه البعض لإدانة الفتيات والتشنيع عليهن بسبب وجودهن فى المظاهرات وهو الخطاب الإعلامى الذى يطعن فى شرف الموجودات فى المظاهرات والاعتصامات دون محاسبة، وعلينا أن نتأكد أن هناك شرائح فى المجتمع ستخضع لهذه الدعاية المسيئة، خصوصا أن أغلب المجتمع لا يتمتع بالعقلية النقدية التى تحلل المواقف جيدا، كذلك فهناك عامل آخر علينا ألا ننساه وهو أن نظام مبارك قد رسخ فكرة فضح النساء المشاركات فى المظاهرات وامتهان أجسادهن، لذا فنحن أمام ممارسة تطورت بهذا الشكل المؤسف». وترى الدكتورة هالة كمال، بحكم وجودها القريب من الحركة الاحتجاجية التى ظهرت بقوة منذ العام 2005، أن أسلوب التشهير وامتهان النساء فى المظاهرات كان هدفه ــ مثلما هو الحال الآن ــ إفزاع الفتيات من المشاركة فى أى مسيرة أو مظاهرة لإضعاف الحركة الاحتجاجية آنذاك، وتضيف: «على الحكام ألا يكرروا الأخطاء نفسها مرة أخرى.. فمن الصعب كسر إرادة الناس».
PDF

No comments:

Post a Comment