Monday, July 18, 2011

حالة الصورة بعد الثورة

عدسات احترافية وأخرى للهواة

كتب - عبدالرحمن مصطفى
"رغم أن الكاميرات أصبحت في أيدي جميع شعوب الأرض، إلا أن الصورة الاحترافية ستظل هي الوثيقة المعتمدة لما فيها من نزاهة وحياد" . هذه العبارة التي سمعها عمرو نبيل، رئيس شعبة المصورين بنقابة الصحفيين أثناء حضوره إحدى حفلات الجوائز العالمية، ما زال يرددها حتى اليوم، رغم التأثير الذي أحدثته الثورة على عالم التصوير في مصر وإفساحها المجال لشرائح جديدة. يعلق على ذلك قائلا: "أصبحت الأحداث أكثر ازدحاما بكاميرات الهواة والمحترفين على السواء، وهي أجواء لم نكن نعيشها قبل سنوات.. لقد أصبح هناك من يزاحم المصورين المحترفين بالفعل". هذه الملاحظة التي يسجلها المصور عمرو نبيل عن اتساع مجال التصوير بشكل متزايد يرجعها إلى سببين هما: "اتساع استخدام الكاميرات الرقمية وكاميرات الهواتف المحمولة، واهتمام النشطاء بتوثيق الأحداث وهذين السببين يعودان إلى عدة سنوات قبل الثورة". ومع بدء أحداث ثورة يناير اتسعت أهمية التصوير بهدف التوثيق، ولم يعد الأمر يقتصر على نشطاء أو مصورين محترفين، إذ كان أغلب من وثقوا الحدث بكاميراتهم هم من المشاركين من كل الفئات. وهو ما توضحه الناشطة نازلي حسين بعد معايشتها لتجربة (نقطة تجميع الفيديوهات والصور) التي بدأت أثناء اعتصام التحرير، و تقول: "لدينا الآن أرشيفا من الصور والفيديوهات قدمه متطوعون غير محترفين أرادوا نقل صورهم وفيديوهاتهم إلى الانترنت، ولعل أهمية هذا الأرشيف أنه دليل قد نحتاجه في القضايا المتتالية التي أثيرت منذ بدء الثورة". وحسبما تذكر نازلي فإن أجواء الاطمئنان التي عاشها المعتصمون لبعضهم البعض واستمرت حتى اليوم دفعت الكثيرين إلى تقديم ما لديهم من مواد دون اهتمام بذكر أسمائهم، أو على حد وصفها: "منذ ذلك الوقت تأكد دور الصحافة الشعبية بشكل كبير، ولم يعد الاهتمام فقط منصبا على المحترفين في مجالي التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو". هذه الأحداث المتلاحقة في السنوات الأخيرة واتساع استخدام الكاميرات الرقمية دفع إلى تزايد عدد ورش التصوير و ظهور شريحة تجمع بين روح الهواية والاستقلال بعيدا عن المؤسسات التقليدية، يعلق عمرو نبيل على ذلك قائلا: "أثناء زيارتي إلى ليبيا وقت تفجر الموقف هناك لاحظت هذا النموذج لشاب تحول إلى مصدر صور للوكالات الأجنبية رغم أنه ليس محترفا أو تابعا لمؤسسة". هذا النموذج ليس حالة يمكن تعميمها في نظر عمرو نبيل، إلا أنه في نظر آخرين مؤشر على فرص جديدة لشباب كانوا هواة أو مستقلين، إذ أن هناك نماذج أخرى في مصر توضح تأثير الثورة بشكل مباشر. أحدهم هو بشير وجيه الذي تعود صلته بالتصوير لسنوات مضت، و كان للثورة تأثير خاص على حياته المهنية، ويوضح ذلك قائلا: "ما أحدثته الثورة في الحقيقة هو أنها كانت فرصة لعرض ما نصوره في توقيت كانت الأعين كلها مسلطة على مصر، وعلينا ألا ننسى أن الحس الفني للصورة يجعلها أكثر استخداما". يعيش الآن بشير خارج القاهرة حيث يعمل على مشروع لحساب إحدى القنوات التلفزيونية العالمية، إذ يطوف المحافظات المصرية تاركا مهنته الأصلية كمهندس في إحدى الشركات الكبرى في مجال الاتصالات. وجزء من هذا القرار كانت أحداث الثورة سببا فيه.. يوضح ذلك بقوله: "ما صورته من مادة فيلمية أثناء الثورة بحسي الفني كان أحد أسباب العروض التي تلقيتها فيما بعد". أما قبل ذلك بسنوات فقد كان المجال الاحترافي خانقا في بعض الأحيان وله قواعد تجارية في أحيان أخرى، وهو ما دفعه إلى العمل بشكل مستقل وصُـنع أفلام حضر بها مهرجانات. ويوضح تفاصيل تلك النقلة التي اتخذها بعد الثورة قائلا: "على سبيل المثال فإنني أثناء السنوات الماضية حاولت الدراسة الأكاديمية و تعذر الأمر عدة مرات، في الوقت الذي نجحت فيه في صنع أفلام مستقلة، وأثناء الثورة عرضت صوري بشكل تقليدي على الفيسبوك والتويتر و اكتشفت أن هناك من يهتم بالفعل، وتلقيت عروض شراء، واليوم أنا أعمل لحساب مؤسسات إعلامية عالمية".

بحر من الصور
حسبما يؤكد بشير فإن أحداث الثورة المتتالية ساهمت في إيصال البعض إلى العمل المؤسسي، لكن كان الشرط دوما هو المهارة الحقيقية والحس الفني، لكن بعيدا عما يذكره فإن نفس تلك المؤسسات اتجهت أيضا إلى فيديوهات المتطوعين التي يلقون بها على مواقع مثل يوتيوب لتحميل الفيديو، أو من يرفعون صوره بكاميراتهم على الفيسبوك، دون أن يبحثون عن الاحتراف، إذ كانت الأشهر الماضية موسما لجمع الفيديوهات بغرض إعادة إنتاجها تجاريا فيما بعد .. وحسب أرقام أعلنها مؤخرا موقع يوتيوب الأشهر عالميا لرفع الفيديو فإن أن المصريين قاموا بتحميل 2.1 مليون فيديو على موقع ''يوتيوب''من مصر منذ بداية العام 2011، وأن 14% من هذه الفيديوهات في قسم " الأخبار والسياسة"، وهو معدل مرتفع مقارنة ببقية الدول ذات الأوضاع السياسية الشبيهة . وحسب تلك الأرقام فإن حالة الصورة في ازدهار، وهو ما دفع ببعض المؤسسات العالمية إلى وضع أفكار جديدة مثل تدشين مواقع الكترونية تهدف إلى تسويق الصور والفيديوهات وأحد هذه المواقع الجديدة يستهدف مصر والشرق الأوسط بشكل خاص. وكذلك فإن بعض شركات الإنتاج المحلية قد نشطت في الفترة الماضية من أجل جمع مواد فيلمية عن أحداث الثورة على أمل إعادة إنتاجها بشكل تجاري. هذه الملاحظة سجلتها الناشطة نازلي حسين إحدى المتطوعات في (نقطة تجميع الفيديوهات والصور) أثناء بداية أحداث الثورة، وتعلق قائلة: "نعم .. لاحظت أن بعض فيديوهات المتطوعين التي وصلت إلينا في تلك الفترة المبكرة قد أعيد استخدامها كثيرا على الشاشات، وبعضها استخدم بشكل تجاري، لأن أغلب تلك المادة كان الهدف إتاحتها على الانترنت بشكل مجاني". إلا أن فكرة التطوع بتقديم مواد عن الثورة ليس بهذه البساطة لدى المصورين المحترفين، إذ تعرض منهم لمشاكل حين اختاروا التنازل عن حسهم الاحترافي جزئيا وطرح أعمالهم للجمهور مباشرة. وهو ما حدث قبل أشهر في معرض "سجل يا زمن" حين فوجي المصورون بأعمالهم التي تباع على سيديهات دون إذن كتابي منهم. وبسبب خلفيتهم الاحترافية اتجه بعضهم إلى اتخاذ إجراءات قانونية، وأثير نفس الجدل مع برنامج ناس بوك للإعلامية هالة سرحان حين وجه لها أحد المخرجين اتهاما بأن طاقم إعداد البرنامج استخدم فيلما صوره في الميدان واعتبروه من تصوير فريق البرنامج. وهذه الحوادث المتتالية تظهر ملمحا جديدا لعالم الصورة بعد الثورة، حول تلك العلاقة الشائكة بين عالم الصورة الاحترافية التقليدية لحساب المؤسسات، وبين الكاميرات الحرة والعمل التطوعي الأكثر نشاطا بعد الثورة.