Wednesday, June 1, 2011

بعد سنوات من العمل السرى .. لا (تُخفِ) نشاطك السياسى بعد اليوم




الثورة تفرض قواعدها

الشيوعيون فى اختبار مع العلنية

يؤمن صلاح عدلى ــ أمين عام الحزب الشيوعى المصرى ــ بعبارة فلسفية تقول: «لا شىء ساكنا.. كل شىء يتحرك»، فحين انضم إلى صفوف الحركة الشيوعية فى العام 75 لم يتصور أن يأتى اليوم الذى يعلن فيه الحزب الشيوعى المصرى عن نفسه مثلما هو الحال اليوم. ويعلق قائلا: «ما حدث فى ثورة 25 يناير لم يأت من فراغ، إنما سبقته نضالات قديمة». اختار أن يبدأ الحديث فى جوار مركز «آفاق اشتراكية» الذى يديره منذ سنوات، ثم تابع قائلا عن الجانب السرى فى عمل الحزب: «بعد أن التحقت بصفوف الحزب فى منتصف السبعينيات أوكلت إلىّ مسئولية الأجهزة الفنية، وهى مختصة بطباعة الوثائق والمنشورات والاتصال، وهو ما جعل مهمتى سرية فى ظل القمع الأمنى لنشاطاتنا، وكان أول اعتقال لى فى العام 81، بدأت أنشطة جديدة تمزج السرية بالعلنية». للحزب الشيوعى المصرى خصوصية وسط التيار الاشتراكى بشكل عام، إذ إنه أول حزب شيوعى فى القارة الأفريقية، تأسس فى العام 1922 ثم قضت المحكمة بالقبض على قادته بعدها بعامين واستمر عمله السرى منذ ذلك الوقت حتى أول مايو الماضى حين أعلن الشيوعيون نية تأسيسه بشكل علنى، رغم أنه قد أعيد تأسيسه فى الأربعينيات مع صعود الموجة الشيوعية الثانية ثم مرة ثالثة فى السبعينيات وهى المرحلة التى ينتمى إليها قادة الحزب الحاليون.
لا يخفى صلاح عدلى ضيقه عند تناول صورة الشيوعى فى المجتمع المصرى حاليا، إذ يرى أنها أمر لم يكن فى إمكانيات الشيوعيين الرد عليه، ويقول: «ببساطة فإن أصل الدعاية المضادة للشيوعية كانت من السلطة، خاصة حين ندرك أن المذهب الماركسى يدعو لتغييرات جذرية فى المجتمع تقلق طبقات بعينها، لذا اتهم الماركسيون فى العالم باتهامات متشابهة منها أنهم معادون للأديان وأنهم فوضويون للتشنيع عليهم، وفى مصر حدث ذلك مع حكومات ما قبل الثورة وبعدها، وفى أيام السادات تم دعم الإسلاميين فى مواجهة الشيوعيين خوفا من قوتهم.. لم يدعوا لنا مجالا للعمل». رغم ذلك كان انتماء صلاح عدلى ورفاقه معلنا إلى الحزب الشيوعى المصرى ــ ذى المكانة التاريخية ــ لكن تفاصيل اجتماعاتهم وخططهم تتم فى سرية.. تماما مثلما كان الحال مع الأجيال التى سبقتهم. وهو ما عرضهم للاعتقال من الشارع أثناء المظاهرات أو الاستدعاء إلى أمن الدولة. ويقول عن ذلك: «فترة الثمانينيات والتسعينيات كانت فترة ركود للعمل السياسى بشكل عام، لكن منذ العام 2000 بدأت الحركة تنشط، إذ كنا كشيوعيين مصريين فى داخل الكثير من الفاعليات، ولن أبالغ حين أقول إن كيانات مثل اللجنة الشعبية للتضامن مع غزة فى ذلك العام ثم اللجنة الشعبية للتغيير فى العام 2004 ساهمتا فى تحريك الشارع والتظاهر، ولم نترك فرصة للمشاركة فى حدث جماهيرى ولم نشارك خاصة فى الجمعية الوطنية للتغيير». يتوقف قليلا ليستقبل اتصالا من إحدى الفضائيات ثم ينهى المكالمة معلقا: «فى الماضى كنا نتعرض للاستبعاد أحيانا من جانب بعض الفضائيات أثناء مشاركاتنا فى المظاهرات، إذ كنا نفاجأ بالعدسات توجه إلى الإخوان أو القوميين أو أعضاء كفاية.. اليوم قد اختلف الوضع كثيرا».
فى العام الماضى، أصدر الكاتب طلعت رميح كتابا بعنوان «مأزق الحركة الشيوعية المصرية» (مركز الأهرام للنشر ــ 2010). وذكر بعض الظواهر التى لازمت الحركة طوال تاريخها، منها: عدم القدرة على بناء حزب، واعتماد المنظمات والأحزاب الشيوعية على المثقفين، وعزلة شريحة من الشيوعيين واغترابهم عن المجتمع. هذه الظواهر يتجاوزها صلاح عدلى فى حديثه، بل يبدو متصالحا معها مشغولا بالمستقبل، ويقول: «بعد الأزمة المالية العالمية ظهرت كتابات تقول: لقد عاد ماركس بقوة، وهذه الإشارات تؤكد بقاء الأفكار والمنهج العلمى، المسألة ليست انتماء سياسيا فقط، بل إيمان بأفكار تحقق عدالة اجتماعية». وحتى مع اختلاف روح العصر التى دفعت الشباب بعيدا عن الأفكار والنظريات باتجاه القيم البسيطة المجردة، يقول أمين عام الحزب الشيوعى المصرى: «هذه المرحلة التى نعيشها الآن لن تستمر إلى الأبد، لابد من أحزاب وأفكار سياسية ونظريات متنوعة لخدمة مرحلة بناء النظام.. ليس علينا أن ننفر الشباب من الحزبية والأفكار السياسية لأنها أداة لابد من استخدامها». فى أثناء أحداث الثورة شارك أعضاء الحزب الشيوعى المصرى مع الجماهير، وهى اللحظة التى يسميها عدلى بالظرف الناضج للثورة، لكن هل تأتى هذه الثورة بأعضاء جدد لحزب ذى طبيعة خاصة؟ فى السبعينيات كانت الأعداد بالآلاف والمعتقلون فى السجون من الشيوعيين بالمئات. أما اليوم فينتظر الحزب الإعلان عن عدد الأعضاء ومصادر التمويل بعد ترتيب الأوراق فى الأشهر القادمة. ووسط زحام السياسة يفتقد الحزب الشيوعى المصرى أيقونة أو رمزا يقدمه للمجتمع.. يرد «صلاح عدلى» على ذلك قائلا: «كبار الشيوعيين رحلوا، لم يتبق سوى أبناء جيلى وشباب الحركة». يصمت قليلا ثم يكمل بحماس: « ماركس نفسه رفض أن يتحول إلى أيقونة.. لقد ترك أفكارا هو وغيره من المفكرين والسياسيين الاشتراكيين، والاشتراكية العلمية هى أساس مشروعنا القادم».


تكتيكات جديدة للحركة فى الشارع

منسق 6 أبريل: لكل مرحلة أسلوبها

«مساحة العمل السرى فى حركة 6 أبريل لم تكن كبيرة، كنا نلجأ للسرية فقط لإتمام نجاح الحركة فى الشارع منذ تأسيسها فى 2008 حتى ثورة 25 يناير». فى المقهى المجاور للمقر الذى يجتمع فيه أعضاء حركة 6 أبريل يروى أحمد ماهر ــ أحد مؤسسى الحركة والمنسق العام ــ عن مساحات العمل قبل الثورة وكيف تبدلت الرؤية بعيدا عن العمل السرى. هذه الأجواء الجديدة أدت إلى تبنى الحركة اقتراحا بأن تنتقل من كونها حركة «مقاومة» تسعى إلى تغيير النظام إلى جماعة ضغط سياسى. هذا الاقتراح ألقى بتأثير سيئ على بعض الأعضاء الذين انسحبوا من الحركة مؤخرا. يقول أحمد ماهر: «هذه المشكلة مررنا بها من قبل فى 2009 حين قررنا الانتقال من فكرة الاحتجاج إلى فكرة المقاومة.. والفارق كان كبيرا، فالمقاوم لا يكتفى بمظاهرة، بل يعتصم أو يكتب عبارات ثورية على الجدران، حتى إن تعرض للاعتقال.. وحين غيرنا خطتنا وقتها حدث موقف شبيه بالموقف الحالى وسرعان ما تم تجاوزه». لكن مجموعات على الفيس بوك ومواقع إخبارية نشرت قبل أسابيع قصة تحويل 6 أبريل إلى مؤسسة تتلقى دعما ماليا، وهو ما جعل مجموعة تنسحب من الحركة وتعلن أنها هى التى تمثل الحركة، وسرعان ما هدأت الأمور بعد النفى التام للفكرة من جانب المنسق العام. هذا الارتباك هو أحد أعراض ما بعد الثورة إذ كانت قصة 6 أبريل مع مؤسسها أحمد ماهر هى قصة صعود تم تتويجه فى أحداث الثورة، وبعد سقوط السلطة الحاكمة دار سؤال داخل الحركة وخارجها عن : ما مصير حركة 6 أبريل؟ يجيب أحمد ماهر قائلا: «الحل فى أن نكون جماعة ضغط سياسية.. البعض لم يفهم الفكرة حين طرحت لأول مرة، فنحن هنا نتحدث عن دور جديد يقدم توعية سياسية واجتماعية للوقاية من الوقوع فى فخ الطائفية أو عودة النظام الفاسد».
فى ضوء هذه النقلة التى يتحدث عنها أحمد ماهر هناك أجواء مختلفة داخل الحركة ستتغير، فى الماضى ــ حسب قوله ــ كان هناك أعضاء يتم دسهم داخل 6 أبريل من جانب الأمن لكشف مخططاتها. ويوضح قائلا: «كنت أحيانا ما أبلغ أحد المشكوك فيهم من الأعضاء بأننا سنقوم بمظاهرة مفاجئة فى التوقيت والميعاد الفلانى.. وهنا كنا نكتشف عميل الأمن و العضو النزيه، وهذا ما جعل هناك جانبا سريا فى عملنا». هذه الممارسات لم تتم إلا عبر التجربة والخطأ وخبرة سابقة لمؤسسى 6 أبريل فى مجموعة شباب من أجل التغيير التى سبقتها بسنوات وهناك اكتسبوا خبرات أخرى فى المظاهرات والعمل الحركى، أما عند تأسيس حركة 6 أبريل بعد نجاح الإضراب الشهير فقد اتفق المؤسسون على قناعة واحدة وهى: «أن يكون مستوى التخطيط للعمليات مغلقا على مجموعة من المؤسسين.. أما على مستوى التنفيذ فالأمر مفتوح لكل الأعضاء». وعلى هذا المنوال كان شباب الحركة يفاجئون الأمن بعمليات فى العامين الماضيين ذات طابع مختلف، مثل: توزيع منشورات أو ترديد أغان ثورية فى الشوارع. يروى أحمد ماهر هذه التفاصيل دون اكتراث بأنه سيفتقد أجواء التخطيط السرى التى اعتادها لسنوات، ويعلق قائلا: «أحيانا ما كانت سرية التخطيط تغضب بعض أعضاء الحركة لكنهم تفهموا الأسباب فيما بعد.. خاصة بعد أن تسببت التحركات المفاجئة فى إرباك الأمن عدة مرات، ومعاقبة بعض الضباط بسبب إخفاقهم المتكرر». هذا العمل الذى يمزج السرية بالعلنية تم أيضا فى 25 يناير، أما الآن.. «لم يعد هناك داع للتخطيط السرى قبل التحرك فى الشارع، لقد كانت المشكلة مع الأمن»، حسبما يذكر أحمد ماهر. وفى موقع 6 أبريل على الانترنت تبدو أجواء ما بعد الثورة واضحة للزائر، فى أحد الأركان تتم الإجابة عن سؤال: يعنى إيه منظمة 6 أبريل؟ وهناك شرح لفكرة جماعة الضغط، والفرق بينها وبين الحزب السياسى الذى يطمح إلى السلطة، وكذلك منظمات المجتمع المدنى. إذ يسعى الكيان الجديد إلى التأثير فى الحسابات السياسية عبر كوادره المنتشرة فى المحافظات، سواء فى التوعية السياسية أو دعم مرشحين تتفق أفكارهم مع مبادئ 6 أبريل. وعلى الموقع صور شباب الحركة وهم يقومون بالتدريب فى إحدى القاعات، يكمل أحمد ماهر حديثه قائلا: «قدمنا إلى مجلس الوزراء والمجلس العسكرى اقتراحا بقبول فكرة جماعات الضغط ككيان سياسى مشروع، وذلك حتى نعمل فى العلن ونبرز اختلافنا عن الأحزاب والمجتمع المدنى.. فنحن سنكون أداة رقابة أيضا». يدرك ماهر أن مرحلة العلن التالية واتساع العمل سيكون من الضرورى فيها تسجيل الحركة المالية والتبرعات للحركة، وكذلك اشتراكات الأعضاء، حتى يكون كل شىء معلنا أمام الدولة. يقول: «لدينا ثوابت فى لائحتنا الداخلية هى التى ستدير مواقفنا من القوى السياسية فى المستقبل.. على سبيل المثال لن أدعم مرشحا يدعو إلى زواج المثليين ولا مرشحا يدعو إلى دولة دينية». نبرة الحوار دفعت بسؤال: هل أنهت 6 أبريل المرحلة الثورية وبدأت مرحلة الإصلاح ؟ يجيب سريعا: «طوال الوقت كنا ثوريين وإصلاحيين.. كنا نقدم مشروعات تنموية فى مؤتمرات على أمل الإصلاح فى ظل النظام القديم، لكن لم يلتفت إليها أحد». يصمت قليلا ثم يكمل: «على فكرة.. لن نتخلى عن أدوات المقاومة، فماذا إن حدث فى أسوأ الظروف وجاء حاكم ديكتاتور، ألا يحتاج إلى إسقاطه من جديد؟» يبتسم منهيا حديثه تاركا خلفه طموحات للانتقال بـ6 أبريل إلى منظمة تؤثر فى موازين القوى السياسية.


لا مجال للكيان الأخطبوطى السابق

3 أسئلة للباحث حسام تمام - المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية - حول التغيرات التى ستطرأ على جماعة الإخوان المسلمين:


استبداد النظام القديم كان يزيد من تماسك جماعة الإخوان .. فهل ستواجه خطر التفكك بعد اختفاء النظام الذى كان يهددها؟
- علينا أن نلاحظ أمرا مهما وهو أنه رغم أن الإخوان كانت من القوى السياسية الأكثر استفادة من الثورة، إلا أنها على أرض الواقع لم تستقطب أعدادا جديدة، بل إنها الآن تحاول الحفاظ على قواعدها الأصلية، واتضح هذا فى انتخابات الجامعات التى كشفت عن حضور هش فى بعض الكليات، رغم أن إجراء الانتخابات كان بعيدا عن القبضة الأمنية التقليدية.. ما حدث فى 25 يناير كان ثورة استثنائية أسقطت كيانات راسخة، وطبيعة المرحلة القادمة لن تعيد إنتاج تجربة الكيان الأخطبوطى الذى تشكلت عليه جماعة الإخوان، لأن هذا الكيان الضخم كان يضم تحت لوائه أفكارا وتيارات متنوعة، وقد بدأت بوادرها الآن فى الظهور على شكل أحزاب سياسية، لكن من المستبعد أن تحدث انشقاقات عظيمة أو تفكك سريع، ما يحدث هو نوع من فرز للتيارات الداخلية.

تأسست جماعة الإخوان المسلمين فى العام 1928 وظلت محتفظة ببنائها التقليدى على مدار هذه العقود الطويلة.. هل ترى أن هذه البنية القديمة والأسلوب الدعوى فى النشاط السياسى سيصبح مقبولا مع مجتمع قام بثورة رفض فيها الشعارات الدينية أو سيطرة الرموز عليها؟
- إذا ما تغيرت قواعد النظام السياسى الجديد ليصبح نظاما تعدديا فسيتحول الإخوان إلى قوة سياسية ضمن بقية القوى، لكن ما حدث فى الاستفتاء الأخير وتحويله إلى قضية دين وهوية بعيدا عن السياسة هو ما يجعل البيئة السياسية نفسها تقليدية وقديمة ضد التطور.. كذلك فإن الإخوان لديهم مشكلة فى تطوير أدائهم مع القوى السياسية الأخرى بدلا من اتخاذ قرارات أحادية مثل الانسحاب من حوار وطنى أو عدم المشاركة فى مظاهرة.. كل هذه المؤشرات سلبية تدل على التمسك بالمنطق القديم، وعدم القدرة على التعاون مع القوى الأخرى. والمشكلة التى ستواجه الإخوان الآن هى أنهم لم يعودوا من يحدد قوة الحدث السياسى. فهناك قوى أخرى صاعدة.

هل هناك دواع لاستمرار التخطيط السرى داخل جماعة الإخوان بعد أن سقطت قيود النظام السابق، وهل سيؤثر ذلك فى المستقبل على أى عمل حزبى للجماعة؟
- مما لا شك فيه أنه على جماعة الإخوان المسلمين أن تقدم عربونا للتواصل الجيد مع الشعب المصرى بعد سقوط النظام، فلم يعد من المقبول فى هذه الأجواء الجديدة أن تستمر المخططات الداخلية السرية فى الوقت الذى بدأت تظهر فيه كيانات أخرى على الساحة السياسية أكثر وضوحا. والمشكلة التى ستواجه الجماعة فى الفترة المقبلة هى ضرورة التمييز بين السياسى والدعوى وقد حدث هذا فى تجربة المغرب التى فصلت فيها الجماعة نفسها عن نشاط الحزب. المشكلة الحقيقية أن هناك نزعة هيمنة بدأت تعلو عند تيار الإسلام السياسى وتطغى على هذه الحسابات وهو ما قد تكون عواقبها وخيمة على المدى البعيد.