Tuesday, March 29, 2005

الدين والسياسة

عبدالرحمن مصطفى
بين الحين والآخر، يثار الجدل حول مسألة الدين والسياسة، وعلاقة كل منهما بالآخر.. فتختلف الآراء، ويحدث الانقسام، ونرى رأيا يمزج الدين بالسياسة وكأنهما قابلان للتوحد، متعللا بأن كل أمر في الحياة مرده إلى الله، ومن ثم إلى الدين.. وبالتالي فلا حرج في مزج الدين بالسياسة. ورأي آخر على النقيض منه، يذكر أنه لادين في السياسة، ولا سياسة في الدين. إذا فواجب علينا التعرض لتلك الآراء بالنقد، حتى نعلم أيها أقرب إلى الصواب، أو على الأقل حتى نعلم إذا ما كنا في حاجة إلى رأي جديد أم لا.

- في الرأي الذي يذهب إلى المزج بين الدين والسياسة، على أساس أن "كل ما يخص حياتنا موجود في القرآن والسنة".. وقد تكون تلك العبارة الأخيرة صحيحة، ولكن.. كيف يتم التطبيق العملي لها عند مواجهة معضلة سياسية..؟ بالطبع ليس الحل في سرد الآيات و الأحاديث على لسان السياسي، بغرض حل المعضلة السياسية التي تواجهه.. فقد تستخدم الآيات والأحاديث في غير مواضعها، بغرض تحقيق غرض ما في نفوس الحكام وأهل المصلحة.

فكثير من الأمثلة التاريخية تدلنا على ذلك.. فكم من صراع سياسي قام من أجل انتزاع صفة أمير المؤمنين، و لقب الخليفة.. بل قد تم التمسح بنبوءات حوتها كتب الحديث، كفكرة المهدية (1)، مثلما حدث في ثورة المهدي بالسودان(2)، ومثل جيش المهدي حاليا بالعراق.
نجد هنا أن المزج بين الدين والسياسة –أيا كانت مبرراته- يقدم الفعل السياسي للناس على أنه فعل ديني، مما قد يسيء إلى صورة الدين في حالة إذا ما كان الفعل السياسي يحوي ظلما أو بهتانا.

إذن فالمزج بين الدين والسياسة، أمر فيه خطورة، لكونه مزج للحق بما قد يكون باطلا.. للعدل بما قد يكون ظلما.. للثابت بالمتغير. كما أن السياسة في الأصل، تحوي نظما، وقوانين، وشرائع، وأوامر إنسانية، لإدارة شئون إنسانية.. بينما الدين أوامر وشرائع إلهية، لتنظيم شئون إنسانية. فكيف يتوحد الاثنان، والأصل مختلف..؟!
لنترك ما للبشر للبشر، وما لله لله..وتدفعنا تلك الفكرة الأخيرة دفعا إلى الرأي الثاني القائل بأنه " لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة ".. فنتساءل، هل تصلح تلك العبارة لنا..؟؟ هل ستجعلنا تلك العبارة نعيش حالة من الرضا عن أنفسنا وعن علاقتنا مع ربنا..؟؟

عندما ذكر الرئيس الراحل أنور السادات تلك العبارة السابقة في إحدى خطبه(3)، انتهى الأمر بقتله في أقل من شهر، وأصبحت تلك العبارة دليل إدانة ضده حتى الآن. ويربط البعض بين تلك العبارة ذائعة الصيت، وبين فكرة العلمانية(4) ..فنجد أن عبارة " لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة " قد أصبحت مرادفا لدى البعض بالمبدأ العلماني "فصل الدين عن الدولة".
لكن الحقيقة.. أن فكرة "فصل الدين عن الدولة" ، أكثر تطرفا، فتطبيقها يعد نفيا للدين بأكمله عن كل شأن سياسي، وذاك أمر غير مقبول، قد يكون هنالك من لا يؤمن بوجود الخالق أصلا، لكن أعتقد أن شعوبنا المؤمنة بالدين لن تقبل مثل هذا الأمر.لنعد مرة أخرى إلى عبارة " لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة "، ولنبعدها عن تفسيرات من ربَطها بالعلمانية، وفصل الدين عن الدولة. قد ذكرنا منذ قليل أن هناك اختلاف شديد بين السياسة الإنسانية الصنع، والموجهة للبشر، وبين الدين الإلهي الصنع، الموجه للبشر.. من هذا المنطلق، قد نقبل أنه لادين في السياسة، تبعا لنشأة كل منهما، فالدين من الله، بينما السياسة من البشر وطارئة عليه، فلا يقوم الدين بدور السياسة أبدا.
ولكن.. هل معنى هذا أنه لا توجد سياسة في الدين..؟؟

تبعا للنشأة.. فالإجابة أيضا نعم..!
فنحن لا نستطيع إضافة ما صنعه البشر-السياسة- إلى ما صنعه الخالق -الدين- و إلا كان الأمر تحريفا للدين..والإنسان يشرع تبعا لظروفه.. بينما شرع الله لكل زمان، ومكان، ولكل البشر. لكن.. قد نجعل لما صنعه وشرّعه البشر، مرجعية متمثلة في الدين (صنعة الخالق).. ووقتها لن نجد سياسة في الدين، بقدر ما سنجد توجيها من الدين للسياسة التي نصنعها ونحن أحرار.
- إذا.. فكيف ننظم تلك العلاقة بين الدين والسياسة التي حولها البعض إلى فتنة بين الناس ..؟

* أن نعترف بإلهية الدين، فلا نقحمه في السياسة البشرية، وكأنه أداة في يدنا بديلة عن السياسة.. فلا يجب أن يحل الدين محل السياسة أبدا.

* علينا أن نعترف ببشرية السياسة، وأنها من صنعنا، وقابلة للتغيير، وأن الفكر الإنساني مهما تطور، فهو قاصر.. لذا فيجب أن يكون الدين مرجعا لكل تشريع أو نظام سياسي، و لكل فكرة أو نظرية سياسية (بشرية).

* علينا أن نجتهد في فهم ديننا حتى نستطيع التعامل معه، والاستفادة منه.

* عدم التقصير في الابتكار السياسي.. لأن ذلك قد يجعل الدين ضحية لكسلنا، فيأخذ الدين (الإلهي) محل السياسة (البشرية)، ومن ثمَّ يحمل الدين أوزارنا، وترتبط سُمعته بسمعتنا.

في النهاية.. نتمنى أن نرى الدين يقوم بواجبه تجاه السياسة من تقويم وتهذيب لها، فيكون للسياسة – صنعتنا- مرجعا ضابطا ومحددا لها، يتمثل في دين سماوي من عند الله أريد به خيرا للبشر . فلنجتهد في صنع سياساتنا ونظمنا السياسية-أيا كانت- على أساس مرجعية ديننا، وعلى أساس اختلاف سياسة كل دولة عن الأخرى، باختلاف الزمان والمكان والإنسان (5) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيلاف

(1) وردت فكرة المهدية في بعض كتب الصحاح الستة للحديث النبوي، عن المهدي المنتظر من نسل فاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام، الذي سيملأ الأرض عدلا وخيرا .. والفكرة هي أحد أركان الفكر الشيعي، متمثلة في الإمام.. أما عند الصوفية، فتتضح أكثر في "القطب" أو "غوث الزمان"، والفكرة موجودة بشكل مشابه في الكتاب المقدس، عند الحديث عن "المسيح المنتظر".

(2) هو محمد أحمد بن عبد الله.. يرجع نسب أسرته إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولد بدنقلة 1844مـ ،نصب زعيما لإحدى الطرق الصوفية عقب وفاة شيخها، وبدأ في دعوته الإصلاحية، وأتخذ لقب محمد أحمد المهدي منذ عام 1881مـ،وبدأ ثورته على الأوضاع السائدة، حتى اصطدم بعدها مع الاستعمار الإنجليزي، وتوفي بعد إسقاطه لمدينة الخرطوم في عام 1885مـ.. وظهر في أيامه آخر بالسودان ادعى أنه المهدي المنتظر.

(3) ذكر الرئيس الراحل/أنور السادات تلك العبارة في سياق حديثه عن الإخوان المسلمين في بيان إلى الأمة في 14/9/1981

(وساعة ما نقول لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة.. يقولوا أبداً.. الدين سياسة والإسلام دين ودولة- آه دين ودولة صح، لكن أن تفرض وصاية على مصر باسم الدين على طريقة الخميني كما يكتبوا الآن.. لا..).

(4) العلمانية: هو مصطلح غامض ذو أصول كنسية بمعني (اللااكليركي) أو (غير اللاهوتي)، ويعبر المصطلح عن موقف أوروبي جاء نتيجة صراع ونضال أوروبي ضد المؤسسات الدينية هناك، التي احتكرت لنفسها مقومات الحضارة الفكرية والعلمية، ويربط البعض بين العلمانية والاستعمار الأوروبي، وأن أوروبا تصدر العلمانية للشعوب الإسلامية كي تفتنها عن دينها.

(5) عناصر التاريخ : الإنسان والزمان والمكان