Monday, February 28, 2005

في انتظار ثورة

عبدالرحمن مصطفى ـ مصر

تعيش مجتمعاتنا العربية الآن حالة من الركود، نتيجة إحساسها بالحيرة والعجز تجاه العديد من القضايا على الصعيدين الداخلي و الخارجي.. و يبدو أن للوجود الأمريكي القوي بمنطقتنا دور هام في إيجاد مثل تلك الحالة، بعد أن نجحت أمريكا في تحييد المجتمعات العربية عندما أصبحت لدى العرب بمثابة العدو و الصديق في آن واحد. خطر خارجي، وركود داخلي.

و دون أن نعول هنا على الأسباب الخارجية التي أدت إلى نشأة مثل تلك الحالة التي تعيشها مجتمعاتنا، فما يهمنا في مسألة الوجود الأمريكي القوي في منطقتنا، أن أداء أمريكا لدور العدو والصديق في آن واحد قد انعكست آثاره على الساحة الداخلية لمجتمعاتنا العربية الراكدة.. فجاء نتيجة ذلك محاولات لتحريك هذا الركود، بأن لجأ البعض إلى أن تحديد علاقته مع أمريكا بوصفها العدو الأكبر للأمة، لاعبا على وتر المشاعر الدينية والقومية، في الوقت الذي وجدنا فيه قلة أخرى قد حددت علاقتها مع أمريكا بوصفها الصديق. وتلك الثنائية ليست جديدة على منطقتنا، فدائما ما نجدها أمامنا عندما يظهر التدخل الأجنبي (القوي) مصاحبا للضعف الداخلي .أما غالبية الجماهير فنجدها في حيرة من أمرها مترددة في اتخاذ المواقف، في وقت وجدنا فيه من يتخذ المواقف، يتخذها بأسلوب متطرف لا يعالج ضعف المجتمعات الداخلي.

ــــ ما قبل الثورة

في تلك الفترات التي ينتظر فيها الناس مسيحا مخلِّصا أو مهديا منتظرا يقوم بإصلاح مجتمعاتهم بقواه الخارقة وأفكاره المعدة سلفا، بعد أن ضعفت قدرتهم على الابتكار والاجتهاد، نجد أن الأوضاع السائدة تكون في حاجة إلى عمل ثوري يحرك الراكد، ويجدد للأمة شبابها.. ولما كانت الثورات لا تأتي إلا عقب ظهور الأفكار والنظريات والمباديء، فلنا أن نتوقع لأي عمل ثوري في تلك المرحلة أن يكون عملا ارتجاليا غير منظم. ولكن.. هل من أمل ..؟! نعم، فظهور قوى أجنبية قوية بيننا، قد قسمنا إلى مفتونين بها و حاقدين على نجاحاتها، وفرض ذلك علينا حالة الضعف والاستكانة الحالية نتيجة حيرتنا في التعامل مع تلك القوى، و قد أوجب ذلك تلك الحاجة إلى إحداث عمل ثوري، يثور على الأوضاع السائدة، ويبدأ في التنظير لعصر جديد. وهنا.. نحن نتحدث عن عمل يكون بداية لمجموعة من الاجتهادات والأفكار التي تعالج حالة الضعف والركود الحالية، بتسلسل منطقي، لا بمنطق الانقلابات العسكرية.
إننا في حاجة إلى أفكار ونظريات تعمل عمل المقويات لجسد الأمة الهزيل .

ــــ بداية ثورة؟

دعونا الآن نتأمل قرار السيد الرئيس محمد حسني مبارك السماح لأكثر من مرشح بدخول الانتخابات الرئاسية، إن هذا القرار لابد أن يكون له أثره على الشعب المصري الذي سيصدم في الانتخابات القادمة، عندما يجد حاكمه "المقدس" وقد أصبح له منافسون في الانتخابات الرئاسية، قد تكون الفكرة مبهرة لأول وهلة، وباعثة على التفاؤل، إلا أنها أيضا قد تكون بداية انهيار لدولة –مصر- من أهم دول الشرق، ففشل الشعب المصري – بفئاته السياسية وغير السياسية- في التعامل مع تلك الفكرة الطارئة على تاريخه الطويل، سيعد نهاية لمرحلة الركود والسكون، وبداية لمرحلة جديدة من الأحداث والحركة، ولكنها-دون مبالغة- ستكون حركة قد تفكك الدولة تماما. ففشل الشعب في التعامل مع تلك الفكرة الجديدة قد يكون مدخلا لفتنة وأطماع فردية، وقد يكون بداية لتدخل خارجي نتيجة إخفاق المجتمع في التعامل مع أدوات الممارسة الديمقراطية السليمة.
ولما كان الشعب خارجا لتوه من فترة ركود وجمود، فلنا أن نتوقع الهزيمة عند أي مواجهة خارجية.

قد تكون الصورة كئيبة عند الإخفاق في التعامل مع هذا القرار الجديد، ولكن الصورة قد تكون أفضل بكثير عندما يصبح هذا الاقتراح الرئاسي، بداية لحركة ثورية على الأوضاع الحالية بما فيها من ركود وضعف وعجز، فهذا الطرح الذي قدمه "مبارك" بما له من تأثير الصدمة والإبهار، نحلم أن يكون بداية لأطروحات وأفكار جديدة تخرج بالشعب من ركوده وجموده، واعتماده على الارتجال في اتخاذ القرارات، إلى مرحلة جديدة تنشط فيها الأفكار الجديدة والاجتهادات البناءة.

ــــ سيدي الرئيس

نتمنى يا سيادة الرئيس أن تلقي بالحمل على الجماهير، فتضعها في اختبار حقيقي أمام أنفسها، بعد أن تُغير حالة الركود التي يعيشها المجتمع بقرارت واقتراحات تستثير الجماهير وتحفزهم للوقوف إلى جانبك، وإلى جانب من يأتي من بعدك، حتى يجيء اليوم الذي يصبح فيه الشعب هو من يقترح ويقدم الأفكار الجديدة، بنية صافية من أجل الوطن. وقتها فقط، سيكون الشعب هو من قاد الثورة في هذه المرة، بعد أن مهَّدت الحكومة له الطريق. فيثور على سلبياته وما يعيشه من ضعف وجمود.
نتمنى أن يكون القرار الأخير الخاص بترشيح أكثر من فرد لرئاسة الجمهورية بداية لثورة حقيقة، أشعلت فتيلها. ونتمنى أن يكون بداية تغيير حقيقي، بدلا من أن يكون بداية لعصر من الفتن والتدخل الأجنبي نتيجة استمرار الشعب في ركوده وجموده.

ـــ في النهاية

أرى أن الشعوب غالبا ما تتمنى أن يقوم الحاكم بالثورة قبل أن تبدأها هي.. فلنحاول جاهدين استغلال ما يحدث حولنا من تغيرات لصالح بلادنا، ولصالح أنفسنا
ــــــــــــــــــــــ

Thursday, February 3, 2005

الدروس الخصوصية و التنظيمات الإرهابية

تعتبر ظاهرة الدروس الخصوصية إحدى نتائج فشل الجهاز التعليمي بالدولة في أداء واجبه نحو المواطنين.. الأمر الذي أدى إلى وجود طلاب مستواهم العلمي ضعيف، إذا ما قورنوا بالأجيال السابقة عليهم. وكلنا نرى اليوم كيف أصبحت الدروس الخصوصية أحد أهم أسس العملية التعليمية في مجتمعنا المصري، بل لن أبالغ إذا ما قلت أنها أصبحت أهم لدى الطالب من ذهابه إلى المدرسة والانتظام بها.. و نلاحظ أيضا أن ظاهرة الدروس الخصوصية لا ترتبط بطبقة معينة، أو شريحة ما من المجتمع، حيث أنها قد جاءت كنتيجة لقصور في أداء الجهاز التعليمي بالدولة، والذي يخضع له جميع أبناء الشعب.. خصوصا في المدارس الحكومية.
و الأسوأ في تلك الظاهرة.. أننا نجدها وقد امتدت إلى داخل الجامعة، التي انتقلت إليها بعض أمراض التعليم ما قبل الجامعي، فنجد الطلبة في كثير من الكليات يجتمعون حول أستاذهم (المعيد) في حلقات دراسية خارج الجامعة قبيل فترة الامتحانات، مما جعل تلك الحاجة لدى الطلبة سببا في أمر جديد.. ألا وهو نشأة المراكز التي تقوم على تلخيص المناهج في شكل مذكرات للطلاب.. تلك المذكرات التي أصبحت في بعض الكليات -ككلية التجارة مثلا- بديلا عن الكتاب الجامعي.. ! اليوم.. لن نبحث في الأثر العلمي الذي تتركه الدروس الخصوصية و توابعها على الشباب المصري، بقدر ما نبحث في أثرها على نظرة الشاب نحو المجتمع والدولة بأجهزتها الرسمية.. وسيتـضح لنا بعد البحث سويا حجم الآثار الخطيرة لتلك الظاهرة على الشاب المصري و على علاقته بالمجتمع والدولة، سواء من الناحية الاجتماعية، أو من الناحية السياسية. والآن.. نستعرض معا بعض تلك الآثار السيئة للدروس الخصوصية على حياة شبابنا المصري في شكل نقاط:

1 - فقد الثقة في المجتمع وفي أجهزة الدولة:

يجد الشاب نفسه بعد تخطيه لمراحل التعليم المختلفة، وقد تعرض لتآمر مشترك من ناحية أستاذه ومدرسته التي أهملت في تعليمه، والتي تـُمثِّـل الدولة هنا ممثلة في الجهاز التعليمي.. ومن ناحية أخرى نجد الأهل والأسرة (نواة المجتمع) مشتركون في تلك المؤامرة، فالأسرة لم تقف في وجه الدولة التي أخفق أحد أجهزتها وهو الجهاز التعليمي في أداء دوره تجاه ابنهم، ولم تدافع الأسرة عن حق ابنها لدى الدولة، بل نجد الأسرة قد اتجهت للهروب من المواجهة باستقطاب (عميل) من الجهاز الحكومي كي يقوم بالتدريس لابنهم، كبديل عن مواجهة الإخفاق و صاحب الإخفاق ـالحكومة.
ولنا هنا أن نخرج بأن أول الآثار السيئة على الشاب المصري بعد تعرضه لمثل تلك التجربة، هو فقده الثقة في مجتمعه و في دولته بأجهزتها الحكومية.. وذلك بعد صدمته الأولى في التعامل مع الجهاز التعليمي الممثِّـل الأول للدولة لديه، والمتمثل في المدرسة الفاشلة في أداء دورها، إلى جانب المدرِّس المتآمر على الجهاز التعليمي المنتمي إليه.. كذلك كانت صدمته الأولى في مجتمعه الصغير (الأسرة )، لعدم قدرته على مواجهة الدولة، والاتجاه بدلا من ذلك إلى التآمر السلبي، ومخالفة قوانينها سرا. وهنا.. لنا أن نوجه بعض الأسئلة لأولئك الذين يتشدقون بالحديث عن الواجب الوطني كفرض أبدي على شباب الأمة.. أولئك الشباب الذين مروا بتجربة أفقدتهم الثقة في الدولة والمجتمع..
س: أليس من المنطقي أن يفكر هؤلاء الشباب في الخروج على تلك الدولة التي لم تستطع أن تقوم بواجبها تجاههم..؟؟ س: أليس من المنطقي أن يحاول أولئك الشباب أيضا الخروج أو على الأقل عدم الانتماء لذاك المجتمع غير القادر على مواجهة حكومته..؟! س: بعد رؤية الطالب لنموذج المعلم (المدرس الخصوصي) وهو يتآمر على الجهاز التعليمي المنتمي إليه –رسميا- مخالفا بذلك للقانون، أليس من المتوقع منه أن يفكر كثيرا في جدية مسألة الانتماء..؟؟ وهنا نوجه سؤالا أخيرا.. أليس الخروج على الدولة وفقد الثقة في المجتمع وعدم الانتماء إليه، هما بداية لقبول أي فكرة مناهضة للمجتمع و الدولة بأجهزتها..؟؟
بمعنى آخر أليس ذلك طريقا لما تسميه الدُّول اليوم بالإرهاب..؟؟
دعونا نكمل سويا ما بدأناه من عرض لبعض الآثار السيئة للدروس الخصوصية التي تصيب الشباب المصري.. والتي منها :

2- تحويل الشاب إلى أداة :

يجد الشاب المتخرج نفسه يبدأ حياته العملية، بعد أن تعرض لتلك المؤامرة غير القانونية التي حولته إلى أداة في أيدي مدرس خصوصي يريد استغلاله بغرض تحقيق عائد مادي، و أسرة تعامل ابنها على أنه أداة للفخر بما يُنفَق عليه ثمنا للدروس الخصوصية، وبما سيحققه إن أحرز مجموعا عاليا.أضف إلى ذلك.. أن هذا الشاب قد تعوّد أن الحل بيد غيره، وأنه مجرد دمية في يد من يفكر له، وذلك بدلا من أن يتجه هو بنفسه إلى حل أزمته مع مدرسته الممثلة لأحد أجهزة الدولة (الجهاز التعليمي)، من خلال الوسيلة أو التنظيم الذي يعبر فيه عن نفسه وعن مشاكله.. في الوقت الذي لم تبحث له أسرته ومجتمعه الصغير عن إيجاد مثل تلك الوسيلة الشرعية من خلال الطرق السليمة..فاستسلم الطالب للدروس الخصوصية التي صُوِّرت له على أنها الخلاص من أزمته مع الدولة وأجهزتها التعليمية. وهنا.. لنا أن نتوقع من مثل ذاك الشاب بعد انتهاء تعليمه، أن ينطوي تحت جناح من يصور له أن لديه حلا لمشكلاته مع الدولة أيا كانت الوسيلة، حتى لو كانت غير قانونية، و عن طريق (مجموعات) مخالفة لقوانين الدولة.

3- تعويد الشاب على المواجهة غير المباشرة مع الدولة:

من ضمن الآثار السلبية للدروس الخصوصية، أنها ترسخ فكرة عدم المواجهة المباشرة مع الدولة من خلال الطرق الشرعية، والاتجاه إلى طرق غير قانونية عند مواجهة المجتمع لأي أزمة مع الدولة وأجهزتها الحكومية. فالتصريحات الرسمية للدولة تذكر– حفظا لماء وجهها- أن الدروس الخصوصية أمر غير قانوني، ومع ذلك يتكاتف المدرس الخصوصي صاحب المرتب الحكومي الضئيل، مع الأسرة الباحثة عن مجموع كبير لابنها، في تحالف غير شرعي أو قانوني،كبديل عن مواجهة تلك المشكلة التي أوجدت مثل هذا الموقف. وهنا لنا أن نتصور فكر هذا الشاب الذي نشأ في مثل تلك البيئة، وهذا التفكير.. ولنا أن نتصور أيضا كيف سيكون رد فعله عندما يواجه بأي مشكلة مع الدولة بعد ذلك.
أليس من المتوقع أن يتجه إلى الأسلوب القديم..؟! أليس من المتوقع أن يخالف قوانين الدولة - ولا يخلو الأمر من روح الانتقام- ويبدأ في إيجاد تنظيماته الخاصة التي تحقق مصلحته من وجهة نظره.؟!وقد تكون تلك التنظيمات تحمل اتجاها معاديا للدولة، مما نسميها اليوم- أو كما تسميها الدول- تنظيمات إرهابية..!

4- تنمية الحس التنظيمي المعادي للدولة :

لعل اخطر الآثار التي تنعكس على شبابنا ولا ننتبه لها، هو تعويد الشباب على القيام بتكوين مجموعات مخالفة لقوانين الدولة، وغير شرعية.. تلك (المجموعات) التي نشأت في حالة ضعف للدولة (المتمثلة في جهازها التعليمي)ـ و هنا نجد الشاب وقد تعود على مثل هذا الأسلوب، في أن يخرج على حكومته مكتفيا بما أنشأه هو من مجموعات وتنظيمات بديلة عن أنظمة الحكومة التي أخفقت في أداء مهامها. فمجموعات الدروس الخصوصية لها قائد، وهدف، ومواعيد منتظمة تلتقي فيها.. إلخ، مثلها في ذلك مثل أي من المجموعات الأخرى المنظمة.. بل إن مجموعات الدروس الخصوصية اجتمعت على أنها مخالفة لقوانين الدولة إن لم تكن معادية لها. ولنا أن نتصور ما قد يمثله هذا الحس التنظيمي الخارج على قوانين الدولة من خطر على الدولة والمجتمع سويا.

خاتمة
استعرضنا سويا كيف كان للدروس الخصوصية آثارها التي تجعل الشاب بعد انتهائه من تعليمه قد أصبح فاقدا للثقة في مجتمعه ودولته بأجهزتها الحكومية، وأصبح أداة في أيدي غيره، فيكون وسيلة لجلب المال للبعض (المدرس الخصوصي)، و وسيلة للفخر لدى البعض الآخر (الأسرة والأهل). بالإضافة إلى أننا رأينا سويا كيف كانت الدروس الخصوصية سببا في نشأة مجموعات مخالفة لقوانين للدولةز. لا نستبعد أن تتحول إلى تنظيمات إرهابية معادية للمجتمع والدولة بعد خبرة الشاب السابقة في تكوين مثل تلك المجموعات. وهنا أرجو لظاهرة الدروس الخصوصية أن تلقى مزيدا من الاهتمام من حكومتنا المصرية، نظرا لأبعادها الاجتماعية والسياسية (الخطيرة) على المجتمع المصري، حتى لا نفاجأ في يوم ما بتنظيمات غير قانونية قد كونها شبابنا، ونحن في غفلة من زماننا، فنتعجب وقتها ونتساءل. " كيف أتى هؤلاء الشباب بمثل هذه القدرة التنظيمية..؟!"
وقتها سيكون شباب مصر قد اجتمعوا في مثل تلك التنظيمات نتيجة إخفاق الدولة في أداء واجبها تجاههم، كما أخفقت أول مرة عند تعليمهم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
إيلاف : 1،2