Wednesday, November 17, 2004

فِتنة طائفيّة

بقلم : عبدالرحمن مصطفى حسن ـ مصر
ما يحدث في العراق وفلسطين أصبح مادة رخيصة للذين يتصيدون أخبار نكسات وهزائم المسلمين كي يندبون وينوحون بها.. و قد جاءت وسط زحام الأحداث أخبار جديدة من أوروبا ، وتحديدا من هولندا ، لتخبرنا عن إحراق و تخريب مبان إسلامية ، عقب مقتل مخرج هولندي على يد شاب متطرف مسلم ، والذي قتله بسبب كون هذا المخرج من أصحاب الآراء التي تَعيبُ في الإسلام والمسلمين ، وهي الآراء التي ظهرت واضحة في آخر أفلامه. ولم ينته الأمر عند هذا الحد ، بل حاول بعض المسلمين الرد على تلك العمليات بعمليات انتقامية مضادة ، حتى تطلب الأمر ذهاب رئيس وزراء هولندا إلى أحد مساجد المسلمين ليطلق من هناك بعض التصريحات التي تدين العنف وتدعو للحوار بين مختلف الطوائف. ولكن.. ما موقفنا نحن هنا أبناء المشرق من مثل تلك الأحداث..؟؟ لاشيء.. فالبعض يعتبر هذا شأنا داخليا . ولكن إذا كان الأمر كذلك ، فهل المسلمين (الأوروبيين) يعلمون هذا الأمر ..؟ هل قلنا لهم ذلك صراحة ، و أعلنا لهم أننا لن نتدخل لهم في شأن يخصهم هم وحكوماتهم..؟ لا.. لقد كان رد الفعل الملموس فقط هو الندب و النواح من قبل هواة صيد مثل تلك الأخبار ، الذين بدأوا في الحديث عن نهاية قريبة للمسلمين في أوروبا ، وعن أندلس جديدة ، وعن الحروب ضد الإسلام في الشرق وفي الغرب..! و لكن ، بعيدا عن كل ذلك ، دعونا الآن نفكر سويا.. لماذا أتى هؤلاء الغربيين أصلا إلى أراضينا ..؟ ألم يكن ذلك تعبيرا عن استهتارهم بنا كدول وحكومات ، و تأكيدا على ضعفنا..؟ فإذا كان الأمر كذلك ، فلنوجه رسالة واضحة للمسلمين في أوروبا ، نحثهم فيها على أن ينتموا بكل أمانة إلى الأوطان التي اختاروا أن يعيشوا فيها ، وأن يبدأوا في كفاح سلمي ورسم صورة لأنفسهم هناك مستمدة من الإسلام ، ومن الثقافة الأوروبية. بدلا من أن ينقلوا عادات الشرق بمزاياها، وعيوبها إلى الغرب ، فيخسروا الغرب - وطنهم الجديد- في الوقت الذي لن ينجدهم فيه الشرق ، الذي لا يستطيع أن ينجد نفسه. أعتقد أنه على المسلمين في أوروبا أن يندمجوا في الغرب ، و أن يكونوا جزءا منه ، بحيث يكون هنالك فرق واضح بين من أقام في أوروبا بغرض التعلم أو العمل ، وبين ذلك الذي أصبح جزءا من الثقافة الأوروبية التي يحمل هويتها . وأعتقد أنه ليس هنالك ما يمنع الاندماج في المجتمعات الأوروبية إلا مسألة الانتماء الإسلامي ، الذي يجعل المواطن الغربي يشعر وكأن المسلمين الشرقيين يحاولون (مشرقة) الغرب، فتستدعي ذاكرته القومية ما كان من الوجود العربي الإسلامي القديم في أوروبا في تلك الفترة التي كانت صورة الإسلام فيها تشوه على يد الكنيسة وأعوانها في العصر الوسيط ، لذا فعلى المسلمين الأوروبيين أن يصنعوا صورة جديدة للإسلام في أوروبا، منابعها من الحضارة الغربية ، دون محاولة إقحام العادات والتقاليد الشرقية عليها، على ألا يكون ذلك على حساب خسرانهم لدينهم أيضا . ولنا أمثلة عديدة لمسلمين استطاعوا تحقيق مثل تلك المعادلة ، فها هم إخواننا في أفريقيا وشرق آسيا لهم انتماءاتهم الأفريقية و الآسيوية ، دون أن يكون ذلك سببا في خسرانهم لدينهم ، رغم محاولات البعض لإقحام الهوية العربية على الدين الإسلامي هناك محاولين ربطها به.
في النهاية ، ليت المسلمين في أوروبا يدركوا حقيقة أنهم أصحاب حق في أوروبا ، بدلا من أن يتعامل البعض منهم وكأنه ضيف يقضى بعضا من الوقت ، حتى يعود من حيث جاء ، فيكون ذلك دافعا لبعض المتطرفين من أهل أوروبا – الأصليين- إلى التعجيل بالمطالبة بعودة هؤلاء – المهاجرين- المسلمين إلى أرض آبائهم وأجدادهم في الشرق

Monday, November 15, 2004

الحس السينمائي : بين الفقيد والعقيد

رحم الله الفقيد/ ياسر عرفات..
سنفتقد بموت هذا الرجل رئيسا عربيا يمتاز بحس سينمائي عال.. ولن يعوض هذا الفراغ إلا الأخ العقيد/ معمر القذافي، فكلاهما كان يتحدث في المقابلات الصحفية، أو حتى في المؤتمرات الدولية وكأنه يصور فيلما سينمائيا. وهانحن الآن نشاهد كلمة النهاية على آخر مشاهد فيلم النجم ياسر عرفات.
لقد كان للفقيد ياسر عرفات العديد من "الإفيهات" التي أضحت ملازمة له.
يا جبل ما يهزك ريح"، "معا و سويا حتى تقام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف"، إلى آخر كل تلك الجمل والعبارات التي لم يمل الرئيس الراحل من تكرارها، مع عدم جدواها، ورغم موت الرئيس الفلسطيني فلا أعتقد أن أحدا من الساسة العرب سيتعظ و يدرك عدم جدوى مثل تلك العبارات الفخمة.
ولعل أخانا العقيد/ معمر القذافي هو أحد هؤلاء المنتمين إلى تلك المدرسة التي تهوى العبارات الرنانة، فهو صاحب تعبير دولة "إسراطين" المعبر عن فكرته في دولة تضم الإسرائيليين و الفلسطينيين، وهو أيضا صاحب فكر "الجماهيرية".. و أعتقد أنه لو كان القذافي قد عرض فكره في هدوء و في أطروحات تقليدية، لكانت رؤيتنا إلى فكره قد اختلفت.
أنا هنا لا أقف لأوزع الاتهامات على القادة العرب وكأن مصر قد سلمت من كل داء، فنحن نعلم جميعا أن قادتنا العظام كان منهم من اتسم بذلك الحس السينمائي، الذي تطور في بعض الأحيان إلى مرحلة من الافتتان بالذات، حتى أن بعض الإخوة العرب يتهمون مصر بأنها من صدَّر (التفيهق)إلى الشعوب العربية، وأن العبارات الرنانة نحن - المصريين - أول من صنعها.
ولكن – في رأيي – أن الأمر ليس بتلك الصورة، خصوصا بعد هزيمة 1967، التي حدَّت قليلا من هذه الروح، و مع ذلك فنحن لا نستطيع نسيان تلك الحالة التي كان عليها عبدالناصر وهو يخطب في الجماهير، كان كأنه يصور فيلما سينمائيا، حتى جاء عام 1967 ليفشل الفيلم فشلا ذريعا.. ثم يأتي السادات من بعده وهو من لم يكترث به الناس، حتى أنهم كانوا يرونه ظلا لعبدالناصر، حتى حقق شيء من الإنجازات، فبدأ أداؤه التمثيلي يزداد تدريجيا حتى أصبح غير مقبولا بعد ذلك، فانتهي فيلمه بمقتل البطل.
والآن.. يبدو لي أن الحس السينمائي التمثيلي لا يرتبط وجوده بفترات السلام والأمان والطمأنينة، أو بفترات الحروب و القلق والخوف. يا ليت هؤلاء الذين انفصلوا عن الواقع وبدأوا في الشعور بأنهم أبطال في فيلم، أن يدركوا أن النهاية قادمة لا محالة، وأن الباقي للناس وللآخرة هو العمل وليس الكاريزما المتصنعة، ولن يفيد أبدا الحس السينمائي بعد أن يكون المرء فقيدا، حتى و لو كان عقيدا.
ــــــــــــــــــــــ

Sunday, November 7, 2004

بين التواصي و الوصاية شعرة

بقلم : عبدالرحمن مصطفى حسن ـ مصر
ألم يحدث لك في مرة من المرات أن ألَحَّ عليك صديق في الذهاب معه إلى المسجد..؟! أو أن سألك في مرة من المرات " هل صليت قبل أن تأتي؟ " أو قال لك " هل قلت أذكار كذا و كذا اليوم..؟! " ربما .. و حينئذ تكون إجابتك إما بنعم أو بلا .. فيكون رد فعل صديقك إما الإعلاء من شأنك، أو العتاب عليك.. وهنا أنا أتحدث بخصوص حدود العلاقة بين أفراد المسلمين ، فهل من حق المسلم ، أن يقوم بالإلحاح في سؤال أخيه المسلم عما أداه من عبادات .. حتى و لو كان ذلك بغرض النصح و التذكرة..؟!
أعتقد أن الإجابة المنطقية هي.. لا، ليس من حقه ذلك. ولكنك عندما تَصدِم صديقك بهذه الحقيقة ، ستجده وقد اتخذ منك موقفا عدائيا ، وقد تنتهي العلاقة نتيجة تفسيراته الخاصة. يقول تعالى: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (1)إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)صدق الله العظيم وكما يتضح من الآية، أن على المسلمين أن يتواصوا في ما بينهم بالحق ، وبالصبر على الشدائد.. و لكن المشكلة أن البعض لا يستطيع تطبيق مفهوم التواصي هذا بصورة مقبولة. أمر آخر نجده في قول الرسول " ‏انصر أخاك ظالما أو مظلوما " يتعلق بشكل التواصي المطلوب بين المسلمين ، وذلك حين يقف المسلم مع أخيه المسلم حين يُظلم على يد الغير ، وكذلك حين يجده قد اتجه إلى ظلم غيره أو ظلم نفسه ، فهنا يظهر دور المسلم لأخيه المسلم فيرده عن ظلمه. ولكننا إذا عدنا إلى هؤلاء الذين يحاولون اختراق خصوصيتك ، والتحري عن علاقتك بربك ، فنجد أن تصرفهم هذا لا ينتج عنه كثيرا من الفائدة، بل أحيانا يسبب جرحا للبعض ممن قصروا في شيء، فيتولد عن هذا رد فعل عكسي كنوع من الدفاع عن النفس.. و إذا تجاوزنا ذلك إلى تساؤل آخر حول ما تنتهي إليه مثل تلك الأسئلة التي ذكرتها في أول المقال..؟! فإنها في بعض الأحيان تنتهي إلى عدة طرق مؤسفة :
الطريق الأول.. أن ُيسأل الشخص .. فيجيب بصراحة.. فيتصيد الطرف الآخر هذه الصراحة .. ويظهره بمظهر المقصر في دينه ..فيكون العند والتكبر و الحدة هم رد الفعل على مثل تلك الأسئلة.
الطريق الثاني .. يكون رد الفعل على مثل تلك الأسئلة هو الرضوخ وطلب النجدة من صاحب السؤال كنوع من التخلص من هذا الموقف ، فيكون التخلص من صاحب السؤال عن طريق الإطراء عليه و إعطاؤه دورا مزعوما في حياة من ُسئل . وغالبا ما يتسم الحوار هنا بعدم الصدق. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد ، بل يترتب على ذلك أن يقوم من سَأل بمتابعة الصديق ـ الذي يراه مقصراـ فيبدأ بفرض وصايته عليه ، و أحيانا يكون ذلك من خلال مجموعة (تقية).
الطريق الثالث.. أما في حالة إذا ما كانت إجابتك على أسئلة السائل بالإيجاب ، فهنا تجد الثناء والمدح على أعمالك التي بيد الله، وهو أمر منهي عنه من الرسول ‏الكريم الذي قال "إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل إني أحسبه كما يريد، أن يقول ولا ‏ ‏أزكيه على الله" .
وهكذا، فالإلحاح على مراجعة الآخرين وعلاقاتهم بالإله ، أمر لا فائدة منه ، بل هو أمر مضر. وإذا كنا نبحث عن وسيلة لتقييم إنسان ، فلا أعتقد أن تلك هي الوسيلة المناسبة. إنما المطلوب هو التذكرة والتنبيه ، إما عن خطأ يمارس أو عن خير فائت ، حتى لا نحول أمر الله بالتواصي إلى محاولة للوصاية