Wednesday, November 27, 2013

المناظرة .. أضمن وسائل قبول الآخر

طلاب بعيدا عن العنف و التعصب

كتب – عبد الرحمن مصطفى
في العام 2010 قرأت هبة هنداوي إعلانا عن مسابقة فريدة من نوعها تضم فرقا جامعية من دول مختلفة، بهدف المناظرة .. جذبتها الفكرة، وسافرت إلى الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا التي نظمت المسابقة، و تصف ذلك قائلة : "شاركت وقتها على نفقتي الشخصية، و مثلت مصر هناك ، لكن الاستفادة كانت في التدريبات التي تلقيتها في فن المناظرة، وحين عدت إلى مصر فكرت في إنشاء ناد للمناظرات في جامعة حلوان ، حيث كنت أدرس ، لكن لم تسمح لي الجامعة وقتها بإقامة هذا النادي، وبعدها اشتعلت ثورة 25 يناير". تدير هبة هنداوي الآن نادي " مناظرات مصر" الذي يعمل كمبادرة تحتوي 10 أندية تتوزع على عدد من الجامعات المصرية ، و كلها تعمل لهدف واحد ، التدريب وممارسة المناظرة بين الطلاب .
إحدى المفارقات المرتبطة بنشأة أندية المناظرة، أن التجربة الأولى في تدشين ناد للمناظرة باللغة العربية كانت في ماليزيا، حيث تأسس رسميا نادي الخطابة والمناظرة في الجامعة العالمية الاسلامية هناك في العام 2004، ثم انتقل هذا الاهتمام نفسه إلى قطر التي تبنت تأسيس "مركز مناظرات قطر" في العام 2007 ، أما في مصر فقد بدأ الاهتمام متأخرا حسبما تكمل هبة هنداوي : "منذ العام 2011 وحتى نهاية 2012 ، كنا في محاولات لتأسيس مبادرة نادي مناظرات مصر، و نجحنا في التنسيق بين عدة جامعات، و أصبح لدينا 10 أندية طلابية في جامعات مختلفة، كما حصلنا على دعم فني من مركز جون جيرهارت للأعمال الخيرية والمشاركة المدنية بالجامعة الأمريكية، الذي ساعدنا في إقامة أول مسابقة ومعسكر تدريبي للمناظرات في مصر".
في المسابقة الأخيرة التي أجريت في الجامعة الأمريكية قبل أسابيع، كانت الفكرة أكثر وضوحا، حين تنافست 10 فرق جامعية ، انتهت بالمناظرة النهائية بين جامعتي أسيوط والاسكندرية حول إن كان إلغاء مجانية التعليم العالي ضرورة لضمان جودته. حاول كل فريق إرباك منافسه ودفعه إلى الخوض في السياسة، أو العصبية في الحوار ، وهي أمور تخالف قواعد العمل. وتقوم المناظرة على أن يصعد المنصة شاب من أحد الفريقين شارحا وجهة نظره في زمن محدد، ويتلقى بعدها تعقيبا من الفريق المنافس لدحض وجهة نظره. في مثل هذه المناظرات ، قد يتبنى عضو الفريق وجهة نظر مخالفة لقناعاته الشخصية، وهنا تتلخص مهمته في أن يخوض التجربة بالأدوات التي تدرب عليها من قبل.
"يتدرب الطالب على عدة مهارات ، منها الخطابة ، و العمل الجماعي ، و لغة الجسد، وهو ما تدربت عليه مع فريق مناظرات مصر ، ثم حاولت نقله إلى العديد من الطلاب الذين يتبنون مبادرات جادة في جامعة بنها ، و من هؤلاء الطلاب أسسنا أول نادي للمناظرات في الجامعة " . كان ذلك في العام الدراسي الماضي، حسبما يروى عبد الرحمن أحمد مؤسس نادي المناظرات في جامعة بنها، وطالب كلية الحقوق بنفس الجامعة. هناك يجتمع الطلاب بشكل دوري للتناظر حول قضية يختارونها، أما الهدف فهو "تأسيس طالب لديه القدرة على الانصات لوجهة النظر الأخرى، وعرض وجهة نظره بشكل متحضر"، على حد قول عبد الرحمن أحمد.
يمكن للكثيرين أن يكرروا تجربة أندية المناظرات، إذ تتوافر - مادة أغلبها باللغة الانجليزية- على الانترنت تفيد من يريد خوض التجربة، وهو ما قام به مجموعة من الشباب في العام 2010 بمدينة الاسكندرية، لكن تجربتهم لم تصل إلى نفس انتشار نادي "مناظرات مصر" ، بينما يستخدم كل نادي طلابي من الأندية العشرة التابعة لمبادرة "مناظرات مصر" نفس المنهج والهيكل التنظيمي، الذي يمنع المناظرات السياسية، تاركين هذه المهمة لمؤسسات أخرى سياسية وحقوقية خاضت تجربة المناظرات بعناوين مختلفة.
قبل 30 يونيو الماضي بأيام دعا نادي طلاب بنها إلى مناظرة تحت هذا العنوان : "الدعوة إلى رحيل الرئيس المنتخب بعد عام فيها افتئات على إرادة الشعب المصري وظلم للنظام الجديد" . "كانت المرة الأولى و الأخيرة التي نضع فيها عنوانا سياسيا بهذا الشكل، فالقواعد تحتم علينا البعد عن المناظرات السياسية"، هذا ما ذكره عبد الرحمن أحمد- مؤسس نادي مناظرات جامعة بنها. وكذلك شرحت هبة هنداوي، مدير مبادرة "مناظرات مصر" التي قالت : "البعض لا يعلم عن المناظرات سوى تلك المناظرة التي جرت بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح قبيل انتخابات الرئاسة، لكن الحقيقة أن المناظرة هي عملية تدريب دائم واكتساب مهارات قد تفيد هؤلاء الطلبة في المستقبل، و ليست نشاط سياسي". هذا ما وضحه أيضا محمد السيد عبد- المجيد طالب الفرقة الثالثة بكلية التجارة بجامعة بنها ، وعضو نادي المناظرات هناك- إذ كان مسؤولا عن مبادرة طلابية في الجامعة، ولخص تجربته مع نادي المناظرة في الجامعة قائلا: "أصبحت أكثر استعدادا للاستماع والانصات ، كما اكتسبت مهارة مواجهة الجمهور ، مهما كان الضغط النفسي الذي أواجهه، وكلها مهارات ستفيدني فيما بعد داخل أي نشاط جامعي".
طرح بعض هؤلاء الطلاب أفكارا عن إمكانية الاستفادة من مناظراتهم الداخلية في عرض وجهات نظر مختلفة أمام بقية الطلاب، وأمام إدارة الجامعات، بهدف تغيير الأجواء المشحونة التي تسيطر على الجامعات الآن، لكن يظل الهدف الأساسي للجميع، هو ذلك الشعار الذي اتفقوا عليه منذ البداية ، وهو "اسمع ، تــُـسمَع".

Thursday, November 7, 2013

رحلة الطماطم .. من المزرعة إلى المستهلك

- قانون السوق: بين كل موسمين للحصاد هناك موسم غلاء
- أصلحوا حال المزارع ينصلح حال السلعة

تستيقظ "أم رجب" بعد صلاة الفجر مباشرة كي تستعد لرحلتها اليومية إلى سوق العبور، و تعود من هناك ومعها كل ما تحتاجه من خضروات، أما في بقية اليوم ، فتجلس أمام لافتة متجرها الصغير "الصابح" في الحي التاسع في مدينة نصر حيث تنتظر الزبائن . تشير بيدها إلى أقفاص الطماطم قائلة : "كيلو الطماطم اللي بأبيعه بأربعة جنيه انهارده، كان من شهر بس بجنيه واحد و بأقل من كده كمان .. محدش عارف بعد أسبوعين تلاتة هيبقى بكام ".
في رحلتها الصباحية إلى سوق العبور، تستأجر سيارة (ربع نقل)، ثم تقوم بجولة سريعة بين عنابر الخضار لدراسة أسعار السوق. في الأيام الماضية كان سعر قفص الطماطم يتحرك بين 35 جنيها إلى 80 جنيها، حسب جودة الصنف و ظروف البيع ، علما بأن حمولة القفص الواحد تتراوح بين 18 إلى 20 كيلوجرام . في زيارتها الأخيرة إلى سوق العبور اشترت قفص الطماطم (العداية حسب لغة السوق) بحوالي 40 جنيها . و بحسبة بسيطة قد يظن البعض أن ثمن الكيلوجرام من الطماطم حسب هذه الأسعار سيتكلف جنيهان فقط، فلماذا تبيعه "أم رجب" بأربعة جنيهات ؟ تجيب على ذلك قائلة : "هناك مصاريف لا يراها أحد، مثل أجرة سيارة النقل يوميا، وقيمة تأمين القفص بـ 6 جنيهات ، كما أن التاجر يضيف وزن القفص -حوالي 2 كيلوجرام – إلى الحمولة الاجمالية، كذلك فإن هناك نسبة من الطماطم تفسد يوميا لدى كل بائعي الخضروات، والأهم من كل ذلك هو إيجار المحل الذي يتكلف 1200 جنيه شهريا".
في أسواق الجملة الكبرى مثل سوق 6 أكتوبر أو سوق العبور، أحيانا ما تكون العلاقات المباشرة بين تجار هذه الأسواق و صغار البائعين هي الفيصل، حيث يتم الاتفاق على الطلبيات عبر الهاتف على عكس المجهود اليومي الذي تقوم به "أم رجب". و في طريق مصر/الاسماعيلية الصحراوي حيث يقع سوق العبور لتجارة الخضروات والفاكهة، تبرز شاحنات محمّلة بأقفاص الطماطم قادمة رأسا من المزرعة، تتجه إلى عنابر الخضار حيث تجار الجملة، مهمتهم الوساطة بين المزرعة والأسواق الصغيرة أوالمحلات، لذا يقدم بعض التجار أنفسهم بوصفهم "قوموسيونجي". وفي داخل أحد العنابر الكبرى، وقف المعلم أبوعلي فرغلي جوار شاحنة كبيرة تبلغ حمولتها 240 قفص طماطم .. في انتظار البيع. هناك وسيلة شهيرة للبيع وهي المزاد، خاصة في المواسم الشحيحة، حين ينتظر التاجر تجمع المشترين حول شاحنة الطماطم القادمة من المزرعة، ثم يبيع لأعلى سعر. أما في حالة المعلم أبوعلي فرغلي فقد جلس إلى جوار ابنه جلال على دكة خشبية محاولا بيع "حمولة الطماطم" بهدوء ، منتظرا الزبون المناسب .. وهناك بين أغلب التجار كلمتان خفيفتان على لسان كل تاجر منهم، يرددونها كل حين : "السوق عرض وطلب، ماينفعش حد يتحكم في الأسعار، خصوصا مع الطماطم".
تتم زراعة الطماطم على مدار السنة، في مناطق مختلفة من الجمهورية، وفي أثناء الفترات الفارغة بين كل فترة حصاد يقل المعروض تدريجيا في السوق، وبالتالي تزيد الأسعار. هذا بعيدا عن لعبة التجارة نفسها التي قد يحدث فيها تذبذب في الأسعار على مدار اليوم الواحد : "في يوم بعت القفص بسعر 65 جنيه ، وبقية البضاعة بعتها آخر النهار على 45 جنيه". هكذا يحاول كل من جلال ووالده أبوعلي فرغلي تشبيه عملية التجارة في سوق العبور على أنها أشبه بالبورصة أو المقامرة .
وبسبب تقلبات السوق، يعمل كثير من التجار على تأمين أنفسهم مبكرا، بأن يدفعوا أموالا للمزارعين قبل زراعة الطماطم، بل و يضخوا أموالا في شكل أقساط للمزارع الذي يحتاج هذه الأموال للإنفاق على الأرض الزراعية و على أسرته، وبهذه الطريقة يضمن تاجر الجملة أن يحصل على المحصول بسهولة في وقت الحصاد، وكأنه شريك في الأرض. "كل ذلك حتى نضمن أن نحصل على الطماطم، بدلا من أن نجدها في أسواق الشلايش (السوق السوداء) غير الرسمية، لذا فإن من يتحدث عن تثبيت الأسعار يبتعد عن الواقع، وأي محاولة في هذا الاتجاه ستفتح سوقا سوداء للمزارعين تقضي على أسواق الجملة، الوضع السليم أن نترك السوق يحدد الأسعار حسب العرض والطلب" . يختم جلال أبوعلي تاجر الجملة في سوق العبور بتلك العبارة.
من المنتظر في الأيام القادمة أن تطرح أسواق بني سويف والجيزة ومناطق متفرقة في غرب الدلتا كميات من الطماطم مع بدء موسم حصادها، أما في الأسابيع الماضية فكانت هناك مناطق أخرى هي التي تمد الأسواق بحصادها، منها أراضي وادي النطرون المجاورة لطريق مصر/الاسكندرية الصحراوي.
وبصورة عامة ، تبلغ المساحة المزروعة بالطماطم في مصر سنويا حوالي 550-600 ألف فدان ، تنتج حوالي 10 مليون طن سنويا، وذلك حسب أرقام مركز البحوث الزراعية، التابع لوزارة الزراعة . على مسافة نصف ساعة بالسيارة من مدخل مدينة وادي النطرون، تتوزع حقول الموالح والفاكهة، إلى جانب الطماطم، أما محصول الطماطم قد تم بيع أغلبه في الأسابيع الماضية، عدا مساحات ضئيلة مازالت تنتظر الحصاد، ومن المتوقع أن يحصل أصحاب هذه المساحات الضئيلة المتبقية على مقابل جيد، بعد أن قلَّ ضخ الطماطم في الأسواق الكبرى .
"المسألة حظ، و أشبه بالقمار" حسبما يصف السائق الذي يقودنا إلى مزرعة المعلم علاء هاشم ذي الجذور الصعيدية، الذي كان يجلس في غرفة حجرية مع عدد من العمال الزراعيين المقيمين معه في الأرض، وبدأ في الحديث قائلا: "بإمكاننا أن نزرع الأرض في ثلاث تواريخ هي أول يونيو، أو أول يوليو، أو في منتصف يوليو تقريبا، وبالتالي سيختلف موعد حصاد أصحاب المزارع، وأيضا سينعكس ذلك على الكمية المطروحة في سوق الجملة، وهو ما سيؤثر على تجار التجزئة، ثم المستهلك العادي". في هذه الأرض الصحراوية يستأجر كثيرون مثل المعلم علاء أراض هنا ويزرعونها، وهناك من حقق أرباحا خيالية، وهناك من أصابته لوثة بعد أن فسد محصوله ولم يستطع بيعه بعد أن أصيبت الطماطم بداء قضى على أغلبها، وفي مثل هذه الحالات حين يفسد جزء كبير من محصول الطماطم في منطقة، فإن الفرقة الناجية من المزارعين هي التي تحقق أكبر الأرباح.
في وادي النطرون على بعد أكثر من 90 كيلو متر من القاهرة يمر المعلم علاء هاشم بين الحقول المجاورة، لمزرعته، حيث مازال البعض لم يجن ثمار الطماطم بعد، فهل سيحقق هؤلاء أرباحا أكثر من التي حققها هو في الأسابيع الماضية أثناء فترة رواج الطماطم؟ يجيب علاء هاشم سريعا :" من يضمن ذلك !؟ قد يتزامن ذلك مع نضج محصول في منطقة أخرى مثل العامرية، ما سيقلل من فرص هؤلاء.. لا شيء مضمون" . يصمت قليلا ثم يردد مثلا شهيرا يعرفه أغلب المزارعين :"حـُسن السوق ، ولا حــُسن البضاعة".
يخرج المعلم علاء من جيبه فواتير يعود تاريخها إلى أول الشهر الماضي، وتكشف فاتورتان لعمليتي بيع في نفس اليوم، أنه باع لتاجر في سوق الجملة في مدينة 6أكتوبر 40 قفص طماطم بسعر 10 جنيهات للقفص الواحد، وفي اليوم نفسه أيضا باع بقية الكمية لتاجر آخر بسعر 17 جنيه للقفص الواحد، هذا عدا نسبة العمولة التي تصل إلى 10% من المبلغ، في حين كان متوسط التسعيرة المعلنة على موقع سوق العبور على الانترنت هو 25 جنيها، "الأسعار تتبدل في نفس اليوم، وتختلف من تاجر لآخر .. نصيب" هكذا يختم المزارع الصعيدي.
قد تختلف الأسعار بين الأسواق الكبرى مثل السادس من أكتوبر وسوق العبور، كذلك قد يتباين سعر نقل المحصول حسب طول المسافة، أما الأهم فهو ما يتكلفه المزارع من مصاريف أثناء عملية الزراعة، "يتكلف الفدان أثناء الزراعة على الأقل 10 ألاف جنيه في الموسم". حسبما أكد عدد من المزارعين، لكن تتلخص رحلة الطماطم في حظ المزارع أثناء عملية البيع، وذكاء تاجر الجملة كوسيط، و نشاط تاجر التجزئة في البحث عن السعر الأفضل، أما الزبون العادي فليس أمامه سوى الشراء دون مقاومة.