Tuesday, July 23, 2013

رمضان 2013 .. صلوات في رحاب السياسة

 إمام أسد بن الفرات : احذروا من سقوط المساجد في قبضة السياسة
 كتب - عبدالرحمن مصطفى
ما أن ينه الدكتور أحمد عبدالرحيم إمام وخطيب مسجد أسد بن الفرات صلاة التراويح، حتى ينتقل بعدها إلى غرفته للقاء بعض رواد المسجد وزواره، وفي أوقات كثيرة كان يتزامن ذلك مع فعاليات خارج المسجد في شارع التحرير بالدقي لدعم الرئيس السابق محمد مرسي، سواء كانت بتوزيع المنشورات أو بخروج مسيرات معادية للسلطة الحالية. تلك الأجواء ليست غريبة على المسجد، إذ كان أشبه بمنصة اطلاق مسيرات ومظاهرات على مدار أكثر من عامين ، كما كان معقلا للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وأتباعه. يشرح الدكتور أحمد عبدالرحيم وضعية هذا المسجد الذي عمل في إمامته قبل خمس سنوات قائلا: "كان هذا المسجد من أهم مساجد وزارة الأوقاف بالجيزة، حين كانت تقام فيه الندوات والمؤتمرات لسنوات طويلة قبل أن يفد عليه الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل في العام 2011، فأصبح المسجد يستضيف دروسه الأسبوعية وندواته ومؤتمراته لساعات طويلة، وقد أخبرت بعض أتباعه في فترة مبكرة أن ما يقومون به غير منضبط من الناحية الشرعية، لكن المسجد كان يتم أسره في مناسبات محددة، من جمهور الشيخ حازم". رغم هدوء الأجواء داخل المسجد في شهر رمضان حاليا، إلا أن ذلك لم يمنع في وقت من الأوقات أن يمر بعض معتصمي جامعة القاهرة على المسجد الشهير للصلاة، و لوم الإمام على انه لم يدعو على السلطة الحالية ، أو الدعاء للرئيس السابق محمد مرسي، يقول الشيخ أحمد عبدالرحيم متابعا: "في الحقيقة أنا أقدر الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ، و أقدر مريديه، وتجمعني صلة طيبة بهم جميعا، والحقيقة أنهم كانوا يستأذنون قبل أي فعالية يقيمونها هنا في المسجد". يصمت قليلا ثم يضيف مبتسما: "كان استئذانا في صيغة إخطار".
ما عاناه إمام مسجد أسد بن الفرات من ارتباط سمعة المسجد بفصيل محدد هو أتباع الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ، ليس حالة فريدة، إذ يرى الدكتور أحمد عبدالرحيم أن إمام المسجد ليس في سلطته فرض إجراءات تنظيمية على أحد، خاصة أن سياسة الدولة في فترة من الفترات قد أعلت من شأن أئمة سلفيون ومن جماعة الاخوان ورفعتهم فوق منابر مساجد تاريخية، أما في فترة تولي الرئيس السابق محمد مرسي، فقد كان الضغط يزيد على بعض الأئمة المستقلين من أجل الترويج لبعض المواقف السياسية التي يتبناها تيار الاسلامي السياسي، وبعيدا عن تجربة مسجد أسد بن الفرات ، فإن أئمة آخرين كانوا متوافقين مع تيار الاسلام السياسي، وتأثرت المساجد التي يؤمونها بهذا الأمر، و من أشهر هذه الحالات، ما حدث في مسجد الفتح في ميدان رمسيس بالقاهرة، حيث أعلن إمام المسجد موقفه المتضامن في اعتصام رابعة العدوية الشهير ، ما جعل مسجد الفتح في مرمى نيران الاشتباكات التي وقعت مؤخرا، بعد لجوء أنصار الرئيس مرسي إلى هذا المسجد تحديدا في عدة فعاليات .
أما في مسجد أسد بن الفرات فلم يزول القلق تماما من ذهن إمام المسجد ، فقد مر بتجارب تعرض في إحداها للتضييق المباشر من صعود المنبر على يد أنصار الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل ، كما تعرض للتعنيف في مواقف أخرى، و يزيد على ذلك قائلا: "المشكلة الأسوأ أن سمعة إمام الأوقاف لدى شريحة من الناس أنه إمام الحكومة ، وهذا للأسف أمر له جذور حقيقية ، بسبب تبعية الأئمة لوزارة الأوقاف التي تتبدل سياساتها مع تبدل الحكومات المختلفة، هذا إلى جانب تحريض بعض المشايخ من تيارات أخرى على الأزهر الشريف، وكل ذلك يضعف موقف الإمام في مواجهة الجمهور" . بعد عمله 16 سنة قضاها الشيخ أحمد عبدالرحيم إماما بالأوقاف المصرية، كان من المتوقع أن يفقد منصبه في قرار لتغيير أئمة المساجد الكبرى في حكومة هشام قنديل السابقة،من أجل ضمان انحياز المساجد للرئيس السابق محمد مرسي، لكن الأحداث المتلاحقة أبقت الأوضاع كما هي حتى حين، ليقضي إمام أسد بن الفرات هدنة مع رواد المسجد في شهر رمضان.
 **
هموم الدعوة و الداعية
 " كان أكبر خوفنا هو أن تتحول المساجد إلى منابر للأحزاب والسياسة ، و أن يتم تهميش دور إمام المسجد تحت سطوة التيارات الدينية المختلفة"  . يتحدث الشيخ قرشي سلامة الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف بمحافظة قنا عن حالة الدعوة والداعية في فترة تولي الرئيس السابق محمد مرسي ، حين تم تصعيد أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين إلى مناصب هامة في وزارة الأوقاف، وهو ما بدأ في التأثير على الحياة اليومية لبعض الإمام والخطباء التابعين للوزارة ، يعلق الشيخ قرشي سلامة الذي عمل في الأوقاف قبل أكثر من 20 سنة قائلا: "هناك من ينصاع أمام النظام الجديد ، على طريقة مات الملك ، عاش الملك ، سواء كانت القيادات من الحزب الوطني في عهد مبارك أو من الاخوان المسلمين في عهد مرسي ، لذا فإن استبدال قيادات الأوقاف لحساب تيار معين يعني بالضرورة تغيير معالم الامامة والدعوة بشكل كامل ، فالإمام و الخطيب يعملان وفق توجهات الوزارة، وهذا وضع لابد أن ينته " . هنا تبرز أزمة يدركها أئمة ناشطون مثل الشيخ قرشي سلامة الناشط في حركة "أئمة بلا قيود" ، إذ تتلخص الأزمة الحالية في كيفية التعامل مع المساجد التي خضعت لسيطرة تيارات دينية ، و كيفية تحقيق استقلال الدعوة في المساجد عن السياسة.
هذه التفاصيل تخفي وراءها هموم أثقل وعلى رأسها أنه لا يوجد قانون ينظم عمل الأئمة والوعاظ ، وحين جرت محاولة مبكرة بعد ثورة 25 يناير لتدشين نقابة الأئمة والدعاة (المستقلة) المشهرة في العام 2011، ظهر مشروع مضاد في فترة الرئيس السابق مرسي ممثلا في نقابة الدعاة المصرية التي احتضنها جامع الفتح برمسيس في القاهرة، وكان المشرفون على هذا المشروع مسؤولون ينتمون إلى جماعة الاخوان المسلمين، لذا فإن كل ما ينتظره الأئمة الناشطين الآن هو إعادة ترتيب الأوراق من جديد.
بعيدا عن المشاكل الادارية و التنظيمية هناك أمور ذات صلة بعقيدة الامام ، إذ يقدم أغلب خريجي الأزهر الشريف أنفسهم كأصحاب المنهج الوسطي الذي يؤهلهم في العمل بالدعوة والإمامة في المساجد المصرية، بحيث يكونوا على مسافة واحدة من كافة التيارات الدينية الأخرى ، هذه القناعة هي التي دفعت بعضهم إلى الالتفات منذ بدء ثورة 25 يناير إلى تأسيس كيانات تهدف إلى استقلال الأزهر الشريف، و ألا يتحول إلى صوت للسلطة ، يقول عبدالغني هندي منسق الحركة الشعبية لاستقلال الأزهر: "يمكن تسييس الدعوة في وزارة الأوقاف بعدد بسيط من المسؤولين، فهي تحكمها اللوائح الداخلية والمنشورات والعلاقات المباشرة ، على عكس وزارات أخرى تحكمها قوانين واضحة، وقد ظهرت في الفترة الماضية بالفعل محاولات لتشويه منهج الأزهر، وتدمير استقلاليته الفكرية النابعة من مصر". كانت الفترة الماضية في عهد الرئيس السابق مرسي قد شهدت ضغطا على الأئمة والدعاة الناشطين من العاملين في وزارة الأوقاف ، وذلك في مواجهة محاولات لتغيير فكر الأئمة ، من أشهرها كانت الحادثة الشهيرة التي جرت في يونيو الماضي أثناء دورة تدريبية حاضر فيها الدكتور صفوت حجازي المحسوب على جماعة الاخوان المسلمين وشخصيات أخرى ، شنت هجوما على المنهج الأزهري في الدعوة، واكتملت الصورة بعد أن ظهرت نفس هذه الشخصيات فيما بعد في ميدان رابعة العدوية بعد عزل الرئيس السابق مرسي و أعلنوا عداءهم لمؤسسة الأزهر .  هنا تتحرك مجموعات وائتلافات داعمة لاستقلال الأزهر ترى أن "الأزهري"  بحكم تكوينه العلمي هو أبعد الناس عن الاستقطاب الديني. 
 **
درس الفجر .. ملجأ من اعتزلوا الفتنة
يبدأ الشيخ مسعد أنور درسه الأسبوعي بعد صلاة الفجر بدقائق قليلة، أمام العشرات من رواد مسجد أبوبكر الصديق في منطقة الوايلي الكبير بشارع بورسعيد، بعضهم اعتاد حضور دروسه منذ سنوات، وآخرون ازداد ارتباطهم به من خلال برنامجه على قناة الرحمة الاسلامية التي أغلقت مؤخرا. وتزامن البدء في جدول دروس الفجر في رمضان مع أوقات عصيبة ألقت بظلالها على حالة المسجد ذي الطابع السلفي ، يقول الشيخ مسعد الشيمي الذي أشرف مؤخرا على إعادة بناء المسجد ليكون مركزا إسلاميا ضخما: "بدأ رمضان و هناك شريحة من أبناء هذا المسجد قد اختاروا المكوث في اعتصامي رابعة العدوية و جامعة القاهرة، لكن هناك من اعتزل فتنة السياسة وأتى هنا للعبادة وطلب العلم". ينسق الشيخ مسعد الشيمي مع الداعية مسعد أنور كافة شؤون الدعوة في المسجد الذي نال سمعته منذ منتصف التسعينات ، إذ كان حاضرا طوال الوقت لابعاد المسجد عن السياسة قدر الامكان، خاصة مع وجود سياسات جهاز أمن الدولة القديم قبل الثورة. ورغم الضغوط التي يتعرض لها الملتحون أحيانا مع ازدياد حدة الاشتباكات السياسية بين الاسلاميين وغيرهم ، فإن الأمر هنا يختلف حسبما يصف الشيخ مسعد الشيمي، إذ أن الحضور القديم لبعض العائلات التي ينتمي إليها السلفيون، كثيرا ما يضبط شكل العلاقات بين كافة الأطراف.
أما في درس الفجر ، فقد جاء من حضروا من المناطق المجاورة في حي الوايلي والزاوية الحمراء، يستأنسون بشيوخ مثل مسعد أنور وأيمن صيدح، و من يرونهم على الفضائيات و يعرفونهم في هذا المسجد منذ سنوات، وهي أجواء يرحب بها أهل السهر، الذين اختاروا قضاء وقت مفيد في صلاة الفجر وحضور درس ديني بعدها .
لكن تظل الشريحة الأهم من رواد هذا المسجد هم الشباب السلفي الحريص على ارتياد المسجد طوال العام ، حيث يلم أغلبهم بالعلم الشرعي، ما يعطي ثقلا لوجودهم في المناقشات الدينية، وداخل الأنشطة المختلفة بالمسجد، أحد الشباب ذكر بعد انتهاء الدرس أن امثال الشيخ مسعد أنور هم من يكسرون الصورة النمطية التي يصنعها الاعلام عن الملتحي وكأنه إرهابي. وبينما انشغل جزء من هذ الشريحة الشابة بالسياسة، مكث بقيتهم في المسجد معتزلين للفتنة على حد قول أحمد جمال الشاب الملتحي، الذي لم يتكف بدرس الفجر ، بل قضى وقتا بعدها في قراءة القرآن حتى طلوع الشمس، يقول: "بعضنا اختاروا اعتزال الفتنة ، أنا عن نفسي لا أستطيع قبول فكرة أن أتحول إلى قاتلا أو قتيلا في مثل هذه الاشتباكات، لكني في نفس الوقت أقدر قرار من اختاروا الانخراط في مسيرات واعتصامات طوال الاسابيع الماضية". لم تفرِّق السياسة بين أحمد جمال المواظب على ارتياد المسجد وبين زملائه الذين انخرطوا في اعتصام رابعة العدوية منذ بدايته، لكن غاية طموحه الآن هو أن يجدهم إلى جواره قريبا في صلوات التراويح و في دروس الفجر، ويقول: "ليست المرة الأولى التي تقع فيها مشاكل بسبب السياسة ، لكن أقسم بالله أن كل ذلك يزول حين يجد المتنازعان كليهما في نفس المسجد يؤديان صلاة واحدة".
تجسد قصة هذا المسجد صعود التيار السلفي منذ التسعينات متزامنا مع بروز شيوخ مثل محمد حسان ، وأبو اسحق الحويني ، ومحمد حسين يعقوب ، وغيرهم ، فالمسجد يرجع عمره إلى عشرات السنوات حين كان معروفا باسم "جامع الماحي" على اسم مؤسسه ، ويروي الشيخ مسعد الشيمي أنه تعاون بنفسه مع الشباب في منتصف التسعينات لازاحة الاخوان المسلمين وبقايا المتصوفة من المسجد و إضفاء الطابع السلفي على الشعائر، وأصبح الاسم الرسمي للمسجد هو أبو بكر الصديق، ويعود الشيخ مسعد الشيمي معلقا: "الحقيقة أن انغماس بعض الشباب والمشايخ في عالم السياسة ، أفقدنا الكثير، وشغل البعض عن العبادة وطلب العلم ". حتى الآن  لا تتضح صورة المستقبل أمام رواد المسجد ، ولا يعلمون إذا ما كانت السياسة ستعود إلى المساجد مع عودة من خاضوا تجربة الاعتصام والاشتباك في الفترة الماضية داخل ميداني رابعة ونهضة مصر. الأمر الوحيد المؤكد هنا، هو أن برنامج دروس الفجر سينتقل بعد رمضان بنفس ترتيبه ليصبح بعد صلاة العشاء، أما عدا ذلك .. فلا أحد يرى تصورا للمستقبل.
 **
التراويح في رحاب رابعة العدوية
 المشهد لا يتواءم مع ذكرى السيدة رابعة العدوية، فهي نفسها من قالت في القرن الثاني الهجري: راحتي يا إخوتي في خلوتي ، أما الآن فيحيط أنصار الرئيس السابق  محمد مرسي بمسجد رابعة العدوية في مدينة نصر ، حيث تختفي الخلوة ، وتزول الراحة . فالمتوجه إلى صلاة التراويح في اعتصام رابعة العدوية، سيواجه طرقا تضيق بالمصلين في شارع الأتوستراد، حيث تتوزع عربات الباعة الجائلين و خيام المعتصمين على جانبي الشارع ، وبين هؤلاء جميعا يمر الوافدون على الاعتصام، و هم يتلون عبارات السخط على السلطة الحالية، وبين الحين والآخر يتلقون نفس النداء في أثناء صلاة التراويح ، "الصوت يا جماعة ، الناس بتصلي". فيصمت المارة وسط طرقات بلا إنارة منذ عدة أيام، وحين يكتشف الوافدون على الاعتصام أن الطرق مزدحمة بشكل لن يسمح لهم بالصلاة، يعودون من نفس الطريق بحثا عن مساحات أخرى أكثر اتساعا .
في أثناء البحث عن موضع قدم في طرق أغلقتها الخيام و عربات الباعة الجائلين، يجلس بعض الشباب بين المصلين و قد اختاروا مهمة مختلفة، حيث يوجهون شعاع الليزر الأخضر لبعض العساكر المناوبين فوق أحد المباني العسكرية المجاورة، وكذلك يفعلون مع بقية المباني السكنية المجاورة خشية وجود قناصة . و كلما اقترب الزائر من مسجد رابعة العدوية نفسه ، يزيد الزحام ، حتى وصل ببعض المعتصمين أن أقاموا شعائرهم في مداخل العمارات، أما في داخل مسجد رابعة العدوية نفسه، فالصلاة مقصورة على السيدات . في أوقات التصعيد ، حين تخرج المسيرات من الميدان في اتجاه الحرس الجمهوري أو إلى رمسيس مثلما حدث في يوم الاثنين 17 يوليو الماضي، يكون الإجراء كالتالي : تعلن المنصة في استراحة صلاة التراويح عن مسيرات تهدف إلى التصعيد، وفي تلك اللحظات يمر المتحمسون وسط المصلين في طوابير طويلة، وكلما مرت طائرة عسكرية لمراقبة الاعتصام، تبدأ الهتافات، ويتصدى لها المعتصمون بنفس الرد الشهير "الصوت يا جماعة ، الناس بتصلي" .
 PDF

Friday, July 12, 2013

خانة الديانة: مسلم

دين واحد.. وأزمات متنوعة
**
مستقبل اللحية والجلباب

كتب ــ عبدالرحمن مصطفى

يتعرض عبدالرحمن كامل ــ بائع الأثواب الإسلامية ــ لمضايقات من بعض «الشباب صغير السن» على حد وصفه، حين يتعمدون الإساءة إلى الملتحين وإلى الرئيس السابق محمد مرسى لمجرد استفزازه. «فكرة تطبيق الشريعة هى التى تخيف البعض، وتجعل رد فعلهم عنيفا بهذا الشكل ضد الإسلاميين، لأن الملتحين يذكرونهم بأن هذا المجتمع سوف ينضبط». يجلس عبدالرحمن كامل ــ البائع الأربعينى ــ فى متجر خشبى أمام مسجد العزيز بالله فى حى الزيتون، لحية متوسطة الطول، وجلباب أبيض قصير، فى منطقة ذات حضور سلفى يعود إلى سنوات.

ما يتعرض له بعض الملتحين من مضايقات فى الطريق تجاوز هذا الحد، فكلما برز الإسلاميون داخل الاشتباكات المتتالية، يزداد الاستهداف تجاه الملتحين فى الحياة العامة، والأمر تعود جذوره إلى فترات أبعد من اللحظة الحالية، هذا ما حدث فى عدة حوادث من أشهرها فض اعتصام وزارة الدفاع بحى العباسية فى مايو 2012، حين استهدف الأهالى مجموعات المعتصمين وهم يفرون من أمام قوات الأمن، واستجمعوا تركيزهم بدرجة أكبر تجاه الملتحين، لأن اللحية كانت دليل على المشاركة فى الاعتصام الذى عرف وقتها باعتصام «ولاد أبوإسماعيل».
وتكرر الموقف نفسه فى العديد من الاشتباكات الأخرى مثل جمعة كشف الحساب أكتوبر 2012، وأحداث الاتحادية ديسمبر 2012، وأخيرا تلك الاشتباكات بين مؤيدى ومعارضين الرئيس السابق محمد مرسى، حيث تكون اللحية دليلا كافيا على أنك من المعسكر الإسلامى.
«جالى وقت فكرت أبعد عن السياسة أو المشاركة فى المظاهرات والمليونيات الإسلامية، عشان أعتزل الفتن اللى بنعيشها اليومين دول، بس رغم ده كله أنا لسه مقتنع بتأييدى لمحمد مرسى، وأنه لم يأخذ فرصته الكافية لإصلاح البلاد ثم تطبيق الشريعة»، يؤكد عبدالرحمن كامل وجهة نظره بحكم مشاركته فى عدد من الفعاليات الإسلامية السابقة، ولا يجد ما يدعو إلى القلق على تجارته البسيطة، رغم تزايد حدة الاشتباكات والاستقطاب بين معسكر المؤيدين والمعارضين للرئيس السابق محمد مرسى.

فى أوقات أخرى، تحدث مفاجآت ومواقف مربكة، منها أن تصطدم مع من جاء يتضامن معك لمجرد أنه ملتحٍ، هذا ما حدث فى اعتصام وزارة الثقافة الذى استمر لأسابيع فى شهر يونيو الماضى، حين تعرض أحد فنانى الكاريكاتير للتضييق بسبب كونه ملتحيا.

وازدادت تلك الهواجس بعد محاولة اقتحام الاعتصام على يد نشطاء إسلاميين بقيادة الناشط الإخوانى أحمد المغير، وشهد نفس هذا الاعتصام حادثة شبيهة حين اجتمع الشباب وقتها حول المهندس حمدى عبدالجليل، وكيل مؤسسى حزب الوطنيين الديمقراطيين الأحرار، وعضو الهيئة العليا لحزب الجبهة الديمقراطية ــ سابقا ــ واستهدفوه بالطرد ظنا منهم أنه ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، ودليلهم على ذلك أنه كان ملتحيا. بعد أسابيع على مرور هذا الموقف، يعلق المهندس حمدى عبدالجليل قائلا: «لى زملاء يتعرضون لهذا الموقف بشكل متكرر».
المفارقة أنه يستخدم فى حديثه النقد الحاد تجاه بعض رموز الإسلام السياسى من الإخوان المسلمين والسلفيين، رافضا حتى استخدام تعبير «التيار الإسلامى»، واصفا بعضهم بالبلطجية، حريصا على استخدام الآيات القرآنية والأحاديث الشريف فى كلامه.
«شخصية الفرد وتعامله الطيب هو ما يفرض احترامه على الآخرين، والمصداقية لا تصنعها اللحية أو الجلباب، لقد وعى الناس الدرس، وليس لمن يعمل فى السياسة سوى عمله»، هكذا يعلق على الأحداث المهندس حمدى عبدالجليل، مؤكدا أن هناك صورة نمطية بدأت تتشكل عن السياسى الملتحى، وأنها قد بدأت تترسخ لدى الجماهير فى العامين الأخيرين.
لكن هل يؤثر ذلك على المستقبل السياسى لكثير من السياسيين المتمسكين بالمظهر الإسلامى بعد أن أصبح بعضهم عرضة للاستهداف أثناء الاشتباكات بين الموالين والمعارضة؟ يقول مصعب الشريف، عضو حزب النور: «الأمر ليس بجديد.. فقد كنا نشكو طوال العام الماضى من إهانات دائمة لأهل السنة، وكان الإعلام يستهدفنا بحملات السخرية، كان بعضها تحريضيا وممنهجا».
لم يجد مصعب سوى أن يستأنس برأى الشيخ السلفى وحيد عبدالسلام بالى وسأله: ما موقع الشباب الملتزم والملتحى فى تلك الأزمة؟ وقد كان رأى الشيخ أن الحل فى الرجوع إلى العلم الشرعى، حين يكون الملتحى الملتزم مقصد طالبى العلم، وليس موضع سخرية من الإعلام.
يتبنى مصعب موقفا وسطا بعيدا عن تأييد الرئيس السابق، كما أنه لم ينضم إلى لواء المعارضين له، ورغم ذلك يتعرض مع أصدقائه لمضايقات فى حياتهم اليومية، وتدور أسئلة من نوعية: «إنت من مؤيدى مرسى؟»، «هل أنت إخوانى؟».
أما فى جانب مؤيدى الرئيس السابق فهناك من يرون تفسيرات أخرى تحمل طابع المؤامرة هدفها النيل من صورة الملتحى، وذلك حتى قبل سنوات طويلة.. أحد من يؤمنون بهذا التفسير هو المهندس أحمد مولانا ــ عضو المكتب السياسى للجبهة السلفية ــ الذى وصف تداعيات الفترة الماضية، قائلا: «كل ما حدث فى الفترة الماضية كان بسبب عودة سياسات جهاز أمن الدولة القديمة، التى اعتمدت على تشويه صورة الشخص الملتحى والطعن فى الإسلاميين».
يؤيد المهندس أحمد مولانا الرئيس السابق محمد مرسى، وكذلك أعلنت الجبهة السلفية موقفها مبكرا قبل 30 يونيو الماضى، وهنا يصمت قليلا ثم يعود معلقا: «الانقلاب على شرعية الرئيس محمد مرسى سيدخلنا جميعا فى نفق مظلم، وسينتج كراهية لا حدود لها، وإن كنت لا أتوقع أن تؤثر الأحداث على من يعرفون الاسلاميين جيدا». هنا يتفق أحمد مولانا مع عدد آخر من قيادات العمل الإسلامى الذين ما زالوا متمسكين بروح التفاؤل، إذ يرون أنه ما زالت هناك فرصة للإسلاميين، فى السياسة والدعوة، رغم كل تلك الضغوط.
**
شيعة تحت التهديد

كتب ــ عبدالرحمن مصطفى

«اخترت المذهب الشيعى وأنا فى سن 16 سنة فى عام 2005، وظللت لسنوات أقرأ وأستزيد دون أن التقى أى شيعى مصرى أو أجنبى، حتى جاءت الثورة، وظننت أنها بداية للتحرر من حالة الغربة التى نعيشها»، يتحدث عمرو إبراهيم، منسق حركة شباب مصر الفاطمية، التى تضم شبابا مصريين انتقلوا إلى المذهب الشيعى الاثنى عشرى قبل سنوات.
فى داخل إحدى عمارات وسط البلد القاهرية، خلت الغرفة من الأثاث التقليدى، لتتيح جلسة عربية على الأرض، ومساحة فسيحة لممارسة الشعائر، لذا على الزائر أن يخلع نعليه قبل الدخول إلى تلك الحجرة والجلوس على الأرض. الجميع مشغول بمتابعة الأخبار عبر الإنترنت، وغالبية الشباب هنا قد اختاروا التحول إلى المذهب الشيعى قبل سنوات، عدا الشاب حيدر الذى نشأ فى أسرة شيعية منذ ميلاده.

جميعهم يعتبرون القيادى الشيعى الراحل حسن شحاتة أبا روحيا لهم، ومنهم من شهد حادث قتله فى قرية «زاوية أبو مسلم» بمركز أبو النمرس بالجيزة قبل أسابيع، وهو ما زال منعكسا على حالتهم النفسية حتى الآن.

يروى أحمد عبدالودود ــ الناشط السياسى الذى شارك فى العديد من الفعاليات الثورية على كرسيه المتحرك ــ كيف جذبه المذهب الشيعى بسبب غموض شخصية الإمام الحسين، ما دفعه إلى مزيد من القراءة. وتعايش على مدى سنوات مع تجارب صعود كيانات شيعية مثل المجلس الأعلى لآل البيت، حيث لم يجد هناك ما يجذبه.

فلماذا لم يتجهوا إلى التيار السلفى أو الصوفى؟ ينتقل الحديث إلى ضياء محرم الشاب العشرينى، قائلا: «السلفيون منغمسون فى العلم، والمتصوفة غارقون فى الروحانيات، وتلمست طريقى إلى التشيع عن طريق القنوات الفضائية الشيعية». فى ذلك الطريق دفعوا ضريبة اختيارهم، خاصة أن عالم الإنترنت يموج بفيديوهات الإساءة والكراهية المتبادلة بين السنة والشيعة، ما يزيد من حرج الموقف، فمن المستحيل أن تعتنق المذهب الشيعى وأنت تحمل تقديرا لبعض الصحابة أو للسيدة عائشة، وهو ما يستعدى الكثيرين ضدهم.
هنا يعود ضياء محرم الذى تعود أصوله إلى محافظة المنيا كى يوضح قائلا: «وضعك الاجتماعى وظروفك الاسرية قد تحميك من التضييق والاضطهاد، لكنها لن تمنع عنك العزلة، على سبيل المثال فإن أهل قرية أبو مسلم التى جرت فيها حادثة قتل 4 من الشيعة، قد سبقتها إجراءات أخرى مثل الحصار الاقتصادى على الشيعة ورفض البيع أو الشراء معهم». هم أيضا لم يكونوا بعيدين عن هذا الواقع، إذ إن بعضهم تعرض للإقصاء من عمله عدة مرات بسبب انتمائه إلى المذهب الشيعى، وهنا يدور سؤال حول مستقبل الشيعة بعد عزل الرئيس محمد مرسى عن منصبه، هل سيظلون تحت تهديد المجتمع، أم أن التغيير السياسى المأمول سيكون له دور فى المستقبل؟ يعلق عمرو إبراهيم ــ مؤسس حركة شباب مصر الفاطمية التى تضم هذه المجموعة من الشباب: «نحن نحصد ما فعله مبارك والسادات فى فتح الباب على مصراعيه لتيارات دينية متشددة، لكننا بعد الثورة بحثنا عن الحرية المذهبية، ولا سبيل إلى المستقبل سوى ضمان هذه الحرية عن طريق القانون، وهذا ما نطمح إليه». حسبما يؤكد هؤلاء الشباب المجتمعون فى مركز مصر الفاطمية للحقوق والدراسات، فهناك توجس من الشيعة المصريين تجاه الإعلام بسبب ما وصفوه بالمواد التحريضية التى تنشر عنهم، مثل أن يتم الربط بين الشيعة المصريين والجمهورية الإيرانية، وأن تتكرر تعبيرات مثل «الزحف الشيعى»، «المد الشيعى»، فى حين لا توجد أرقام حقيقية عن أعداد الشيعة فى مصر. يعلق عمرو إبراهيم ــ مؤسس حركة شباب مصر الفاطمية: «أمريكا بها شيعة، لماذا لا يُقال إن هناك اختراقا إيرانيا للدولة الأمريكية؟ أو أن الشيعة هناك ولاؤهم لإيران؟ يكفى أن أقول إن إسرائيل الصهيونية تقام بها الشعائر الشيعية والحسينيات، أما هنا فمازلنا نقوم بها فى تكتم شديد». تكونت هذه العلاقات بين هؤلاء الشباب بعد الثورة، أو حسبما يصف عمرو أنه كان يتعرف على شيعى مصرى عبر الإنترنت، ثم يصل إلى آخر حتى اتسعت الدائرة، ويصفون أنفسهم بأنهم مجموعة من الشباب يعملون على الوصول إلى أكبر شريحة من الشيعة المصريين لمساندتهم فى أوقات الشدة. أما فى شهر رمضان، فلا تختلف الأحوال كثيرا عدا فى مناسبات احتفالية خاصة بالشيعة، وتلاوة الأدعية المأثورة، فى حين يصلى الشيعى النوافل ومنها صلاة القيام بشكل فردى، وليس فى جماعة، ما قد يقلل من متاعبهم فى الأيام المقبلة.
**
صوفيون في حضرة التمرد

كتب ــ عبدالرحمن مصطفى

فى أبريل الماضى تنبأ الصوفى مصطفى زايد برحيل الرئيس محمد مرسى فى مدة لن تزيد على شهرين إلى ثلاثة أشهر، وذكر فى ذلك الوقت أنها بشرى من سادات آل البيت.
وحين جاء الموعد فى الأيام السابقة على تاريخ 30 يونيو، انطلق مع زملائه إلى التحرير، فى انتظار تحقيق النبوءة، ولم يكن وحده هناك إذ شاركت بعض الطرق الصوفية التقليدية فى الاعتصام بميدان التحرير، أما هو فيختلف عنهم فى أنه يرأس الائتلاف العام للطرق الصوفية الذى تأسس قبل عامين مع مجموعة من المتصوفة، كما يصف نفسه بالناشط الصوفى.
«داخل الطريقة يعانى الصوفى البسيط من التهميش وسطوة شيخ الطريقة الذى يرث ابنه منصبه من بعده، وهذا الأسلوب لابد من تغييره». تلك النزعة دفعت بعض المنتمين إلى الطرق الصوفية لتكوين ائتلافات واتحادات تجمع شباب الطرق الصوفية، على أمل صنع مناخ جديد فى عالم التصوف، لكن الأمر على أرض الواقع لا يتجاوز أن تكون بعض تلك الكيانات مجرد صفحات على شبكة فيس بوك الاجتماعية، كما أنها تتناثر بين المحافظات المختلفة، وأغلبها يعتمد فى نشاطه على تسجيل المواقف وإصدار البيانات الرسمية. يذكر مصطفى زايد أن هناك حالة من الغربلة ستجرى لكل الكيانات الصوفية التى أنشئت بعد الثورة وليس لها وجود حقيقى، وفى جانب آخر يردد عدد من مشايخ الطريق الصوفية التقليدية عن أصحاب تلك الائتلافات أنهم طامحون إلى مناصب ويسعون إلى الشهرة. وتبرز هنا أسماء كيانات منها: رابطة الصحوة الأزهرية، والاتحاد العام لشباب الصوفية، والاتحاد العام لشباب الطرق الصوفية، لكن لم تسفر هذه الكيانات عن تأثير جذرى فى التصوف المصرى، بقدر ما أعطت صوتا للصوفية فى بعض الفعاليات الثورية، كما أنها ليست كيانات ذات طابع واحد، فغالبا ما يكون مؤسسها هو محور ذلك الكيان الصوفى، وأحيانا ما يكون المؤسس فى محافظة ومعاونوه فى محافظة أخرى. هذه الأجواء لا تصنع قطيعة بين هؤلاء الشباب ومشايخهم، إذ لا يجد الشيخ مصطفى زايد غضاضة من أن يقبل يد مشايخ الطريقة الرفاعية التى يتبعها، ويرى أن الخلاف بينه وبين مشايخ الطرق الصوفية هو اختلاف حول أسلوب الادارة، خاصة أنه كان قد طالب مع زملاء من نفس التيار الشبابى الصوفى، الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثينات والأربعينات، أن يكون لهم موضع قدم فى إدارة الشأن الصوفى. «حاولنا أن نوجد لنا مكانا فى المجلس الأعلى للطرق الصوفية، وحاولنا أن نقدم مقترحات لتعديل القوانين واللوائح المنظمة للطرق الصوفية، لكن لم يستجب أحد». رغم ما ترسمه عبارات الشيخ مصطفى زايد من صورة ضبابية عن مستقبل تلك الكيانات، غير أن الأمر ما زال فى يد الطرق الصوفية التقليدية أن تفتح باب التجديد والنقاش من داخلها.