Thursday, October 11, 2012

التهجير.. ضيف ثقيل على الخريطة القبطية



عبدالرحمن مصطفى

فى احتفالات أكتوبر باستاد القاهرة، أعلن الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية: «العدوان على أقباط رفح، عدوان على كل مصرى، وعدوان علىَّ أنا بشكل شخصى». وذلك بعد ساعات قليلة من زيارته لسيناء وتكرار التهديدات إلى أقباط رفح. ولم يخف المعلقون قلقهم من أن تكون تلك الحادثة استكمالا لمسار جديد بدأ يضغط فى اتجاه عزل المسيحيين داخل تجمعات مغلقة. «الأزمة الآن أن هناك مجموعات متطرفة رأت فى صعود رئيس من التيار الإسلامى فرصة لخرق القانون، والتعبير عن ثقافة التمييز التى أصابت المجتمع المصرى قبل سنوات، وليس أدل على ذلك من أن تجد من أحرق الكتاب المقدس أمام السفارة الأمريكية فى حادثة فريدة، يعلن أمام الإعلام بعد إخلاء سبيله أنه أحرق كتابا محرفا، وأنه لا وجود للإنجيل على وجه الأرض.. فى إساءة جديدة!»، هكذا يعلق الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية على الأحداث، ويصف صعود مصطلح «تهجير الأقباط» بأنه خطر قادم، ولا يستبعد أن يؤدى ذلك فى وقت من الأوقات إلى الدفع بالمسيحيين إلى التجمع فى مناطق جغرافية بعينها ابتعادا عن المجموعات المتطرفة والبحث عن الاحتماء بالجماعة الدينية. «بعض من تعرضوا للتضييق الطائفى، اتجهوا بالفعل إلى أحياء بها نسبة كبيرة من المسيحيين.. وهذا أمر مثير للقلق»، على حد قوله. لا يخفى أيضا اسحق إبراهيم، الباحث فى برنامج حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن تكرار هذه الحوادث القائمة على تهجير مسيحيين من مساكنهم قد بدأ يتخذ نمطا جديدا ظهر فى حادثتى العامرية فى مايو 2012 ودهشور فى أغسطس 2012، وحوادث أخرى سابقة حسبما يشرح: «لا توجد دراسات متوافرة الآن تؤكد أن هناك سعى من المسيحيين إلى التجمع فى أماكن بعينها، أو تفسر وجود أحياء أو قرى ذات كثافة مسيحية عالية عن غيرها من الأماكن. لكن ما تم رصده أن من تعرضوا للتضييق الطائفى فى الريف اتجهوا إلى المدن حيث العلاقات أقل تماسكا».
قديما عرفت المدينة فى العصور الإسلامية تجمعات مسيحية ويهودية فى أحياء وحوارى محددة، وذلك فى إطار منطق ساد وقتها فى السكن، حين كان يتجه أبناء الطوائف المهنية إلى السكن جوار ورشهم وأعمالهم، وأبناء القبائل فى حارات لهم، وكذلك أبناء الطوائف الدينية إلى السكن جوار دور عبادتهم، لذا عرف لفظ «حارة النصارى» فى عدة مواقع خلال تلك الحقبة وحتى فى العصر العثمانى، وذلك داخل القاهرة وخارجها. وتركز تجمع الأقباط فى القرن 18م ناحية بحيرة الأزبكية حيث انتقلت البطريركية إلى الأزبكية قبل أن تستقر البطريركية فى موقعها الحالى بالعباسية. «إن التجمعات المسيحية الحالية ناحية أحياء الفجالة والقللى والظاهر وشبرا هى امتداد طبيعى لذلك التمركز الذى كان موجود ناحية حى الأقباط فى الأزبكية فى القرن 18 حول الكاتدرائية القديمة». يفسر الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة أحد أسباب شهرة بعض الأحياء وعلى رأسها حى شبرا بوجود كثافة مسيحية. وكان قد أثير مؤخرا جدلا حول تعداد المسيحيين فى مصر، وتردد اسم حى شبرا على ألسنة مصادر كنسية مشككين فى الأرقام المذكورة حول تعداد المسيحيين واصفين إياها بأنها مناسبة لحى شبرا فى إشارة لسمعته بوجود كثافة مسيحية داخله. ويمثل هذا الحى نموذجا لانتقال تجمعات المسيحيين السكنية من عالم «حارة النصارى» القديم بالأزبكية إلى حى جديد فى النصف الثانى من القرن 19م. ويشرح الدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة : «لم يكن حى شبرا فقط امتدادا لتجمعات قبطية قديمة فى الأزبكية، بل سببا فى انتقال موظفى السكة الحديدية والبريد من الأقباط، وفى الوقت نفسه هاجر إلى الحى سكان جدد من مسلمى وجه بحرى عبر الكورنيش ومن الصعيد أيضا، كل هذا إلى جانب أقليات أجنبية يونانية وإيطالية وأرمينية وغيرها». هذه الحالة هى التى أعطت حى شبرا طابعا خاصا ما بين سمعته كحى يجمع كثافة سكانية مسيحية لافتة، لكنها غير منعزلة عن جوارها، ما جعله مادة درامية يستهلكها الإعلام والأدب فى التعبير عن التعايش. هل ينجح الساعون إلى إعادة عصر حارة النصارى فى سعيهم؟ يختم اسحق إبراهيم، الباحث فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: «النتيجة الواضحة أمامنا الآن هو أن عدم تفعيل القانون واللجوء إلى الأساليب العرفية كثيرا ما تسبب فى ظلم المواطنين، خاصة أننا رأينا أن عمليات التهجير القسرى التى جرت كانت تجرى بشكل عقاب جماعى.. لذا لا حل سوى فى تطبيق العدالة بشكل قانونى يحترم حق كل مواطن».