Thursday, June 21, 2012

بنات النيل.. المعركة مستمرة

في الداودية .. نساء ضد الختان


لم يعد يسمع أهالى قرية الداودية صراخ الفتيات أثناء تعرضهن للختان، وإن حدث ذلك فهى حالات مستترة وبعيدة عن أيدى داية القرية عنايات عبدالحميد، التى أعلنت توبتها عن تختين الفتيات منذ سنوات واكتسبت مهارات فى مجال التوليد عوضا عن ذلك، تاركة هذه المهمة العنيفة لداية أو تومرجى من خارج القرية، أو حتى لدى طبيب لديه استعداد لتختين فتاة فى سن المراهقة. تعلق الداية عنايات وقد بدت عليها مظاهر التقدم فى السن والمرض: «نحن تقريبا الآن فى الموسم السنوى للختان، إذ تتعرض الفتيات لهذه الممارسة صيفا نظرا للإجازات الدراسية، خصوصا مع هلال الشهر العربى..».. تصدرت الداية عنايات فى البداية الاجتماع الذى تم فى منزل آمال عيد، حيث انضمت مجموعة من النساء المناهضات للختان فى القرية. اختلفت الملامح والأعمار بين المسنة والمرأة والفتاة، كلهن ما زلن متمسكات برفض الختان، بعد أن قضوا سنوات من العمل ضمن «مشروع حماية حقوق الفتيات من الانتهاك» التابع لجمعية الحياة الأفضل فى المنيا، بدأ المشروع فى العام 2007 ونطاق عمله 8 قرى شرق النيل بمحافظة المنيا، إحداها قرية الداودية، وفى الجلسة نفسها كانت ماجدة نجيب، مديرة المشروع جالسة وسط المجموعة، قد بدأت فى الشرح قائلة: «لم يكن رهان جمعية الحياة الأفضل فى البداية على اجتذاب الناس، فهذا حققناه من خلال تواجدنا القديم ومشروعات سابقة، أما هدفنا الرئيسى فى هذا المشروع فكان تغيير القناعات الخاطئة، وضمان استمرارية العمل.. وخاصة فى قضية مناهضة الختان، التى تختلف عن أى مشروع تنموى أو خدمى».
تبعد قرية الداودية عن مدينة المنيا عاصمة المحافظة حوالى 7 كيلومترات، ويفصل بينهما النيل، وحسب المخطط الاستراتيجى العام للقرية الذى أعدته كلية الهندسة بجامعة قناة السويس، فإن النشاط الزراعى هو النشاط الاقتصادى الأول فى القرية بنسبة 75% من أكثر من 4 آلاف شخص هم عدد سكان القرية، وتسهم المرأة (15 سنة فأكثر) فى حوالى ثلث النشاط الاقتصادى، لكن نشاط العمل فى المحاجر قد أصبح أحد الأنشطة اللافتة هناك، وتفتقد قرية الداودية عددا من الخدمات على رأسها غياب شبكة صرف صحى، وهى النقطة التى كانت مدخلا لجمعية «الحياة الأفضل»، إذ استعانت فى مشروع «تحسين مساكن الفقراء» بزائرات صحيات يشاركن فى التوعية بضرورة استخدام المراحيض الصحية التى ساهم المشروع فى جلبها ورفع مستوى الوعى الصحى، وتحول الناشطات فى القرية إلى مجموعة تساند أنشطة الجمعية فيما بعد، ومنها مشروع حماية حقوق الفتيات من الانتهاك، والعمل على مواجهة الختان.
امال عيد التى استضافت المجموعة فى بيتها هى إحدى النساء الشريكات للجمعية فى القرية، تشرح ذلك: «أثناء مشروع تحسين مساكن الفقراء وإدخال المراحيض الصحية، كنا نكتب التقارير وملاحظاتنا التى تسهم فى تقديم معلومات عن اتجاهات السكان، وهو ما أفاد الجمعية فى مشروع مناهضة الختان». رغم حماسها وقدرتها على إدارة دفة الحديث إلا أن شجاعتها لم تمنعها من التعرض للختان فى سن مبكرة على أيدى أهلها، «ببساطة مقدرتش أقاومهم، وكنت ضعيفة قصادهم»، بهذه العبارة تشرح موقف كثيرات تعرضن لهذه الممارسة، واكتفين بالصمت، وهو ما كسرته هذه المجموعة من النساء الجالسات فى منزلها. تتدخل الحاجة عنايات داية القرية لتعرض تطورها مع قضية مناهضة الختان: «أخذت على نفسى عهدا أمام الله وأمام ماجدة المسئولة فى الجمعية ألا أعود مرة أخرى لهذه الممارسة، وقد عوضتنى الجمعية بمبلغ شهرى، وساعدونى فى اكتساب مهارات جديدة فى مهنة التوليد، ورغم أن هذا المشروع قد توقف منذ عام، وتوقف المقابل المالى الذى أحصل عليه حين أشارك فى أنشطة المشروع، إلا أنى لن أعود لتختين الفتيات، حتى لا أخسر مصداقيتى أمام نفسى وأمام الناس».
فى الأشهر الأخيرة تغيرت نبرة بعض الشرائح تجاه مناهضة الختان، إذ قدم حزب النور السلفى مسودة مشروع قانون يلغى تجريم ممارسة الختان، ورغم سحب هذه المسودة، إلا أن الجدل لم ينته حول القضية، إذ يتعمد البعض عرض مجهودات السنوات الماضية ضد الختان على أنها من نتاج النظام القديم وأن دوائر سوزان مبارك هى من سعت لسن تلك القوانين. وكانت المنيا قد شهدت جدلا بسبب ما أثارته القافلة الطبية لحزب الحرية والعدالة فى إحدى القرى حين تم تبليغ خط نجدة الطفل «16000» فى الشهر الماضى عن أن القافلة قد وفرت عمليات ختان الإناث، وهو ما تم نفيه من حزب الحرية والعدالة فيما بعد. هذا التيار الذى يحاول إتاحة المناخ لختان الإناث يمثل تهديدا لمجهود نساء من نوعية المتواجدات فى هذه الجلسة، تعلق ماجدة نجيب ــ مسئولة مشروع حماية حقوق الفتيات من الانتهاك فى جمعية «الحياة الأفضل» ــ قائلة: «أزمتنا مع المذبذبين الذين يخضعون لقول الأكثرية، سواء من المسلمين أو المسيحيين على السواء، فإذا اختارت الأغلبية العودة إلى عادات مؤذية، فسيكون ذلك بمثابة انتكاسة»، لم تظهر أرقام جديدة تشير إلى انتكاسة، سواء فى نطاق محافظة المنيا أو داخل قرية الداودية.

نصيحة الجيران
تجلس غنية حسن وسط الفتيات الأصغر سنا رغم أنها من قيادات العمل فى المجموعة داخل القرية، أما الاسم المعروفة به هنا فهو «وردة»، وتعلق موضحة أنها على مدار سنوات كان هناك نشاط تدريجى وتكتيكات حتى أصبحت ممارسة الختان أمرا مهمشا داخل القرية، كما لم يظهر ضدهن من يدافع عن الختان ويحشد من أجله. تتحدث وردة ذات الخمار الطويل والعبارات الحاسمة قائلة: «هناك تكتيكات تدريجية تم استخدامها داخل القرية حتى نصل إلى الناس، أنا عن نفسى حين كنت أواجه بسيدة تقف ضد أنشطتنا ولها تأثير، كان نضالى هو أن أكسبها فى صفى، سواء بالدين أو بالطب أو بالجانب الحقوقى». كل هذه الوسائل تم استخدامها فى القرية، فإلى جانب تدريب مجموعة الدعم التابعة للمشروع، كانت هناك الندوة التى يلقيها الشيخ لدحض شرعية الختان فى مواجهة بعض مشايخ القرية الذين يدعمون هذه الممارسة، وهناك اللقاء بطبيب يشرح أضرار الختان على الفتاة، وفى الحجرة نفسها كانت تجرى بعض هذه اللقاءات. كما أقيمت فصول للفتيات الصغيرات بهدف التوعية بأهمية حفاظ الفتاة على جسدها، بعض الفتيات الصغيرات اللاتى عشن تجربة فصول التوعية، يجلسن اليوم وسط مجموعة الدعم ويساعدن فى أنشطتها، حسبما تقول وردة فإنهن لم يجدن معارضة قوية أثناء تكوين هذه الفصول، وتوضح: «الأم لن تخسر الكثير حين ترسل ابنتها إلينا، فنحن جيران فى النهاية، أما نحن فقد ربحنا دور الفتيات الصغيرات وسط زميلاتهن، وكذلك نعرف عن طريقهن إذا ما كانت تلك العادة مستمرة أم لا..». من هؤلاء الفتيات كريستين وأسماء وفاطمة، كلهن فى سن المراهقة، وتبدو «أسماء» تحديدا أقل تلقائية فى الحديث إذ تستعير النبرة الحقوقية فى حديثها وعبارات مثل: «الختان ما ينفعش عشان ده ضد حقوق الطفل»، «الختان بيسبب العقم». هنا تتدخل السيدة ماجدة نجيب من جمعية «الحياة الأفضل» التى استوقفتها العبارة قائلة: «الختان لا يسبب العقم بشكل مباشر، فالكثير من النساء المختنات قد أنجبن عددا من الأبناء، وهنا لابد من التركيز فى المعلومات التى نلقيها على الآخرين».
انتهى «مشروع حماية حقوق الفتيات من الانتهاك البدنى» فى العام الماضى، وهنا تعلق وردة قائلة: «لست قلقة من عودة الختان، لقد دخلنا فى صراعات قوية مع أهلنا، وهناك من دخلت فى نقاشات حامية مع زوجها، لكن الخوف من تبديل القوانين، وأن يتغير المناخ العام ويلغى تجريم الختان».
إحدى الدايات فى قرية مجاورة خضعت لنفس المشروع، لكن بعد انتهائه عادت لممارسة التختين ضد الفتيات مرة أخرى، هنا تتدخل داية قرية الداودية عنايات قائلة: «نستطيع أن نلمس النجاح فى ارتفاع سعر التختين إلى 150 جنيها بعد أن كان 10 جنيهات قبل 10سنوات، هذا دليل على صعوبة الأمر». التكتيك الأخير الذى تتعامل به الجمعية من بعيد فى دعم مجموعتها القديمة فى القرية هو التواصل وقياس مدى التغير فى التعامل مع ممارسة الختان، وتختم الداية عنايات بقصة عن فتاة هددت بالانتحار كى لا تصل شفرة الداية إلى هذا الجزء من جسدها، وكان ذلك قبل سنوات طويلة وقبل أن يبدأ المشروع، محاولة إعطاء نماذج مضيئة ناضلت بشكل فردى قبل نشر الوعى بين سكان القرية وتقول: «أراها اليوم بعد أن تزوجت، وانجبت، سعيدة فى حياتها دون أن يتهمها أحد بسوء الخلق أو الانفلات، إنها مجرد أوهام فى أدمغة البعض، ولا بد من مواجهتها».

 

سلمى بنت الريف.. ناشطة من «أرزقيات الصعيــد»

تنتمى سلمى إبراهيم إلى قرية الداودية بالمنيا، وقبل ثمانى سنوات فقط لم تكن تختلف كثيرا عن بقية نساء القرية، غير أن انخراطها المبكر فى مشروعات التنمية جعلها أكثر قدرة على التعبير عن نفسها وإدراكا للمفاهيم الحقوقية والسياسية عن بقية النساء، رغم مستواها التعليمى المتواضع. «أتذكر قبل سنوات، لم تكن لدى القدرة على إقناع الكثيرات فى القرية بجدوى التجاوب مع مشروعات التنمية المتدفقة علينا، ولم يتغير ذلك إلا بعد أن تلقيت تدريبات وإرشادا». تعمل سلمى فى جمعية بنت الريف التى تأسست فى العام 2004 على يد مجموعة من نساء وفتيات الداودية ومن القرى المجاورة، هذه التجربة دفعت نيفين عبيد من مؤسسة المرأة الجديدة فى القاهرة إلى تدشين مبادرة فى العام 2010 لتدريب نساء وفتيات الداودية على التعبير عن أنفسهن من خلال الانترنت، وكان اسم المبادرة «أرزقيات الصعيد»، تعلق نيفين على ذلك قائلة: «اندهشت حين زرت مقر الجمعية لأول مرة ووجدت بوسترات عن مرض الايدز... بيئة مناسبة لبداية هذه المبادرة». كانت سلمى أيضا مشاركة من جمعية «بنت النيل» فى مشروع «أرزقيات الصعيد»، الذى اعتمد على تقديم أجهزة كمبيوتر، والتدريب على استخدام البريد الإلكترونى والمدونات، وكتبت الفتيات معبرات عن أنفسهن قبل الثورة، واستمر ذلك بعدها.. لكن المدونة لم يتم تحديثها منذ العام الماضى.. وتعلق سلمى على ذلك: «كانت لدينا مشكلة فى استخدام الانترنت داخل القرية، حتى أننا كنا نكتب ونجمع ما نكتبه ثم نرسله من المنيا». هذه التجربة كانت فى خلفيتها تعامل قديم بين مؤسسة «المرأة الجديدة» التى تمثلها نيفين عبيد، وجمعية بنت الريف التى تنتمى إليها سلمى إبراهيم. ما كسبته فتيات الداودية من وجود كيان مؤسسى لهن هو عدة أشياء على رأسها أن الجمعيات الخيرية المسيطر عليها الرجال لم تعد هى الوحيدة فى القرية، رغم ما تعرض إليه بعضهن من استدعاء إلى أمن الدولة السابق لمعرفة أسلوب عملهن، لكن المكسب الأكبر لدى امرأة ريفية مثل سلمى أنها أصبحت على دراية بأهمية الدعم القادم للجمعية التى تنتمى إليها، وكيف يمكن الحصول على دعم لمشروعات جديدة. أما نيفين فترى تجربة «أرزقيات الصعيد» تحديدا بشكل مختلف قائلة: «دعنا لا نركز على أن هناك جانب سلبى فى عدم انتشار استخدام الانترنت كوسيلة تعبير فى القرية، فالهدف الرئيسى هو كسر حاجز الخوف مع هذه الأداة، وخاصة بين قيادات نسائية فى القرية، فاستخدام الإنترنت فى النهاية اختيار شخصى.. لعلنا فى حاجة إلى متابعة المشروع وتنشيط ذاكرة الفتيات، لكن الأحداث المتتالية وغياب الرؤية لشكل الدولة القادمة يبطىء من هذه الخطوات، فالهدف ليس التعريف باستخدام الانترنت، بل عن الحق فى التعبير». جمعية بنت الريف فى الداودية والقرى المجاورة، تعول عليها الجمعيات الكبرى سواء فى المنيا مثل «حياة أفضل» أو فى القاهرة مثل «المرأة الجديدة» أن تكون مصنعا لقيادات نسائية محلية فى مجتمعها، وشريكا فى تغيير وضع القرية إلى الأفضل، وخصوصا شريحة النساء.

 
سنوات المقاومة
1904
كتب الشيخ رشيد رضا فى مجلة «المنار» ردا على سؤال حول ختان الاناث، ناقلا آراء علماء سابقين عن أنه ليس فى الختان «خبر يُرجَع إليه ولا سُنَّةٌ تُتَّبَع»، وكان بذلك أول من أثار القضية بجدية فى بدايات القرن العشرين.

1928
أوصى الجراح المصرى على باشا إبراهيم طلابه بعدم إجرائه للإناث لأنه لم يتعلمه فى دراسته، ولا يراه ضمن أعمال الطبيب، وذلك فى مؤتمر عقد فى القاهرة.

1959
بعد سنوات من ظهور دعوات تنتقد عادة ختان الإناث، صدر قرار وزير الصحة رقم 74 فى ذلك العام، بمنع ممارسة ختان البنات تماما فى المستشفيات والوحدات والمراكز التابعة لوزارة الصحة.
1994
طالب مؤتمر السكان بالقاهرة، بالوقوف ضد ممارسة الختان، كما شهد العام نفسه بث قناة سى إن إن الأمريكية فيديو يصور عملية ختان جرت فى مصر، وهو ما أثار القضية داخليا، ودفع وزارة الصحة فى أكتوبر من العام نفسه، بإصدار قرار يتيح إجراء الختان داخل المستشفيات العامة، بناء على رغبة أولياء الأمور، حتى لا يكون بأيدى فئات أخرى مثل الحلاقين والدايات، ودعمت نقابة الاطباء هذا القرار
1996
أصدر وزير الصحة قرارا بحظر إجراء عمليات الختان فى المستشفيات والعيادات عدا الحالات المرضية التى يقررها الطبيب، وذلك بعد حادث وفاة طفلتين فى يوم واحد على يد طبيب أثناء تختينهما.
2003
تبنى المجلس القومى للطفولة الأمومة المشروع القومى لمناهضة ختان الإناث.

2007
أثارت قضية وفاة الطفلة بدور فى المنيا الرأى العام إثر عملية تختينها، وتلاها فى العام نفسه صدور فتوى عن مفتى الجمهورية وأخرى عن المجلس الأعلى للبحوث الإسلامية تدينان الختان، كما صدر قرار من وزير الصحة آنذاك يحظر تماما إجراء عمليات الختان على الأطباء وأعضاء هيئات التمريض وغيرهم سواء فى المستشفيات الحكومية أو غير الحكومية أو غيرها من الأماكن الأخرى.

2008
تم تعديل قانون الطفل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 الذى يجرم ممارسة الختان فى مصر.
2012
طرح حزب النور مشروع قانون يرفع التجريم الحالى لختان الإناث وفق القانون، استنادا إلى أن تجريم الختان قد تم تقنينه على يد سوزان مبارك، وقد تم سحب مشروع القانون فيما بعد نتيجة انتقادات لاحقت مشروع القانون، كما أثير جدل حول موقف المرشح الرئاسى السابق عبدالمنعم أبوالفتوح من الختان بعد تضارب الأخبار عن موقفه، وهو ما أوضحه فيما بعد فى إدانته للختان، وعاد الجدل مرة أخرى بعد زيارة القافلة الصحية التابعة لحزب الحرية والعدالة إلى قرية «أبوعزيز» فى المنيا وما أثير حول إتاحتها ختان الفتيات مجانا، رغم نفى الحزب ووزارة الصحة عن وقوع حالات ختان حقيقية.

نماذج مضيئة لا يصل نورها للجميع

داخل ملفات العديد من الجمعيات الداعمة للمرأة، هناك نماذج مضيئة لسيدات وفتيات تطورت معيشتهن بعد إدماجهن فى مشروعات تنموية، لكن تبقى تلك النماذج أقرب إلى حالات فردية دون تغييرات جذرية فى واقع المرأة المصرية.. «برامج الجمعيات الأهلية الداعمة للمرأة كلها تجريبية، ونحاول من خلالها أن نصنع نماذج كى تتبناها الدولة فيما بعد أو يتبناها القطاع الخاص، لكن هناك خللا فى النظام كله.. فليس دورنا أن نغطى جميع الشرائح النسائية، هذا أكبر من قدرات منظمات المرأة»، تشرح نهاد أبوالقمصان ــ مدير المركز المصرى لحقوق المرأة ــ أهم أسباب محدودية تأثير برامج الجمعيات الأهلية المتصلة بالمرأة، إذ تعمل المنظمات فى مشروعات ذات ميزانية محددة ومحدودة، وغالبا ما لا يتجاوز عمر المشروع أكثر من سنة، وذلك على عكس المجالس القومية المتخصصة والوزارات التى تقتطع من ميزانية الدولة، وبالمقارنة مع الغرب فقد تحول دور شريحة من الجمعيات الأهلية إلى دور الإغاثة، لأن هيئات الدولة المختلفة تقوم بدورها الأساسى، وبذلك تتيح للمجتمع المدنى أن يؤدى مهاما أخرى. ويقول الواقع إن نسبة تمثيل النساء فى البرلمان لا تتعدى 2% من عدد الأعضاء، وتصل نسبة الأمية فى النساء للثلثين من إجمالى الأميين فى مصر. وحسب دراسة أعدها البنك الدولى فإن النساء يحصلن على دخل أقل من الرجال بنسبة 20%، وقد تشير هذه النسب إلى واقع بائس، لكنها قد لا تكشف عن تفاصيل المواجهة بين برامج منظمات المرأة والسلبيات التى ما زالت تحكم ثقافة المجتمع واستمرار ثقافة «يتسيد» فيها الرجل على المرأة ويسمح له بالسيطرة على دخلها رغم أن ذلك هو حقها الشرعى. كل هذه الأعباء تعطى ملامح الصورة التى تعيشها نهاد أبوالقمصان وغيرها من الناشطات فى مجال المرأة، وبعد الثورة زاد عبء جديد مع السمعة السيئة التى ارتبطت بفكرة التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية، «تلقينا قبل الثورة عروضا فى المركز المصرى لحقوق المرأة للتمويل من رجال أعمال مصريين، لكننا حين طلبنا منهم أن يعلنوا ذلك، انسحبوا خوفا من النظام، وأعتقد أن المشكلة مستمرة، وهى خوف الممولين المصريين أن يتعرضوا لضغوط من النظام أو من المجتمع لدعم قضية يؤمنون بها مثل حقوق المرأة على سبيل المثال، وهذه الضغوط غالبا ما لا تحدث فى حالة تمويل مشروعات خيرية». يرى أغلب العاملين فى مجال المرأة أن العمل الخيرى لا يقدم تمكينا للمرأة، بل يكرس الاعتمادية والتواكل على أموال الخير، دون تطوير حقيقى لحالة المرأة، أو تقديم توعية للنساء.
«هناك نقد موجه إلى منظمات المجتمع المدنى بأنها تعبر عن مصالحها أولا، إذ إن هناك طريقا آخر لم تسلكه تلك المنظمات جيدا فى استغلال النقابات والرابطات التى تضم آلاف الأعضاء، وأن تعمل من خلالها على تمكين المرأة كشريحة مستهدفة»، هذا الرأى للدكتور يسرى مصطفى ــ الكاتب والباحث فى مجال حقوق الإنسان ــ موضحا أن أغلب منظمات المرأة ليست (جمعيات عضوية)، بمعنى أنها لا تعتمد فى مواردها على الاشتراكات أو تنمية أعضائها، وهو ما يفسر اعتماد هذه الجمعيات والمنظمات على تنفيذ برامج ومبادرات على عينات من نساء المجتمع، و«المشكلة الأكبر تتمثل فى غياب الاهتمام الحقيقى بقياس جدوى أنشطة وبرامج هذه الجمعيات، ومعرفة مدى تأثيرها». هذا ما تتبناه كل من نهاد أبوالقمصان ويسرى مصطفى، ذلك بعد توضيح أن الجهات الممولة لهذه البرامج تتلقى تقارير بأنشطة وبرامج ومصروفات، ولا تهتم بتلقى تقييم لمدى تأثير تلك البرامج.
ومع أزمة التمويل الأجنبى الأخيرة التى خدشت سمعة الجمعيات الأهلية أمام المواطنين، يتجلى مشهد تعمل فيه الجمعيات على شرائح ضيقة، فتحقق تأثيرا محدودا، وفى الوقت نفسه فإن مؤسسات الدولة لم تحقق التأثير البديل، وهو ما يدفع نهاد أبوالقمصان للتعليق على ذلك: «أصبحت الجمعيات أكثر اهتماما بالجانب الحقوقى والدفاعى، لأن التنمية لن تؤثر فى ظل منظومة تهدر حقوق المواطن، وبالتالى حقوق المرأة».