Friday, May 25, 2012

في العباسية .. الاسلاميون يمتنعون

كتب – عبدالرحمن مصطفى
" اختيارات المرشحين اتأثرت باللي حصل في اعتصام العباسية.. وبالذات في المناطق اللي وقع فيها ضحايا أو سكانها دخلوا في اشتباكات مع المعتصمين ". يتحدث سمير سيد أحد سكان شارع بني فهيم مؤكدا أن نسبة من شباب المناطق الذين تأذوا وقت أحداث العباسية يرفضون إعطاء أصواتهم لأي مرشح يحمل خلفية إسلامية، بسبب الصدامات التي وقعت بينهم وبين الاسلاميين أثناء أحداث أمام وزارة الدفاع. "سأعطي صوتي لأحمد شفيق أو حمدين صباحي"، يقول عبارته ثم يتجه إلى طاولة تحمل لافتة : "اعرف لجنتك"، و هناك جلس يحي زكريا من سكان الحي جوار مجموعة من الشباب أمام جهاز كمبيوتر لمساعدة الأهالي في التعريف بلجانهم الانتخابية. في تلك الأثناء تقع مشادة طفيفة بين الشباب المتطوعين و سمير سيد الذي احتج على تقديم أجندات دعائية لمحمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة الجمهورية، يوضح يحي زكريا أحد المتطوعين : "هذه ليست دعاية، ولا نجبر أحد على اختيار مرشح بعينه". يمر بعض الشباب بدراجة بخارية ويلقون هتافات مسيئة للمرشح محمد مرسي وانصاره من الاسلاميين. في داخل الشوارع التي شهدت اشتباكات أثناء أحداث العباسية مثل : بني فهيم، وغرب القشلاق، والوايلية، اختفت بوسترات محمد مرسي، و أبو الفتوح لحساب مرشحين آخرين على رأسهم حمدين صباحي وأحمد شفيق، و على واجهة إحدى المتاجر في شارع عبادة الأنصاري قرب ميدان العباسية يرفع أحدهم بوسترات للمرشح أحمد شفيق، لم يخف عم ناصر صاحب المتجر تأثير تلك الأحداث على اختيارات بعض سكان المنطقة قائلا: "ارتبطت صورة الاسلاميين لدى الناس هنا بالفوضى وغياب الأمان، وهو ما جعلني أصر على اختيار شفيق، رغم أنني كنت قد اخترته قبل شهور". يشير بإصبعه المطلي بالحبر الفوسفوري قائلا: "مش عايزين حد يتحكم فينا". يعود سمير سيد الذي ما زال يفاضل بين أحمد شفيق و حمدين صباحي ليتحدث عن جانب آخر موضحا: "لدينا نية أن نجتمع يوم الجمعة القادمة بعد انتهاء الانتخابات مباشرة وسنخرج كمجموعة من أهالي وأصدقاء الضحايا والمعتقلين .. و لدينا استعداد للتصعيد حتى نحصل على حقوقنا". هذه الصورة ليست نهائية، إذ يتدخل ياسر طه – حاصل على ليسانس الآداب- في الحديث محاولا اقناع صديقه سمير سيد بأن يختار حمدين صباحي بدلا من أحمد شفيق من أجل التغيير، وتجمع الاثنان صداقة بمصطفى اسماعيل أحد قتلى العباسية، ويقول: "أنا عن نفسي سأنتخب محمد مرسي، لكن لا يمكن إغفال أن هناك عداء من بعض سكان هذه الناحية من العباسية تجاه المرشحين الاسلاميين، فتلك الصدامات التي وقعت بين الأهالي والسلفيين، حملت معها الدماء والحزن، و أثارت ضغائن، حتى أنك من الصعب أن تجد شعارا للمرشح محمد مرسي في هذه الشوارع".

Thursday, May 17, 2012

رحلة في عقل أنصار أبو اسماعيل

من هم أتباع (الشيخ الرئيس؟)
داعمو الحملة تجاوز عددهم 100 ألف.. واللا مركزية كلمة السر
«فى أثناء زيارتى الأخيرة للقاهرة، التقيت بعض أبناء معسكر أبوإسماعيل، وهناك وجدت من لم يمارس السياسة من قبل، ومن يرى المستقبل بعينى الشيخ، وكلهم مستمرون فى مشروعهم حتى النهاية»، هذا التعليق لخليل العنانى المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية فى جامعة «دورهام» البريطانية يصف فيه ظاهرة أبوإسماعيل ومؤيديه ــ على حد تعبيره ــ داعيا إلى ضرورة دراسة وتفكيك هذه الظاهرة ومحاولة فهمها لإدراك تطورات حالة المجتمع المصرى بعد الثورة. هذه الملاحظات التى وردت فى مقال للعنانى نشر فى جريدة الأهرام ويكلى لم تشغل فقط المتخصصين، بل شغلت الرأى العام بعد تصريحات الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل نفسه عن علاقته بمؤيديه وأنه لا يملك عليهم أى سلطة. «هناك مبادرات شعبية، اتخذت شكل الحركات أو المجموعات تتبنى أفكار الشيخ حازم، لكنها فى النهاية تختلف تماما عن الكيان الأساسى القديم وهو الحملة المركزية لترشيح حازم صلاح رئيسا لمصر، إذ إنه هو الكيان الوحيد الذى يرأسه الشيخ بنفسه، وهذا لا ينفى أن هذه الحملة قد تعاونت مع بعض المجموعات الأخرى». الحديث هنا لمعاذ المصرى أحد قيادات الحملة التى ما زالت محافظة على ملامحها رغم استبعاد حازم صلاح أبوإسماعيل نهائيا من سباق الرئاسة، وكان معاذ المصرى مسئول الحملة لطلاب الجامعات. أحد بيانات الصادرة عن الشيخ حازم صلاح شخصيا أوضحت الموقف حين أعلن قبل أسابيع أنه لم توجد فى الحملة وظيفة مدير الحملة ولا مدير الحملة المركزية ولا مسئول الحملة ولا المتحدث الإعلامى ولا المنسق الإعلامى، وهى التعبيرات التى كان يتداولها الإعلام لبعض مؤيدى الشيخ، وهو ما طرح تساؤلات عن شخصيات ومجموعات ارتبطت باسم الشيخ حازم واعتبرها الإعلام ممثلة له، مثل الشيخ جمال صابر منسق حركة «لازم حازم»، ومديرى حركة «حازمون» وغيرهم.
قبل عام تقريبا فى مايو 2011 أعلن الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل نيته الترشح للرئاسة، لكن حملته المركزية لم تظهر بشكل حقيقى إلا فى يونيو من العام نفسه، حين بدأت فى طلب متطوعين للعمل داخلها، وبدأت صفحة الحملة على الفيسبوك فى التواصل مع غيرها من الصفحات الداعمة لأبوإسماعيل، حتى جاوز اليوم عدد أعضاء هذه الصفحة 550 ألف شخص، أما ما يقدره العاملون فى الحملة حاليا من متطوعين وداعمين على الأرض فأكثر من 100 ألف شخص فى أنحاء مصر، وبعض أعضاء تلك الحملة لهم كيانات خاصة بهم مثل «حركة طلاب الشريعة» التى ينتمى أغلبها إلى شباب الحملة المركزية السابقة، حتى أن بعض بوسترات أبوإسماعيل الشهيرة كانت تحمل شعارهم. وبعد عدم تمكن حازم صلاح من المنافسة على الرئاسة، أصبح كيان مثل «طلاب الشريعة» مؤخرا أكثر وضوحا فى الميدان، حين يشارك أعضاؤه فى الاعتصامات والمسيرات، لصالح الشيخ أو لأسباب أخرى، واليوم ينتظر من كانوا متطوعين فى مشروع الحملة للرئاسية، والمؤيدين لحازم صلاح من الحركات الأخرى أن يعلن مشروعه القادم حتى يستعيدوا نشاطهم من جديد.
كان نوفمبر 2011 تاريخا مهما فى حياة أنصار الشيخ حازم صلاح خاصة بعد جمعة الشريعة فى 18 نوفمبر، فما زال بعض المتابعين يتذكرون مشهد الشيخ الملتحى وهو يردد البيعة لحازم صلاح أبوإسماعيل قائلا: «لك السمع والطاعة، فى المنشط والمكره، ما أطعت الله فينا»، وحوله المئات يرفعون أذرعهم فى الهواء مرددين خلفه نص البيعة. فى ذلك الوقت لم يعرف الكثيرون أن هناك مجموعات قد نشأت متأثرة بأفكار حازم صلاح أبوإسماعيل، كما انضمت كيانات فى نفس ذلك الشهر تحت لواء «الشيخ الرئيس»، وفقا لمقال خليل العنانى الباحث فى الشئون الإسلامية بجامعة دورهام البريطانية، وإحدى أكبر هذه الحركات كانت «حازمون» وهى ذات اتجاه آخر، إذ إن «حازمون» ليست حملة دعائية، بل حركة تتبنى أفكار حازم صلاح سواء كان رئيسا أم لم يصبح، فارتباطهم الأول والأخير مع أفكاره وشعاراته.

حلم تصدير الثورة
يعرض المقداد جمال ــ عضو المكتب التنفيذى لحركة حازمون ــــ الاتجاه الذى اختاره أفراد الحركة قائلا: «هى حركة إسلامية ثورية شبابية، لها فروع فى المحافظات المختلفة، وقد ساندنا الحملة المركزية للرئاسة، لكن مهمتنا ليست الدعاية بقدر ما هى نشر أفكار الشيخ التى اقتنعنا بها، والدفاع عنها، ولدينا الاستعداد أن ننقد حازم صلاح نفسه لو وجدناه قد ابتعد عن هذه الأفكار». تلك الأفكار التى أحبها العديد من الشباب الملتزم هى نقلة فى حياة الشاب السلفى المصرى، بين الصورة التقليدية للعالم الفقيه وطالب العلم الشرعى، وبين صورة جديدة قدمها حازم صلاح أبوإسماعيل، إذ أنه هنا يقوم بدور رجل السياسة ذى الخلفية الشرعية، وله برنامج وتصور، ويجيد التحدث إلى العامة بلغة بسيطة، وهو نموذج جديد على هذه الفئة من الشباب. وتتبنى «حازمون» بشكل واضح هذا النهج، إلى جانب تبنيها المواقف الثورية تماشيا مع نهج الشيخ أبوإسماعيل، لكن هذه النبرة الثورية تدفع شخصا مثل المقداد جمال أن يقول: «لأننا ثوريون فنحن نرفض أن يؤسس الشيخ حزبا ويتحول مصيره إلى حزب النور الفاشل، وإذا ما اتخذ هذه الخطوة فسنقف ضد هذا القرار، فنحن لدينا أمل أن نكون حركة ثورية قادرة على تصدير الثورة.. وبالطبع هذا لن يحدث إلا بنجاح ثورة يناير نفسها».
حركة «حازمون» التى ظهرت فى نوفمبر الماضى، تلاها أسماء حركات أخرى من أشهرها «لازم حازم» التى قادها الشيخ جمال صابر فى إبريل الماضى على خلفية ما أثير فى ذلك الوقت عن جنسية والدة أبوإسماعيل، وتصدى لهذه لقيادة حملة لازم حازم الشيخ جمال صابر ومن معه من العناصر الفاعلة فى الحملة المركزية، لكن هناك من يراها حملة هشة ولا ترقى إلى مستوى الحركة الشعبية.
على هذا المنوال ينقسم مؤيدو الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل إلى القسم الرئيسى الممثل فى الكيان المتبقى من (الحملة المركزية لترشيح حازم صلاح رئيسا لمصر) وقسم آخر على نمط «حازمون» لحركات شبابية مؤمنة بالفكر الإسلامى الثورى، ومجموعات أخرى كانت متواجدة قبل إعلان حازم صلاح ترشحه الرئاسة، ثم انضمت لتأييده بعدها، إحدى هذه المجموعات على سبيل المثال هو «التيار الإسلامى العام» الذى ضم 11 كيانا أعلنوا تأييدهم للشيخ أبوإسماعيل، بعضها كيانات صغيرة، وأخرى ذات حضور أكبر مثل «الجبهة السلفية». يقول حسام أبوالبخارى ـ المتحدث الرسمى باسم التيار الإسلامى العام: «هذه الكيانات المكونة للتيار، أعلنت دعمها لحازم صلاح أبوإسماعيل وستشارك فى مشروعه القادم، ولا أخفى أن أحداث العباسية الأخيرة قد أحدثت خلافات بيننا، بعد الجدل المثار حول أهمية الاعتصام». كل هذه الكيانات لا تأتمر بأمر الشيخ، وهو ما حاول الشيخ توضيحه فى لقائه مع الإعلامى يسرى فودة حول أحداث العباسية حين ذكر: «المعتصمون هناك مستقلون، وليس لى عليهم من سلطان».
المقداد جمال كان ممثلا لحازمون فى «التيار الاسلامى العام»، لكنه يراه الآن كيانا نخبويا يضم مجموعات ليس لأغلبها تمثيلا قويا على الأرض، قائلا: «نحن من يتحرك منذ أحداث محمد محمود، ونحن من تلقفنا الأفكار الثورية ونعمل على نشرها والعمل بها، لذا نحن مختلفون».

خريطة متشابكة
تبدو الصورة معقدة لمن يحاول فك رموز مؤيدى الشيخ حازم أو من أطلق عليهم الإعلام «ولاد أبوإسماعيل» هناك أمور متشابكة كأن تجد على سبيل المثال فى موقع «المرصد الإسلامى لمقاومة التنصير» على الانترنت الذى يديره المهندس خالد حربى مقالا للمقداد جمال زميله فى «حازمون» أو أن تجد حوارا مع الدكتور حسام أبوالبخارى فى الموقع بصفته متحدثا عن «ائتلاف دعم المسلمين الجدد»، أو أن تجد مئات الصفحات على الفيسبوك تدعم الشيخ حازم صلاح، وبينهم من يدير أكثر من صفحة فى الوقت ذاته، وكل هذا يصنع زخما لدى الشريحة المهتمة بدخول هذه المواقع، وتداخلا بينهم. بعيدا عن ذلك فهناك كيانات أخرى تماما أيدت الشيخ، ليس لها صلة مباشرة بالدعوة منها على سبيل المثال «رابطة المحامين الاسلاميين».
أما الشريحة الأخيرة من المؤيدين فتضم أفرادا مستقلين أعلنوا دعمهم للشيخ حازم، حتى إن كان ذلك على عكس توجهات كيانات ينتمون لها، والمثال على ذلك استقالة الشيخ حسن أبوالأشبال من الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح قبل أسابيع احتجاجا على تباطؤها فى إعلان تأييدها لأبى إسماعيل، وكذلك أيد عدد من أعضاء حزب النور السلفى الشيخ حازم فى الفترة الماضية، رغم التوترات فى علاقة حزب النور بالشيخ حازم. وجميع هذه المجموعات تنتظر الآن المشروع القادم لأبوإسماعيل، حتى إن لم يكن الرئيس.

أحمد بروست: التغيير من البرادعى إلى الشيخ حازم
يتحدث أحمد إبراهيم الشهير بـ(بروست) بجدية عن اختياره دعم الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل طوال العام الماضى، ولا ينجح بروست فى السيطرة على عينيه الزائغتين قلقا من مفاجآت جديدة، إذ تلقى تهديدات بسبب عمله الحركى فى المسيرات والاعتصامات أثناء أحداث العباسية وبعدها، «الناس افتكرت إنى اتحبست بعد فض اعتصام العباسية، بس الموضوع اتحل بسرعة وخرجت».
يجلس على بعد أقل من 200 متر من مقر وزارة الدفاع بمدينة نصر، وفى هذه المرة لم يأت معتصما مثلما كان الحال فى اعتصام وزارة الدفاع بكوبرى القبة الأخير، إذ إنه ببساطة أحد سكان هذا المربع فى مدينة نصر، ويقول: «قبل الثورة أتذكر أنى كنت رقم 38 ألفا وكسور من الذين أعطوا توكيلات للبرادعى لتعديل الدستور فى 2010، كما شاركت فى الجمعية الوطنية للتغيير، لكن موقف البرادعى بعد الثورة وأداؤه الانسحابى دفعنى إلى الاهتمام بتجربة أبوإسماعيل الذى أبدى مواقف ثورية». ما يجمع البرادعى وحازم صلاح من وجهة نظره هو «حلم التغيير».
يعمل أحمد بروست الذى جاوز الثانية والثلاثين فى مجال تكنولوجيا المعلومات، واقترب من الشيخ حازم فى يوليو الماضى بعد بدء اعتصام 9 يوليو. «صديقى أحمد سمير ذو ميول سلفية وعضو فى ائتلاف دعم المسلمين الجدد، وقد اندهش لهذه النقلة فى ذلك الوقت، وقررنا أن نعمل سويا». حسبما يصف فإن تلك المرحلة كانت بداية تأسيس صفحة «كان فين أبوإسماعيل قبل الثورة؟»، ويوضح بروست: «كان لدى نفور من أن يسطو على الثورة من يتاجر بالدين». لكن ــ على حد قوله ــ فإن وجود برنامج انتخابى وخطة زمنية وتوافر مواد فيلمية للشيخ حازم صلاح تعود إلى التسعينيات، جعلته يراه بشكل مختلف، وبدأ فى دعمه بإخلاص حتى إن كان هو وأصدقاؤه ليسوا أفرادا فى الحملة الرسمية. ويعلق: «التقيت الشيخ حازم مرتين أو ثلاثة.. فى إحداها عرضت عليه مبادرات تتبنى دعمه، فقال: اعمل بالطريقة التى تجدها نافعة.. اقتناعى به دفعنى إلى طبع بوستراته على نفقتى الخاصة».
يتعامل بروست مع تلك المرحلة من العام الماضى على أنها مرحلة تاريخية، إذ تطورت صفحة «كان فين أبوإسماعيل قبل الثورة؟» إلى حركة «حازم لكل المصريين»، التى تعتمد على الطابع الشبابى فى استخدام الفيديوهات، والتوعية فى الشارع على نمط الحركات السياسية. أما المرحلة الأخيرة التى انتقل إليها بروست فكانت المساهمة فى تأسيس «حركة ثوار بلا تيار» وهى إحدى أهم الحركات التى قادت المسيرة إلى وزارة الدفاع ليلا وتدشين الاعتصام حتى تم فضه بعدها. اتهمت هذه المبادرة بأنها بتحريك من أنصار الشيخ حازم، لكن بروست يشرح: «كان الجميع ينظر إلى أنصار أبوإسماعيل المعتصمين فى التحرير على أنهم انتهازيون ولا يبحثون إلا عن مصلحة شيخهم، فى حين أن هناك قضايا اعتصموا لأجلها، وفجرتها قصة أبوإسماعيل والانتخابات الرئاسية، وكان قرار عودة أحمد شفيق إلى سباق الرئاسة مزعجا للجميع». لذا ساهم فى إبريل الماضى فى تأسيس «ثوار بلا تيار» من شباب يؤيد الشيخ حازم، وشباب من ألتراس أهلاوى، ومجموعة من شباب الإخوان، وشباب 6 ابريل (الجبهة الديمقراطية). كلهم كانوا فى الاعتصام إلى جوار كيانات أخرى من مؤيدى أبوإسماعيل، يصف بروست بحماس اعتصام العباسية بأنه كان «رسالة بأنه لم تعد هناك خطوط حمراء، وأن الحركة الاحتجاجية مستمرة».
فى صفحة «ثوار بلا تيار» على شبكة فيسبوك الاجتماعية شعار يقول: «أنا مصرى بحب بلدى. وغير تابع لأى حزب ولا جماعة. أنا لا إخوانى ولا علمانى ولا اشتراكى ولا سلفى. ولا ليبرالى ولا تابع لأى تيار سياسى أى حزب ولا جماعة وليس لى أى تيار سياسى. أنا بلا تيار وقررت أنى أشارك فى مستقبل بلدى». وهكذا يصف بروست نفسه أيضا. تلك الملامح الجادة والبنية الرياضية تقدم شخصا ذا مزاج عسكرى، وهو ما يعلق عليه بابتسامة تكاد تكون الوحيدة التى أبداها خلال الجلسة: «والدى كان ضابطا فى القوات الجوية، زى مبارك وشفيق، بس فيه فرق كبير». ينتقد فى حديثه سلوكيات الشباب السلفى المحافظ الذى يطوف حول شيخ واحد، ولا يرغب فى أن يرى أبوإسماعيل مستقبليا فى مثل هذا الموقف، موضحا أن اعتصام العباسية كان على مسئولية الثوار، لأنهم لا يأخذون أوامر من الشيخ.
بعد حوالى عام مع الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، يجد الطريق يأخذه ناحية مزيد من الثورة، متبنيا بعض أفكار من الشيخ حازم، دون أن يقتصر عليها.
سنحيا كرامًا من بورسعيد
على أغلب بوسترات الشيخ حازم صلاح التى غزت الشوارع قبل عدة أشهر عبارة شهيرة تقول: «سنحيا كراما»، هذه العبارة اجتذبت محمد لهيطة فى مدينة بورسعيد كى يحولها إلى حركة شعبية قائمة على أفكار الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، يقول عن ذلك: «ليس ضروريا أن ألتقى الرجل وجها لوجه أو أن أكون من المقربين منه فى القاهرة حتى أقوم بهذه المبادرة، أنا أبحث عن المشروع وليس الشخصية، وقد كنت أعمل مع زملائى فى حملته للرئاسة، وفى بالنا أننا سنكمل كحركة شعبية، وعندما لم يتمكن الشيخ من الترشح للرئاسة، بقينا مستمرين كما نوينا فى البداية».
لا يستطيع لهيطة أن يحدد رقما لعدد أعضاء مجموعته، فانتشارهم غير قائم على كيان مؤسسى، الصفحة على الانترنت تضم 1000 شخص، ومجلس إدارة الحركة يضم 15 فردا هو أحدهم، ولا يخجلون من طلب معونة إحدى المجموعات الإسلامية الأخرى فى أى نشاط يقومون به.
يعمل محمد لهيطة فى مجال ضبط الجودة داخل مؤسسات ومصانع المدينة، كما ضمت الحركة أبناء محافظات أخرى مجاورة، ومهمتهم نقل رسالة الشيخ حازم ورؤيته الشرعية لممارسة السياسة، من خلال مسيرات، أو أن ينموا مجتمعاتهم عبر ورش تدريبية.
رغم تأييدهم لحق الشيخ حازم فى الترشح للرئاسة، واعتبارهم ما تعرض له محاولة للإقصاء إلا أنهم لم يجدوا فى اعتصام العباسية وسيلة جيدة لتحقيق الأهداف المرجوة منه، وبعيدا عن العاصمة تسير الأمور حسب قواعد أخرى، خاصة فى محافظة بورسعيد التى تعرضت لضغوط من الجماهير فى الفترة الماضية بعد أحداث مباراة الأهلى والمصرى الدامية، إذ يعتمد العمل على التعاون على مجموعات أخرى مثل: شباب حزب النور، وشباب الإخوان المسلمين، و6 إبريل «الجبهة الديمقراطية» الذى يملك لهيطة أقرباء فى داخلها، ومن هذا الاختلاط، استعارت «سنحيا كراما» فكرة رسم الجرافيتى على الجدران للتعبير عن مواقفها. يقول محمد لهيطة عن ذلك: «فى النهاية نحن لا نخضع كحركة لفكرة السمع والطاعة، ونؤمن باجتهادات وآراء شخص مثل حازم صلاح الذى كنا نطمح أن يكون رئيسا، لكن الأفكار ستبقى، وهذا دورنا».
رجل السياسة الشرعية
قضى الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل فترة من حياته فى العمل العام إلى جانب نشاطه فى الدعوة الإسلامية، وشارك منذ الثمانينيات فى تناول قضايا اتخذت الطابع الحقوقى مثل مقاومة لائحة اتحاد طلاب الجامعات ومصادرات جريدة الأحرار. وعلى الموقع الرسمى لحازم صلاح، يسجل محبوه اهتمامه بالعمل السياسى بدءا من مساندة والده فى حملات ترشحه لانتخابات مجلس الشعب، إلى أن خاض التجربة بنفسه فى برلمان 2005 التى خسر فيها أمام الوزيرة آمال عثمان.
بعض المراقبين يقارنون بين النبرة الجماهيرية التى يستخدمها أبوإسماعيل، والنبرة الناصرية، إذ خرجت من تصريحاته «كليشيهات» وشعارات مثل: «سنحيا كراما، وأدركوا اللحظة الفارقة». وهذا أداء جديد على شيوخ السلفية الأكثر ارتباطا بالعلم الشرعى والدعوة، وهنا لا نتعجب حين نجد أنصار أبوإسماعيل يستخدمون لقب «الأستاذ» أحيانا بدلا من «الشيخ». هذه الفكرة يعبر عنها الدكتور طارق عبدالحليم ـ أحد شيوخ المهجر ـ فى مقال بعنوان: «فى السياسة الشرعية.. مثال الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل»، فهو لا يراه رجل الفقه التقليدى ـ أو النموذج الشهير لدى الجماعة السلفية للفقيه وطالب العلم الشرعى ـ بل يراه «رجل السياسة، المسلم صاحب العلم»، الذى يتعرض لجمهور آخر، وغايته تختلف عن غاية الفقيه، لأنه يتحدث إلى «العامة» ولديه خطاب جماهيرى قريب من قضايا الحركات الثورية التقليدية، بل وأعطى شرعية للعمل الحركى فى المسيرات والاعتصامات، مع التأكيد على ضرورة تطبيق الشريعة.

Sunday, May 13, 2012

قصور لها منافع أخرى

يحمل تاريخ مدرسة النقراشى الإعدادية «بنين» بحى حدائق القبة قصة عن نجيب باشا شكور الذى تبرع بقصره لتأسيس المدرسة فى العام 1947، أما اليوم فلن يجد طلاب المدرسة أثرا لهذا القصر بعد هدمه وإقامة مبنى ضخم قبل سنوات. ليست تلك هى الحالة الوحيدة، إذ تحولت بعض القصور إلى مبان فى مدارس مثل مدرسة أسماء فهمى بالجيزة التى استغلت أحد قصور العائلة المالكة، وكذلك قصر الأمير سعيد حليم الذى تحول فى فترة سابقة إلى المدرسة الناصرية. أما حول مدرسة النقراشى الاعدادية فما زالت هناك بقايا فيللات ومبان ذات طراز معمارى متميز، وفى داخل إحداها يروى إبراهيم ظريف أحد قدامى سكان المنطقة قصة قصر منصور نجيب شكور فى عبارة مختصرة: «حاول الورثة استرداد القصر من وزارة التربية والتعليم، ولم يفلحوا، وتم هدمه بعدها لتوسعة المدرسة». لم يتبق من سيرة نجيب باشا شكور أحد مؤسسى حى حدائق القبة فى بداية القرن الماضى سوى اسم شارع فى هذه المنطقة، بينما يظل عدد من الفيللات والقصور الأخرى فى حيازة أصحابها دون قدرتهم على هدمها، إذ يحظر قانون 144 لسنة 2006 «الترخيص بالهدم أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز أو المرتبطة بالتاريخ القومى أو بشخصية تاريخية»، ولا يعيق هذا القانون تأجير أو بيع المبنى.
أما الدكتورة سهير حواس، رئيسة الإدارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى، فترى أنه لا توجد أزمة فى إعادة استخدام القصور التاريخية أو المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، بل تحبذ ذلك قائلة: «يجب أن يتم استغلال تلك المبانى بطريقة علمية، إذ إن ذلك موجود فى الغرب حيث نجد مبانى أثرية تستغل كفنادق سياحية، المهم هنا هو التعامل الجيد مع المبنى، وقد كان لدينا نموذج جيد فى القصور الملكية التى تحولت إلى قصور رئاسية فى العهد السابق، وكذلك فى القصور التى استخدمت كسفارات، فهذه النماذج نجحت فى إحياء تلك المبانى، لأن المسألة ليست فقط فى الصيانة، لكن فى أمر آخر هو أن استغلال المبنى هو جزء من الحفاظ عليه وذلك من الناحية الهندسية». أحد الشروط التى تؤكد عليها الدكتورة سهير حواس فى استغلال القصور والمبانى ذات الطراز المتميز هو ألا يبتعد الاستخدام عن خلفية المبنى التاريخية فحتى إن كان هناك قصر داخل محيط مدرسة، فيمكن استخدامه فى تعريف الطلبة بجمال العمارة وتعويدهم عليها. وتضرب مثلا آخر بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقى الذى تم استغلال منزله «كرمة ابن هانئ» مع الحفاظ على تفاصيله القديمة، واستغلاله فى إقامة أنشطة ثقافية ملائمة لماضى أمير الشعراء، وهناك نماذج أخرى استغلت فيها القصور بناء على قرار جمهورى، وهو ما حدث عند إنشاء مكتبة مصر العامة «مبارك سابقا»، إذ تم استغلال قصر الطحاوى على النيل فى الجيزة بعد صدور قرار جمهورى فى ديسمبر 1992. بعض تلك القصور دخلت إلى تبعية المجلس الأعلى للآثار بعد أن بدأت بالفعل نشاطها مثل قصر الأميرة سميحة ابنة السلطان حسين كامل (حاكم مصر من 1914 إلى 1917)، إذ كانت الأميرة سميحة مهتمة بالفن والثقافة، وتجيد الرسم والنحت، وظلت بقصرها حتى وفاتها فى الثمانينيات. وذكر المهندس محمد مصطفى صالح استشارى المشروع فى مجلة عالم البناء (العدد 132 ـ يونيو 1992) أن تاريخ المبنى يعود إلى العام 1900، واختارت الأميرة بنفسها زخارف ذلك القصر الذى تحول إلى مكتبة القاهرة الكبرى فى العام 1992، وتم تسجيله كأثر فى العام 2001.
فى قائمة سجلات جهاز التنسيق الحضارى العديد من المبانى ذات الطابع المعمارى المتميز بعضها مهجور وآخر مأهول بالسكان، وهناك مبان تم استغلالها فى أغراض تجارية كأن تقوم بعض البنوك بتأجيرها وتحويلها إلى فروع لها. وحسب قانون التنسيق الحضارى لسنة 2008 «فإن من مهام جهاز التنسيق الحضارى إعداد أسس وضوابط الحفاظ على المناطق والمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز، كما يجوز للجهاز اقتراح نزع ملكية بعض العقارات من أجل المنفعة العامة». ورغم تلك الصلاحيات فإن الواقع يسير بشكل آخر تماما، إذ تظل سلطة إصدار تراخيص الهدم والبناء بيد مهندسى المحليات، وليس لدى جهاز التنسيق الحضارى أى سلطة لمنع الهدم أو محاسبة المخالفين فعليا. ويرى الدكتور محمود عباس أحمد ـ رئيس الإدارة المركزية لآثار العصر الحديث بالمجلس الأعلى للآثار ـ أنه لا بد من إنشاء هيئة لإدارة القصور الملكية على وجه الخصوص، وكذلك بعض القصور والمبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، ويكمل شارحا: «مثل هذه الهيئة ستنزع القيود التى قد تمنعنا من التصرف فى هذه المبانى واستغلالها». بعض القصور التاريخية ما زالت تحت تصرف وزارات من أشهرها قصر الزعفران التاريخى الذى ما زال يعمل كمبنى لإدارة جامعة عين شمس، ويوضح الدكتور محمود عباس: «البعض يعتقد أن تسجيل القصور والمبانى ضمن الآثار لابد أن يكون بعد مائة سنة على تأسيسه، لكن الأمر له أبعاد أخرى لها صلة بتاريخ المبنى وشخصيته، إضافة إلى جماليات زخارفه وقيمته المعمارية، وعلينا فى البداية أن نبدأ بالقصور الملكية».

Wednesday, May 9, 2012

La diva, version numérique أحمد الصاوي .. موسيقى مصرية بأصابع الكترونية



Musique . L’expérience de penser les chansons de la diva Oum Kolsoum en numérique tentait Ahmad Al-Sawi depuis longtemps. Il a usé de tous les moyens pour en faire une œuvre très moderne et très égyptienne dans l’âme.
Ahmad Al-Sawi ne cache pas l’admiration qu’il voue à la musique égyptienne, indépendamment de la large palette de la musique arabe. « Par exemple, le mode sika en Egypte diffère totalement de celui en usage en Iraq », indique-t-il, en fredonnant les deux airs. Ahmad Al-Sawi joue une musique égyptienne contemporaine en utilisant les différentes technologies de pointe, qui se présentent comme étant l’élément incontournable de ses œuvres. Son dernier concert, donné ces derniers temps sous l’intitulé Oum Kolsoum en numérique, Oum Kolsoum à l’infini, s’inscrit dans le cadre d’un projet de musique électronique parrainé par Prohélvetia, l’institut culturel suisse au Caire. Nahla Matar, professeure à la faculté de pédagogie musicale et coordinatrice du projet, explique : « Le spectacle ne repose pas seulement sur le mélange de plusieurs musiques en incorporant celle d’Oum Kolsoum. Il s’agit plutôt d’une interprétation numérique de la musique de la diva ». Les responsables de ce projet ont posé une question restée sans réponse : Comment Oum Kolsoum aurait-elle pu utiliser la technologie moderne ? Car le concert donné à l’issue du projet était uniquement représentatif des expériences de chacun des participants.
Ahmad Al-Sawi a choisi le café intello Al-Nadwa al-saqafiya (le colloque culturel) au centre-ville pour se produire. Il a commencé son discours sur la musique numérique en disant : « Aujourd’hui, les programmes informatiques exécutent les sons de tous les instruments musicaux. Voire, vous avez pleinement la possibilité de créer par vous-mêmes le son musical que vous recherchez. De là émane l’importance de l’étude de la musique et de la science des sons. Il est également important dans ce contexte d’avoir une bonne connaissance du monde de l’industrie de la musique instrumentale qui diffère de celui du marché des chansons pop ou traditionnelles ».

Ahmad Al-Sawi a effectué des études à l’Institut de la musique arabe puis a décroché une bourse pour étudier la musique digitale en Suisse. « A l’Institut, on s’entraînait sur certaines pièces musicales d’Oum Kolsoum. Il y a des aspects dans son œuvre que je connais parfaitement bien. Les solos par exemple se basent toujours sur une composition bien étudiée et non sur l’improvisation. Il s’agit là d’un aspect auquel j’ai voulu m’attaquer », précise-t-il.

Un groupe d’artistes a tenté d’intégrer le monde de la diva. Al-Sawi, ayant grandi dans le quartier d’Al-Gamaliya sur les airs des chants religieux du cheikh Mohamad Omrane, a d’abord introduit la voix d’Ibrahim Al-Faran, l’un des plus anciens chanteurs de louanges. Ensuite, il nous a fait découvrir la voix du cheikh Walid Chahine, improvisant une célèbre phrase musicale d’Oum Kolsoum, Bérédak ya khaléqi (avec votre grâce, Seigneur). L’aspect électronique s’est révélé dans le jeu du violon électronique, de l’orgue et des rythmes préparés au préalable. Cependant, l’esprit de l’œuvre est allé bien au-delà pour embrasser une musique proche du jazz. Ceci s’est manifesté clairement dans le jeu de l’accordéoniste alexandrin Waël Al-Sayed, qui passait des phrases musicales des chansons d’Oum Kolsoum, aux variations du jazz et aux solos orientaux. Au même titre, ceci est apparu dans le passage des rythmes occidentaux électroniques et ceux du zikr (évocation de Dieu). Dans la dernière partie du concert, Al-Sawi a interprété sur l’orgue une phrase musicale de l’introduction de la célèbre chanson d’Oum Kolsoum Enta Omri (ô toi ma vie), accompagnée d’improvisations de jazz. De quoi mener à une sorte de discorde entre l’arrière-plan musical et Oum Kolsoum. L’artiste a refusé de considérer cette discorde comme un « étouffement » d’Oum Kolsoum, la décrivant comme un prolongement ou un aboutissement, mêlant le classique au contemporain.

Entouré par les artistes du mouvement artistique libre, Ahmad Al-Sawi ne cache pas sa déception due au renoncement de certains artistes à leurs ambitions faute de financement et d’espace. Il précise : « La troupe West Al-Balad est la seule à avoir réussi à se faire une place sur le marché musical tout en préservant sa personnalité ». Depuis le début de l’année, Al-Sawi a sillonné plusieurs pays pour présenter sa musique alors qu’il n’a donné que très peu de spectacles en Egypte. Mais pourquoi cette musique ne réalise-t-elle pas d’essor commercial ? Il répond : « Personne ne gère vraiment le marché musical. Raison pour laquelle j’ai eu recours à la composition vocale de plus de 200 documentaires ». L’isolement auquel il a été condamné s’est répercuté sur sa vie privée. Les amis refusent parfois de tenir les répétitions dans leurs appartements pour éviter de déranger les voisins. De même, il a été obligé de faire des études de droit pour faire plaisir à son père.

La composition des pièces musicales peut paraître facile avec les nouvelles technologies, cependant, pour les adeptes du mouvement artistique indépendant, cela devient synonyme d’isolement artistique. « La musique numérique ne représente pas la totalité de mes œuvres. Je suis passé par plusieurs expériences avec mes collègues de la troupe Al-Mousséliya ». Al-Sawi ne se limite pas à la musique numérique, mais va plus loin pour revenir toujours au thème de la musique égyptienne. Pour lui, c’est une quête de soi.


Abdel-Rahman Moustapha

أحمد الصاوي .. موسيقى مصرية بأصابع الكترونية

كتب - عبدالرحمن مصطفى
لا يخفي أحمد الصاوي فخره بالموسيقى المصرية تحديدا من بين أنواع الموسيقى العربية المتنوعة. "على سبيل المثال .. مقام السيكا في مصر يختلف عنه في العراق" . يضرب هذا المثال مستعينا بصوته في شرح فكرته عمليا. يقدم الصاوي خريج المعهد العالي للموسيقى العربية " الكونسير فتوار " موسيقى يرى انها "مصرية معاصرة " لكنه يغامر بمزجها بإمكانيات برامج الكمبيوتر المتخصصة كجزء أصيل من أعماله، و في عرض "أم كلثوم ديجيتال - أم كلثوم لا تنتهي" المقدم بدعم من بروهلفستيا "المؤسسة الثقافية السويسرية بالقاهرة يقدم الصاوي تنويعة استغل فيها تلك الأدوات. فيما ترى الدكتورة نهلة مطر الأستاذ المساعد بقسم النظريات والتأليف فى كلية التربية الموسيقية، ومنسقة العرض أن العمل من الناحية الموسيقية لم يعتمد على مزج عدة أنواع من الموسيقى وإدماج أم كلثوم داخلها، بل اعتمد على فرضية تقوم على امكانية " تناول موسيقى أم كلثوم من زاوية الفكر الرقمي ".
واجمالا طرح القائمون على المشروع سؤالا هو : "كيف كانت أم كلثوم ستتعامل مع التكنولوجيا الحديثة في موسيقاها ؟"، لكن العرض لم يقدم إجابة حقيقية، وانما قدم رؤى الفنانين المشاركين فيه.
الصاوي في لقاء جمعه وعدد من الفنانين المستقلين بمقهى " الندوة الثقافية " بوسط القاهرة، تحدث عن الموسيقى الرقمية كمدخل لشرح مشروعه قائلا: "أصبحت برامج الكمبيوتر تقدم أصوات كافة الآلات الموسيقية، بل يمكنك صنع الصوت الذي تريده بنفسك، وهنا تظهر أهمية دراسة الموسيقى، وكذلك المعرفة بعلم الأصوات، وأهمية الإلمام بصناعة الموسيقى الخالصة، المختلفة عن الأغاني والمقطوعات التقليدية".
قبل سنوات تخرج الصاوي في معهد الموسيقى العربية، وحصل على منحة درس فيها الموسيقى الرقمية بسويسرا، زادت من تعلقه بالموسيقى الشرقية أو كما يضرب المثال بأم كلثوم قائلا "بالنسبة لسيدة الغناء العربي كانت بعض مقطوعاتها مساحات للتدريب في معهد الموسيقى، وهناك ملامح أعرفها جيدا في أعمالها مثل أن يكون العزف المنفرد للآلات ملحنا، وليس ارتجالا، وهذا ما أردت الاشتباك معه".
أثناء العرض واصل بقية المشاركين المضي في المغامرة الى حدها الاقصى ، فالصاوي الذي نشأ في حي الجمالية على إنشاد الشيخ محمد عمران، استعان في بداية العرض بصوت ابراهيم الفران أقدم المنشدين الذين وصل صوتهم الينا مسجلا .، منتقلا بعدها إلى صوت الشيخ وليد شاهين بجملة من العمل الشهير لأم كلثوم "برضاك يا خالقي" مع ارتجالات على هذه الجملة اللحنية استغلت حضور صوت شاهين في هذا المقام ، مع تضفير الكتروني استخدم آلات مثل الكمان الكهربائي، والأورج، والإيقاعات المجهزة سلفا. إلا أن روح العمل لم تعتمد على ذلك فقط، بل على تيمات وارتجالات قريبة من موسيقى الجاز، وهو ما اتضح لدى عازف الأكورديون السكندري وائل السيد أثناء انتقالاته بين جمل من أغاني أم كلثوم، بدت أقرب الى تنويعات من موسيقى الجاز، تتعانق مع التقاسيم الشرقية.،و ظهر ذلك في الانتقالات الناعمة بين الايقاع الغربي الالكتروني وإيقاعات الذكر. في المرحلة الأخيرة من العرض ظهرت جملة من مقدمة أغنية إنت عمري بتنويعات أكثر صراحة في ذهابها الى تيمات موسيقى الجاز حيث لعب الصاوي على الأورج بتميز لافت أعطى انطباعا بأن هناك اشتباكا بين خلفية العازفين الموسيقية و أم كلثوم، وهو ما رفض الفنان وصفه بقمع أم كلثوم، معتبرا إياه نوعا من التواصل بين ما هو كلاسيكي وما هو معاصر.
في حديثه لم يخف الصاوي ضيقه من أن بعضهم يتنازل عن طموحاته بسبب نقص الامكانات المالية، ونقص المنابر الثقافية التي تعرض أعمالهم، " في اشارة الى فناني جيله المتحلقين حوله في المقهى . يشير الصاوي الى أنه في هذه المعادلة لم ينجح سوى فرقة وسط البلد التي حققت تواجدا في سوق الموسيقى دون أن تخسر شخصيتها".
طوال هذا العام طاف الصاوي عدة بلدان بموسيقاه، وهو ما لم يتحقق في مصر سوى في عروض لا تعد على أصباع اليد الواحدة، لماذا لا تحقق تلك الموسيقى رواجا تجاريا؟ يجيب : "ليس هناك من يدير بالفعل سوق الموسيقى، لذا لجأت إلى التصميم الصوتي لأكثر من 200 فيلم تسجيلي". غربة مثل هذه التجربة انسحبت إلى الحياة الشخصية، في مواقف يقف فيها الناس أحيانا ضد إعداد البروفات في شقق الأصدقاء منعا للازعاج، وتبدو الغربة في اضطراره إلى دراسة الحقوق إرضاء لوالده بعد دراسة الموسيقى.
قد تبدو القدرة على إنتاج مقطوعات موسيقية أمرا بسيطا مع وجود التكنولوجيا الحالية، إلا أن ذلك في مفهوم عديد من أبناء الحركة الفنية المستقلة مساويا للعزلة والانقطاع عن تجارب زملائهم. كان ضمن ذلك ما شهده العرض من مادة فيلمية كانت ملحقة بالعرض الموسيقى، لفنان المالتيميديا السويسري جان لوك مارشينا . ورغم أن الفيديو قد صنع تشتيتا بسبب عدم التكامل بين تفاصيل الفيديو والموسيقى، وهو ما أرجعه الفنان السويسري إلى انفصاله عن تجربة الاعداد الموسيقى أثناء تجهيز العرض، إلا أن المشاركين رأوا في التجربة فرصة لاختبار مهارات جديدة. "الموسيقى الديجتال ليست أساس أعمالي، هناك تجارب سابقة خضتها مع زملاء في فرقة الموصلية". لا يتوقف الحديث مع الصاوي عند حد الموسيقى الديجيتال، بل يتجه دائما إلى استخدام تعبير "الموسيقى المصرية" واصفا تعامله مع كافة ألوانها، برحلة البحث عن الذات.

Thursday, May 3, 2012

من لم يعرف الجذام لا يعرف كاريتاس !

جوار مسجد القرية اجتمع أفراد من أهالى العزبة مع فتحى عبدالمعبود، الذى أصبح أبا فى التاسعة والثلاثين من عمره ويعمل كيميائيا فى أبى زعبل، ودار الحديث حول علاقتهم بمركز «كاريتاس» ومستقبله فى المنطقة. تحدث يوسف، وهو أحد الشباب المتحمسين الذى نشأ فى المنطقة لأب مصاب بالمرض، عن الخطوة الأخيرة فى علاقة هذه المجموعة بكاريتاس، وقال: «قدمنا بلاغا إلى النيابة وأغلقنا المركز الاجتماعى بالسلاسل حتى لا نتهم بإتلاف المكان أو السطو عليه، وذلك لأننا نرى أن الجمعية قد ابتعدت عن أنشطتها الأصلية». تعمل جمعية «كاريتاس» فى مصر منذ عام 1968 بمجالات متعددة إحداها هو مساعدة مرضى الجذام، وأسست المركز الاجتماعى الصحى فى العام 1980، فى منطقة أبوزعبل (18 كم من القاهرة) حيث يضم المركز: حضانة لأبناء المرضى وفصول تقوية ومشغلا وفصول محو الأمية وناديا للشباب ومستوصفا. وأثناء تلك الفترة كان شعار الجمعية هو عدم التمييز بين المستفيدين من خدماتها على أساس اللون أو الجنس أو الدين ــ حسب مجدى جرس، مدير عام مساعد فى جمعية «كاريتاس»، الذى ذكر أن ما حدث للمركز الاجتماعى والصحى من بعض أبناء العزبة لا يمثل الجميع، إذ إن هناك مستفيدين من خدمات المركز، ويعلق قائلا: «بعد الثورة وازدياد النبرة الاحتجاجية فى المجتمع، بدأت المناوشات والتهديدات من بعض الأفراد، وأشاعوا معلومات غير صحيحة عن المكان».
تعود بداية القصة إلى الأسابيع القليلة قبل الثورة فى عام 2010 حين بدأ بعض من رواد نادى الشباب بكاريتاس فى الاحتجاج على إنشاء مبنى جديد داخل المركز، وكان ذلك على خلفية توقف بعض خدمات المركز مثل الورشة ومحو الأمية نتيجة عدم الإقبال والمشاكل الإدارية، وتناقل البعض وقتها أن هناك نية لجعل هذا المبنى الجديد دارا لإقامة الراهبات العاملات فى خدمة مرضى الجذام، وانتشرت ترجيحات نقلها أحد المواقع الالكترونية أن ذلك تمهيدا لإنشاء دير فى المنطقة، وهو ما نفته الإدارة تماما ووصفته بالتحريض ضد أنشطتها. وعلى مدار عام ونصف دارت مساجلات بين تلك المجموعة من الأهالى وإدارة كاريتاس، يعلق مجدى جرس، مدير عام مساعد الجمعية: «تفهمنا هذه النقطة مبكرا ووجدنا أن فكرة إقامة سكن داخل المركز الاجتماعى غير مناسب، ودائما ما نحاول النظر إلى الأمور بإيجابية بحثا عن الاستمرارية دون الالتفات إلى ما يحدث من معوقات».
يقوم حاليا أحد مرضى الجذام المتعافين على حراسة المكان، وما زالت تحتفظ ملامح الرجل بآثار المرض، ويذكر قائلا: «أعمل على حراسة المكان ورى الحديقة، حتى نجد حلا للموقف». هذا الواقع الحالى يختلف تماما عن ماضى تلك المنطقة، حين أسست الحكومة المصرية فى عام 1932 مصحة للجذام فى مكان معزول، وكانت القوانين تسمح بضبط المريض وتسليمه للمصحة تحت هاجس انتشار العدوى، ويؤكد مجدى جرجس أن أحد أهم منجزات «كاريتاس» هى رفع الوصم عن هذا المرض، وتوفير العلاجات اللازمة مع وزارة الصحة ودعم المجتمع الذى تكون فى «قرية قدامى المرضى». هذا المجتمع يتجاوز تعداده اليوم نحو 5000 نسمة، حسب تقديرات العاملين هناك. المنزل الحالى الذى يقيم فيه فتحى عبدالمعبود كان على أيام والده طينيا بسيطا لكنه أصبح اليوم مكونا من طابقين، وفى حجرة المعيشة اجتمع عدد من زملاء الشيخ فتحى. كان اثنان من أصل ثمانية فقط هم من المتعافين، أما البقية فهم من أبناء الجيل الثانى الذين ولدوا أو جاءوا صغارا مع أسرهم، وأغلبهم يدير أعمالا خاصة أو يعمل فى المصانع المجاورة. أحدهم هو يوسف الشاب «الملتزم» ذو النبرة الحماسية: «عن نفسى لم أستفد شيئا من المجتمع القديم فى المنطقة، فأنا لست مريضا كى أذهب إلى المستشفى، وأستطيع الاعتماد على نفسى الآن».
فى فترة المراهقة كان يوسف وفتحى يشاركان فى بعض معسكرات «كاريتاس» لأبناء المجذومين، لكنهما ابتعدا عن أنشطة الجمعية «بعد التزامهما النهج الدينى»، ويرون أن خلفية كاريتاس لا تلائم نزعتهما الإسلامية، وهى الأزمة التى لا يواجهها كثير من السكان الذين يودعون أطفالهم فى دار الحضانة بالجمعية دون قلق.
«هذه الرغبة فى الاستغناء عن أنشطة كاريتاس ليست لدى جميع سكان القرية الذين ما زالوا يحصلون على خدمات منها»، العبارة لخالد أمين المتعافى من الجذام، الذى يصف الموقف الحالى قائلا: «مبدئيا فالموضوع ليس له علاقة بإقامة الراهبات أو تواجدهن، فأنا قد نلت علاجا بأيديهن، ولهن كل التقدير فى هذا المجتمع الصغير، لكن هناك أسباب أخرى، أهمها خصوصية المكان، فأحيانا لا تحصل على دعم حكومى حين يقال لنا: لديكم كاريتاس هى من يقدم لكم الدعم، أو حين نفكر فى إنشاء مركز شباب بديل لنا، يقال لديكم نادى الشباب فى مركز كاريتاس الاجتماعى، أرى أننا أصبحنا مجتمعا جديدا، يختلف عن السابق».
وفد خالد أمين إلى مستشفى الجذام قبل 12 سنة، لكنه اختار الزواج والإقامة فى العزبة، وحسب أحد الأهالى فإن هناك «صلات نسب عديدة بين السكان منذ سنوات، أوجدت مجتمعا جديدا متآلفا مع تاريخه».
قبل عام تقريبا طالبت هذه المجموعة الإشراف على أنشطة المركز الاجتماعى لكاريتاس، ويعلق مجدى جرس على ذلك قائلا: «نحن نعمل وفق لوائح مؤسسية، ونخضع لإشراف عدة جهات حكومية، وكل إجراء يتم بترخيص، وفى النهاية نحن مؤسسة لا يمكن أن يأتى فرد ليطلب المشاركة فى إدارتها بهذا الشكل الإجبارى، خاصة أن هذا المشروع جزء من أعمال أخرى خدمية تقوم بها الجمعية فى محافظات مختلفة».
قبل شهر حدث تصعيد بين هذه المجموعة الباحثة عن الاستقلالية وإدارة المركز، وجرى إغلاق المركز وتقديم بلاغ إلى الشرطة تحت دعوى أن المركز لا يمارس جميع مهامه وأن هناك نية لتغيير نشاطه، ويعيش الجيل الثانى من أهالى قرية مرضى الجذام فى أعمار الثلاثينيات والأربعينيات، ويسعون إلى فرض واقع جديد وإزاحة ماضى الجذام عن القرية، وهو ما دفعهم إلى الاصطدام بكاريتاس، معتبرين دور الجمعية فى تنمية المكان قد انتهى، ويسعون إلى إيجاد أدوار جديدة لهم.
هنا لا يخفى مجدى جرس مرارة فى حديثه قائلا: «صنعنا تحولا فى هذه المنطقة، وكنا وما زلنا حريصين على تقديم خدماتنا لمرضى الجذام، وذلك من خلال اتفاقيات مع الجهات المختصة، وأرجو من الجيل الجديد الذى لم يعش تجربة مرض الجذام ألا يمنعنا من مهمتنا».

Tuesday, May 1, 2012

الترامادول.. مـزاج الليل وآخره !!



عبدالرحمن مصطفى
فى الساعة الواحدة صباحا ينخرط أحمد شوقى فى عمله داخل مقهى الإنترنت حيث يعمل منذ ثمانى سنوات، يبدأ العمل فى التاسعة مساء حتى التاسعة صباحا من اليوم التالى، فى تلك الأثناء يحرص على طقس يومى، يتناول قرصا من «الترامادول» من عينة 200 ملجم، أو من أى دواء قريب له يحمل نفس التأثير، مثل: تامول أو تيدول، وتبدأ رحلته اليومية. أسباب التعاطى يلخصها فى جملة واحدة: «هذا المحل أشبه بمدينة ملاهى، ولابد من شىء يجعلنى أتحمل كل هذا الضغط، وهو ما وجدته فى الترامادول قبل أربع سنوات». أحمد شوقى ــ وهو اسم مستعار حماية لخصوصيته ــ ليس وحده من يتعاطى الترامادول، فأحيانا ما يشاركه بعض زبائنه من الشباب، خاصة فى حالة وجود «الحشيش»، ولديهم نظرية حول ذلك تتلخص فى أن «الحشيش يدفع إلى الجبن، والترامادول يدفع إلى التهور، لذا فالاثنان معا يصنعان خلطة سحرية». بعد سنوات من الإدمان يعلم أحمد يدا أن نمط حياته هو سبب إدمانه، قائلا: «أنا طالب فى أحد المعاهد العليا منذ 9 سنوات، وفى الأغلب لن أتعافى من المخدرات بشكل عام إلا حين أترك هذا العمل وأبدأ حياة جديدة طبيعية، وسط أجواء أفضل». يختفى بعدها داخل مقهى الإنترنت بسبب وصول صاحب العمل، منتظرا عدة ساعات أخرى حتى يرحل صاحب العمل وينال حريته فى الحديث.
اخترق الترامادول فى السنوات الماضية عدة قطاعات، بدءا من الشباب المتعاطى لأسباب السهر، أو لإيجاد مزاج جديد مع نوع آخر من المخدرات، أو لاستخدامات جنسية حتى أصبح البعض يقدمه رشوة مصحوبة بالفياجرا!
وبعيدا عن مقهى الإنترنت حيث يعمل أحمد شوقى فى أطراف حى شعبى عريق، أوضح أحد سائقى التاكسى سبب استخدامه للترامادول، وهو تخفيف آلام الظهر التى أصابته من طول مدة قيادة السيارة، رغم إقراره بأنه يحصل عليه بصورة غير شرعية، ويشير إلى قدمه موضحا: «حين حاولت التوقف عن استخدامه، أصابتنى حالة هرش عنيفة فى قدمى، مثل أى مدمن»، لكن هذه الأعراض التى يتحدث عنها السائق، لها تفسير آخر عند الدكتور طارق نصار بحكم عمله لسنوات فى مجال علاج الإدمان، إذ يوضح أن: «البعض قد يصاب بالحساسية من تعاطى الترامادول، لكن الأخطر من ذلك هو أن يُصاب أحدهم بحالات تشنج أو بؤر صرعية فى الدماغ». هناك شرائح من أبناء المهن الليلة مثل رجال الأمن، ومصورى الأفراح، والسائقين، وغيرهم يستخدمون الترامادول بحثا عن النشاط والقدرة على السهر، والسبب فى ذلك أن القلق والتوتر هما اثنان من الأعراض الجانبية لهذا العقار الطبى، وهو ما يعطى إحساسا زائفا بالنشاط، كذلك فهو فى الأصل دواء مسكن للآلام لذا لا يشعر متعاطوه بما يبذله من جهد أو ألم، حتى إن البعض قد لا يشعرون بآلام أسنانهم أو مفاصلهم ويتأخرون فى علاجها. أما الشريحة التى اشتهرت باستخدامه فهم البلطجية ومعتادو الشجار، إذ تكفى خمس حبات لتجعل صاحبها فى حالة من التبلد والبلاهة، على حد وصف الدكتور طارق نصار. أما أحد أهم أسباب رواج الترامادول والتامول والتيدول فهو الثمن الرخيص، إذ يُباع الشريط من عشرين إلى ثلاثين جنيها، لكنها قد تزيد إلى خمسين، حسب صلة المتعاطى مع موزع المخدرات.
انظر حولك!
حول مقهى الإنترنت عالم صغير ينغمس فيه أحمد شوقى بكل حواسه، إذ يدير علاقات زبائنه، وينظم أوقات لعب الـ«بلاى ستيشن» ويشاركهم فى شرب الحشيش وتعاطى الترامادول: «أنا أعيش هنا أكثر مما أعيش مع أهلى، بمعنى أنى أستيقظ وأغسل وجهى هنا، وأجامل الناس فيجاملوننى، وهكذا أحصل أحيانا على ما أحتاج». هذه الصورة الوردية لا تجيب عن سؤال: من أين يحصل على هذا العقار المحرم الذى لا يتم صرفه من الصيدليات إلا بإجراءات معقدة؟ أحيانا ما يواجه أزمات، فالقواعد دائما تقول إن الغريب عن المربع السكنى يحصل على المخدرات بسعر أعلى، وهنا يواجه أحمد مشكلة جغرافية، إذ إنه ليس محسوبا على مربع سكنى بعينه، ما يدفعه إلى الاعتماد على أصدقائه وزبائنه كى يشتروا له معهم من أى موزع «ديلر» بسعر معقول، ويعلق على ذلك: «حتى لو خدعونى فى السعر، سأكون أنا الرابح، إذ سيتضاعف السعر إذا اشتريت بنفسى، كما أنى أريد أن أبتعد عن المخاطر».
عالمه ليس مقصورا على السايبر وزبائنه فقط، بل يمتد إلى المقهى البلدى الملاصق لمحل الإنترنت، إذ يشاركه بعض العاملين فى المقهى التعاطى، وحجتهم تتلخص فى منطق واضح: «طوال اليوم نقف على أرجلنا، وعلينا أن نركز فى عدد رصات الشيشة، ونراقب الزبائن، ولا يوجد حل سوى الترامادول». لكن هذه الحجج لا تفسر موقف زملاء لهم فى المقهى نفسه لا يتعاطون أى نوع من المخدرات.
وقرب الفجر يكون أداء هؤلاء العاملين «الِمترمِلين» قد وصل إلى أقصى درجات التوتر، حتى إن تسبب ذلك فى تصرفات غير مفهومة أو غير لائقة أو جمل استفزازية لزبائنهم المخلصين.. وأحد هؤلاء العاملين يمد أحمد شوقى بالترامادول، أما الحديث مع بعض زبائن المقهى فينعدم فيه الاحساس بالإدانة، لكن على جانب آخر تظهر قصص أخرى تنفى الصورة السعيدة التى قد يتصورها البعض عن مستخدم الترامادول، بدءا من السخرية من رجل سبعينى يستخدم الترامادول لأسباب جنسية، انتهاء بقصص بعض الباعة الذين اختفوا من الشارع بسبب افراطهم فى التعاطى، وانتهوا إلى اعتزال العالم وهم فى منتصف الثلاثينيات.
بعد آذان الفجر يخرج بعض الزبائن الشباب من مقهى الإنترنت إلى الصلاة، ويأتى آخرون ليبدأوا مباراة للبلاى ستيشن، ويقف أحمد شوقى أمام مقهى الإنترنت وقد بدت عليه أثار العصبية من الترامادول، ويطلق بعض العبارات تحمل تعميمات منها: «الشعب كله بيضرب ترامادول، لو مش عشان السهر، يبقى عشان الجنس». يدرك اللحظة الفارقة فى حياته، ويحددها بنهاية دراسته وانتقاله إلى عمل آخر وحياة جديدة، ويروى وهو الآن فى سن السادسة والعشرين أنه قبل عمله فى هذا السايبر كان شابا خجولا، لا يعرف الكثير عن الدنيا، ويقول: «هنا تعلمت كل شىء، المخدرات، وأنواع الموسيقى، والسياسة، وأصبحت أكثر قدرة على المواجهة». كل ما يطمح إليه هو أن يكون هذا العام النهائى لدراسته، أما الدكتور طارق نصار ــ المتخصص فى علاج الإدمان ــ فيقول: «جميع المراجع أجمعت على أن جماعة الأقران والأصدقاء غالبا ما تكون السبب فى تعاطى المخدرات، فابحث عمن حولك، حتى تفهم عاداتك اليومية».



فى موقع Tradekey للتبادل التجارى على الإنترنت، إعلان لإحدى الشركات المصرية تبدى فيه رغبتها فى شراء 200 كيلو جرام من المادة الخام للترامادول، ووضع المعلن رقم هاتفه.. فى الاتصال الأول، أنكر صاحب الرقم معرفته بالإعلان تماما أو معرفته باسم الشركة، لكنه عاد فى اتصال آخر ليوضح أن اسم الشركة الموجود على الموقع التجارى ربما تكون اسم الصيدلية التى كان يعمل بها سابقا، أما الصيدلية نفسها فقد نفت أى صلة بهذا الإعلان. وبالعودة إلى الموقع مرة أخرى تظهر إعلانات أخرى لشركات خارج القاهرة تطلب صفقات ترامادول خام، وأفراد آخرون تركوا أرقام هواتفهم مع عبارات بالإنجليزية من نوعية: «نحن نبيع الترامادول». أما صاحب الإعلان الأول الذى رفض ذكر اسمه، فقد قال إن هذه الإعلانات ربما تكون على سبيل التجربة ومعرفة أسعار السوق، نافيا أى صلة له بتجارة الترامادول. على أرض الواقع فإن استيراد الترامادول وإعادة تصنيعه فى مصر أشبه بمهمة مستحيلة، إذ إن صناعة دواء ترامادول تديره شركات كبرى مسجلة لدى وزارة الصحة، لكن ذلك لا يمنع حالات ضبطت فيها الشرطة تجارا استخدموا ترامادول خام وصنعوه فى عبوات مغشوشة لبيعها وسط المدمنين.
وتؤكد بيانات وزارة الداخلية أن أغلب كميات الترامادول المضبوطة قد دخلت مصر مهربة عبر الحدود، ويتم ترويجها عبر تجار وليس الصيدليات. وقبل أسابيع قليلة صرح وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم أن قد تم ضبط 200 مليون قرص ترامادول فى أسبوعين فقط، فى حين أن معدل التهريب لم يتجاوز الـ 100 مليون قرص فى إحدى السنوات السابقة.
«قبل حوالى 5 سنوات كان الترامادول موضوعا على الأرفف كأى دواء عادى، حتى أسىء استخدامه، وبعد قرار إدراجه فى جدول المخدرات لم أعد أتعامل معه نظرا لتعقيد إجراءات الحصول عليه، والأمر لم يعد يستحق العناء». العبارة للدكتور حسام موريس واصفا قلق بعض الصيدليات فى التعامل مع الأدوية التى تصنف فى جدول المخدرات ولها إجراءات معقدة للحصول عليها، رغم أنها أدوية طبية لها زبائنها من المرضى.
تبدأ قصة المواجهة الحقيقية مع الترامادول فى عام 2009 مع قرار وزير الصحة بإدراجه فى الجداول الخاصة بتنظيم تداول الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية، وهو ما دفع بعض الصيادلة وقتها إلى القلق من تداوله، فى حين كان البعض الآخر يحصل عليه من السوق السوداء، وهنا يظهر دور إدارة التفتيش الصيدلى فى وزارة الصحة لمراجعة ملفات الصيدليات، خاصة بعض القرار الأخير لوزير الصحة فى فبراير الماضى بنقل الترامادول إلى الجدول الأول الملحق بقانون المخدرات، وأن يتم صرفه بروشتات خاصة بأدوية «المخدرات» وعلى الصيدلى الاحتفاظ بما يثبت صرفه الكمية التى حصل عليها عبر الوزارة. عدا ذلك فقد يتعرض الصيدلى مثل أى تاجر يروج الترامادول إلى عقوبة جنائية.
يرى الدكتور عبدالغفار صالحين ــ رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى ــ أن هذه الإجراءات على الصيدليات ليست هى الفيصل فى الحد من انتشار الترامادول، معلقا: «يكفى أن نرى أن ما تم ضبطه عبر الحدود أثناء عمليات التهريب فى العام الماضى، فقد دخل إلى البلاد ما يوازى ما تم صنعه فى مصر على مدى 20 عاما مضت، وفى الحقيقة أن هذا التضييق على طرحه فى الصيدليات يعيق وصوله إلى المرضى، فى حين أن الأزمة فى جهة أخرى تماما، حيث التهريب عبر الحدود».

أصل العائلة
ظهر الترامادول فى مصر منتصف التسعينيات، لكنه أثار الجدل فى السنوات الأخيرة بعد إساءة استخدامه، ويتم صنع المادة الخام للعقار معمليا وكيميائيا، أما أسماء الشهرة للعقار وسط المتعاطين، فمنها «باور Power» لمن يعتبرونه منشطا أو «فراولاية» فى إشارة إلى لون قرص 200 ملجم، أو «تيمو» حسبما يفضل البعض تسميته. وطوال السنوات الماضية كانت الشركات المصرية مسيطرة على عملية الإنتاج، كما كان المنفذ الوحيد للتوزيع على الصيدليات عبر الشركة المصرية لتجارة الأدوية بمعرفة وزارة الصحة، وتتعدد أسماء المنتجات التى تحتوى المادة الفعالة نفسها: ترامادول هيدرو كلوريد. ومن هذه الأسماء التجارية للأدوية: ترامادول، تامول، تيدول، تراماك، الترادول وكنترمال وترامنديل.. وغيرها. لكن التهريب من الصين تحديدا فتح مجالا لنزول أقراص ذات تركيز عالٍ 200 ملجم حتى تساعد على الادمان، فى حين لم تكن تلك التركيزات متوافرة بهذا الشكل من قبل، أما الشكل الأسوأ فهو العبوات المعبأة فى مصانع غير مرخصة (تحت بير السلم) وكلها غير مطابقة للمواصفات، ووجود أقراص ذات تركيز عالٍ بكثافة يزيد من الأزمة، إذ إن نصائح الأطباء هى ألا يتجاوز الاستخدام الـ 400 ملجم فى اليوم، وهذا فى حالات السرطانات والآلام الشديدة فى العظام.
مشاكل فى الخارج
على مدى الأشهر الماضية تكررت نداءات وزارة الخارجية المصرية، بالتنبيه على المسافرين المصريين إلى السعودية وقطر والإمارات، بعدم حمل أنواع محظورة من العقاقير فى هذه البلدان، وعلى رأسها الترامادول، إذ قد يواجه حامل الترامادول فى دولة مثل السعودية عقوبة الإعدام، وهو ما عرض عشرات المصريين إلى الحبس فى السعودية لهذا السبب.
مزاج الثوار
فى إحدى الحلقات التليفزيونية وأثناء متابعة أحداث محمد محمود، هتف توفيق عكاشة وسط ضيوف برنامجه: «العيال دى بتضرب ترامادول، مستحيل يجيبوا الجرأة دى إلا بالترامادول»، واصفا بذلك إقدام المتظاهرين على النيران التى كانت مشتعلة أمامهم آنذاك. تلك الصورة التى تربط بين إقدام المتظاهرين وتعاطيهم الترامادول تستدعى ثقافة الشجار والبلطجة التى يستخدم فيها المشاغب أقراص الترامادول حتى يكمل شجاره بجرأة ودون إحساس بالألم وأن يستطيع مواصلة الشجار لساعات. وبعد أن وصل هذا الوصف إلى البرلمان بواسطة النائب السلفى الذى اتهم المتظاهرين بتعاطى الترامادول، فى إشارة تربطهم بثقافة البلطجة، عادت الكرة إلى ملعب المتظاهرين مرة أخرى، إذ كتب أحدهم ساخرا قبل مليونية (20 أبريل الماضى) بأيام على شبكة الإنترنت: «مش الإخوان فى البرلمان ده اللى قال التحرير فيه بلطجية بياخدوا 200 جنيه وبيضربوا ترامادول؟ إحنا بطلنا مخدرات ينزلوا هما بقى..!».