Thursday, August 18, 2005

هل الصحافة مهنة من ليس له مهنة..؟

عبدالرحمن مصطفى

كثيرا ما كنت أسمع عن الصحافة أنها مهنة من ليس له مهنة، لم أفهم المعنى، حتى اقتربت من هذا الوسط لأقابل الأفاقين والمخادعين والمنافقين، فقلت في نفسي .. إن كل المهن تجمع الطيب والخبيث معا، فتشت بين أصحاب المهن الأخرى، فوجدت الطبيب المخادع، والمهندس منعدم الضمير، والمحامي النذل، والعامل الفاشل، والشرطي غليظ القلب ...إلخ.
كثير ما كنت أتحدث مع الأصدقاء عن الصحافة، فأجد نظرات الإشفاق تحيط بي من كل جانب، وكلمات الهجاء تصوب نحو تلك المهنة المسكينة.. تساءلت، لما كان كل هذا النقد والتبكيت والتجريح لتلك المهنة..؟؟ لم أجد إجابة، بل وجدت حاجزا بيني وبين تلك المهنة البائسة يعلو ارتفاعه يوما بعد يوم.
إن من عيوب العمل المؤسسي في مصر انه يفسد سريعا.. فلو قمت مثلا بزيارة أي مؤسسة في مصر- خاصة الحكومية- ستجد نصف شبابها قد تم تعيينهم لأنهم من أبناء العاملين بها، أو على الأقل فهم أقرباء لأحد العاملين بها. ناهيك عمن جاء إلى وظيفته بعد أن قام أباه باستجداء الآخرين كي يتم تعيينه، ذلك مشهد من مشاهد عملنا المؤسسي.. فلماذا لا تكون مؤسساتنا الصحفية على نفس الشاكلة...؟! ولماذا لا ينتقل أسوأ ما في فكرنا الاجتماعي إلى تلك المؤسسات، فنجدها و قد تحولت إلى إقطاعيات كالتي ازدهرت يوما ما في ريفنا المصري الأصيل..؟!
كثيرون هم من هجروا قراهم، ومحافظاتهم.... لكنهم لم يحاولوا أبدا أن يلتفتوا إلى ما قد تركوه وراءهم من سلبيات في ريفنا المصري المسكين، ربما كثر حديثهم عن إيجابيات الريف، وكأنه الجنة –بالله عليكم كيف يترك أهل الجنة جنتهم..؟!- وبهذا المنطق.. تم نقل أسوأ ما في الريف كي يختلط مع أسوأ ما في المدينة، فتم نقل فكر العصبيات، والعائلية و العزوة إلى داخل المؤسسات الصحفية، ونقلت ممارسات الباشا الإقطاعي إلى ممارسات رئيس المؤسسة، وهكذا لم ينصلح الفكر الريفي ولم تستفد المدينة بشيء، وهكذا أيضا ساءت سمعة مؤسساتنا الصحفية.
يعاب على الصحافة أن كثير من العاملين بها لم يدرسوا الصحافة. الحقيقة أن أقل طلبة أقسام الإعلام ذكاءا نجده -على الأقل - ينجح بتقدير مقبول، المشكلة ليست في المنهج المدروس، بقدر ما هي في التدريب و التطبيق والممارسة، و للأسف أننا لا نشعر كثيرا بما يحمله طالب الإعلام من علم، فدائما ما ينسحق دارس الإعلام أمام مجتمع لا يعترف بالعلم بقدر ما يعترف بالفهلوة والنصاحة. أكاد أقسم أنه لو تمت إدارة مؤسساتنا الصحفية بأسلوب علمي، لوجدنا أغلب صحفيينا قد اتجهوا لدراسة الصحافة والقراءة حولها، مواكبة لهذا المنطق الجديد .

لقد كان المفكرون في أوروبا منشأ الصحافة متعالين على الكتابة في الصحف، فتركوها صحفا إخبارية حتى قامت الثورة الفرنسية، فكانت الصحافة منبرا للمفكرين يبشروا من خلالها بأفكارهم الجديدة ويسهموا في بناء مجتمعاتهم، وهو ما قد حدث لدينا قديما في مصر عندما قادت صحفنا الحركة الوطنية، فتحولت إلى منابر للوطنيين والمفكرين المصلحين. أما اليوم ففكر الندب والنواح، وإصلاح التهليل للحكومة، وتغيير مزاج القاريء بالتنكيد عليه أو بتخديره رياضيا أو تنشيطه جنسيا هو السائد، وربما تكون الأزمة في عدم وجود مفكرين أو إصلاحيين. لكن أغلب الظن أنها أزمة كل صاحب رأي مفيد كتم رأيه خجلا وتعففا مما يحدث من حوله. أظن الصحافة في حاجة لهؤلاء الذين صمتوا وتواروا، بعد أن خطف منهم الأضواء من ليس لهم مهنة إلا التفيهق والثرثرة. ويزيد الصحافة سوءا أنها أضحت مجالا للأعمال غير الشريفة، وواجهة لنشاطات المفسدين والمحتالين. سواء كانوا صحفيين أو غيرهم.
عند تلك النقطة.... ننتهي.. رحمة بالقاريء الذي أعتقد لم يكمل القراءة حتى هذا السطر....
لكن.. لنتساءل معا في النهاية، هل من أمل..؟! هل من أمل في ألا ننقل أسوأ ما فينا إلى مؤسساتنا..؟! هل من أمل في أن تدار مؤسساتنا الصحفية بأسلوب علمي يدفع العاملين فيها إلى الاستزادة والقراءة والتحصيل..؟! هل من أمل في صحافة تبحث عن الحناجر المخنوقة كي تتيح لها الفرصة كي تغرد بأفكارها المفيدة ..؟!
ربما.. عندما يأذن الله لهذا المجتمع أن يؤدي عمله بإتقان، عندما يصبح العمل علما، لا دجلا.. وقتها لن تكون أي مهنة (مهنة من ليس له مهنة )
* ختام

إن فساد الصحافة من فساد غيرها

Sunday, August 14, 2005

الاحتجاج العاري

اختارت هالة فيصل (47 سنة) أسلوبا جديدا على العرب كي تعبر به عن احتجاجها على الحرب في العراق و استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، فقامت يوم 9 أغسطس الماضي بالتجرد تماما من ملابسها في حديقة ميدان واشنطن بمدينة نيويورك الأمريكية، لتعرض عبارات الاحتجاج المكتوبة على جسدها بالعربية والإنجليزية أمام زوار الحديقة لمدة عشر دقائق تقريبا، ليكون ختام العرض على يد شرطة نيويورك التي طلبت منها ارتداء ملابسها، وتم القبض عليها ليفرج عنها فيما بعد. ربما قد يتهم البعض هالة بأنها مجنونة أو مريضة نفسية أقدمت على تصرف لا تعيه، لكن الواقع غير ذلك.. فهالة فيصل سورية المولد تحمل الجنسية الأمريكية، اتخذت الولايات المتحدة موطنا لها منذ 1998، درست الفن والموسيقى في معاهد وجامعات دمشق وروسيا وألمانيا والولايات المتحدة، ومارست الغناء والتمثيل، و تجيد ست لغات، وطافت بلوحاتها الفنية العديد من المدن عبر معارضها الفنية. و حاضرت عن تاريخ الفن في دمشق ونيويورك.. وتعرض سيرتها الذاتية شخصية مركبة، لها خلفية سياسية، فعمها كان معتقلا سياسيا في سجون سوريا، ووالدها كان وزيرا قبل فترة حكم حافظ الأسد، و تركت ابنها الوحيد خوفا عليه مما قد يطوله من أذى بسبب تاريخ عائلتها السياسي، لكن.. أيدفع كل هذا بسيدة عربية مسلمة جاوزت الأربعين أن تتجرد من ملابسها وسط أحد الميادين الأمريكية من أجل لفت الأنظار إلى قضايا إنسانية..؟! ربما يكون أمر التعري هذا لا يمثل لها أزمة كبيرة في حياتها، فنحن نراها تتبنى عقلية تحررية في بعض لوحاتها الفنية التي تحوي رسومات لأجزاء من الجسد الأنثوي ليس من اللائق كشفها. لكن دافعها الأساسي فيما قامت به كان واضحا واعترفت به، فقد كانت تسعى للفت الأنظار و صنع صدمة لدى الناس حول ما يحدث في العراق وفلسطين، وربما قد تفيدها تلك الصدمة في تحقيق نوع من شهرة قد تساعدها على تحقيق أحلامها المستقبلية. فقد كان مخططا لها أن تقيم معرضا فنيا للوحاتها، وفيلما عن حياتها الشخصية، بالإضافة إلى طموحها في كبح جماح الظلم في العالم كما ذكرت بنفسها.
ربما تكون كل تلك الأسباب حقيقية.. لكن السبب الأهم الذي ربما لم تدركه هالة فيصل نفسها أنها قد تكون قد توحدت - دون أن تشعر- مع تجربة الرجال العرب الذين تعروا قسرا في سجن أبو غريب، ربما شعرت بأنه لن يحدث أسوأ مما حدث للعرب، فخلعت ملابسها احتجاجا على هذا العالم، قبل أن تضطر إلى خلعها في أحد المعتقلات. ربما لن يترك ما قامت به هالة فيصل تأثيرا قويا على المواطن العربي الذي اعتاد منذ مدة على مشاهدة الأجساد العارية، لكننا نأمل ألا تتكرر ظاهرة التعري العربية مرة أخرى، سواء لرجل أو لامرأة.
ــــــــــــــــ